إعرف عدوك

الحرب أجلت الأزمة المتشكلة في علاقات الولايات المتحدة – إسرائيل ولكن زادت من حدتها

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

منذ فترة وبذروةٍ أكثر منذ أيام “الإصلاحات القضائية”، ونحن نحذر من أنه قد تتشكل أزمة في علاقات الولايات المتحدة – إسرائيل. لقد وضعت الحرب جانباً الخلافات الصعبة التي تراكمت عشية اندلاعها، لكن الآن، بعد فترة من التعاون الاستراتيجي الذي لا سابق له، تتعمق الفجوات حول إدارة الحرب وبشكل خاص “اليوم الذي يلي”.

تطرح الإدارة شكوكاً متزايدة حول قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق أهدافه العسكرية، وتعمل على الحد من القتال والانتقال إلى المستوى السياسي، الذي يركّز على الجهود الرامية إلى تعزيز إقامة دولة فلسطينية كمفتاح لتشكيل تسوية إقليمية جديدة. عقوداً من الإحباط المتراكم في مواجهة رفض إسرائيل لمواقف الولايات المتحدة في السياق الفلسطيني انفجرت الآن بسبب ما يُنظر إليه على أنه استغلال لاحتياجاته السياسية من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في معارضة مواقف الإدارة. كما تتزايد الجهود في الكونغرس لربط المساعدات العسكرية بتغيير سياسة إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية. وقد أجلت الحرب الأزمة، لكن من المتوقع أن تشتد أبعادها بشكل رئيسي بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

منذ فترة، وبذروة أكبر منذ محاولة حكومة إسرائيل الدفع قدماً “بالإصلاحات القضائية”، يحذر معهد أبحاث الأمن القومي من تشكل أزمة في علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل. على خلفية هذا التقدير هناك مساران أساسيان: التغيرات التي تحدث في التركيبة السكانية الأمريكية بشكل عام والديموغرافية اليهودية بشكل خاص، والتي لا علاقة لبعضها بإسرائيل؛ والفجوات المتزايدة حول المسائل الأساسية، على رأسهم السياسات فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني والمسألة الإيرانية. لا شك أن الحرب في قطاع غزة أجلت التوترات الحادة التي تراكمت في العلاقات بين البلدين عشية اندلاعها، والتي تم التعبير عنها، من بين أمور أخرى، في تصريحات قاسية من جانب الإدارة، التي للمرة الأولى تلقي بظلال من الشك على مستقبل إسرائيل الديمقراطي وليس مجرد تحفظات على هذه السياسة أو تلك. بالإضافة إلى ذلك، سادت قطيعة متواصلة بين الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. حالياً، بعد ثلاثة أشهر على التعاون الاستراتيجي الذي لا سابق له، مرة أخرى تتعمق الفجوات حول إدارة الحرب وبشكل خاص بخصوص “اليوم الذي يلي”.

أهداف وإنجازات الحرب: تقدر الاستخبارات الأمريكية أن الجيش الإسرائيلي قضى على حوالي 20% -30% فقط من مقاتلي حماس، وهو ما يعتبر في رأيها دليلاً على صمود المنظمة وعدم قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها العسكرية. في اعقاب ذلك، كما أفيد، خففت الادارة الأمريكية من توقعاتها من الحرب – من “تدمير حماس” الى تقليص التهديد العسكري الذي تمثله. وزير الخارجية أنتوني بلينكن أوضح ان هدف الحرب هو ضمان ان السابع من تشرين الاول لن يتكرر أبدا وانه لا يوجد حل عسكري لحماس.

“اليوم الذي يلي”: أكد بلينكن بأن الأمر يتعلق حالياً “بنقطة تحول … (تمهيداً) لمستقبل مختلف تماماً”. دول عربية، بحسب كلامه، بمن فيهم العربية السعودية، مستعدة الآن لتغيير علاقاتها تجاه إسرائيل ومنحها “ضمانات أمنية، التزامات وتعهدات”، مقابل إقامة الدولة الفلسطينية. موظفون كبار في الإدارة الأمريكية، غير معروفين، أعربوا خلال زيارة بلينكن إلى إسرائيل عن خيبة أملهم العميقة إزاء رفض رئيس الوزراء لجميع المواقف الأمريكية (باستثناء إمكانية العمل العسكري في لبنان)، بما في ذلك: الحاجة إلى سلطة فلسطينية متجددة تحكم قطاع غزة ويهودا والسامرة (الضفة الغربية)؛ إقامة دولة فلسطينية؛ زيادة المساعدات الإنسانية للقطاع؛ الحد من الخسائر في صفوف المدنيين في قطاع غزة؛ وتقليص حجم القتال. ووجهت انتقادات خاصة فيما يتعلق برفض وعد السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، وكذلك (بحسب بعض التقارير) موافقة السعودية وأربع دول عربية أخرى على المشاركة في إعادة إعمار غزة، في ظل سلطة “متجددة”، مقابل “مسار” إلى الدولة الفلسطينية.

دولة فلسطينية: المتحدثون باسم الادارة الأمريكية يكررون التأكيد على الاهمية الحساسة التي توليها الولايات المتحدة لإقامة دولة فلسطينية، كمفتاح لتشكيل واقع إقليمي آخر. من أجل التقليل من الخلافات مع إسرائيل، أشار الرئيس بأن “هناك عدة أنواع من حل الدولتين …. هناك العديد من أعضاء الأمم المتحدة الذين ليس لديهم جيوش. والعديد من الدول لديها قيود”. كما رفض الادّعاء بأن حل الدولتين غير ممكن طالما بقي رئيس الوزراء في منصبه، وقدر إمكانية التوصل إلى اتفاق. ورأى مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، أن التطبيع الإقليمي وإقامة دولة فلسطينية هدفان يمكن تحقيقهما على المدى غير البعيد.

السياق الإيراني: بلينكين أكد أن التطبيع الإقليمي، بما في ذلك تقديم ضمانات أمنية لإسرائيل من جانب دول عربية مقابل إقامة دولة فلسطينية، “ستشكل منطقة جديدة تماماً”. وبذلك، بحسب كلامه، تتحول إيران إلى معزولة ويتم الرد بقوة شديدة على التحديات الصعبة التي تفرضها على إسرائيل والولايات المتحدة.

إحباط متزايد في الإدارة الأمريكية من رئيس الحكومة وسياسات إسرائيل:

• الرئيس الأمريكي، كما أفيد، غضب من رئيس الحكومة في اعقاب تأجيل طلبه السماح بنقل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية ولذلك امتنع عن إجراء مكالمة هاتفية معه لحوالي شهر، حتى الـ 20 من كانون الثاني. وذلك، مقابل المحادثات الأمريكية التي جرت بين الاثنين خلال الحرب حتى ذلك الوقت بمتوسط مرة واحدة في الأسبوع تقريباً.

• قدر مسؤولون حكوميون أن خطط الولايات المتحدة لإعادة تشكيل المنطقة، المشروطة بإقامة دولة فلسطينية، سيتعين عليها الانتظار حتى يتم تغيير الحكومة في إسرائيل. مع ذلك، أكدوا أن نتنياهو لن يبقى في منصبه إلى الأبد بل وبدأوا بتهيئة الأرضية لذلك في الاجتماعات المنفردة التي أقامها بلينكن مع أعضاء الكابينت، بمن فيهم الوزير بني غانتس، رئيس المعارضة يائير لابيد، وكبار الشخصيات في المجتمع المدني.

• تصريح شديد اللهجة الذي قال فيه بلينكن إن هناك تغيراً في مواقف القادة في المنطقة. في الماضي، عندما تم إحراز تقدم في المفاوضات في السياق الفلسطيني، “القادة العرب والفلسطينيين كانوا هم من لم يفعل ما هو كافي لتهيئة شعبهم…. اليوم، السؤال هو هل المجتمع الإسرائيلي مستعد لمواجهة هذه الاسئلة”.

انتقادات متزايدة في الكونغرس: مبادرة السيناتور بيرني ساندرز لربط المساعدات العسكرية بموافقة الإدارة على أن الجيش الإسرائيلي لا يرتكب انتهاكات لحقوق الإنسان في غزة أو هجمات غير متناسبة، ولا يحجب المساعدات الإنسانية الأساسية عن سكان قطاع غزة، قوبلت بالرفض من قبل الأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس الشيوخ 72 ضد 11 نائباً ديمقراطياً. ونتيجة لذلك، وقع 18 من أعضاء مجلس الشيوخ بالفعل على مبادرة جديدة، لربط المساعدات المقدمة لإسرائيل بامتثالها للقانون الدولي، ومن المتوقع أن ينضم إليها المزيد من أعضاء مجلس الشيوخ. وهناك مبادرة أخرى تتشكل أيضاً، والتي من شأنها أن تمنع الإدارة من تجاوز الكونغرس والموافقة على المساعدات لإسرائيل من تلقاء نفسها.

ليس من المتوقع أن تفوز هذه المبادرات بالأغلبية، لكن مجرد طرحها في هيئة تعتبر مؤيدة لإسرائيل بشكل واضح، يشير إلى تدهور مكانة إسرائيل. السيناتور فان هولين زاد في وصف الأجواء، قائلاً إن رئيس الوزراء يستمع إلى الوزراء المتطرفين في حكومته، أكثر من رئيس الولايات المتحدة، بل إنه أشار للرئيس الأمريكي بـ “إصبع المثلث”. ويجب أن يضاف إلى ذلك دعم 15 عضواً يهودياً في الكونغرس لحل الدولتين.

الجانب الإيجابي: على الرغم من الانتقادات المتزايدة، فإن كبار المسؤولين يوضحون أن الرئيس سيستمر في جهوده للتأثير على رئيس الوزراء بطرق هادئة، دون مواجهة علنية حادة. كما لوحظ أن إسرائيل تبدي مراعاة لمواقف الإدارة فيما يتعلق بسير الحرب وإدخال القمح إلى قطاع غزة. في المقابل، تتواصل جهود الحكومة بالتنسيق مع فرنسا ودول أخرى، لمنع التصعيد على الساحة الشمالية.

التقدير

مع انتهاء ثلاثة أشهر ونصف من القتال، يبدو واضحاً أن الإدارة الأمريكية أصبحت غير راضية بشكل متزايد عن إنجازات إسرائيل على المستوى العسكري ومواقفها على المستوى السياسي. وتظل الإدارة ملتزمة، من حيث المبدأ، بهدف القضاء على حماس، ولكنها تظهر شكوكاً متزايدة حول قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق هذا الهدف. وفي ظل غياب احتمال اتخاذ قرار عسكري، بدأت الإدارة في خفض توقعاتها بشأن نتائج الحرب وتعمل على إنهاء القتال بشكل أسرع والانتقال إلى العمليات المُركزة وعلى المستوى السياسي.

ومن الناحية العملية، تركز الإدارة الآن على محاولة الدفع قدما لإقامة دولة فلسطينية كهدف رئيسي. وتدرك الإدارة الصعوبات المتوقعة وأن الأمر سيتطلب مفاوضات طويلة، لكن هذا الهدف أصبح في تصريحاتها يتنبأ بكل شيء تقريباً: كحل لمشكلة حماس أو كطريق لتسوية شاملة، لضمان أمن إسرائيل، كقاعدة للتطبيع الإقليمي وإقامة جبهة مؤيدة لأمريكا كرد على التهديد الإيراني. على هذه الخلفية، برزت تحفظات الإدارة الأمريكية من رفض رئيس الحكومة لاقتراحاتها للدفع قدماً بمسار سياسي.

إن التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، تليها دول إسلامية أخرى، فضلاً عن التحرك الواسع لإعادة تشكيل الشرق الأوسط على أساس جبهة مؤيدة لأمريكا ضد إيران، هي الإغراءات الرئيسية التي تقدمها الإدارة الأمريكية لإسرائيل في محاولة لتحفيزها للتحرك نحو التسوية. وتهدف الإدارة، بعد مواجهات سابقة مع رئيس الحكومة، إلى تأجيل الأزمة العامة في الوقت الحالي. ويساهم في ذلك التزام الرئيس العاطفي العميق تجاه إسرائيل، فضلاً عن الاعتبارات السياسية قبيل الانتخابات الرئاسية. لكن التسريبات المتعمدة عن “اليوم التالي لنتنياهو” تعبر عن رغبة في الضغط عليه للمضي قدماً، وعن التقدير لاحتمال حدوث تغيير سياسي قريباً في إسرائيل، مما سيسهل جهودها.

فقد أدت الحرب إلى تأجيل التوترات وحتى مسار التصادم الذي كانت عليه العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، وخصوصاً حول القضية الفلسطينية، ومؤخراً قضية “انقلاب على النظام”. بعد السابع من تشرين الأول، حشدت الإدارة جهودها لمساعدة إسرائيل بطريقة ونطاق مثيرين للإعجاب على المستويين العسكري والدبلوماسي، فيما ربما كان أبرز دليل على الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل حتى الآن.

إسرائيل، التي حظيت بتأييد ساحق بعد 7 تشرين الاول، أصبحت بشكل متزايد في الخطاب الأمريكي تقف إلى جانب “الجاني” فيما يجري في قطاع غزة. إن عقوداً من الإحباط وحتى الغضب المتراكم، في ظل الرفض الإسرائيلي المستمر للمواقف الأمريكية الأساسية، وفي مقدمتها الحاجة إلى تعزيز حل الدولتين، تصل الآن إلى آفاق جديدة، خصوصاً على الجانب الليبرالي في الحزب الديمقراطي. ولكن ليس هذا فقط. ويساهم هذا أيضاً في تنامي الشعور في الإدارة الأمريكية بعدم رد الجميل من جانب إسرائيل، حيث تدعمها الولايات المتحدة بدرجة غير عادية، بينما لا ترد إسرائيل بالرفض المستمر فحسب، لكن رئيس الوزراء يستغل معارضته لمواقف الولايات المتحدة سياسياً.

وفي الوقت نفسه، تستمر التغيرات الديموغرافية الأساسية التي تحدث في المجتمع الأمريكي، وفي المقام الأول النمو المتسارع في المجموعات السكانية التي لا تتماثل مع إسرائيل. وهذه التغيرات لا تتعلق بإسرائيل، بل تنعكس سلباً على العلاقات معها. الجمهور اليهودي أيضاً، الذي هو ليبرالي بأغلبية ساحقة، وخصوصاً الشباب، ينأى بنفسه عن إسرائيل ويرفض مواقفها. يضاف إلى ذلك النمو بين الجمهور المسلم في الولايات المتحدة، وتنظيمه السياسي، بما في ذلك جماعات الضغط، ووضع أنصاره في مواقع نفوذ في صفوف الإدارة وفي وسائل الإعلام.

أزمة حقيقية في العلاقات ربما لن تحدث قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، لكن التوتر يتزايد والأزمة قد تندلع خلال ولاية ثانية، سواء لجو بايدن أو دونالد ترامب الذي يحمل ضغينة معينة ضد نتنياهو وإسرائيل بشكل عام. إن الخطر الكامن في ربط المساعدات العسكرية لإسرائيل بتغيير سياستها في التعامل مع القضية الفلسطينية، والتي كانت في السابق حكراً على الأجنحة الراديكالية في السياسة الأمريكية، أصبح يشكل تهديداً ملموساً. وتستند خطط البناء التي ينفذها الجيش الإسرائيلي على استمرار حزمة المساعدات العشرية الحالية، والتي تنتهي في عام 2028، وعلى تحقيق حزمة من المساعدات العشرية (لعشر سنوات) إضافية بل والأكبر. هذه الافتراضات الأساسية غير مضمونة اليوم ومن المناسب أن تأخذ الحكومة الإسرائيلية هذا الأمر على محمل الجد وتتبنى سياسات بناء على ذلك.

معهد دراسات الأمن القومي – الدكتور تشيك فريليتش (النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي)