هجومٌ مُرتقب على “رَفح” يليه تَصعِيدٌ بالشّمال!
بقلم: زينب عدنان زراقط
بينما التّهديد الإسرائيلي بهجوم برّي على رفح يتفاقم، تزداد حِدّة ضربات العَدوّ وتتوسّع على لبنان أيضاً، ما بين جنوبه إلى بقاعه؛ وسطَ تنبؤاتٍ بعمليّةٍ برّية في الشمال بعد الانتهاء من غزّة واحتلال رفح!.
ولكن لحدِّ الآن، ضربات الأخذ والرّد ما بين “حزب الله” والصّهاينة، ما تزال ضمن إطار القواعد ومعادلات الرّدع، فعلى قدَرِ ما يتهوّر العدوّ يلقى القصاص المُؤلِم، وعلى قاعدة “بتوسّع منوسّع”! فهل يُقدم الإسرائيلي فعلاً على عملية عسكرية ضدّ “رفح”؟ وإلى أين ستؤدي تطورات الاشتباك في الشّمال مع “حزب الله”؟!.
العدوان رهنُ قرارٍ أمريكي وأزمة إسرائيلية في الدّاخل
مع تداول الإعلام العبري الحديث على أن الجيش الإسرائيلي قرّر تغيير سياسة الرّد في لبنان، ورفع شدّة الضّربات واتّساعها مقابل كل هجوم، مع استعداد أكبر للحرب.. وما نقلته صحيفة “إسرائيل اليوم” نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين أنه “بعد رفح ستكون هناك عملية برية في الشمال”، بالإضافة إلى نشر معلومات حول أن مسؤولين أمريكيين قد أبلغوا “إسرائيل” أنهم ينوون إرسال جنرالات أمريكيين ليبحثوا مع ضباط في “الجيش” الإسرائيلي الخطط العملانية في رفح؛ وما هو إلاّ إجراءٌ مُشابه لما قام به الأمريكيون في بداية الحرب قبل المناورة البرية في غزّة، حيثُ يزعمون أنه بدون التحرك في رفح لن يكون من الممكن القضاء على قدرة حماس العسكرية والحكومية. يأتي ذلك من بعد أن ضعُفت همجية العدوان على غزة في الآونة الأخيرة وانخفضت وتيرة القتال فيها، إثر تدمير شمالها بالكامل وتهجير سُكّانه بعد ما يقاربُ الستة أشهر من الحرب، دون أن يستطيع فيها الاسرائيلي ليَّ الذراع العسكري لحماس، حتى لم ينجحوا بإبرام صفقةٍ لتبادل الأسرى واسترجاع مُحتجزيهم المخبئين في أنفاق غزة… وفي هذا الصدد يطرح “نتنياهو” على واشنطن تحديد موعد جديد لإرسال وفد إلى أمريكا لمناقشة “اليوم التالي للحرب”، بعد تراجعه عن الزيارة السابقة التي ألغاها – تداعياً على امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن -، من بعد لقائه مع السيناتور الأمريكي “سكوت” الذي جاء إلى القدس المحتلة منذ يومين، لمُعالجة التّوتر السياسي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، حيث برّر رئيس حكومة العدو أنّ فعلتهُ التي قام بها كانت “مُجرّد رسالة لحماس بعدم الاعتماد على الضغوط الدولية”.
واقعاً، يربط كيان العدو المُباشرة بعملية رفح بنتيجة المفاوضات وما هو إلاّ أُسلوبٌ لتشكيل مزيد من الضغط على المقاومة لتُقدّم تنازُلاتٍ وتُبدّل من أولوياتها. إلاَّ أنّه وإن كان صحيحاً أنّ عملاً برّياًّ من المُمكن أن يقع بِغضّ النّظر عن حدوده وحجمه، لكن ذلك لم يكسر إرادة المقاومة الفلسطينية التي بقيت ثابته على مطلبها من وقفٍ للحرب وانسحاب للاحتلال وعلى أنّها لن تُساوم أو تُبدّل في أولوياتها، وقد أبلغت الوساطات أنّ أيّ عمل بري مُعادٍ في رفح سيتم مواجهته.
وسط توتّرٍ داخلي عالٍ في كيان العدو من خطر حدوث انفجارٍ طائفيّ من قرار تجنيد “الحريديم” الّذي يُصرّ عليه وزراء بحكومة العدو منهم “غانتس” وزعيم المعارضة “لبيد” – للنقص الهائل في صفوف الجيش الإسرائيلي وحاجتهم لجنود الاحتياط – وتهديد الأحزاب الدّينية لنتنياهو بالاستقالة من الحكومة في حال عدم إقراره لقانونٍ يلغي إعفاء “الحريدم” من التجنيد الاجباري، والذي يُتوقع أنّه سيكون أول مسمار في نعش الكيان الغاصب وبادرة تفكُّكِه الداخلي، ليس ذلك وحسب بل إضافةً إلى الأزمة التي يُقاسيها نتنياهو من مطلب حزب ساعر دخوله إلى حكومة الحرب مع غانتس وآيزنكوت، الذي استفزّ رئيس عوتسما يهوديت إيتامار بن غفير للمُعايرة بقرينه ساعر والمُطالبة أيضاً على حصوله على مقعد هو الآخر في منتدى إدارة الحرب، – وكُلٌ يُغنّي على ليلاه – ما شكَّلَ أزمةً رئيسية لنتنياهو وحكومته؛ حتى وصلت حدِّة الخلاف في البرلمان الإسرائيلي إلى عدم حضور أي عضو من أعضاء الكنيست اجتماع الحكومة الأخير على الرُغم من احتدام القصف في الشمال!.. فإن كان نتنياهو يرمي من المماطلة في إطالة أمد الحرب تخوّفاً من أن تسقط حكومته ويُفتضح ويُحاسب ويُرمى به إلى السجن، فهل يسقط نتيجة انهيار داخلي؟.
حربُ الشّمال بين الرّدع وخطورة التّوسّع!
من لُبنان، – وعلى أقرب التّصورات – يتّضح أن الإسرائيلي جُنّ جنونه بآخر ضرباته التّصعيدية على لُبنان، التي قد جاءت بعد تلقّيه خسائر موجعةٍ من استهداف المقاومة لمواقعه وقواعده… حيث تبيّن للعدو مليّاً من خلال ضربات المقاومة، قوة يدها وفرضها للمعادلات والحسابات مهما كان شأنها أو حجمها على العدو، المقاومة اللبنانية من جبهتها الجنوبية، التي تستنزف الإسرائيلي شمالاً منذ اليوم الأول بتنفيذ ضربات على المستوى الصاروخي والجوي وتحافظ على الردع من خلال عدم إعطاء العدو فرصةَ كسرِ تلك الخطوط أو تثبيت حالة معينة كالقصف الذي تعرّضت له مدينة بعلبك أو مناطق الجنوب اللبناني. ونتيجة استهداف العدو للطواقم الطبّية للهيئة الصّحية اللبنانية وكشّافة الرسالة الإسعافية، ذاقت إسرائيل أصعب أيام حرب الشمال منذ بداية العدوان – حسب توصيف العدو -، من وابل الصواريخ التي اُطلِقت على “كريات شمونة” واستهدافها للتجهيزات التجسسية في موقع مسكاف عام وإصابتها بشكلٍ مباشرة، كذلك موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة. إلاّ أن ما صعق العدو واستوقفه هو استهداف قوة مشاة لجيشهِ – من فرقة غولاني – داخل خيمة في حرش راميم بالأسلحة المناسبة وإرداء أفرادها ما بين قتيل وجريح، حتى استدعى محلليهم القولُ بأن مجُاهدي المقاومة يراقبون ويعرفون أدقّ التفاصيل عن تحركات جيشهم – حتى بلغ بهم القول إن “حزب الله” يُراقبهم بغُرف نومهم -!.
فعلى ما يبدو أن الوضع في ترقُّبٍ حَذر، ودراسةٍ دقيقةٍ لكُلِّ ضربةٍ ما بين الجبهتين، إلاّ أنّه بالمبدأ العام، الوضع يقع ضمن إطارٍ مُستتبٍّ حتى الآن، بيد أنّه وبالإطار العام، قواعد الاشتباك ترتكز عادةً على الفعل وردّ الفعل وتكون محصورةً بمناطقَ محدّدةٍ بردودٍ ميدانيةٍ موجعةٍ لكن لا تؤدي إلى حرب. وحتى الآن وعلى الرُغم من تجرّؤ العدو على الضرب خارج حدود الخطوط الحمراء، في اعتداءاتٍ قد طال بها مناطق جنوبية لبنانية من الهبّارية إلى طير حرفا والناقورة وبشكلٍ مُتعمّدٍ وسافر بضرب المدنييّن والمُسعفين، ما يزال بإمكاننا اعتبار أن بنك الأهداف لا يزال محدوداً ولم يتوسّع، لكن للمقاومة تكتيك خاص على مستوى المرحلة الحالية، من النقاط المهمة المستهدفة وباعتراف العدو عن تفاجُئه بالمعلومات الدقيقة التي تمتلكها المقاومة جغرافياً وفيزيائياً ومعلوماتياً، تؤكّد أنّ الضّربات كلّما تُمسي موجعة أكثر على كيان العدو وتؤدي المطلوب من تدميرٍ وتعطيلٍ وإعطابٍ… إلاّ أنه وباعتراف وسائل إعلامهم، فإنهم يعملون على التكتم عن الخسائر البشرية… كُلّ ذلك والعدو يعلم أن هذه الحرب هي ليست حرب “حزب الله” الحقيقية وليست بحجم قوته وسلاحه المتطور، علماً أن صواريخ الكاتيوشا التي تُطلقها تؤدي دورها التكتيكي والفني باحتراف، وتتخطّى القبة الحديدية لسُرعتها إلاّ أنّ قواعد الاشتباك هذه أبقت على مفاجآت المقاومة من أسلحتها الثقيلة والمُدمّرةِ وتكتيكاتها النوعية ومديات وصول صواريخها قيد الكتمان والتحفّظ للآتي… وذلك ما يتخوّف منه الإسرائيلي ويُعرب عنه أحد الجنود في قوله “لن نذهب إلى حربٍ ضدّ حزب الله، فنحنُ لن نتوجهَ إلى عملٍ انتحاري”!.
المقاومة حالياً بفطنتها، تختار تكتيكاً بالسلاح نوعاً وكمّاً للمحافظة على قواعد الاشتباك ومحدوديته، حيث بدا استخدام صواريخ أرض أرض إلى بركان وألماس وغيرها وتعتمد بنك أهداف عسكرية عالي الأهمية في شمال فلسطين المحتلة، وما يساعدها هو طبيعة الأرض حيث تسمح لها بقصفها من دون توسيع رقعة الاشتباك.
لكن توسعة رقعة الاشتباك جغرافياً مع حزب الله، قد تخرج بأي لحظة عن الضبط والسيطرة حال عدم تقدير الأمور من العدو، هذا ما سيؤدي إلى استدراج حزب الله للضرب بالعمق الإسرائيلي وسيُعتبر ذلك إعلاناً للحرب، وعلى مبدأ المقاومة بأنّ “الاحتمالات كُلّها مفتوحةً”، يبقى الوقت وحده رهيناً بالإفصاح عن المستجدات، فهل تختار إسرائيل الانتحار في الجنوب اللبناني أم يمسّها الانهيار من داخلها بخطوةٍ سبّاقة على تهورها…؟.