إعرف عدوك

لا يوجد تناقض: السلام مع مصر ضروري.. لكن قوة جيشها يجب أن تكون مشمولة في حسابات بناء قوة الجيش الإسرائيلي

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

صراع متجدّد مع دولة يبلغ عدد سكانها 110 مليون نسمة، ولديها جيش بري مجهز تجهيزاً جيداً، وبحرية قوية، وسلاح جو متقدم، من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة. ومن هنا تأتي الحاجة إلى إدارة العلاقات بحذر زائد والحفاظ على قنوات الاتصال على المستوى الرفيع والاعتراف بالمكانة الإقليمية الرفيعة التي تتمتع بها مصر، وتجنب التحركات وحتى التصريحات التي يمكن تفسيرها على أنها تهديد لسيادتها ومصالحها الأساسية وكرامتها.

 كل هذا مع العلم أن التجارب السابقة تثبت أنه لا ينبغي أن تُعهد إلى مصر مسؤولية التعامل مع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، وبالتأكيد ليس لمنع وقوع الإرهاب. ولذلك، فلا جدوى من الأفكار التي طرحها كبار شخصيات المعارضة في إسرائيل بشأن نقل قطاع غزة إلى الحكم المصري، أو ربط سيادي بين غزة وسيناء. ولكن في نفس الوقت، يجب أن تكون القيادة المصرية شريكة في أي خطة تتعلق بمستقبل غزة بعد إسقاط حكم حماس هناك. إسرائيل لديها أيضاً مصلحة طويلة الأمد في الحفاظ على العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، بل وتحسينها.

ولكن لا شيء من هذا يتناقض مع الحاجة، التي أشار إليها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته، إلى متابعة اتجاه تعزيز الجيش المصري، ومن ثم الأهمية التراكمية للاستثناءات على ما هو مسموح به في اتفاقية السلام بشأن الوجود العسكري في سيناء. وحتى لو تعلق الأمر(بخطر) وليس(بتهديد). يجب أن يتضمن التعاطي آثار القدرة العسكرية المصرية بكافة مكوناتها البرية والبحرية والجوية والدفاع) في إطار تحديد أهداف بناء قوة الجيش الإسرائيلي وتوفير رد تكنولوجي لتحديات محددة، مع التفاهم مع الولايات المتحدة بشأن الحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي وأهمية ضمان الالتزام بالنهج الاستراتيجي والعملي لمصر نحو السلام. إن الجيش الذي يستعد لتحدي بهذا الحجم يجب أن يكون مستعدة للتعامل مع أي تهديد في المحيط الإستراتيجي لإسرائيل.

بارد، لكنه ضروري.. السلام مع مصر كركيزة للأمن القومي

بالتحديد بسبب استقرارها المثير للإعجاب منذ توقيعها في عام 1979، فمن السهل أن ننسى مدى أهمية اتفاقية السلام – التي لم تنهار على الرغم من الحروب في لبنان، والمواجهات العنيفة المتكررة مع الفلسطينيين، والمشاهد القاسية القادمة من غزة، والمشاعر المعادية لإسرائيل وحتى معاداة السامية (التي تترسخ في دوائر واسعة في المجتمع المصري) تشكل في الواقع أحد أسس الأمن القومي الإسرائيلي. التعامل مع القضية الفلسطينية بكل مكوناتها وصعوباتها؛ الاستعداد للتهديد الإيراني؛ التحديات في الساحة الشمالية؛ إلى جانب العلاقة مع الولايات المتحدة، وقضايا المناعة المحلية – كل هذه الأمور تتصدر جدول الأعمال بشكل نشط، في حين أن العلاقات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية (أي في مجال الطاقة) مع مصر تعتبر أمراً مسلماً به.

عملياً، استثمرت إسرائيل خلال الثلاثين عاماً الأولى من وجودها الجزء الأكبر من جهودها الأمنية والسياسية في التعامل مع مصر في خمس حروب وفترات من التوترات الأمنية والحصار السياسي والاقتصادي وحصار الممرات الملاحية والدعاية المعادية القوية في كافة أنحاء العالم العربي. وكان لإزالة هذه المكونات – معظمها، إن لم يكن كلها – عواقب بعيدة المدى فيما يتعلق بقدرة إسرائيل على ترسيخ وجودها في محيطها الإقليمي وفي النظام العالمي.

واليوم، فإن إمكانية تجدد التدهور في العلاقات – والتي يستخف بها البعض – قد تكون لها عواقب وخيمة. والأمر أكثر خطورة في ضوء النمو الهائل في عدد سكان مصر (الذي يبلغ حالياً نحو 110 ملايين نسمة). كما أن القوة العسكرية، قائمة على الأسلحة الأمريكية المتقدمة، فضلاً عن القدرة على تهديد كافة ممرات الشحن الإسرائيلية. وفي ظل واقع الصراع المتعدد الأطراف، فإن انهيار اتفاقية السلام مع مصر من شأنه أن يضع إسرائيل أمام معضلات خطيرة.

البعد السياسي: ما المطلوب لوقف التدهور؟

أولاً وقبل كل شيء، يجب توخي أقصى درجات الحذر في كل تصريح ـ ناهيك عن كل خطوة (مثل دفع سكان غزة إلى ما وراء الحدود) – والتي تشكل انتهاكاً للأمن القومي المصري وقيمها الأساسية وكرامتها (بما في ذلك ادّعاءاتها، على الرغم من أن لديها أقل فأقل من الغطاء بالنسبة لقيادة العالم العربي). وفوق كل ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن قوى المعارضة أبرزها جماعة الإخوان المسلمين التي تتربص لأي عثرة كبيرة للرئيس السيسي ونظامه، من أجل تقويض شرعيته الدستورية. وهم أيضاً أعداء لدودون لإسرائيل. وليس من المستغرب أن يرفض السيسي الحضور إلى واشنطن لحضور اجتماع محتمل أن ينتهي بالإذلال، ومن الأفضل لإسرائيل أن تحرص على وضع حد للحماس الذي ينشأ في بعض الدوائر في مواجهة “رؤية ترامب”.

 إن الأفكار التي طرحها كبار الشخصيات في المعارضة – سواء تعلق الأمر بالحكم المصري في قطاع غزة، أو خلق تواصل بينه وبين سيناء يسمح لسكانه بالانتقال إلى شبه الجزيرة – عقيمة، ومن المرجّح أن تساهم في تعميق الشكوك في القاهرة حول نوايا إسرائيل، على الرغم من أنها لا تعكس مواقف الحكومة. وفي ظل هذه الظروف، من المهم إنشاء قناة اتصال رفيعة المستوى تعمل، إلى جانب التعامل مع قضية المختطفين والإدارة المستمرة من خلال السفارات، والمحور بين الجناح الأمني السياسي لوزارة الدفاع ووزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة في مصر، على تهدئة المخاوف، من أجل منع سوء التقدير وتعميق التعاون.

وفي هذا الصدد، من المهم أيضاً التأكيد على أنه وعلى الرغم من أنه لن يُطلب من مصر السيطرة على القطاع، إلا أنها سوف يكون لها حضور في أي إطار مستقبلي، إلى جانب عوامل دولية وإقليمية أخرى شريطة أن يكون الشرط المسبق لذلك هو القضاء على حكم حماس وهزيمة قوتها العسكرية في غزة.

الزاوية العسكرية: جزء من “خطر الإسناد”؟

على الرغم من الزيادة الكبيرة في حجم القوات المصرية في سيناء، فإن خصائصها وطريقة انتشارها وعملها (ليس في أطر فرقية ذات أنظمة دعم خاصة بها) تشير – على الأقل في هذه المرحلة – إلى أنه لا يوجد أساس للخوف من أنها تنوي إخفاء هجوم مفاجئ على إسرائيل. فهذا ليس نظاماً منفلت العقال يسعى إلى تحقيق رؤية أيديولوجية، ولكن في النظرة الطويلة الأمد، وبروح كلمات رئيس الأركان هرتسي هاليفي عشية تقاعده، من المناسب أن ندرج مكونات القوة العسكرية المصرية في حسابات الإسناد التي يجريها الجيش الإسرائيلي في الواقع باعتبارها “خطراً” (احتمالاً للتدهور) ولكن ليس باعتبارها “تهديداً” (نية خبيثة نشطة). ويجب أن تدرج تأثيرات القدرة العسكرية المصرية بكافة مكوناتها (البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي) في إطار تحديد أهداف بناء قوة الجيش الإسرائيلي، ويجب توفير رد تكنولوجي لتحديات محددة مع التفاهم مع الولايات المتحدة بشأن الحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي وأهمية دوره في ضمان التزام مصر الاستراتيجي والعملي بالسلام. إن الجيش الذي يستعد لتحدي بهذا الحجم يجب أن يكون مستعداً للتعامل مع أي تهديد في المحيط الاستراتيجي لإسرائيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *