إقليميات

اليمن يقاتل على جبهتين ضد أمريكا وإسرائيل اسناداً لغزة

بقلم نوال النونو

وتفاجأ اليمنيون يوم 15 رمضان الموافق 15 مارس آذار الماضي بغارات عنيفة على العاصمة صنعاء، ومحافظات [صعدة، وحجة، وذمار، والبيضاء] أسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 30 مدنياً بينهم نساء وأطفال، لتفتح واشنطن بعد ذلك مساراً جديداً في المواجهة مع اليمن، يرتكز على استهداف المدنيين، بعد أن كانت إدارة [بايدن] السابقة تتجنب ذلك، وتقتصر في عملياتها الجوية على استهداف المنشآت والمواقع العسكرية.

 لم يكن اليمن في حالة حرب مع واشنطن، بل اتجهت صنعاء لفرض حصار على الكيان الصهيوني، في إطار المساندة لغزة، بهدف إدخال المساعدات إلى القطاع الذي يعاني سكانه من الجوع والعطش.

 ولهذا يبرر الأمريكيون عدوانهم الجديد على اليمن، بأنه يهدف إلى اجبار الحوثيين على عدم تهديد حركة الملاحة في البحر الأحمر، مع أن اليمن – كما أسلفنا – لم يهدد الملاحة، وإنما اقتصرت عملياته على السفن الإسرائيلية، ولهدف وغرض معين، وهو رفع الحصار الصهيوني على قطاع غزة.

 ونتيجة لهذا العدوان الغاشم على اليمن، فقد انطلق اليمن مباشرة للتصدي له، مركزاً على مصدر اقلاع الطائرات الأمريكية، والتي تنطلق من حاملة الطائرات [يو إس إس هاري ترومان] أقصى شمال البحر الأحمر، ولهذا كثفت القوات المسلحة اليمنية استهدافها للحاملة ترومان بالصواريخ المجنحة والباليستية والطائرات المسيرة، الأمر الذي أعاق مخطط واشنطن لتنفيذ ضربات موجعة ومؤلمة في اليمن.

  ويتضح من خلال مسار العمليات، أن اليمن لجأ إلى استراتيجية إعاقة الخصم، بحيث لا يتمكن من إلحاق الضرر بالمدنيين، وبالبنى التحتية اليمنية، كما امتازت العمليات اليمنية بقدرتها على جمع المعلومات الاستخباراتية في الوقت المناسب، ثم توجيه الضربات الاستباقية على العدو، قبل تنفيذ مخططه، وهذا ما حدث من خلال استهداف الحاملة ترومان للمرة الرابعة على التوالي حتى كتابة هذا التقرير الخميس الماضي.

 وعلى الرغم من التصريحات المتشنجة للإدارة الأمريكية التي رافقت الحملة الجوية العسكرية على اليمن، وتهديد ترامب بأنها سيستخدم القوة الساحقة المميتة ضد الحوثيين، إلا أن اليمن استقبل العدوان بثبات وثقة واطمئنان، واتضح ذلك من خلال تأكيد السيد القائد عبد الملك الحوثي بأن العدوان الأمريكي على اليمن سيفشل، ولن يحقق الأهداف التي رسمها، مؤكداً أنه إذا استمر العدوان، فإن اليمن سيلجأ إلى خيارات إضافية تصعيدية ستؤلم العدو الأمريكي وتزعجه.

 الرسالة الثانية التي بعثها اليمن، كانت من خلال الاحتشاد الجماهيرية المليوني المهيب في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات اليمنية الاثنين الماضي، حيث أكد المحتشدون وقوفهم خلف القيادة الثورية ممثلة بالسيد عبد الملك الحوثي، ومعلنين جاهزيتهم للمواجهة، مهما كانت التحديات.

 ولهذا، فقد تضافرت كافة العوامل لصمود الشعب اليمني أمام الهجمات الأمريكية الشرسة، وهو صمود اكتسبه اليمنيون من خلال تجربة 10 سنوات مضت، خلال العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، والذي كان أشد وأنكى مما هو عليه اليوم.

 وفق كل المؤشرات، فإن الفشل والإخفاق هو سيد الموقف للأمريكي، ويمكن القول بأن الرئيس ترامب يشعر بالإحباط والعجز، ولا يملك الآن سوى المزيد من إطلاق التصريحات لتهديد اليمنيين بإبادتهم وسحقهم، لكنها كما يرى الكثيرون دليل على الفشل، والعجز في مواجهة اليمنين، حيث لم تكن إدارة ترامب تتوقع الرد اليمني السريع والقوي، وخصوصاً باستهداف حاملة الطائرات ترومان، والقطع الحربية المرافقة لها، الأمر الذي جعل وزير الخارجية الأمريكي يصف الحوثيين بأنهم “وحش مرعب”.

 وحتى هذه اللحظة، لم تحقق القوات الأمريكية انتصاراً على اليمن، بل أنها دخلت الحرب هذه المرة منفردة، وفي خطوة متهورة، فكما هو معروف منذ عقود سابقة، فإن الأمريكيين لا يدخلون في حرب مع أية دولة إلا في ظل تحالفات، وهذا ما حدث في غزوهم للعراق وأفغانستان، وحتى في عدوانهم السابق على اليمن، حيث دخلوا في تحالف “حارس الازدهار” أثناء معركة طوفان الأقصى، وفي تحالف قادته السعودية تحت مسمى “عاصفة الحزم”.

تل أبيب.. مرة أخرى تحت النيران اليمنية

وبموازاة هذه الأحداث، استطاعت القوات المسلحة اليمنية الدخول في مسارين ناريين لمواجهة أمريكا وإسرائيل، فهي تشتبك مع أمريكا في البحر الأحمر، وتحكم الحصار على إسرائيل فيه.

  ومن جانب آخر، واصلت القوات اليمنية إطلاق الصواريخ الفرط صوتية باتجاه عمق الكيان، حيث استهدفت في المرة الأولى قاعدة “نيفاتيم” في النقب، والتي تنطلق منها الطائرات الصهيونية للعدوان على قطاع غزة، كما أطلقت صاروخاً فرط صوتي آخر فجر الخميس الماضي، استهدف مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب.

 وبذلك، تكون اليمن قد أوصلت عدة رسائل من خلال الأحداث الأخيرة العاصفة، فهي من ناحية تؤكد وفاءها وتضامنها مع فلسطين، بالقول والفعل، وتبذل كل ما تستطيع فعله من أجل رفع المظلومين عن سكان قطاع غزة، مستخدمة سلاحين هامين، هما: فرض الحصار على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وإطلاق الصواريخ الفرط صوتية على عمق الكيان.

 أما الرسالة الثانية، فهي للأنظمة والشعوب العربية والإسلامية، ومفادها بأن اليمن الذي خرج من ركام الحرب، لم يسكت على مظلومية غزة، وهو موقف يجب أن يشمل جميع الدول العربية والإسلامية، والتي لو تحركت وكان لها موقفاً عملياً لما حدثت جرائم الإبادة والحصار على غزة.

 وتأتي رسالة اليمن الأخيرة للجانب الأمريكي، بأن عصر الهيمنة والاستكبار قد ولى، وأن الشعوب والدول الحرة والمستقلة تستطيع أن تدافع عن نفسها، وعن عزتها، وكرامتها، إذا ما امتلكت الإرادة، وإذا ما كان هناك تناغم شعبي مع القيادة، وهذا ما هو حاصل بالضبط في اليمن.

 قد تتجه الأحداث إلى مستوى تصعيد خطير، وهذا مرتبط بمستوى الإيقاع الأمريكي واستمراره في العدوان على اليمن، لكن ما هو مؤكد أن استمرار العدوان الأمريكي سيفتح على الأمريكيين ناراً لا يمكن اطفاءها، وغير مستبعد أن يتم استهداف القواعد العسكرية في المنطقة، أو استهداف حاملات النفط المتجهة إلى أوروبا وأمريكا إذا ما تعقدت الأمور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *