اتحاد دول الساحل.. إطار سياسي جديد لإفريقيا مستقلة
بقلم: ابتسام الشامي
بإعلانها تأسيس اتحاد كونفدرالي بينها، تكون بوركينا فاسو ومالي والنيجر، قد خطت خطوة أخرى على طريق تغيير الواقع السياسي القائم في منطقة غرب أفريقيا، ولئن كان الاتحاد مساحة جديدة لتفاعل مشترك في مواجهة التحديات، فإنه يقطع مع الغرب الاستعماري، بتأسيس تجربة جديدة في التحرر الوطني والتعاون الاقليمي، مبنية على مصالح تلك الدول وشعوبها.
اتحاد جديد لمستقبل جديد
عشية القمة السنوية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا المعروفة باسم “إيكواس”، وجهت كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، صفعة جديدة للمجموعة وما تمثله، بالإعلان عن اتحادها الكونفدرالي تحت اسم “اتحاد دول الساحل”، في خطوة وصفت بأنها تهديد “وجودي” للمجموعة التي تأسست عام 1975 وأوغلت في ارتباطها بالاستعمار الغربي بما عزز مصالحه على حساب مصالح دولها وشعوبها، وصولاً حتى إلى الضرب بسيفه الاقتصادي ومحاولة محاصرة الدول التي شهدت انقلابات عسكرية بين عامي 2020 و2023 بطوق من العقوبات الإخضاعية، مع التلويح الدائم بالحرب العسكرية وحشد ما يلزمها من جيوش وعتاد.
الخطوة التي جاءت ردا على سياسات إيكواس ومحاولتها احتواء المسار التحرري للدول الثلاث من الاستعمار الغربي، سبقها خطوات عملية مهدت الطريق للاتحاد الجديد، كان أبرزها في تشرين الأول الماضي، تاريخ تأسيس تحالف دفاعي جديد في ما بينها، أَطلقت عليه اسم “تحالف دول الساحل”. وهو تحالف نص على إلزام دوله الأعضاء نجدة بعضها بعضاً أمام أي عدوان داخلي أو خارجي، قبل أن تعلن الدول ذاتها مطلع العام الجاري، خروجها من عضوية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بعد اتهامها بفرض عقوبات غير قانونية والتحول إلى تهديد الدول الأعضاء.
نحو تكامل اقتصادي وتعاون أمني
بيان تأسيس الاتحاد الكونفدرالي لدول الساحل، أوضح على نحو دقيق الأهداف المتوخاة منه وكذلك ما يرتبط به من إنشاء بنى تعاون اقتصادي وسياسي وعسكري، مشيراً إلى أن “الدول الثلاث قررت خطوة أخرى نحو مزيد من التكامل بين الدول الأعضاء. وتحقيقاً لهذه الغاية، اعتمدت معاهدة إنشاء اتحاد كونفدرالي بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، باسم اتحاد دول الساحل”. وإذ قرر الاتحاد الجديد تنسيق العمل الدبلوماسي والتحدث “بصوت واحد ومشترك”، فقد أقر على المستوى الأمني مجموعات من الإجراءات لضمان التنسيق الثلاثي في مواجهة الجماعات الإرهابية وعدم ترك هذا الملف في أيدي الدول الأجنبية.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن قادة دول التحالف الجديد في النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني، ورئيس المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري، ورئيس المجلس العسكري في مالي العقيد أسيمي غويتا، اتفقوا على إنشاء بنك للاستثمار بين دولهم، وضرورة تجميع موارد الدول الثلاث بهدف إقامة مشاريع هيكلية وتكاملية في القطاعات الاستراتيجية، ولاسيما في قطاعات الزراعة والأمن الغذائي، والمياه والبيئة، والطاقة والمناجم. وتشمل المشاريع المشتركة مجالات التجارة والتحول الصناعي، والبنية التحتية والنقل، والاتصالات السلكية واللاسلكية، وحرية حركة الأشخاص والبضائع، والاقتصاد الرقمي.
إكواس أكبر المتضررين
وعلى ما جاء في بيان تأسيس الاتحاد الكونفدرالي لدول الساحل وكذلك في تصريحات قادته، يمكن القول إن المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا، تعتبر المتضرر الأكبر من الاتحاد الذي قرر القطع النهائي معها، وتثبيت قرار الانسحاب منها. وفي هذا السياق قال رئيس المجلس العسكري في النيجر الجنرال عبد الرحمان تياني “لقد أدارت شعوبنا ظهرها لإيكواس بشكل لا رجعة فيه.. الأمر متروك لنا اليوم لجعل اتحاد تحالف دول الساحل بديلاً لأي مجموعة إقليمية مصطنعة من خلال بناء.. مجتمع متحرر من سيطرة القوى الأجنبية.”
وسبق للجنرال نفسه ان وصف “إكواس”، بأنها أصبحت “تهديداً لدولنا”، مؤكداً العزم على القيام بـ “إنشاء نظام للشعوب بديل منها بعدما أصبحت القوى الغريبة عن أفريقيا تملي عليها توجيهاتها وتعليماتها”.
وعلى ضوء إنشاء الاتحاد وما انطوى عليه من تغييرات سياسية في بنية العلاقات القائمة في غرب أفريقيا والساحل، أبدت صحيفة لوموند الفرنسية تخوّفها على مصير المجموعة من التفكك نتيجة قرار الدول الثلاث مغادرتها والرهان على الكونفدرالية. مشيرة إلى أن أحد الأسباب لمغادرة الدول الثلاث المجموعة، هو اعتقادها بـ “تلاعب باريس بسياسة محاربة الحركات الإرهابية”، أي عدم تقديم دعم كاف. علما ان الدول الثلاث المؤسسة للاتحاد كانت قد اتهمت باريس بانتهاج سياسة الغموض في محاربة الإرهاب خدمة لمصالحها ومصالح الغرب عموما.
خاتمة
الإعلان عن الاتحاد الكونفدرالي لدول الساحل الذي ترأسه جمهورية مالي في عامه الأول، عزز الاتجاه الأفريقي المتصاعد نحو التحرر من الاستعمار الغربي لموارد القارة السمراء وقرارها السياسي، وهو إذ يولد في بيئة دولية مفعمة بالتحولات، فإنه يلقي على كاهل الدول المؤسسة مهمة بناء النموذج القادر على جذب المزيد من الدول إلى خطه السياسي وعلاقاته القائمة على التعاون وحماية المصالح المشتركة، في ظل الكثير من التحديات الماثلة والمتوقعة، وهي تحديات تبدأ بالأمن ومكافحة الارهاب، ولا تنتهي باقتلاع جذور فساد الاستعمار من البنية التحتية للدول الطامحة للاستقلال الحقيقي.