مجلة البلاد الإلكترونية

الهيئة الإدارية: " نتنياهو يؤجل إعلان الهدنة الدائمة ووقف إطلاق النار لأنه يعلم أنه سيدفع الثمن الأكبر لنتائج العدوان على غزة وفشله في مواجهة ملحمة طوفان الأقصى"

العدد رقم 416 التاريخ: 2023-12-01

الساعة الأمريكية وتحركات إسرائيل في الحرب ضد حماس

الساعة الأمريكية وتحركات إسرائيل في الحرب ضد حماس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تواصل الإدارة الأمريكية منح إسرائيل الائتمان السياسي من أجل التمكين من مواصلة القتال ضد حماس. ولكن، يجب على إسرائيل تجنّب التعاطي مع الصبر الأمريكي كأنه أمر مفروغ منه، ويجب أن تأخذ في الاعتبار أنه في وقت معين، وربما قريباً، لن تكون الساعة السياسية الأمريكية والساعة العسكرية الإسرائيلية متزامنتين.

لذلك، يجب إعطاء الأولوية لتبني سياسات تدعم الحفاظ على الالتزام الأمريكي، وضمان مساحة العمل السياسي، التي تسمح بمواصلة الحملة لتحقيق الأهداف العسكرية.

الإدارة الأمريكية، بادرة شخصية من الرئيس بايدن، تواصل منذ أكثر من أسبوع على بداية العملية البرية في قطاع غزة تقديم الغطاء لإسرائيل. الرئيس وكبار مسؤولي الإدارة الأمريكية الآخرين يكررون أن لإسرائيل الحق والواجب في حماية مواطنيها، وبشكل عام، توافق الإدارة على هدف الحرب الذي حدّدته إسرائيل: هزيمة حماس. وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، كرر ذلك أيضاً في مؤتمرات صحفية عقدها أيضاً مع وزراء خارجية عرب. ويجري من القيادات الأمريكية والإسرائيلية حوار متواصل ويبدو أن جوهر النقاش يتمحور حول المسائل التالية:

المساعدة الإنسانية إلى قطاع غزة: يبدو أن إسرائيل نسقت سياساتها وفقاً لطلب الإدارة الأمريكية والآن يتركز الحوار على طلب الإدارة السماح بوقف إطلاق نار إنساني، بشكل خاص بهدف السماح بإطلاق سراح مخطوفين، على الرغم من عدم التوصل إلى أي اتفاقات حتى الآن، وفقاً للصريحات العلنية. على أي حال، تؤكد الإدارة أن الأمر لا يتعلق بوقف إطلاق نار، التي ستخدم حماس من وجهة نظرها.

الحرص على الالتزام بقوانين القتال: الفصل بين العدو والمدنيين ومحاولة تجنب قدر الإمكان المس بالمدنيين. تطلب الإدارة الأمريكية أن يتم دمج هذه الاعتبارات في الخطط العملياتية ويبدو أنه حتى الآن التحركات الإسرائيلية، وبشكل خاص الفصل بين شمال وجنوب القطاع، وكذلك أيضاً تعريف "مناطق أمنة" للسكان المدنيين، تلبي التوقعات.

التعامل مع مسألة اليوم التالي: في هذه المسألة تبرز الفجوة بين الرئيس بايدن وإدارته وبين إسرائيل. بهذا الخصوص قال بلينكن بعد اجتماعه مع رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله إنه في "اليوم الذي يلي بكل ما يتعلق بمستقبل غزة والضفة الغربية، يجب أن تكون آراء وأصوات وتطلعات الفلسطينيين في مركز الاهتمام". وليس من الواضح إلى أي مدى ستؤثر هذه الخلافات على المساحة التي ستمنحها الإدارة لإسرائيل، على الرغم من أن الصحيح أن عدم الاستعداد الإسرائيلي لمناقشة الموضوع يمكن أن يكون له تأثير سلبي على صبر الإدارة على استمرار العملية العسكرية وزيادة شكوكها في أهداف إسرائيل في "اليوم الذي يلي".

دوافع الدعم الأمريكي للقتال في قطاع غزة

إن الدعم العاطفي الذي يقدمه الرئيس بايدن لإسرائيل والانطباع المؤلم الذي خلفه هجوم حماس عليه، كما عبر عنه في خطابات التماهي مع إسرائيل التي ألقاها، يشهدان إلى أنه من وجهة نظره لا يتعلق الأمر بجولة أخرى من القتال بشكل بحت، بل بحدث سيكون له، بالإضافة إلى تشكيل الهوية الإسرائيلية، أهمية كبيرة على الساحة الإقليمية والدولية لسنوات قادمة. ويعود ذلك إلى تداعيات الحرب على الصراع العالمي بين "الأخيار" و"الأشرار" - محور الشر "الجديد"، الذي يشمل في نظر بايدن الصين وروسيا وإيران والجهات المدعومة من قبل هذه الدول.

إظهار الالتزام تجاه الحليف إسرائيل عملياً. وهو موقف مستمد من موقف الرئيس بايدن بأن الولايات المتحدة يجب أن تحمي حلفاءها. وهذا يشبه الموقف الذي أبدته الإدارة في دعمها لأوكرانيا منذ بداية الحرب ضد روسيا.

إضافة إلى ذلك، ترى الإدارة في الحرب فرصة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. وقد صرح بايدن بالفعل أنه لا ينبغي العودة إلى "الوضع القائم الذي كان في 6 تشرين الأول". إن هزيمة حماس أمام إسرائيل ستساعد في رأيه على تقوية الدول المعتدلة في المنطقة، وتعزيز الحل السياسي للقضية الفلسطينية، وتعزيز علاقات التطبيع بين الدول العربية، وخصوصاً السعودية وإسرائيل. في المقابل، فمن الواضح للإدارة أن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في محاربة حماس سيعزِّز دوافع إيران وحزب الله لتحدّي إسرائيل وفي الوقت نفسه ينعكس على موقف الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها.

لموقف الإدارة الأمريكية أهمية أيضاً على الساحة الداخلية الأمريكية: وعلى الرغم من تزايد الانتقادات الداخلية للحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة وللدعم الأمريكي لإسرائيل، تصرفات الرئيس تعزّز صورته كزعيم خصوصاً استعداداً لافتتاح عام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة

اعتبارات الإدارة الأمريكية

تحركات العملية العسكرية: الإدارة الأمريكية معنية بنجاح العملية. مصادر أمريكية قدمت المشورة لإسرائيل لكن لا يبدو أن بحوزتهم خطة عسكرية بديلة، وفعالة لنجاح العملية". "المراوحة" من قبل الجيش الإسرائيلي دون تقدير أن هناك تقدماً نحو تحقيق هدف هزيمة حماس قد يقلل من رغبة الإدارة في الاستمرار وإتاحة الوقت لإسرائيل. ومن الممكن أيضاً أن تكون هناك فجوة بين المدة الزمنية التي سيطلبها تحقيق الأهداف العسكرية، كما تعلن إسرائيل (أشهر وربما أكثر)، وبين طلب الحكومة (عدة أسابيع على الأكثر). ويجب التأكيد على أن الإدارة لا تجري نقاشاً علنياً مع إسرائيل فيما يتعلق بالجانب العسكري للحملة، على الرغم من أن وسائل الإعلام الأمريكية تحدثت عن انتقادات الإدارة لإسرائيل في هذا الصدد.

الوضع الإنساني في القطاع: تبذل الإدارة حالياً مساعي بشكل خاص لإبراز أهمية تعهّدها تقديم مساعدة إنسانية إلى قطاع غزة، وبما في ذلك مساعي لتحقيق "وقف إطلاق نار (مؤقت)"، التي بحسب رأيها تساعد على إطلاق سراح المخطوفين وسكان قطاع غزة دون الإضرار بالمجهود الحربي الإسرائيلي ضد حماس. الإدارة الأمريكية تعارض في الوقت الحالي وقف إطلاق نار، لكن يجب أن يتم الأخذ في الحسبان أن أي حادث يوقع عدداً كبيراً من المصابين المدنيين (إصابة مستشفى؟) و/أو أزمة إنسانية خطيرة (انتشار أوبئة) ستدفع الإدارة إلى المطالبة بذلك.

التدهور الإقليمي: تبذل الإدارة الأمريكية مساعي كبيرة لمنع التدهور الإقليمي. لوحظ خطر ذلك فوراً مع هجوم حماس على النقب الغربي ورسائل التحذير لإيران وحلفائها، بأن لا يقوموا بتوسيع المعركة، نقلت بعدة طرق. ويبدو أن الخوف من حرب إقليمية، ذات عواقب عالمية إشكالية، هو الذي يدفع الإدارة حالياً إلى احتواء هجمات حلفاء إيران على أهداف أمريكية في العراق وسوريا. ومع ذلك، فإن تصعيد الصراع بين إسرائيل وحزب الله و/أو العمليات ضد أهداف أمريكية في العراق وسوريا (خصوصاً إذا كان هناك العديد من الضحايا) سيتطلب من الإدارة الرد.

تصرفات حكومة إسرائيل: المنطق الذي يطرحه بايدن كأساس لدعم التحرك العسكري هو أن نجاحه سيفتح الباب أمام عملية سياسية إسرائيلية فلسطينية تخدم رؤية الدولتين. وحتى لو لم يكن من الواضح ما إذا كان هذا الهدف قابلاً للتحقيق، فمن المهم بالنسبة للإدارة الأمريكية أن تتصرف الحكومة الإسرائيلية بمسؤولية وتتجنُّب القيام بخطوات في الضفة الغربية التي من شأنها تقويض هذه الرؤية. يتحدث المتحدثون باسم الإدارة أيضاً بقوة ضد عنف المستوطنين ضد السكان الفلسطينيين في الضفة، خوفاً من أن تؤدي هذه الظاهرة إلى تآكل القدرة الأمريكية على دعم إسرائيل، لوجستياً ومعنوياً. علاوة على ذلك، من الممكن أن الإدارة تتصرف على أساس افتراض عملي بأن الواقع السياسي في إسرائيل سيتغير بعد العملية العسكرية، بحيث يكون من الممكن الدفع قدماً بتحرك سياسي. إن فهم الإدارة بأن إسرائيل ليست مستعدة لذلك، وبالتأكيد إذا تصرفت بشكل واعي ضد منطق التسوية السياسية "في اليوم التالي"، سيجعل من الصعب عليها الاستمرار في دعمها العملية العسكرية.

القضايا الداخلية الأمريكية: حتى لو لم تعرب الإدارة حتى الآن عن قلقها بشأن عواقب سياساتها على الوضع السياسي للرئيس عشية افتتاح عام الانتخابات الرئاسية، فمن الواضح أنه كلما ازدادت صور قتل المدنيين والدمار في القطاع، تواجه الإدارة انتقادات متزايدة بسبب الدعم الذي تقدمه لإسرائيل، وخصوصاً من الجماهير التي تعتبر تقليدياً مؤيدة للحزب الديمقراطي. تظهر استطلاعات الرأي التي أجريت في الولايات المتحدة انتقادات متزايدة بين الناخبين الديمقراطيين الشباب، إلى جانب فقدان الدعم المبدئي للإدارة بين الناخبين المسلمين، خصوصاً في ولايات مثل ميشيغان (حوالي ثلاثة بالمائة من سكانها مسلمون)، وهو ما قد يقلب الموازين في الانتخابات الرئاسية 2024. كما أفادت وسائل الإعلام عن "تمرد" يتشكل في وزارة الخارجية من قبل عناصر تنتقد سياسات الإدارة.

أفكار/ توصيات

على النقيض من جولات المواجهات السابقة على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية، وخصوصاً بين إسرائيل وحماس، والتي قلّصت خلالها الفجوة بسرعة بين وسائل الإعلام/الرأي العام الناقد في أوروبا والولايات المتحدة تجاه إسرائيل ودعم القيادة لها، بقيت قيادات هذه الدول ثابتة في دعمها لإسرائيل في الأسابيع التي مرت منذ بدء القتال مع حماس، حتى على الرغم من اتساع وتكثيف الانتقادات الجماهيرية. من الواضح أن الرئيس بايدن وإدارته يقودان هذا الاتجاه بشكل حاسم، وعلى الأقل علناً، وباستثناء جوانب الجهود الرامية إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، لا توجد اختلافات كبيرة بين الإدارة الأمريكية ومعظم القيادات الأوروبية وبين إسرائيل.

من ناحية إسرائيل، موقف الإدارة الأمريكية هو ما سيحدد المدة، التي ستسمح بتحقيق الأهداف العسكرية للمعركة ضد حماس. بناء على ذلك، لا يقل عن الجهد العسكري، على إسرائيل أن تركز على تأمين الدعم الأمريكي للفترة الزمنية التي تحتاجها من أجل الدفع قدماً بأهدافها العسكرية ضد حماس وفي نفس الوقت تحذير حزب الله من تصعيد يؤدي إلى معركة واسعة على الساحة الشمالية.

الهدف الفوري هو منع زيادة الدعوات إلى وقف إطلاق نار في غزة: على الأقل ما زال واضحاً للإدارة الأمريكية أن وقف إطلاق النار، باستثناء فترات وقف إطلاق نار إنسانية قصيرة، قد يزيد الضغوط لوقف القتال ويسمح لحماس بالتعافي وحتى استعادة بعض قدراتها الحكومية والعسكرية. صحيح لا تملك إسرائيل تأثيراً مباشراً على بعض الجهات التي تملي موقف الإدارة، لكن إلى جانب إبراز الجهد الإسرائيلي للحفاظ على مبادئ المساعدات الإنسانية وحياة المدنيين في قطاع غزة، كلما تم عرض أهداف الحرب بشكل واضح وواقعي، وكلما ثبت أنها قابلة للتنفيذ، كلما زاد حجم فرصة أن تعتمد الإدارة عليهم للحفاظ على دعمها لإسرائيل.

وحتى في الواقع السياسي الإشكالي الذي تعيشه إسرائيل، لا بد من تقديم مخطط سياسي واقعي، يأخذ في الاعتبار المصالح والأفكار الأمريكية. وفي هذا السياق، يجب على المتحدثين الإسرائيليين، وخصوصاً المتحدثين الرسميين، تجنب التصريحات التي تشكل وقوداً لمعارضي إسرائيل وسبباً للانسحاب من دعمها. ومن المهم للغاية التفكير بشكل ملموس في "اليوم التالي"، مع تجنب التصريحات الضارة (وغير الواقعية) باستمرار مثل "احتلال القطاع" أو "ترحيل الفلسطينيين".

ألداد شبيط (باحث كبير في معهد أبحاث الأمن القومي والرئيس السابق لقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية) – مركز أبحاث الأمن القومي

إخترنا لكم من العدد

إعرف عدوك

الساعة الأمريكية وتحركات إسرائيل في الحرب ضد حماس

الساعة الأمريكية وتحركات إسرائيل في الحرب ضد حماس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ترجمة وإعداد: حسن سليمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تواصل الإدارة الأمريكية منح إسرائيل الائتمان السياسي من ...

إقليميات

السابع من أكتوبر.. تحطم الحُلم الإسرائيلي وخيبة أمريكا

السابع من أكتوبر.. تحطم الحُلم الإسرائيلي وخيبة أمريكا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زينب عدنان زراقط ــــــــــــــــــــــــــــــ ما من شكّ أننا في أيامٍ قتاليةٍ، على شفير الانزلاق في ...

دوليات

الغرب يراجع اولوياته.. غزة تتقدم على أوكرانيا

الغرب يراجع اولوياته.. غزة تتقدم على أوكرانيا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسام الشامي ــــــــــــــــــــــــــــ فرضت عملية طوفان الأقصى حضورها القوي على الأجندة الدولية، وزاحمت في خطورة مؤشراتها ...

محليات

الخطاب الثاني لسماحة السيد نصر الله يضع العالم مجدداً أمام خيارين: وقف العدوان أو الحرب المفتوحة

أوساط سياسية للبلاد: الخطاب الثاني لسماحة السيد نصر الله يضع العالم مجدداً أمام خيارين: وقف العدوان أو الحرب المفتوحة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد الضيقة ــــــــــــــــــــــ ما زالت المواقف ...