إقليميات

أمريكا تضرب العراق للتغطية على مشاركتها في العدوان على غزة

بقلم: زينب عدنان زراقط

إقليمياً، وفي المحور المقاوم لـ “غزة”، اعتداءات أمريكية متتالية على سوريا والعراق، طاولت مواقع تعتبرها أنها لـ “فصائل المقاومة والحرس الثوري الإيراني”، وعمليات اغتيال غادرة لقادة المقاومة..

– بالتزامن مع جولة يقوم بها وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن -، ما يُظهر بشكل واضح عدم اطمئنان إدارة واشنطن للأوضاع في المنطقة، التي تعمل على إيجاد مسار سياسي مرافق للتطورات الميدانية، في محاولة لمنع جر المنطقة إلى صراع واسع ومفتوح.

والحديثُ البوم هو عن محاولات أمريكية لتحقيق تسوية إقليمية شاملة في المنطقة، وفق المنظور الأمريكي و”الإسرائيلي”، وليس معالجة موضوع غزة فقط، وهو ما تسرب في الأيام القليلة الماضية عن قرب التوصل إلى اتفاق من هذا النوع، وأهم ما فيه أنه يتضمن كلمات عمومية وغامضة عن التزامات “إسرائيلية” في قطاع غزة، وحل الدولتين، مقابل موافقة سعودية على التطبيع.

فما هي الأهداف التي تعمل إدارة بايدن وقادة الحرب على تحقيقها فيما يخص الحملات العدوانية والغادرة التي تستهدف العراق، وما تأثيرها على العدوان على “غزة” ومدى تواجد هذه القوات الأمريكية في العراق؟.

مكائد أمريكا لإبقاء قواتها في العراق

توقّع مركز “ستراتفور” للدراسات الاستراتيجية والأمنيّة، المعروف بأنّه “CIA الظلّ”، لأنّ معظم خبرائه وموظّفيه كانوا يعملون في CIA – وكالة المخابرات المركزية الأمريكية -، “ارتفاع التوتّرات بين إيران والولايات المتحدة، على أن تبقى محصورة في مسارح العمليات بالوكالة الحاليّة لتجنّب المواجهة المباشرة بين البلدين، معتبراً أنّ مدى التصعيد وصولاً إلى الحرب المباشرة قد يعتمد على وقف دائم لإطلاق النار بين حماس والكيان الإسرائيلي كما على نتيجة الانتخابات الأمريكية في عام 2024”.

على الرغم من استمرار هجمات الحوثيين على السفن التجارية قبالة سواحل اليمن لكن بوتيرة أخفّ نتيجة الحملة العسكرية الأمريكية وانخفاض عدد السفن التي تعبر البحر الأحمر، يرجّح المركز أن تتركّز الهجمات الأمريكية على العراق أكثر من غيره، وذلك لأنّ واشنطن وطهران قد أنشأتا سابقة قويّة في استهداف أحدهما مصالح الآخر في العراق، ويُعتقد أيضاً أنّ تأثير إيران على أعمال الحوثيين أقلّ من تأثيرها على المقاومة العراقية.

حيثُ تُعتبر الاعتداءات الإرهابية الأمريكية المتكررة على مقرات أمنية رسمية تابعة لقوات الحشد الشعبي المقرونة بالوصف الأمريكي الوقح حول “ميليشيات تابعة لإيران”، وهو وصف يهدف في حقيقته إلى تسويق فكرة أن رجال المقاومة في العراق يعملون بأجندات إيرانية والتي لا تراعي الشأن العراقي، وهذا الطرح برز جلياً من خلال بيانات عسكرية صادرة من قيادة الاحتلال الأمريكي ومتزامنة مع ما تنشره سفيرة الاحتلال بعد لقاءاتها بعدد من قادة الكتل السياسية حول “حرصها” على ما أسمته بالشراكة الأمريكية العراقية الشاملة، وهو طرح يهدف لإحداث شرخ في البنية السياسية والاجتماعية في العراق لتحييد موقف قوى المقاومة المبدئي تجاه قضايا المنطقة فضلاً عن المهمة الأساسية لهذه القوى في طرد الاحتلال. كما أن هذا الطرح هو عبارة عن محاولة أمريكية لإيجاد مظلة رسمية عراقية تستظل تحتها قوات أجنبية تم التصويت على طردها بعد الجريمة الأمريكية الشنيعة باغتيال قادة النصر (رض).

أمريكا تُراوغ أما العراق يقظ

من الأهداف الرئيسية لعمليات أمريكا في العراق:

1- التغطية على مشاركة أمريكا في الحرب الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني وخلق مظلة ومنطقة أمان وهمية لهذه المشاركة تغطي دول محور المقاومة عبر هذه الاستهدافات الفارغة.

2- حرف الأنظار عن لبّ المشكلة ألا وهي وجود الكيان الصهيوني وحروبه العبثية ضد أصحاب الأرض والمقدسات، بحرف الوعي وتغيير بوصلته من اتجاه كون هذه الحرب هي حرب أمريكية صهيونية ضد شعوب المنطقة إلى إشغال العراق وشعبه بخلافات جانبية مفتعلة أمريكياً وبريطانياً.

3- تقديم مُدَد زمنية إضافية لقادة الكيان الصهيوني في حربهم في محاولة من أمريكا لترميم الوضع الداخلي الصهيوني المتأزم سياسياً وعسكرياً وأمنياً.

4- محاولة فرض حلول سياسية على قياسات الكيان الصهيوني والتي تتوافق مع أمزجة قادته عبر التنسيق مع دول عربية هي عبارة عن ترديد لصدى ما يصدره السياسيون الأمريكيون.

 أخيراً والأهم، على الصعيد الداخلي العراقي، إنهم يُراهِنون على إثارة حالة مواجهة عراقية – عراقية لصرف الجهود والأنظار عن جرائم الاحتلال الأمريكي في العراق وجرائم الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، الذي كان جلياً من خلال تصريحات لمستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي بعد الهجمة الأمريكية – البريطانية – الأردنية العدوانية على العراق، في محاولة تحريضية واضحة للحكومة العراقية ضد المقاومة الإسلامية عندما قال بأنه يتوقع من الحكومة أن تتحرك لمواجهة ما أسماها بالـ “تهديدات ضد قوات الاحتلال”. ومثل هذه التصريحات تُنبئ عن المغزى الحقيقي لسياسة البيت الأبيض من وراء الاستهدافات ضد الحشد الشعبي الرامية لخلق فتنة بالداخل العراقي.

هنا يكمن دور الساسة العراقيين، الذين يشكلون الأغلبية الحاكمة والذين من المفترض أن تكون لهم الكلمة الفصل في السياسات العراقية الخارجية، بألا ينظروا إلى مسألة الاعتداءات الأمريكية الغادرة ضد قوات الحشد الشعبي بأنها مسألة اعتيادية، بل هو تعدّ خطير جداً على مؤسسةً رسمية مضافاً على ذلك ما تملك هذه المؤسسة من وجود راسخ وعميق في الوجدان العراقي، كما أنها محاولة أمريكية لكسر جدار الصد الأول ضد الإرهاب الدولي، ما قد يعني بأن أمريكا ستلجأ إلى تفعيل ورقاتها الإرهابية في المنطقة بعد أن كشفت عن حقيقة وجودها الصهيوني. كما أن الاستفادة من العامل السياسي الروسي ومبادرته في طرح ملف الاعتداءات الأمريكية في مجلس الأمن، خطوة مهمة جداً لبدء العمل فيها. كذلك إن اتخاذ موقف ضد جرائم النظام الأردني الذي يُعتبر حزاماً أمنياً للكيان الصهيوني من خلال قطع النفط العراقي عنه ومعاقبته على نهجه القديم الجديد في استهداف الشعب العراقي ومؤسساته الأمنية التي تضم خيرة أبنائه، هو واجب إزاء ما اعتدوا عليهم به.

المطلب الوحيد في هذه المرحلة هو الوعي العراقي، لتوحيد الجهود لمواجهة محاولة إدارة بايدن في إشغال الداخل، ووضع حل سريع وفوري للحدّ من العربدة الأمريكية التي ستستمر إن لم تُواجه بحزم وشدة، فما بذله الشعب العراقي من تضحيات لا يجب أن تُجيّر لصالح الأمريكي أو للتغطية على جرائمه، فالعراق هو الحلقة الرخوة سياسياً والتي يمكن للأمريكي أن ينفذ من خلالها عبر تخدير الواقع وترويضه.

ختاماً، ما سبق يؤكد أن العدوان الأمريكي على العراق أحدث منعطفاً جديداً وخطيراً في الصراع في المنطقة، وأن الإدارة الأمريكية لن تنجح في محاولاتها لتمرير معادلتها “الضرب لرد الاعتبار وليس لتوسيع القتال”، خصوصاً وأن عجز الحكومة “الإسرائيلية” عن إبرام أي اتفاق، واقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، سيجعل القرار بيد الرؤوس الحامية في الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني. فإن كان طرد القوات الأمريكية من العراق بات حتمياً، فأنّى للإسرائيلي الذي هو وليد أمريكا المهزومة بأن يبقى مُحتلاً في فلسطين؟.