تصاعد الحرب الأمريكية الصهيونية في إقليم الشرق الأوسط
بقلم توفيق المديني
في ظل تصاعد الأزمة بين رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو، ورئيس الشاباك المقال رونين بار، ورئيس الجهاز السابق نداف أرغمان، الذي قدم ضده شكوى للشرطة، فإنَّ سلسلة الشخصيات الصهيونية، التي رفضت نموذج الحكم الحالي الذي يجسّده نتنياهو، على حساب مؤسساتها، آخذة في الازدياد.
وألقتْ هذه الخلافات بظلال صعبة على مستقبل النظام السياسي الصهيوني، وكذلك على عائلات الأسرى الصهاينة في غزة لدى حماس، التي لم توافق على تمديد المرحلة الأولى، وأصرَّتْ على الشروعِ في المرحلة الثانية من الصفقة، ومن وجهة نظرها فإنَّ عدم إحراز تقدم نحو المرحلة الثانية يُعَدُّ انتهاكاً للاتفاق، أما نتنياهو فلم يوافق على المرحلة الثانية، لأنَّه، من وجهة نظره، يعتبرها بمثابةِ هزيمةٍ تتجلى معالمها في الانسحاب، وإعادة الإعمار، وحتى بقاء حماس مع قوتها العسكرية.
نتنياهو استأنف الحرب العدوانية على حماس لإفشال الاتفاق
ولهذا، أمر نتنياهو جيش الاحتلال الصهيوني بشن العدوان الجديد على قطاع غزَّة في ليل الاثنين تحت اسم “بأس وسيف” بعد عدم استجابة حماس للمنحى الذي اقترحه المبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف، لتحرير بضعة من الأسرى الصهاينة مقابل استمرار وقف النار.
ونفذ سلاح الجو الصهيوني هجوماً مفاجئاً، على قطاع غزة، أسْفَرَ عن استشهاد 424 فلسطينياً، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 560 جريحاً، حسب بيانات حماس، بينهم شخصيات كبيرة في حماس، الذين يعملون في مكاتبها الحكومية في غزة. وتم الإعلان منذ صباح الثلاثاء، عن استشهاد عضو المكتب السياسي لحركة حماس، ورئيس لجنة متابعة العمل الحكومي المهندس عصام الدعاليس وثلاثة من أبنائه، بالإضافة إلى اثنيْن من أحفاده في القصف الصهيوني على قطاع غزة. وأعلن كذلك عن استشهاد عضو المكتب السياسي لحركة حماس أبي عبيدة الجماصي، وزوجته وعدد من أبنائه وأحفاده. ومن بين المسؤولين الأمنيين الذين استشهدوا، العميد بهجت أبو سلطان، مسؤول جهاز الأمن الداخلي في قطاع غزة.
استئناف نتنياهو الحرب العدوانية في قطاع غزَّة، يأتي في سياق ممارسة سياسة الهروب إلى الأمام لإنقاذ حكومته، والخوف من الدخول إلى السجن في حال سقوط ائتلافه الحاكم، فالذي خرق اتفاق الهدنة هو نتنياهو وليس حماس، ففي اليوم الـ 16 للاتفاق كان يفترض بالأطراف أن تبدأ بالمباحثات على المرحلة الثانية – المرحلة التي في نهايتها من المتوقع أن يتحرَّر باقي الأسرى الصهاينة -، لكنَّ حكومة نتنياهو الفاشية رفضت البحث فيها. ولهذا، يأتي استئناف الحرب لممارسة مزيدٍ من الضغط على حركة حماس للوصول إلى اتفاقٍ يحقق رغبات نتنياهو وإدارة ترامب الأمريكية.
وكما خرقت حكومة نتنياهو تعهدها بأن تنسحب من محور فيلادلفيا من اليوم الـ 42 حتى اليوم الخمسين للصفقة، فضلاً عن ذلك أعلنت عن وقف إدخالِ المساعداتِ الإنسانيةِ إلى القطاع وإغلاقِ المعابرِ. هذا القرار وكذا تعليمات وزير الطاقة بوقف توريد الكهرباء المقلص من الكيان الصهيوني إلى قطاع غزة، تخرق صراحة تعهد الكيان الصهيوني في الاتفاق بأنَّ إدخالَ المساعداتِ سيستمر طالما استمرتْ المحادثاتِ على المرحلة الثانية.
الموقف الأمريكي
كل الاقتراحات التي تلقتها حماس من المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف مصدرها في رفض الكيان الصهيوني تنفيذ نصيبه من الاتفاق، ولهذا استأنف العدو الصهيوني حرب الإبادة من جديد، وبموافقة كاملة من إدارة ترامب الفاشية، ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والهدف واضحٌ وجليٌّ، ألا وهو تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. فالوسيط الأمريكي اليوم منحازٌ بالكاملِ للكيان الصهيوني، وهذا العدوان جاء بتنسيقٍ واضحٍ بين واشنطن وتل أبيب، حيث يبدو أنَّ إدارة ترامب منحتْ نتنياهو ضوءاً أخضرَ لتوسيع العمليات العسكرية، في محاولة لكسْرِ إرادةِ المقاومةِ. وطالما صرَّحَ الرئيس الأمريكي بأنَّه يرْغَبُ في تهجيرِ سكان القطاع إلى دولٍ مجاورةٍ وتحويل منطقة غزة إلى “ريفيرا” تقام عليها مشروعات استثمارية، بل إنَّه ذهب إلى أبعد من ذلك عندما عرض شراءها.
فقد ذكرت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولين ليفيت أنَّ الكيانَ الصهيونيَّ تشاورَ مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غاراته على غزَّة يوم الثلاثاء الماضي. وقالت في مقابلةٍ مع قناة فوكس نيوز “مثلما أوضح الرئيس ترامب، فإنَّ حماس والحوثيين وإيران، وكل من يسعى لإرهاب ليس “إسرائيل” فحسب، وإنَّما الولايات المتحدة أيضاً، سيدفع ثمناً باهظاً. ستُفتح أبواب الجحيم”.
استئناف الحرب العدوانية لإنقاذ حكومة نتنياهو
الهدف الأسمى من استئناف حرب الإبادة الصهيونية في القطاع تم تحققه بسرعة مع عودة إعادة ايتمار بن غفير وحزب قوة يهودية إلى الحكومة الصهيونية، وهو الهدف الذي تم تحققه بسرعة، وتمرير الميزانية، وهو الخطوة التي ستمكن من بقاء حكومة نتنياهو الفاشية التي كانت آيلة للسقوط، ومن بعدها يدخل نتنياهو السجن بسبب تهم الفساد الذي تلاحقه. إضافة إلى ذلك، العدوان الصهيوني على غزَّة استهدف أيضاً حرف الانتباه عن الاحتجاج على إقالة رئيس الشباك. بالنسبة لرئيس الحكومة الصهيونية الفاشية نتنياهو، فإنَّ الأسرى الصهاينة يمكن التضحية بهم في الطريق إلى تغيير النظام.
الكيان الصهيوني هو من خرق بشكل متعمد اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس بمصادقة أمريكية، لأنَّه لم يرغب في الوفاء بكل الشروط التي تعهد بها قبل شهرين. لا توجد طريقة أخرى لتفسير قرار استئناف الحرب في قطاع غزة. ويعتقد نتنياهو أنَّ استئناف الحرب العدوانية على حماس هو الذي سيمكن من إعادة الـ 59 أسير، الأحياء والأموات، من القطاع. علماً أنَّ هناك تقريبا 40 أسير ماتوا في القطاع في ظروف مختلفة بعد أن تم أسرهم أحياء عقب عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر2023.
بصرف النظر عن استئناف نتنياهو الحرب العدوانية على قطاع غزة، الكيان الصهيوني بوصفة ثكنة عسكرية أمريكية متقدمة مغروسة في فلسطين المحتلة قلب العالم العربي، ومرتبط عضوياً عسكرياً ومالياً وتكنولوجياً بالإمبريالية الأمريكية في طورها الفاشي الراهن بقيادة ترامب ، هذا الكيان الصهيوني يعيش الآن أزمة وجودية، أما ديمقراطيته الليبرالية التي يتبجح بها ويتفاخر بها بأنَّها الوحيدة الموجودة في إقليم الشرق الأوسط، فهي تنازع الحياة أمام أنظار المستوطنين الصهاينة، وأحزابهم، في ظل سيطرة جموع فاشية على المحكمة العليا. الديمقراطية الليبرالية الإسرائيلية تلفظ أنفاسها، لأنَّ الثقافةَ السياسيةَ الديمقراطيةَ تُخْلِي مكانها لثقافةٍ سياسيةٍ شموليةٍ، استبداديةٍ، وفاشيةٍ.
أما نتنياهو، فهو لا يستطيع العيش والبقاء في السلطة إلاَّ بواسطة خوض الحروب، فهو مصاب بتضارب مصالح واضح، ويُدْفَعُ قُدُماً بقوة بخطوة مزدوجة تستهدف السماح له بأن يسيطر على كل مراكز القوة في الكيان الصهيوني. فعودة الحرب خيار يميني صهيوني متطرف، واستطاع نتنياهو نقل الكيان وقياداته ومؤسساته لحالة جديدة من الفاشية الصهيونية، والتي لم يكن يراهن عليها كثيراً، على الرغم من أنَّ الدولة العميقة كالمؤسسة العسكرية، كانت تميل لنوع من العقلانية بتقدير الأمور.

العدوان العسكري الأمريكي – الصهيوني المرتقب ضد إيران
قبل بداية الحرب الإقليمية الكبيرة والمرتقبة ضد إيران، تشن إدارة ترامب من خلال أسطولها البحري المتواجد في البحر الأحمر والمحيط الهندي غارات جوية ضد مواقع الحوثيين في اليمن. ومع ذلك، فإنَّ حملة القصف التي بدأت منذ أيام تصطدم بالقيود السياسية والصناعية الأمريكية، بما في ذلك مخزوناتٍ محدودةٍ من الأسلحة الدقيقة، وأزمةٍ إقليميةٍ أوسع، وجماعة الحوثيين التي لن تتراجع على الأرجح، حتى في مواجهة الإمبريالية الأمريكية.
ومنذ بداية الغارات الأمريكية، ضربت المقاتلات والسفن الحربية أكثر من 30 هدفاً في اليمن، واستهدفت القيادة الحوثية ومخازن الصواريخ، في عملية قال الرئيس دونالد ترامب إنَّها ستستمر حتى “تحقيق أهدافنا”. وحذَّرَ من أنَّ أيَّ هجومٍ حوثيٍّ ضد أهداف أمريكية سيعتبر هجوماً إيرانياً وستكون له تداعيات “خطيرة”.
في ظل إدارة بايدن السابقة، كانت تنسق غاراتها التي شنتها ما بين 2023- 2024 مع الفرنسيين والبريطانيين كجزء من تحالف أوسع. ولا يبدو أن إدارة ترامب مهتمة بإعادة تشكيل هذا التحالف. وقالت دانا سترول، المسؤولة البارزة في البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط أثناء إدارة بايدن: “العنصر المهم والمفقود هذه المرَّة هي القوة متعددة الجنسيات”.
وسلطت وزارة الدفاع الأمريكية، الثلاثاء الماضي، الضوء على جهودها المنفردة. وتحدث وزير الدفاع بيت هيغسيث مع وزير الدفاع القطري الشيخ سعود آل ثاني، وفقاً للبنتاغون، “لمناقشة العمليات الأمريكية للقضاء على تهديد الحوثيين للتجارة الأمريكية واستعادة حرية الملاحة الأمريكية”. وقالت مجلة “بوليتيكو” الأمريكية في تقريرها الصادر يوم 19مارس2025، وترجمته صحيفة عربي 21: إنَّ حملة القصف قد تزيد من أعباء إمدادات الأسلحة الأمريكية التي تكافح بالفعل لمواكبة الشحنات المستمرة منذ ثلاث سنوات إلى أوكرانيا والجهود السابقة ضد الحوثيين والصواريخ للهجمات الإسرائيلية في غزة والدفاعات ضد الهجمات الإيرانية.
وأطلقت الولايات المتحدة أكثر من 800 صاروخ خلال حملة القصف الجوي التي شنتها عام 2024 ضد الحوثيين في اليمن، بما في ذلك 135 صاروخاً من طراز توماهوك، بلغت تكلفة الصاروخ الواحد مليوني دولار، بالإضافة إلى 155 صاروخا تقليديا من سفن حربية أمريكية، تتراوح كلفة الصاروخ الواحد منها بين مليوني دولار و4 ملايين دولار. فقد بلغت كلفة الصواريخ الأمريكية التي أطلقتها ضد الحوثيين في اليمن أكثر من 2 مليار دولار خلال العام 2024.
وقال الجنرال المتقاعد كينث ماكينزي الذي قاد القيادة المركزية ما بين 2019 – 2022 في عهد كل من ترامب وبايدن: “ظلت الإدارة السابقة تعيش في أسر التصعيد، وقيدت نفسها بكل ما يلزم القيام به” و”هذه الأهداف أوسع وأعمق مما اختارت إدارة بايدن ضربه”. وعلق قائلاً إنه في حين أن مهمة طويلة الأمد قد ترهق البنتاغون وتحول انتباهه عن ردع الصين، لكنها ستضمن أيضاً حرية الملاحة عبر أحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم. وقال: “هناك مخاطر، ولكنني أعتقد أن هناك مخاطر كبيرة بعدم التحرك”.
وفي النهاية سيظل دور إيران مهماً ومدى سيطرتها على الحركة الحوثية والمدى الذي ستستمر فيه العمليات. ويقول صعب، المسؤول الدفاعي السابق: “المشاهد هو إيران، وهذا يطرح تساؤلاً حول ما إذا كان لدى الإيرانيين هذا النوع من النفوذ على الحوثيين ودفعهم إلى الهدوء”.
فقد قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن جماعة الحوثيين في اليمن لم يكن بمقدورها استهداف خطوط الملاحة في البحر الأحمر “لولا الدعم الإيراني”، وذلك في مقابلة، يوم الأحد الماضي، مع شبكة “سي بي إس نيوز”، ردّاً على سؤال حول الغارات الأمريكية العنيفة، السبت الماضي، على مواقع للحوثيين في اليمن.
تصريح تبعه آخر للسيناتور الجمهوري لينسي غراهام على للشبكة نفسها، قال فيه إنَّ إيران التي تقوم بتخصيب اليورانيوم “بدرجة 60% غير لازمة لاستخدامه في أغراض تجارية”، تريد “تصنيع القنبلة” النووية. وأضاف أن نسبة نجاح حملِها على صرف النظر عن هذا الهدف عبر الدبلوماسية والمفاوضات لا تزيد عن “واحد بالتريليون”.
ونقل موقع أكسيوس الأمريكي عن مسؤول ومصدرين وصفهما بالمطلعين قولهم إنَّ رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي وجهها إلى المرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي، تضمّنت مهلة مدتها شهرين للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، وذلك في الرسالة التي سلمها مبعوث ترامب ستيف ويتكوف، إلى رئيس الإمارات خلال اجتماع في أبوظبي.
وبحسب الموقع الأمريكي، ليس من الواضح ما إذا كانت المهلة تبدأ من وقت تسليم الرسالة، أو من بدء المفاوضات. لكنَّ الموقع رجح أنَّه في حال رفض إيران عرض ترامب وعدم الدخول في المفاوضات، فإن احتمالية قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية ستزداد بشكل كبير.
وقالت المصادر إنَّ رسالة ترامب إلى خامنئي كانت “صارمة”. فمن جهة، اقترحت مفاوضات حول اتفاق نووي جديد، ومن جهة أخرى “حذرت من العواقب إذا رفضت إيران العرض، واستمرت في برنامجها النووي”. وذكر ترامب في الرسالة أنه لا يريد مفاوضات مفتوحة بل مفاوضات لها نتائج. وحدد فترة شهرين للتوصل إلى اتفاق. وكشف المسؤول الأمريكي أن “إسرائيل والسعودية والإمارات اطلعوا على محتوى الرسالة”.
واليوم الأربعاء19مارس2025، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنَّ “على إيران وقف إمدادات الأسلحة إلى الحوثيين فوراً وتركهم يخوضون المعركة بمفردهم”، مضيفاً أنَّ الولايات المتحدة ألحقت أضراراً جسيمةً بالحوثيين والمرحلة القادمة ستكون أكثر تدميراً. وتوعد بـ “إبادة الحوثيين بشكل كامل”.
ومن وجهة نظر إيران، فإنَّه وعلى الرغم من ما تعرضت له حركة حماس وحزب الله من ضربات موجعة، فقد خرجتا رابحتين، نظراً لصمودهما أمام القوة العسكرية للإمبريالية الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني. كما أنَّ حركة حماس تمتعتْ ببعض الشعبية بين الفلسطينيين، ولا يزال حزب الله يتمتعُ بدعمِ الشيعة في لبنان. وفي اليمن، عزَّزَ الحوثيون المتحالفون مع إيران دورهم كداعمٍ ثابتٍ للقضية الفلسطينية وعضو رئيسي في محور المقاومة الذي تقوده طهران من خلال مهاجمة الكيان الصهيوني وتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر. لكنَّ إيران تعترف بأنَّ شبكة الشركاء التي عملت على بنائها لم تعد قوية اليوم، مثلما كانت قبل هجوم حماس على “إسرائيل” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.