إقليميات

الدّعم الخَليجِي للحَرب الأَمريكِية على اليَمن واستئنَاف حَرب غَزة

بقلم زينب عدنان زراقط

ترامب الذي اُنتخبَ على أساس أنه سيرعى السلام في المنطقة وإنهاء الحروب وهو الذي يسعى لإنهاء حرب أوكرانيا وهو الذي ألزم إسرائيل – حسبَ علمنا – بوقف إطلاق النار في غزة والتفاوض مع حماس، فما الذي حصل حتى تغيرت موازين المنطقة رأساً على عقب؟

تورط دول الخليج

المؤسف هو أن هذا الاتفاق الأمريكي الإسرائيلي ما كان ليكون لولا مصادقة دول الخليج، وهل ننسى أن ترامب قد قال للشعب الأمريكي أن كل طلقة تستخدم في الشرق الأوسط “هم” من يدفعون ثمنها ويمولونها – وليست من ضرائب شعبه -؟ وهذا الأمر فيه إشارة واضحة لدول الخليج وخصوصاً السعودية والإمارات اللتان عقدتا مباشرةً صفقات بمئات المليارات في أمريكا، وترامب لم يكتفِ بل طالب بإيصالها إلى الترليون!. هنا تُطرح علامات استفهام حول جعل السعودية مقرّاً لاجتماع الرئيس الأمريكي لتسوية الحرب الروسية – الأوكرانية باستضافة “محمد بن سلمان” وفي ظل تطورات استئناف الحرب على اليمن وغزة؟!.

من جهة تخاف السعودية أن تلحق بها ضربة من الحوثيين على المصالح الأمريكية في أراضيها وخصوصاً أن لهم سابقة بضرب “أرامكو” وما نتج عنها من أضرار وشللٍ في انتاج الطاقة، وهو ما لا تقدر عليه المملكة كون كل اعتمادها الاقتصادي والانتاجي الأساسي على النفط. ومن جهةٍ أخرى، لم يكن خروج الرئيس المصري “السيسي” مؤخراً متهماً اليمن بتعطيل قناة السويس وما تبعها من أزمة اقتصادية في بلاده في هذا التوقيت والتي لا علاقة لها في مجريات الأحداث وتطوراتها في المنطقة، علماً أن “سيناء” هي المحطة التي حددها الرئيس الأمريكي لتهجير الفلسطينيين إليها. وكون أن “مملكة الخير” هي “البقرة الحلوب” حسب زعم “ترامب” وتمدهم بـ “اللبن الأخضر”، هي من ستتكفّل بتكاليف التهجير والإسكان. وكل التصاريح الرافضة للتهجير والاستنكارات، ما هي سوى فقاقيع بوجه شعوبهم والمنطقة، أمّا في النهاية فالخطة مرسومة بدقّة وكُلٌ ينفذ الأوامر الموكلة إليه حسب تعليمات البيت الأبيض.

ومن هنا، ليس مستبعداً خروج “ترامب” من جدّة عندما يأتيها مُصرّحاً، بأن حرب اليمن سوف تتوقف برعاية “محمد بن سلمان” من بعد وضع النقاط على الحروف بخصوص التهجير والتمويل والمكان الذي سيُرحّل إليه أهل غزة بموافقة الرئيس المصري الذي باشر الإحصاءات وعدّ البيانات لكل العرب المقيمين في مصر مؤخّراً. كُل ذلك يأتي استماتةً من الأمير السعودي بُغية تحصيل رضى الأمريكي، سعياً منه في رفع الثقة من أجل تعيينه ملكاً بعد خلافة أبيه الملك سلمان.

لم يقتصر الأمر على ذلك وحسب بالنسبة للمملكة العربية السعودية، بيدَ أن ترامب يريد استكمال مشروع أبراهام وصفقات التطبيع مع الدول العربية والذي أنجزتهُ كُلٌّ من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان في ولاية ترامب السابقة والآن جاء دور “السعودية”، وهذا ما سوف يُشكّل مُنقلباً في العالم العربي ويجرّ وراءه كل الدول العربية في المنطقة إذا تمّ، – هذا من جانب -، أمّا في المقلب الآخر سيوفّر إبرام التطبيع غطاءً يصرف به “نتنياهو” غضب المستوطنين ويكبح المظاهرات في إسرائيل، على أنَّ انجازاً مُضافاً قد صنعه بالدعم الأمريكي المطلق له.

أضف إلى تصريح مسؤولين أمريكيين ومصريين بأن الإمارات ضغطت على إدارة ترامب لنسف الخطة المصرية التي أقرتها جامعة الدول العربية – مع تشكيل قوة أمنية مشتركة من مصر والأردن، ونشر قوات حفظ سلام لضمان الاستقرار -، بحجة عدم توضيحها بشكل صريح كيفية نزع سـلاح حماس وإزاحتها من غزة. وتزامناً مع ذلك، قاد السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، حملة ضغط في واشنطن لدفع الإدارة الأمريكية إلى تبني موقف أكثر تشدداً تجاه غزة، كما حثّ مصر على قبول تهجير الفلسطينيين باعتباره “الحل الأمثل” للأزمة. وبما أن المشروع مموّل ومُصادق عليه خليجياً، فقد حذّرت واشنطن القاهرة من أنها ستخفض المساعدات العسكرية بحلول 2026، وسط اعتقاد بأن الحملة الإماراتية أثّرت على العلاقات الثنائية بين البلدين.

أوراق ضغط فاشلة

حتى الاعتداءات والاشتباكات عند الحدود اللبنانية – السورية وما تم تحميل المقاومة مسؤوليته بقتل ثلاثة عناصر من هيئة تحرير الشام، ليس سوى – ضجة – في محاولة لإرباك الداخل اللبناني وإدانة “حزب الله” بإخلال الأمن، كل ذلك كان يصب في موضع التحضير إلى ما قبل إعلان المضيّ في حرب غزة مجدّداً. فالغارات والاغتيالات المتفرقة التي ينفذها جيش العدو والاختراقات والضغوطات الأخيرة التي نفذها، ما هي سوى تهديدات لينشغل لبنان بواقعه وتحذيراً، حتى لا يقدم “حزب الله” على مُعاودة إسناد “غزة”.

إلا أن التقديرات الأمريكية حول شنّ الحرب على اليمن لإرضاخه، غارات مكثفة بأسراب من الطائرات، – والمجالات الجوية السعودية والخليجية مباحة – والقواعد الأمريكية في دول الخليج حاضرة، ولكن على الرغم من زعم الإدارة الأمريكية قتل المسؤولين الحوثيين عن إدارة إطلاق الصواريخ والعمليات البحرية على السفن الأمريكية، إلاَّ أنَّ اليمن لم يتوانَ عن ضرب حاملة الطائراتِ الأمريكية “يو أس أس هاري ترومان” والقطع الحربية التابعة لها عدة مرات واستهداف القواعد الإسرائيلية منها رامات ديفيد الجوية وضرب مطار بن غوريون وتعطيله وصولاً إلى العمق الإسرائيلي وضرب عاصمة الاحتلال “تل أبيب”.

فالموعد الذي حُدّدَ من قبل الإدارة الأمريكية للسماح لإسرائيل باستئناف حرب غزة هو اليوم عينه الذي كان من المفترض عرض “نتنياهو” على المحكمة في محاكمات تُهم الفساد بحقه، – فأُلغيت – بعدما شهدت الجلسات الأخيرة غضبه أمام القضاة ومطالبته بمزيد من الوقت للرد على تهم الفساد. فهل تكون عودة الاحتلال للحرب على غزة هي طوق النجاة الأخير لنتنياهو من أزماته غير المسبوقة، بين ميزانية قد تطيح به وضغوط اليمين المتطرف وملفات فساد وحكومته المهددة بالانهيار؟.

علماً أن البيت الأبيض قد أعلن نقلاً عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه “يدعم بالكامل” استئناف إسرائيل الضربات الجوية والعمليات البرية في قطاع غزة، محمِّلاً حركة “حماس” المسؤولية عن ذلك. وقالت المتحدثة كارولاين ليفيت، للصحافيين، رداً على سؤال عما إذا كان ترامب يسعى إلى إعادة تثبيت وقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني، إن الرئيس الأمريكي “يدعم إسرائيل والجيش الإسرائيلي بالكامل وكل الخطوات التي قاما بها في الأيام الأخيرة”.

في الخلاصة، بينما يريد الأمريكيون إخضاع اليمن، باعتباره ورقة الضغط الأخيرة في جبهة الممانعة في المنطقة الإقليمية وإنجاح مشروع تهجير سكان “غزة”، لذا يصبون مجهوداً حربياً كبيراً ومتصاعداً. فيما شَهَرَ اليمنيّ سيفه للاستبسال والمواجهة ضدّ أمريكا وإسرائيل، هذا الثبات سيشكل أسطورة أمام العالم، بحيث أن شعباً ساند قضية فلسطين ومظلوميتها من الإبادة الإسرائيلية، اعتدت أمريكا عليه وشنت حرب إبادة أخرى عليه، فلم يسقط وقاوم. فهل يكون اليمن “ملك البحر الأحمر” هو من يُلقّن “ترامب” وإسرائيل درساً يلجم به اعتداءاتهم الهوجاء في المنطقة؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *