إعرف عدوك

تحليل جيو/ اقتصادي لتداعيات هجمات الحوثيين على التجارة الخارجية الإسرائيلية

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

وفي الأشهر الأربعة من ذلك الحين وحتى نهاية آذار 2024، تعرضت نحو 60 سفينة لهجوم بوسائل مختلفة. وقتل في الهجمات ثلاثة بحارة وأسر 25 مواطناً أجنبياً وأغرقت سفينتان.

يسيطر الحوثيون على مضيق باب المندب – أحد نقاط الاختناق البحرية الرئيسية في العالم – الذي يمر عبره حوالي 15% من التجارة العالمية. هدف الحوثيين، من بين أمور أخرى، هو فرض حصار تجاري على إسرائيل. في البداية، أعلن الحوثيون أنهم سيهاجمون أي سفينة ترفع العلم الإسرائيلي أو مملوكة لإسرائيل، ثم امتد التهديد إلى السفن التي لها علاقات مع إسرائيل أو السفن التي تزور ميناءاً إسرائيلياً.  وقد تم تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، والذي أطلق عملية عسكرية تسمى حارس الازدهار لحماية المضيق. صحيح أن هجمات التحالف أضرّت بأصول الحوثيين على الأرض، وإحباط بعض هجمات الحوثيين من خلال اعتراض الصواريخ والطائرات بدون طيار، لكن يبدو أن هذه الجهود بعيدة كل البعد عن كبح هجمات الحوثيين، وحتى بعد أشهر من القتال لا يزال الحوثيون يهاجمون السفن المارة في المنطقة ويلحقون بها أضراراً. وبسبب الهجمات، غيرت العديد من شركات الشحن مسارات سفنها، خصوصاً على الخطوط الملاحية بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط. وفي ضوء مركزية المضيق في حركة الملاحة العالمية، فإن تأثير هذه التغييرات في الممرات الملاحية كبير من الناحية التشغيلية والاقتصادية.

الغرض من هذا المقال هو تحليل تأثير هجمات الحوثيين والحصار البحري الذي نجحوا في فرضه فعلياً على إسرائيل في البحر الأحمر، وبالتالي على التجارة الخارجية الإسرائيلية. ويمكن تقسيم التداعيات التجارية لهجمات الحوثيين إلى ثلاث مجموعات رئيسية: الأولى – عواقب أفقية ومباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي، ناتجة عن التغييرات اللوجستية التي أجراها المستوردون والمصدرون وشركات الشحن بسبب الهجمات. وتنعكس هذه التبعات بشكل رئيسي في ارتفاع أسعار النقل والوقت الإضافي حتى وصول البضائع إلى إسرائيل. وتتعلق المجموعة الثانية بالأضرار الاقتصادية المحلية المباشرة (التي حصتها كبيرة)، وأهمها الإغلاق الفعلي لميناء إيلات، ووقف تصدير الفوسفات من هذا الميناء، والأضرار التي لحقت بشركات الشحن الإسرائيلية. أما المجموعة الثالثة، والتي لا يناقشها هذا المقال بالتفصيل، وهي أيضاً الأصعب في القياس، فهي التبعات الجيو/استراتيجية طويلة المدى على إسرائيل، والتي تجسد عواقب اقتصادية ثقيلة غير مباشرة.

يصف الجزء الأول من هذا الفصل الخلفية التاريخية والقانونية والنظرية لحصار المضائق، ويناقش الجزء الثاني الآثار اللوجستية العامة للهجمات، ويتناول الجزء الثالث التأثير على التجارة الإسرائيلية التي تمر عبر مضيق باب المندب وخصص الجزء الرابع للمناقشة والاستنتاجات.

خلفية استراتيجية وتاريخية: إغلاق المضائق

إن مهاجمة السفن التجارية وفرض حصار بحري كجزء من حملة عسكرية هي ممارسات قديمة. وتتميز هجمات الحوثيين بشكل أساسي بإطلاق النار من الساحل (الحرب الساحلية) باتجاه السفن التي تمر عبر مضيق دولي. ويعتبر هذا العمل بمثابة استخدام البحر من قبل الخصم (إنكار البحر)، في حين تتم سيطرة الحوثيين بشكل رئيسي من خلال أنظمة الأسلحة الموجودة على الأرض. ويختلف هذا النوع من القتال البحري، على سبيل المثال، عن الحصار الذي فرضته “دول الوفاق” على موانئ “القوى المركزية” في الحرب العالمية الأولى بواسطة البوارج الحربية، أو عن “الحرب على الأطلسي” في الحرب العالمية الثانية عندما حاول الألمان مهاجمة قوافل الإمدادات من الولايات المتحدة إلى بريطانيا من خلال الغواصات بشكل رئيسي، بل وتختلف عن إغلاق المضائق والموانئ من خلال الضربات البحرية، كما حدث في الحرب الروسية الأوكرانية، أو تلغيم مضايق تيران من قبل المصريين في حرب يوم الغفران.

كانت هجمات الحوثيين موجهة في البداية (على الأقل بحسب التصريحات الرسمية للحوثيين) للسفن التابعة لإسرائيل فقط. وبعد تأسيس التحالف الدولي، هاجم الحوثيون سفن الأسطول العسكري وكذلك الأسطول التجاري لدول هذا التحالف. وبهذه الطريقة، تنضم هذه الهجمات إلى القضية الأوسع المتمثلة في حرية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، والتي رافقت السياسة الإسرائيلية منذ السنوات الأولى للدولة. وفي عامي 1956 و1967، أغلق المصريون مضائق تيران أمام الإبحار الإسرائيلي باتجاه ميناء إيلات باستخدام المدافع الساحلية. وكان إغلاق المضائق أحد أسباب اندلاع عملية سيناء وحرب الأيام الستة. ومنذ تأميم قناة السويس عام 1956، منعت مصر السفن الإسرائيلية من الإبحار عبر القناة، حتى اتفاق السلام بين البلدين عام 1979.

منذ قيام الدولة حتى الثمانينيات، كانت حصة التجارة الإسرائيلية مع آسيا في إجمالي التجارة الإسرائيلية صغيرة نسبياً. وكان الاستثناء هو استيراد النفط من إيران قبل الثورة الإسلامية، والذي استمر بعضه في الوصول إلى أوروبا عبر خط أنابيب النفط إيلات – عسقلان. لذلك، كانت مسألة حرية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر مبدئية واستراتيجية أكثر منها تجارية. التجارة البحرية الإسرائيلية الصغيرة مع آسيا تتم عن طريق الإبحار حول أفريقيا أو استيعابها بين البضائع العديدة التي تنقلها السفن العالمية غير المرتبطة بإسرائيل، بما في ذلك قناة السويس. ومع الصعود الاقتصادي للصين في الثمانينيات، بعد الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها دنغ شياو بينغ، بدأت حصة التجارة الإسرائيلية مع آسيا في الزيادة، خصوصاً في قطاع الاستيراد.

بعيداً عن الجانب الإسرائيلي المباشر، يجب أيضاً تحليل هجمات الحوثيين في الجانب الاستراتيجي الواسع. ويعد منع الشحن التجاري في نقاط التفتيش أحد أساليب استغلال السيطرة على هذه النقاط، إلى جانب منع مرور الأساطيل الحربية وقوات الدول الثالثة المنافسة. تعد طرق التجارة في البحر الأحمر بمثابة “مساحة انتقالية” عند تقاطع العديد من المناطق الجيوسياسية والجيو/اقتصادية، والإضرار بها يضاعف القوة في أيدي الجهات الرجعية التي تسعى إلى تغيير النظام العالمي الحالي، مثل الحوثيين وداعميهم الإيرانيين ضد الدول الغربية والفاعلين الديمقراطيين في النظام الدولي، الذين تعد حرية الملاحة البحرية العالمية أحد شعاراتهم المميزة.  

التداعيات اللوجستية للهجمات في مضيق باب المندب

يقوم الحوثي بإطلاق النار على السفن المارة عبر المضيق، ما يدفع معظم سفن العالم إلى السير على الخطوط الواقعة بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، أي في التجارة بين آسيا وأوروبا، للالتفاف حول القارة الأفريقية بدلاً من اختصار الطريق عبر قناة السويس. ووفقاً لمنظمة الشحن العالمية التابعة للأمم المتحدة، في الأشهر من كانون الأول 2023 إلى اذار 2024، انخفضت حركة المرور في قناة السويس بنسبة 70% مقارنة بالمتوسط الشهري في الأشهر من كانون الثاني إلى تشرين الثاني 2023. تعتبر مراجعة البيانات الخاصة بمرور السفن في قناة السويس مؤشراً جيداً نسبياً لعبور السفن في مضيق باب المندب، لكن يجب أن نتذكر أن هناك أيضا تجارة داخلية بين دول البحر الأحمر لا تمر عبر المضيق أو قناة السويس، بالإضافة إلى ذلك هناك التجارة التي تخرج من البحر الأحمر وتمر عبر قناة السويس في طريقها إلى أوروبا، مثل تصدير النفط من الموانئ الواقعة على الساحل السعودي للبحر الأحمر.

إن الانخفاض في حركة السفن ليس هو نفسه بالنسبة لجميع أنواع السفن والبضائع. وكان الانخفاض الأكبر بسبب السفن التي تحمل الغاز الطبيعي المسال. فقد توقفت هذه السفن بشكل كامل عن المرور في مضيق باب المندب، بسبب ضعفها الكبير على ما يبدو. نوع آخر من السفن هي تلك التي تحمل مركبات – مرور السفن من هذا النوع توقف بشكل شبه كامل. وكما نذكر فإن مثل هذه السفينة (غالاكسي ليدر) كانت أول من تضررت واختطفت من قبل الحوثيين. أما النوع الثالث من السفن الذي سجل فيه انخفاض حاد فهو سفن الحاويات. وفي هذه الفئة، تم تسجيل انخفاض بنحو 90%. وتشكل التجارة بالحاويات نحو 16% فقط من التجارة العالمية من حيث الحجم، لكنها تشكل نحو 60% من القيمة المالية للتجارة، ويشار إليها أحيانا باسم “محرك العولمة” (تتميز التجارة الإسرائيلية بارتفاع حجم الحاويات بمعدل يفوق المعدل العالمي ويصل إلى حوالي 45% من حيث الحجم، وتشكل الحاويات التجارية معظم تجارة إسرائيل مع الأسواق الشرقية، انظر أدناه).

في الأشهر الستة الأولى من الحرب (تشرين الأول 2023 إلى اذار 2024)، بدا أن معظم شركات شحن الحاويات الكبرى قد غيرت مسار سفنها حول أفريقيا. وتشير منظمة الشحن العالمية إلى أن الحركة البحرية لجميع أنواع السفن التي تمر حول رأس الرجاء الصالح قد زادت بنسبة 85% تقريباً. وفي السفن من الأنواع الأخرى مثل البضائع العامة والسائبة وغيرها، تم تسجيل انخفاض في الأحجام بنسبة 30 -50% في حركة السفن في مضيق باب المندب.

يختصر المرور عبر قناة السويس مسافة الإبحار من مضيق ملقا إلى روتردام (أكبر ميناء دخول في أوروبا) بنحو 3500 ميل بحري، وبالتالي يختصر طريق الشحن المار عبر مضيق باب المندب ثم عبر قناة السويس هو من أهم طرق الشحن في العالم.  يتضمن تجنب عبور هذا الطريق دائرة طويلة من القارة الأفريقية، مما يضيف ثلاثة أسابيع إلى الرحلة بسبب الاعتماد على عوامل فنية مختلفة. التكلفة اليومية لتشغيل سفينة الحاويات يمكن أن تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات يوميا، مما يعني أن تكلفة الإبحار حول أفريقيا يمكن أن تصل إلى نصف مليون دولار وأكثر، حسب نوع السفينة وحجمها وأكثر. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المرور عبر قناة السويس ينطوي أيضاً على تكاليف باهظة. تكلفة الدفع لسلطات القناة مقابل مرور سفينة حاويات كبيرة يمكن أن تصل أيضاً إلى مئات الآلاف من الدولارات لكل مرور. تجدر الإشارة إلى أن سلطات قناة السويس تتسم بالمرونة عندما يتعلق الأمر بتحديد سعر عبور القناة، وتمنح تخفيضات لسفن معينة حسب ظروف السوق، وبالتالي فإن سعر العبور غير ثابت. لذلك، عندما نأتي لدراسة التكلفة الاقتصادية المباشرة للطواف حول أفريقيا مقارنة بعبور قناة السويس، فلا بد من طرح تكاليف عبور القناة من تكاليف الطواف حول أفريقيا. وحتى بعد هذا الحساب، فإن تكلفة الإبحار على الطريق الطويل لا تزال أعلى بمئات الآلاف من الدولارات لكل سفينة من عبور قناة السويس.

وبالإضافة إلى التكاليف الإضافية للرحلة نفسها، لا بد من إضافة مسألة تمديد مدة الرحلة، وهو ما يساوي قيمة مالية بالطبع. عادة ما تقوم شركات الشحن، وخصوصاً في مجال الحاويات، بتشغيل خطوط ذات تردد ثابت. وبسبب الهجمات وطول مدة الإبحار حول أفريقيا، تضطر الشركات إلى زيادة عدد سفنها من أجل تلبية الجداول الزمنية المحددة للعملاء. ويتم تحويل السفن المطلوبة من أجزاء أخرى من العالم، وبهذه الطريقة يتم إنشاء زيادة عامة عالمية في أسعار الشحن البحري.

إن تمديد وقت الإبحار يضر أيضاً بأصحاب البضائع الحساسة – البضائع ذات العمر القصير نسبياً مثل المنتجات الزراعية والماشية والسلع المبردة (مثل الأغذية والأدوية والمواد الكيميائية الخاصة وما إلى ذلك). هؤلاء يفضلون الإبحار بأسرع طريق، كما أن تمديد زمن الإبحار يتطلب من أصحاب هذه الشحنات محاولة إيجاد طرق جديدة للتجارة مثل النقل الجوي، وهو مكلف للغاية وغير ممكن دائماً، والنقل البري (مثل عبر المملكة العربية السعودية والأردن) وهي أيضاً أكثر تكلفة، حيث يتم تحديد مورّدين جدد في بلدان أخرى، أو حتى تعليق التجارة تماماً حتى يمر الغضب. بالنسبة للمستوردين.

عادةً ما يعني عدم اليقين بشأن مواعيد التسليم الاحتفاظ بمخزونات أكبر. والحفاظ على المخزون له تكاليف كبيرة، بدءاً من استئجار المستودعات ووصولاً إلى مصاريف الفوائد على تمويل شراء المخزون.

ويبدو أنه بعد كانون الأول 2023 وبدء هجمات الحوثيين على الملاحة في مضيق باب المندب، استقرت أسعار النقل من آسيا إلى أوروبا عند مستوى سعري جديد، وهو ما يعكس التكاليف اللوجستية الإضافية للتجارة بسبب الحاجة إلى الإبحار حول أفريقيا، فضلاً عن شركات الشحن التي تستغل الفرصة لرفع الأسعار. يجب إضافة التكاليف الإضافية لإدارة المخزون الأكبر من قبل المستوردين إلى تكاليف النقل.

بلغ سعر شحن حاوية من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط نهاية تشرين الثاني 2023، قبل بدء هجمات الحوثيين، نحو 1400 دولار، وبلغ ذروته في نهاية كانون الثاني إلى 6400 دولار، ووقف في نهاية آذار 2024 على 3800 دولار.

وعلى سبيل المقارنة، ارتفع سعر نقل الحاوية إلى نحو 20 ألف دولار في ذروة أزمة كورونا. وتعكس التغيرات في أسعار الشحن ارتفاعاً (طفيفاً، كما أوضحنا) في النفقات الحقيقية لشركات الشحن، إلى جانب تسعير حالة عدم اليقين السياسي من قبل السوق، فضلاً عن فرصة سافرة من جانب شركات الشحن لرفع الأسعار والتي يتم قبولها بتفهم من قبل العملاء، ومن ناحية أخرى استقرار تدريجي للسوق في الوضع الطبيعي الجديد.

تقدير تداعيات هجمات الحوثيين على التجارة الخارجية الإسرائيلية

من أجل تقييم تعرض إسرائيل لهجمات الحوثيين، من الضروري استخراج جزء من التجارة البحرية الإسرائيلية التي تمر عبر باب المندب. إن حصة التجارة الخارجية في الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل كبيرة نسبياً وتبلغ أكثر من 60%، لكن جزءاً كبيراً من هذه التجارة هو تصدير الخدمات وجزء كبير آخر (من الناحية النقدية) يتم نقله جواً وأجزاء كبيرة أخرى من التجارة هي بحرا مع الولايات المتحدة وأوروبا وأسواق اخرى.

يصف الجدول حصة التجارة البحرية الإسرائيلية مع آسيا وأوقيانوسيا وشرق إفريقيا (أي التجارة التي مرت عبر مضيق باب المندب في عام 2022 كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، والتجارة الاسرائيلية والتجارة البحرية الإسرائيلية. ويوضح الجدول أن حصة التجارة الإسرائيلية المعرضة لهجمات الحوثيين في عام 2022 بلغت نحو 9.2% من إجمالي التجارة الإسرائيلية (15.7% من إجمالي الواردات و2.9% من إجمالي الصادرات)، وهو ما يمثل نحو 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي أن هذا هو احتمال تعرض التجارة الإسرائيلية وليس الذي تضرر فعلا.

وإلى جانب التحليل المالي، يجب أيضاً فحص أنواع البضائع المتداولة بين إسرائيل وآسيا، وهي تحدد أنواع السفن التي تخدم هذه التجارة وكذلك الموانئ الإسرائيلية التي يتم نقل البضائع إليها.

  معظم الواردات من الشرق تصل إلى إسرائيل في حاويات، في الواقع منشأ نصف الواردات البحرية من آسيا هو صيني ومعظمها سلع استهلاكية. ويستثنى من ذلك استيراد السيارات التي تصل إلى إسرائيل على متن سفن مخصصة لنقل السيارات، وكذلك استيراد الماشية (الأغنام والماشية، خصوصاً من أستراليا). وبعيداً عن السيارات والشاحنات، فإن الحمولات التي تصل من شرق إسرائيل والتي لا يتم نقلها في حاويات نادرة. وفي الأيام العادية تعبر سفن الحاويات القادمة من الشرق قناة السويس وتفرغ حمولتها في موانئ إسرائيل على البحر الأبيض المتوسط (موانئ منطقتي حيفا وأشدود). وفي ميناء إيلات لا يوجد تفريغ للحاويات على الإطلاق، بل يتم في بعض الأحيان استيراد السيارات والمواشي من خلاله. ويجب أن نتذكر أن النقل البري من إيلات إلى وسط البلاد مكلف وفي بعض الأحيان يكون أكثر توفيرا بالنسبة لمستوردي السيارات، نقل سفينة سيارات عبر قناة السويس بما في ذلك التكاليف المرتفعة الموصوفة، من تفريغ السيارات في ميناء إيلات والقيام بمئات الرحلات باستخدام شاحنات سحب خاصة لنقل السيارات إلى وسط البلاد، على طول أكثر من 300 كيلومتر.

تغادر الصادرات الإسرائيلية إلى الشرق عن طريق البحر في حاويات من موانئ إسرائيل على البحر الأبيض المتوسط وقناة السويس. والاستثناء الملحوظ هو تصدير الفوسفات من مصانع البحر الميت، والذي يتم من ميناء إيلات. ويصل حجم التصدير إلى مليوني طن سنوياً.

في عام 2022، تم استيراد ما يقرب من 775 ألف حاوية إلى إسرائيل، منها حوالي 290 ألف حاوية من آسيا وأوقيانوسيا وأفريقيا. وإذا افترضنا أن متوسط تكلفة نقل حاوية من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط ارتفع بنحو 5000 دولار في الربع الرابع من عام 2023 مقارنة بالسعر قبل الحرب، وأنها ستستقر عند مستوى ثابت جديد خلال الأرباع الثلاثة المقبلة لعام 2024 (الوضع الطبيعي الجديد)، بحوالي 2500 دولار، أعلى من مستواه قبل الحرب، يمكن التقدير بشكل تقريبي أن التكلفة الإجمالية التي يتحملها الاقتصاد الإسرائيلي لاستيراد نفس العدد من الحاويات تبلغ حوالي 200 مليون دولار على أساس سنوي.

وبالإضافة إلى الحاويات، تُمنع أيضاً السفن التي تحمل السيارات من المرور عبر مضيق باب المندب. وفي عام 2022، تم استيراد ما مجموعه 340 ألف مركبة إلى إسرائيل، منها 166 ألف (49%) مرت عبر ميناء إيلات. ويبدو أنه تم استيراد المزيد من المركبات من آسيا عبر موانئ حيفا وأشدود، لكن الإحصائيات غير واضحة في هذا الشأن. تنقل سفينة السيارات حوالي 4500 سيارة، وبالتالي يمكن التقدير أن إيلات قد زارتها حوالي 40 – 35 سفينة سيارات في عام 2022، ما يعني أنه في تقدير تقريبي تمت إضافة حوالي 50 مليون دولار كتكلفة على الاقتصاد بسبب الإبحار حول أفريقيا من هذه السفن. لذلك فإن إجمالي التكاليف التي يتكبدها الاقتصاد من استيراد الحاويات والسيارات على الطريق حول أفريقيا تبلغ نحو ربع مليار دولار على أساس سنوي.

وعلى صعيد التصدير، تم في عام 2022 تصدير نحو 455 ألف حاوية من إسرائيل، منها نحو 30 ألف حاوية ذهبت إلى آسيا. ووفقا للحسابات المذكورة أعلاه، فإن التكلفة الإجمالية التي يتحملها الاقتصاد الإسرائيلي لتصدير نفس الكمية تبلغ حوالي 75 مليون دولار في الحساب السنوي. وبالإضافة إلى تصدير الحاويات، تأثر أيضاً تصدير الفوسفات من ميناء إيلات. ويتم هذا التصدير إلى الأسواق الآسيوية حاليا عن طريق نقل الفوسفات في شاحنات خاصة من مصانع البحر الميت في منطقة سدوم إلى ميناء إيلات، حيث يتم تحميله على ناقلات البضائع السائبة وتصديره شرقاً، وخاصة إلى الهند. يتم تصدير حوالي مليوني طن من الفوسفات من ميناء إيلات سنوياً. إن توقف النشاط في ميناء إيلات يُلزم شركة آي سي أل بتصدير الفوسفات إلى الشرق عبر ميناء أشدود وعلى الطريق المحيط بإفريقيا. إذا افترضنا أن ناقلة البضائع السائبة يمكنها حمل 40 ألف طن فسيتطلب ذلك حوالي 50 سفينة وحوالي 50 مليون دولار إضافية. تجدر الإشارة إلى أن الفوسفات هو سلعة (مواد أولية بشكل أساسي)، وتداولها حساس للغاية للتسعير. ولذلك، فإن زيادة تكاليف النقل في جميع أنحاء أفريقيا يمكن أن تضر بالقدرة التنافسية لشركة آي سي ال، وخاصة في أسواق الفوسفات في الشرق.

لذلك، فإن إجمالي التكاليف التي يتحملها الاقتصاد من تصدير الحاويات والفوسفات على الطريق حول أفريقيا يبلغ حوالي 150 -100 مليون دولار في الحساب السنوي، ويبلغ إجمالي التكاليف التي يتحملها الاقتصاد (الصادرات والواردات) تقريباً في حدود حجم حوالي 350 إلى 400 مليون دولار سنوياً.

إلى جانب العواقب الاقتصادية الأفقية لهجمات الحوثيين على التجارة الإسرائيلية، هناك تأثيران آخران محددان لكن مهمان على التجارة الخارجية للبلاد. الأول هو الوقف الفعلي للنشاط في ميناء إيلات (بما في ذلك ما هو موضح أعلاه فيما يتعلق بتصدير الفوسفات)؛ والثاني هو الضرر المباشر الذي يلحق بشركات الشحن الإسرائيلية أو تلك التي لها علاقات مباشرة مع إسرائيل.

أدت هجمات الحوثيين على حركة الملاحة في مضيق باب المندب إلى شل النشاط في ميناء إيلات بشكل كامل، وظهرت أنباء في وسائل إعلام إسرائيلية عن نية فصل أكثر من نصف موظفيه. إذا ما نفذت عمليات تسريح العمال، فسيكون هناك ضرر اقتصادي مباشر لمئات العمال العاملين في الميناء، إلى جانب أضرار استراتيجية محتملة من فقدان القدرة التشغيلية للبوابة الجنوبية للبلاد. وأدى ذلك إلى مناقشة اللجنة الاقتصادية في الكنيست حول مسألة ما إذا كان يجب على الدولة إعادة شراء الميناء بعد بيعه في إطار الخصخصة.

وفي مجال الشحن الإسرائيلي، بالمقارنة الدولية، لا يوجد في إسرائيل قطاع شحن متطور. هناك شركتا شحن كبيرتان فقط لهما علاقات مباشرة مع إسرائيل – تسيم واكس تي (عوفر براذرز سابقاً). كما أن هناك سفن مملوكة لرجال أعمال إسرائيليين مثل سفينة غالاكسي ليدر المذكورة أعلاه. فقد قامت هذه الشركات بتحويل سفنها عن الخطوط المارة عبر المضيق، وقد يكون لذلك عواقب اقتصادية عليها.

خلاصة

في الأشهر التي مرت منذ بداية هجمات الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل واندلاع حرب السيوف الحديدية، من الممكن البدء في تقييم التبعات الاقتصادية للحصار الجزئي على باب المندب. لا تمتلك إسرائيل أسطولاً تجارياً كبيراً، وتعتمد في التجارة الدولية على الشحن العالمي. ويبدو أن جزءاً كبيراً من الشحن العالمي (في حدود 50 -90%، اعتماداً على نوع السفينة) يتجنب المرور عبر المضيق ويختار طريق الإبحار حول إفريقيا، مما يخلق وضعاً مستقراً جديداً من إطالة الخطوط الملاحية وزيادة رسوم النقل. وحتى الآن، يبدو أن الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وحلفاؤها للحد من هجمات الحوثيين لم تؤت ثمارها. علاوة على ذلك، فإن عدم اليقين بشأن هوية السفن التي يهاجمها الحوثيون والأخطاء في تحديد الهوية من قبل الحوثيين يعني أن الوضع المستقر الجديد قد يستمر لعدة أشهر أخرى، أو حتى لفترة أطول.

إن تقييم التكاليف المباشرة للتجارة الخارجية الإسرائيلية على أساس الوضع في نهاية اذار 2024 يعني مضاعفة رسوم النقل في حدود 350 إلى 400 مليون دولار في الحساب السنوي للتجارة الإسرائيلية (الواردات والصادرات)، والتي تمر عادة عبر المضيق. وتتكون معظم هذه التجارة من الحاويات والسيارات والفوسفات. ويشمل التقدير تكاليف نقل التجارة الخارجية فقط ولا يشمل التكاليف الاقتصادية الثقيلة الأخرى مثل تغيير الموردين ومصادرة المنتجات الإسرائيلية وتأخير أو منع الاستثمارات وقائمة طويلة من الانعكاسات الأخرى غير المباشرة وطويلة المدى التي يصعب للغاية قياسها أو تقديرها. هناك حاجة إلى بحث نوعي شامل، بما في ذلك المقابلات مع رجال الأعمال، لقياس الأثر الاقتصادي العام لهجمات الحوثيين.

يمكن الافتراض أنه بالنسبة للشحن العالمي، فإن حرية المرور هي مصلحة عالمية لا تتعلق مباشرة بإسرائيل، وبالتأكيد في بيئة أعمال تتسم بالاستخدام المكثف لأعلام مريحة. ومع ذلك، مع انتقال النظام الدولي من النظام

إن إسرائيل، باعتبارها دولة صغيرة ومنفتحة اقتصادياً، تستفيد بشكل كبير من اندماجها في النظام العالمي، ويمكن أن يعزى هذا الانفتاح الاقتصادي إلى جزء كبير من الناتج المحلي الإجمالي للفرد في إسرائيل، وهو مرتفع أيضاً مقارنة بالدول الغربية للعلاقات التجارية ووسم إسرائيل بأنها “إشكالية” في العلاقات الدولية – مثل عدم اليقين في عمليات تصدير واستيراد البضائع من وإلى إسرائيل يمكن أن يضر بالاقتصاد على المدى الطويل، وهذا يمثل تحدياً دبلوماسياً واقتصادياً على المستوى الوطني. وفي نظام دولي واقعي، يجب على إسرائيل تطوير أسطول تجاري مستقل يبحر تحت العلم الإسرائيلي أو يخضع للسيطرة الإسرائيلية، وهذا ليس حلاً لمنع الشحن الإسرائيلي في مناطق معينة من العالم، ولكن هجمات الحوثيين (وكذلك تهديدات حزب الله في الشمال) تظهر أن خصوم إسرائيل يرون أن الحصار الاقتصادي سلاح مشروع ضد إسرائيل، وبناء أسطول تجاري إسرائيلي يمكن أن يساعد في منع انقطاع تدفق التجارة الإسرائيلية في حالات أخرى، مثل تجنب رحلات الشحن الدولية زيارة الموانئ الإسرائيلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *