مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

الدعم الأمريكي لإسرائيل: لنحذر من فخ العسل

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على إسرائيل أن تشكر الولايات المتحدة على دعمها الوطيد والتاريخي، وأن تستجيب لمطالب معينة من قبل إدارة بايدن بسبب حاجة إسرائيل إلى المساعدة السياسية والدبلوماسية والأمنية. لكن ممنوع النظر إلى إسرائيل على أنها تعتمد على المساعدة والدعم الأمريكيين، لأن ذلك من شأنه أن يدعم ادّعاءات أعدائها، التي تعتبرها مستعمرة أمريكية ووجودها يعتمد على المساعدات الأمريكية. هذا الواقع سيضعف الرد الإسرائيلي في المنطقة.

إن الزيارة غير المسبوقة التي قام بها رئيس الولايات المتحدة جو بايدن (أول رئيس أمريكي يزور إسرائيل خلال الحرب) إلى إسرائيل، تمثل الدعم والمساندة التاريخية التي تمنحها الولايات المتحدة لإسرائيل منذ بداية الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول. زيارة بايدن تنضم إلى زيارات سابقة لوزير الخارجية ووزير الدفاع الأمريكيين. وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، شارك أيضاً (قد يقول البعض بشكل مثير للجدل) في نقاش استمر لمدة ساعة لكابينت الحرب في إسرائيل. كما انعكس الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل في حق النقض الذي استخدمته الولايات المتحدة في 18/10 ضد قرار مقترح في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يدعو إلى وقف إطلاق النار الذي يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية والرئيس أعربوا عن دعمهم المطلق لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وحتى لضرورة هزيمة حماس في قطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك، حذّروا إيران وحزب الله في تصريحات علنية من استغلال الوضع لمهاجمة إسرائيل.

في المقابل أرسلت الولايات المتحدة إلى شرق البحر المتوسط حاملتي طائرات، وكذلك طائرات وسفن حربية. ويجب أن نضم إلى هذا موافقة الإدارة الأمريكية نقل مساعدة أمنية بحجم لا سابق له إلى إسرائيل يبلغ حوالي 10 مليار دولار. وهذا المبلغ يعادل ثلاث سنوات من المساعدة الأمنية الأمريكية الجارية. وستتضمن رزمة المساعدة الأمنية على ما يبدو صواريخ اعتراض القبة الحديدية، قذائف 155 ميليمتر وقنابل موجهة دقيقة. بالإضافة إلى المشتريات الأمنية، المساعدة بحد ذاتها يمكن أن تسمح لإسرائيل في تحويل مصادر موازنة موجودة إلى احتياجات أخرى.

 هذا الدعم غير المسبوق من الإدارة الأمريكية إلى إسرائيل ليس أمراً بديهياً، وخصوصاً على ضوء التوترات التي سادت بين الدولتين في السنة الأخيرة في أعقاب الخلافات بالرأي في الموضوع الإيراني، الفلسطيني والإصلاحات القضائية. السياسات الأمريكية الحالية تجاه إسرائيل تعزّز التحالف غير الرسمي بين الدولتين، ويعكس على المنطقة والعالم بأن إسرائيل ليست لوحدها، وأنه لا يوصى باستغلال الوضع لمهاجمتها.

مع ذلك، هذه السياسات تخدم المصالح الأمريكية غير المرتبطة بإسرائيل. بجانب معين، الدعم الأمريكي الوطيد لإسرائيل يشكل عناق دب وفخ من عسل. وبعيداً عن رسائل الدعم الشعبي التي ينقلها الأمريكيون إلى المنطقة والعالم، فإنهم يهدفون إلى بلورة الصراع الحالي بين إسرائيل والفلسطينيين على هيئة حل الدولتين.

المشاركة الفاعلة لوزير الخارجية الأمريكية في نقاش كابينت الحرب في إسرائيل – أهم لجنة في إسرائيل والتي فيها تتخذ القرارات الأكثر مصيرية وأهمية للدولة – تشير إلى أن التدخل الأمريكي يتعلق ليس فقط بالعلاقات الخارجية لإسرائيل، بل أيضاً التدخل بالسياسات القومية الإسرائيلية.

عناق الدّب الأمريكي قد يكون باهظ الثمن بالنسبة لإسرائيل. على الرغم من أن إدارة بايدن تدعم هدف إسرائيل المتمثل في "هزيمة حماس" (أي أن الولايات المتحدة "وافقت" لإسرائيل على عملية برية واسعة النطاق وكبيرة في غزة)، فقد عبّر الرئيس الأمريكي بايدن مراراً وتكراراً عن معارضته وتحذيراته من احتلال إسرائيل لقطاع غزة، كما طرحت تساؤلات بشأن اليوم التالي لهزيمة حماس.

بالإضافة إلى ذلك، مارست الولايات المتحدة بالفعل ضغوطاً على إسرائيل للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة (وإن كان ذلك من الحدود المصرية)، خلافاً لضرورة المعاملة الإنسانية ومطالبة إسرائيل بتلقي قوائم المختطفين وزيارات من الصليب الأحمر. مما لا شك فيه أن معارضة الحصار المفروض على غزة تعمل على تعزيز قوة بقاء حماس.

طلبت الإدارة الأمريكية من إسرائيل تأجيل الدخول البري للجيش الإسرائيلي إلى غزة، رغبة منها في التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى الأمريكيين، أو كافة الأسرى من حاملي الجنسيات الأجنبية، أولاً. كما اهتمت إدارة بايدن بكسب الوقت لتحسين المنظومة الدفاعية للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.

ثمن آخر قد تجبيه الولايات المتحدة هو ما يتعلق بالجبهة الشمالية. في الـ 21 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول جاء في صحيفة "نيويورك تايمز" أن الرئيس بايدن ومستشاريه ناشدوا القادة الإسرائيليين تجنب هجوم مفاجئ على حزب الله، خوفاً من تدخُّل إيران واندلاع حرب إقليمية، الأمر الذي قد يستلزم تدخلاً عسكرياً أمريكياً.

على المدى الطويل جداً، يمكن للأمريكيين أن يستغلوا عناق الدب الحالي من أجل ممارسة ضغوط على إسرائيل بكل ما يتعلق بالتقديمات والتسهيلات – وربما أيضاً تنازلات – للفلسطينيين في الضفة الغربية. يبدو أنهم يرون بهذه الحرب فرصة للدفع قدماً بخطة الدولتين لشعبين.

على إسرائيل أن تشكر الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية على دعمها الوطيد والتاريخي. كما يجب عليها الاستجابة لمطالب معينة للإدارة الأمريكية دون أي خيار (مثل إدخال المساعدات الإنسانية إلى جنوب قطاع غزة فقط، ومن الجانب المصري فقط)، بسبب الحاجة إلى المساعدة الأمنية الأمريكية. ومع ذلك، يجب ألا يُنظر إلى إسرائيل على أنها محمية للولايات المتحدة. وإذا نُظِر إلى إسرائيل على أنها تعتمد على المعونة والدعم الأمريكيين، والأسوأ من ذلك - خصوصاً في زمن الحرب - فإن هذا سيساعد ادّعاءات أعداء إسرائيل بأن إسرائيل مستعمرة أمريكية وأن وجودها يعتمد على المساعدات الأمريكية. وهذا الواقع سيضعف قوة الردع الإسرائيلية في المنطقة.

تأثير القتال في قطاع غزة على المستوى الإقليمي

يمكن الافتراض أنه طالما استمرت الحرب في غزة، فإن القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط سوف تتعرض لهجمات الميليشيات الشيعية. وقد بدأت هذه الهجمات بالفعل، عندما هاجمت كتائب حزب الله والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا أهدافاً عسكرية أمريكية بطائرات مسيرة وصواريخ، مثل قاعدتي "حرير" و"عين الأسد" العسكريتين الأمريكيتين في العراق، والقاعدة الأمريكية في التنف وحقل كونكو في دير الزور بسوريا.

بالإضافة إلى ذلك، في 19 أكتوبر/تشرين الأول، اعترضت البحرية الأمريكية (التي وصلت إلى البحر الأحمر قبل يوم واحد فقط)، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، أربعة صواريخ كروز وسرباً من 15 طائرة بدون طيار من اليمن، والتي تم إطلاقها على ما يبدو باتجاه إسرائيل. وقد أعاد هذا العمل إلى الواجهة مرة أخرى التحالف الدفاعي الإقليمي الذي شكلته القيادة الوسطى الأمريكية بعد أن انتقلت المنطقة الإسرائيلية تحت رعايتها.

يمكن لإسرائيل أن تستغل الفرصة لتعزيز الردع الإقليمي – بشكل خاص مقابل حزب الله – وعكس صورة قوة في الشرق الأوسط. حسناً تفعل إسرائيل إذا أشركت الأمريكيين في الهجمات الجوية المشتركة ضدّ الحوثيين في اليمن، وضدّ أهداف الميلشيات الشيعية في سوريا وأيضاً في العراق. إذا لم يكن الأمريكيون مهتمين بالمشاركة في الهجمات، فمن المهم أن تعمل إسرائيل مع كل ذلك بشكل مستقل. كما يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة أن تتعاونا فيما يتعلق بالهجمات السرية في فضاء السايبر ضد إيران وحزب الله، من أجل ردعهما عن الدخول في الحملة ضد إسرائيل.

وبكل ما يتعلق بالساحة الشمالية، فقد نشرت الولايات المتحدة تصريحات رادعة ضد حزب الله وإيران، لكن الإدارة الأمريكية أوضحت أنه لن يكون هناك تواجد عسكري أمريكي في منطقة القتال. وهذا أمر مفهوم، وإسرائيل لا تحتاج إليه على أي حال. لكن إسرائيل تحتاج إلى التأثير على الإدارة الأمريكية لتفعيل منظومات الدفاع الجوي في المنطقة وحاملات الطائرات، في حال بدأ حزب الله حرباً ضد إسرائيل.

إسرائيل يجب أن تأخذ زمام المبادرة من الآن فصاعداً فيما يتعلق بالحل السياسي في غزة. وعلى إسرائيل أن توضح للإدارة الأمريكية بأن إسرائيل هي من تحدّد أهداف الحرب وإدارتها. وأيضاً يجب على إسرائيل أن توضح للأمريكيين بأن الواقع في قطاع غزة بعد هزيمة حماس والمنظمات الإرهابية سيبلور ويحدّد وفقاً لمصالحها القومية والأمنية.

ويجب على إسرائيل أن تدّعي أمام الأمريكيين أنها ستفعل كل شيء من أجل ضمان عدم عودة الواقع الذي كان قائماً في الماضي مرة أخرى. ومن المفيد لإسرائيل أن تضع سياسة واضحة لليوم التالي للحرب في غزة، وأن تعمل على أساسها.

البديل الأفضل لإسرائيل هو احتلال قطاع غزة، إمساك الأرض والسيطرة عليها، في وضع مماثل لما كان قائماً منذ نهاية حرب الأيام الستة وحتى اتفاقات أوسلو. ومن المرجح أن يؤدي نقل السيطرة إلى السلطة الفلسطينية إلى فقدان السلطة لصالح الإسلاميين المتطرفين بعد استعادتهم قوتهم من جديد. ويرجع ذلك إلى الضعف المتأصل وارتفاع مستوى الفساد في السلطة. لقد انهارت السلطة بالفعل في غزة عام 2007 عندما سيطرت حماس على القطاع، وهي غير قادرة على الحكم بشكل فعال في أراضي الضفة الغربية. ومن دون قوات الأمن الإسرائيلية، فمن المحتمل أن ينهار حكم السلطة الفلسطينية في المنطقة (أ) في الضفة منذ فترة طويلة، ولكانت حماس قد استولت على المنطقة.

ومن أجل تحقيق هذا الحل، تحتاج إسرائيل إلى تجنيد الإدارة الأمريكية لبلورة بنية إقليمية جديدة، بالتعاون مع الدول الأوروبية والمملكة العربية السعودية ودول الخليج. وبعد هزيمة حماس، يتعين على إسرائيل إنشاء منطقة عازلة أمنية واسعة على طول القطاع بأكمله. تحتاج إسرائيل إلى إقناع الإدارة الأمريكية بنقل السيطرة والمسؤولية عن لاجئي غزة إلى دولة أخرى، مع التركيز على مصر. على سبيل المثال، سيكون بمقدور الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أن تقدما لمصر رزمة اقتصادية جذابة وربما حتى أمنية، إما بغرض إسكان وإعادة تأهيل لاجئي غزة في أراضي سيناء، أو قبول المسؤولية عن هؤلاء اللاجئين في جنوب قطاع غزة.

ولذلك فإن إسرائيل سوف تضطر إلى المناورة والتصرف بحكمة وصبر في المجتمع الدولي. تحتاج إسرائيل إلى تثبيت الحقائق على الأرض بشكل تدريجي لتنفيذ أجزاء من الخطة التي لا يقبلها العالم (كما تفعل في كل ما يتعلق بمناطق الضفة الغربية).

معهد القدس للاستراتيجية والأمن – الدكتور عومر دوستري (خبير في الاستراتيجية والأمن القومي)

 

إخترنا لكم من العدد

آخر الكلام

دُرُوبٌ مُوِجعَةٌ.. إلى غزَّة نبض العزّة..!

  دُرُوبٌ مُوِجعَةٌ.. إلى غزَّة نبض العزّة..! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ غسان عبد الله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لِنهارٍ أَسودَ‏ أُغْمِضُ عَينيَّ الدَّامِعَتَينِ‏ وأَفتَحُ قلبي‏ حتّى يَتَّسِعَ لأَحْزانِ الكُرَةِ الأرضيَّةِ‏ حينَ ...