رسائلُ في الصداقة
بقلم غسان عبد الله
عزيزي.. بعيداً عن اصطناعِ عباراتٍ وجملٍ نكتبها.. تتعبنا ونتعبها! بعيداً عن كلِّ المسافةِ بينَ موقِعكَ وأرضي!.. بعيداً عن كل شيءٍ قد يحيل القدوم إلى سَفرٍ أو القبول إلى رفضٍ أو الحنين إلى جفاء!. بعيداً عن كل هذا.. أقول: “بين حدِّ البعثرة وحدِّ الركود.. شعرةٌ!!، لا نصنعها بل تبدع في إحالة كل الثبات الذي يحوينا إلى رعشةٍ واهتزازٍ ومن ثَمّ إلى وقوفٍ بانتظارِ مستقبلٍ جميلٍ مخيف!! نسمعُ فنتعب، نقرأ فنتعب، نرى فنتعب، نفكر فنتعب!، ترى هل صنعنا التعب أم هو الذي صنعنا!!؟.
يقولون (البعيد عن العين بعيد عن القلب)!! لا أدري فعلاً إذا كانت هذه العبارة لها صفة الدوام؟!. عزيزي.. أنت رسمٌ جميل لم يكتمل!!، حيث تُصرُّ بجزءٍ بسيطٍ من تصرفاتك أن تحيلها – بنظري – إلى لوحةٍ جميلة لم تثبت في موقعها!!.
أخي وزميلي.. في مساحاتٍ من العمرِ ثمة اتصالٌ وتواصلٌ.. والتقاءٌ في أفئدةٍ تحنُّ كثيراً وتتعبُ كثيراً.. وفي نفسِ هذه المساحات نغادرُ أمكنةً ونصلُ لأمكنةٍ.. ونحتضِنُ أزمنةً وتحتضننا أزمنة، ونرى كثيراً من الوجوهِ، وتبتعدُ بنا الدنيا وتقرِّبُنا وقد يطولُ البعدُ وقد لا يطولْ!.. لكن، تظلُّ بعضُ الملامحِ وبعضُ القلوبِ لا يمكن نسيانها!!.. إذ أنها أوجَدَتْ لها في أعماقِ الذاتِ موقعاً من مكانٍ لا يتغير.. لا يتبدل.. لا يتحول.. لا ينقص!!. لذا قد يكون الابتعاد الزماني والمكاني مؤلماً محزناً، ولكن تبقى الذاكرةُ كفيلةً بأن تمدَّكَ ببقايا الأمل!. لذا.. أترك التعب – كثيرَهُ وقليلَهُ – إن كان هناك تعبٌ، وأنطلق إلى نفس المكان الذي أنتظرُكَ عنده.
أخي وحبيبي.. بين حدِّ الظمأ وحدِّ الارتواء.. مسافةُ ومساحةُ عناوينَ بلا مواقع!!.. إذ ثمة نزفٌ يحيلُ خطوطَ الأرضِ إلى تعبٍ لا مكانَ يحتضِنُهُ ولا زمانَ يلفُّهُ عدا مشوارٍ غيرِ قريبٍ من التَّعبِ المستمرِّ!!. حدُّ الظمأ.. مساحةٌ متراميةٌ تحيلُ ذكرياتِ الأمسِ إلى قلقٍ ينتابُ الدواخِلَ ويُحْرِقُ أبجدياتِ الوجودِ في سماءِ العدم!!.. حدُّ الظمأِ مسافةٌ من عنوانٍ لم تجد مفردهً تصوغُها حبراً لشمسٍ لا تشرقُ بجديدٍ عدا أمكنةٍ لا يغادرها التعب.. حدُّ الظمأ.. لا نهايةَ من التعب!! وحدُّ الارتواءِ انطلاقةٌ بلا خطرٍ لقدومٍ أكثرُ فرحاً!، حدُّ الارتواء هو السماءُ لنظراتٍ أرهَقَها البحثُ عن حدٍّ لانطلاقاتِ أعينٍ لا تلبَثُ بإحالةِ المكانِ إلى وجود!. حدُّ الارتواءِ مسافةٌ ومساحةٌ من أزمنةٍ غادرَها التعبُ والقلقُ بانتظار نهايةٍ غير متعبة!.
بين ذاك وذاك.. يكون الظمأُ والارتواءُ هو الإعلان الحقيقي للتواجُدِ على أرضٍ لا تحوي اثنين، يكونُ الظمأُ والارتواءُ سبباً للوجودِ أو عدمه!!، تُرى يا عزيزي هل أنت معي؟؟!.
أخي وحبيبي.. إلى من أجاد في كلِّ فنون العذاب!!.. بين أن أسمعكَ أو أستمتعَ ببقايا ربيعٍ لا يبدأ إلا بوجودكَ.. وبين أن تكتحلَ نظراتي وبقايا مسامعي وروحي بكتلةٍ من الألقِ الجاثمِ على روحِك.. بين هذا وهذا يكون للَّحظةِ سحرُها ويكونُ للعمر ربيعُهُ ويكون لحضورك جودةُ مكانٍ وروعةُ زمانٍ لا تغادرُهُ الفرحةُ إلا لمثلها!!.
عزيزي.. تبقى في الذاكرة مكاناً قصياً وعمراً ندياً وشريطاً يمتد لأقصى مدى.. وعلى الرغم من أن العمر لم يعد يعني بدونِ حضورِكَ نكهةَ القهوةِ إلا أن بقايا الذاكرةِ تظلُّ تُسعفُ الروحَ بمزيدٍ من التفاؤلِ بأنّ هناك قلباً ما زالَ ينبضُ!!.
ما أعنيهِ أنَّ كلَّ تواصلٍ هو امتدادٌ للبحثِ عن الشُّقِّ الآخرِ من السحابةِ التي تركُضُ بعيداً عن كلِّ الأراضي لكنها تصلُ إلى أرضٍ تستحقها!! إن السّحاب والذاكرةَ والتواصلَ.. هي وَقودُنا في طريقِ الحياة حتى وإن قَسَتْ مرةً أو مرات.. ولعلَّ هذه الأيام قد أوحشتِ الدواخلَ وبعثرتِ الأعماقَ لكنها وعلى الرغمِ من قسوتها – حتى لو ظهرَ عكسُ ذلك – كانت جميلةً لتؤكِّدَ أن الأعماقَ لا تنادي عَداكَ ولا تناجي سواكَ ولا تشتاق إلا لك!!.. أما لماذا.. فلا أدري لكن.. لديكَ الجواب!.