دوليات

اتفاقية السلام بين أرمينيا وأذربيجان.. إنجاز يحتاج إلى المزيد من الجهود

بقلم ابتسام الشامي

الصراع بين الجارتين

لم يكن طريق التوصل إلى اتفاق “سلام” بين أرمينيا وأذربيجان معبداً ومن دون مطبات، وإنما محفوفاً بالأثمان الكبيرة من الأرواح والخسائر المادية والجغرافية، الكبرى لاسيما بالنسبة لدولة مثل أرمينيا يضرب عمقها الحضاري والقومي عمق التاريخ. الدولة التي استعادت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 حيث كانت إحدى جمهورياته عقوداً طويلة من الزمن، خاضت مع جارتها أذربيجان صراعاً حدودياً دموياً، للسيطرة على اقليم ناغورني كراباخ الآذاري الذي تقطنه غالبية من الأرمن. الحرب الأولى التي اندلعت أثر سقوط الاتحاد السوفياتي انعقد النصر فيها لأرمينيا، أما حرب عام2020 فقد انتهت بانتصار ساحق لأذربيجان، لم تستعد فيها الأخيرة الإقليم فحسب، وإنما أنهت بالكامل الوجود الأرمني التاريخي فيه، حيث توزع سكانه في أرجاء الجمهورية القوقازية، البالغة مساحتها نحو 29,743 كيلومتراً.

انتهت الحرب الأخيرة بتفوق عسكري واضح لمصلحة أذربيجان مدعومة بمد عسكري وسياسي تركي، أمكن معه حسم الحرب خلال ساعات قليلة، في ما كانت علاقات أرمينية مع روسيا مضطربة بفعل الهوى السياسي الأمريكي لرئيس وزرائها نيكول باشنيان، ما دفع موسكو إلى الوقوف على “الحياد”. لكن حياد الأخيرة لم يبق طويلاً، إذ سرعان ما أشرفت على عملية سياسية معقدة بين الطرفين بمشاركة أنقرة، تمكنت خلالها من التوصل إلى هدنة، قبل أن تتواصل العملية السياسية لتصل إلى اتفاقية “سلام”، من المفترض بها أن تضع حداً لصراع امتد عقوداً طويلة في الزمن، وإن كانت بعض المواقف المعلنة من قبل طرفي الاتفاقية، أوحت بأن السلام المنشود لا يزال بعيداً.

اتفاقية السلام

وبالعودة إلى الاتفاق، فقد أعلن وزير الخارجية الأذربيجاني جيهون بيرموف، اكتمال المفاوضات بشأن نص اتفاقية السلام المزمع توقيعها مع أرمينيا. وفي تصريحات للصحفيين، أدلى بها في إطار منتدى باكو العالمي الثاني عشر الذي استضافته العاصمة الأذربيجانية، قال بيرموف: “اكتملت المفاوضات حول نص اتفاقية السلام. كان هناك بندان لم يجر التوصل إلى اتفاق بشأنهما. قبلت أرمينيا مقترحات أذربيجان بشأن هذين البندين، واكتمل العمل على النص”. وذكر الوزير الأذربيجاني أن بلاده تنتظر كخطوة قادمة أن تزيل أرمينيا المواد المناقضة لوحدة الأراضي الأذربيجانية وسيادتها الموجودة في الدستور الأرميني واللوائح القانونية الأخرى. مؤكداً أن تعديل الدستور الأرميني هو أحد “الشروط الضرورية” للسلام. وإلى ذلك أوضح الوزير نفسه بأن بلاده تطالب، من ضمن شروط التوصل إلى السلام، بحل مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي المنظمة التي تأسست لحل الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا.

بدورها أصدرت الخارجية الأرمينية بعد ذلك بياناً جاء فيه أن “اتفاق السلام جاهز للتوقيع. مشيراً إلى أن “جمهورية أرمينيا مستعدة لبدء مشاورات مع جمهورية أذربيجان بشأن موعد ومكان التوقيع”. وفي ما يؤشر إلى استمرار التوتر في أفق العلاقات بين البلدين، انتقدت أرمينيا في بيانها أذربيجان لإدلائها بإعلان “أحادي، في حين كانت يريفان ترغب في أن يكون الإعلان مشتركا”.

مواقف دولية مرحبة

الإعلان عن التوصل إلى اتفاقية السلام، لاقى ردود فعل دولية إيجابية. حيث رحبت كل من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بنجاح محادثات السلام بين أرمينيا وأذربيجان، بعد مفاوضات كان الغرض منها تسوية النزاع القائم بينهما منذ نحو أربعة عقود.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في بيان، إن موسكو “تدعم هذه الخطوة الهامة نحو تطبيع كامل وشامل للعلاقات” بين البلدين. كما رحب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بمعاهدة السلام التاريخية كما وصفها، معتبراً أن “الوقت قد حان للالتزام بالسلام وتوقيع المعاهدة والمصادقة عليها، وبدء عصر جديد من الازدهار لشعب جنوب القوقاز”. ورأى روبيو أن الاتفاق فرصة لكلا البلدين “لطي صفحة صراع استمر عقوداً، بما يتماشى مع رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعالم أكثر سلاما”.

وفي سياق متصل هنأت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، الجانبين على “الجهود المستمرة التي بذلاها في هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة”، معتبرة أن الإعلان يمثل “خطوة حاسمة نحو السلام والأمن الدائمين في المنطقة”. وشددت المسؤولة الأوروبية، على ضرورة “الحفاظ على هذا الزخم والعمل على حسن سير هذه العملية من دون عراقيل”.

وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رحب الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بالاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان واصفاً إياه بالإنجاز المهم. وقال بزشكيان، خلال اتصال هاتفي مع رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، إن إيران “دائماً ما ترحب بإقامة السلام والتعاون والاستقرار في المنطقة، خصوصاً بين الجيران مع الحفاظ على وحدة أراضي الدول”، مهنئاً “البلدين والشعبين الجارين على هذا الإنجاز المهم”.

خاتمة

بالتوصل إلى الاتفاق، تكون أرمينيا وأذربيجان قد تقدمتا خطوة على طريق إنهاء النزاع، لكن الوصول إلى السلام المنشود يحتاج على ما يبدو إلى المزيد من الجهود لإزالة ما اعترى علاقة البلدين من صراعات حدودية كانت كلفتها البشرية والمادية مرتفعة جداً، ولعل المواقف التي صدرت في أعقاب الاعلان عن التوصل إلى الاتفاق توحي بأن التوتر لا يزال قائماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *