إقليميات

من “غزة” إلى “الضفة”.. الإسرائيلي يُصعّد والمفاوضات لا أُفقَ لها..

بقلم:  زينب عدنان زراقط

تصعيدٌ من قبل العدو الإسرائيلي، وعلى المِنوال نفسه، قتلٌ وتدمير، يُقابله صمودٌ وهجوم، والحل ليس بيد الميدان العسكري بتاتاً.. فمتى ترفع أمريكا بطاقتها الحمراء في وجه إسرائيل لتخرج من “غزة” لا أحد يعلم موعدها… فما هي تطورات “حرب طوفان الأقصى” الميدانية في الأيام الأخيرة، وإلى أين وصلت المفاوضات من أجل إيقاف هذا العدوان على “غزة” وما هو أُفُقها…؟

تظهر الأيام الأخيرة إلى تغيير جيش الاحتلال نمط العمليات، وهو ما يعكس محاولة لتصعيد العمليات العسكرية بشكل يتناسب مع تطور قدرة المقاومة في تلك المناطق. بينما المواجهات العنيفة والاشتباكات الضارية تدلل على استعداد المقاومة لمواجهة هذه الحملة، هذه الحملة التي تتميز بالقوة المفرطة وتدمير البنية التحتية، مع فرض العقاب الجماعي على المدنيين، تهدف إلى محاولة تفتيت الدعم الشعبي الذي تتمتع به المقاومة.

حقيقةً، إنَّ المتتبع لسلوك جيش الاحتلال على مدار 11 شهراً من القتال متفاوت الوتيرة وذو الزخم الناري الأكبر في التاريخ المعاصر في مواجهة بقعة جغرافية – معزولة عن إمدادات الذخيرة والسلاح طيلة أشهر الحرب وتفتقر للعمق الإستراتيجي- يرى بوضوح لا لبس فيه مستوى الانحدار والتدني الذي وصل إليه هذا الجيش من رئيس أركانه إلى جنوده المنفلتين في الميدان ومعسكرات الاعتقال.

لقد عمدَ الجيش لتسويق وإظهار سيطرته على مدن القطاع، والتبجّح بالمجازر التي افتعلها بالأطفال والنساء والمدنيين من تدميره لمستشفى الشفاء وادّعائه على أنها تضمّ مخازن سلاح فدمّر ماكينات التنفس وقَطَعَ الأوكسجين عن الرُّضع الخُدّج، إلى معبر رفح ودوّار النجمة ومسرحيات جُنده واستعراضاته التصويرية وادّعاءاته بالقضاء على مجموعات المقاومة ومِنصاتها واغتياله لقادتها، حتى ضرب مدارس إيواء اللاجئين.

إن الاستمرار في هذا النهج العسكري يظهر أن هدف الاحتلال هو محاولة كبح جماح المقاومة وتحقيق تفوق عسكري على الأرض، في وقتٍ قد لقّنت فيه المقاومة الفلسطينية وكتائب القسام إسرائيل درساً قاسياً أمام مرأى العالم – المكفوف -، أنّهم وحدهم من قصف وما زالوا يقصفون “تل أبيب”، وضواحيها، بصواريخ M90 وفصيلتها من المقذوفات الصاروخية المتعددة والمتنوعة، فالمقاومة الفلسطينية لا تتردد عن قصف أكثر الأهداف حساسية بالنسبة للعدو وفي عُمُقِه، – إنّها عاصمةُ الكيان، والوِجهة الاقتصادية الكبرى للاحتلال الإسرائيلي، والسياسية والتجارية أمام دول العالم الظالم -، لكن القصف الصاروخي المتكرر لـ “كتائب القسام” والمقاومة الفلسطينية ألحق بها الخسائر الفادحة خلال معركة “طوفان الأقصى”، وأدخل الرعب في قلوب سكانها وروادها الزائرين ما جعلهم يستعجلون في طلبات الهجرة منها. هذه الضربات المُوجعة استفزت إسرائيلي تتجرّأ على اغتيال قائد كتائب القسّام في الاجتياح الأخير هذا للضفة الغربية.

في وقتٍ يلعب فيه الجانب الإعلامي دوراً كبيراً في تصوير الأحداث، حيث تسعى وسائل الإعلام العبرية إلى تضخيم حجم العمليات العسكرية وعدد الجنود المشاركين فيها، بالإضافة إلى إنجازات الجيش. ومع ذلك، الصور والفيديوهات الميدانية التي يتم تداولها تعكس واقعاً مغايراً، حيث تُظهر المقاومة على أنها ما زالت قوية وقادرة على مواجهة الحملة العسكرية بكفاءة. إضافةً لتكتُّم العدو الصهيوني عن إصاباته وقتلاه وخسائره التي يتكبّدها جرّاء ضربات المقاومة من شتّى الجبهات.

المفاوضات من الدوحة إلى القاهرة…

في المحصّلة نصل إلى أنّ الواقع هو نفسه، تصعيدٌ من قِبل العدوّ – تدميرٌ، قتلٌ، واغتيالات – الشعب صامد والمقاومة ثابتةٌ وقويّة، والحلّ يُحال أن يُفصلَ عسكرياً، في ظلّ الدعم الأمريكي للإسرائيلي، والرِهان يبقى على المفاوضات السياسية الدبلوماسية في هذا الصدد. إلاّ أنّه في اجتماع الدوحة الذي عقد في ظل استمرار حملة الإبادة، تبيّن أن الفجوة بين الجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) أوسع وأعمق مما صورته التعبئة الإعلامية التي اعتبرته “اجتماع الفرصة الأخيرة”. يعود ذلك إلى إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو رفضه للمطالب الأساسية لحركة حماس: “وقف القتال الدائم – الانسحاب الكامل من غزة – عودة الغزيين للقطاع بلا شروط”. بينما قدم الأمريكيون ورقة جديدة قالت عنها حماس إنها تتماهى مع الموقف الإسرائيلي.

وكانت تلك نقلة مهمة تشير إلى أن اللعب صار على المكشوف، بحيث صار الحوار يجري بين الإسرائيليين والأمريكيين فقط، ولم يكن الفلسطينيون طرفاً فيه. ولوحظ أن الاستعلاء الإسرائيلي بدا أكثر وضوحاً بعد عودة نتنياهو من واشنطن ولقائه هناك بالرئيس الأمريكي جو بايدن.

 الطرف الأمريكي، – الراعي الرسمي لإسرائيل -، شاغله الأوّل هو الانتخابات الرئاسية وحشد الأصوات لنائبته المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. أما شاغله الثاني فهو تأييد إسرائيل والتمادي في الدفاع عنها سياسياً وعسكرياً مع السعي والحرص لتجنب توريط الولايات المتحدة في أي حرب إقليمية قد تتفجر فجأة.

إلاَّ أنَّ الانتقال بالمباحثات إلى القاهرة بدعوى استكمال مناقشة الورقة الأمريكية يبدو في خباياها أنه تُخفي شيئاً، لأنه أمرٌ يثير عدة تساؤلات؛ فإذا كانت حماس قد رفضت الورقة الأمريكية – المعدلة – واعتبرتها متماهية مع الموقف الإسرائيلي، فعلى أي شيء يجري التفاوض في العاصمة المصرية؟، فهل يُصبح الهدف في هذه الحالة هو التركيز في اجتماعات القاهرة على حلّ عقدتين تمثلان أهمية خاصة لدى إسرائيل والولايات المتحدة في الوقت الراهن، هما: ملف محور فيلادلفيا الذي تعترض مصر على الوجود الإسرائيلي فيه، ويتمسك نتنياهو بذلك الوجود، على الرغم من تعارضه مع اتفاقية كامب ديفيد، والهدف هو استرضاء مصر لا لشيء إلا لكي تنضم بثقلها إلى الضغوط على حماس.

في الختام، المفاوضات حتى الآن لا تُبشّر بجديد وما من حلٍّ في الأُفق، بينما فشل الصفقة – الذي لا نتمناه – يعني استمرار القتال إلى أجل لا يعلمه إلا الله. وفي هذه الحالة لا يبقى أمام أولئك الفلسطينيين مشروع بديل يدافعون من خلاله عن حلمهم المؤجل في الاستقلال، خصوصاً بعد ذلك الثمن الباهظ الذي دُفع منذ طوفان الأقصى، الأمر الذي يفتح الأبواب واسعة لمختلف أشكال المواجهات التي بدأت إرهاصاتها في مواجهة جرائم المستوطنين في الضفة، ولاحت مقدماتها في نموذج العمليات الاستشهادية التي شهدتها تل أبيب مؤخراً، وقد تتسع دائرة الاستهداف لتشمل العناصر الموالية لإسرائيل وداعميها ومصالحها في الخارج… فهل يُلتمسُ من جديدٍ في ملف المفاوضات ما قبل بلوغ الانتخابات الأمريكية؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *