أول الكلام

باتجاهِ فضاءٍ يُشْبِهُ الخريفَ

بقلم غسان عبد الله

من كلِّ شيءٍ أنهضُ وأتناوبُ مع العاشقين‏.. لنسكبَ أحلامَنا‏ على بيوتٍ جدرانُها من أكاليلْ..‏ من الوصايا‏ كان الليلُ‏ ومن الأطلالِ‏ كانت أطرافُهُ التي وصلت إلى الصحراءِ.‏. أنّى يكون الليلُ‏ تكون الأعراف؟‏!.

تخلصتُ من عواطفي‏ لأسمعَ ما يقولُهُ الصباحُ عن كلماتٍ ضدَّ بعضِها البعض.. هنا‏ صارتْ أصابعي تلاحِقُ الصباحَ‏ من أجلنا..‏ وأمامَ هذا النشيجِ صنعتُ اقتراباً‏ من أجلِهم‏.. فقط‏ ليكونَ الغموضُ بسيطاً‏ وبذكرياتٍ‏ معبَّدةٍ بالثواب.‏. من يَعْرِف المقبرةَ.. عليه‏ أن يكون قد رآني‏!!.. ومنْ لم يعرفْ ماذا تعني كلمةُ أسلحةٍ‏ تكونُ المعركةُ‏ قد حدّدتْ وجودَها فيها‏.

أيها الأصدقاءُ هيّئوا الضوءَ للفضائِحِ وأجسادَكَم‏ للبرهنةِ..‏ والموائدَ‏ لبلادٍ حذفَت مواليدَها‏ والفكرَ العائدَ‏ من ذكرياتِهِ المطلقةِ.‏. ليتني كنتُ أتكلَّمُ مع ظلامٍ يخصّني‏ وما أريدُ أن أقولَهُ‏ إنّ نسبةَ الصراخِ التي أمتلِكُها‏ تساوي‏ كميةَ الماءِ التي تتدفق أثناءَ الحرب‏.. يا إلهي‏ حاولتُ أن أقترِبَ جيداً‏ من كهفٍ ضاع في حلمْ.. (فقد) انخسفتُ في سبيلهِ‏ ودوَّنْتُ في راحةِ اليدِ رجفةَ لقمةٍ‏.. أيها الكلام‏ يا آآآه..‏ صراخَ الذاكرةِ..‏ منكَ‏ ينبجس كلُّ شيء‏.. وفيكَ‏ يكونُ الإيقاعُ الذي تريدهُ‏ مؤجلاً‏.. وأمامَ الأبديةِ‏ فقط‏ تكونُ أنتَ‏.. ووحدكَ‏ تظلُّ وراءَ الصباحِ‏ وأفواهُنا‏ تظلُّ موازيةً للدساتيرِ‏.. هكذا أيها الكلامُ.. أيها المتكوّنُ من غُرَفِنا‏ ومن تسوُّلِ الثمرِ..‏ تعالَ قليلاً‏ لأعيدَ إليكَ موسيقاكَ التي فَقَدْتَها‏ منذُ أن تكوَّنَتْ‏ جلالةُ التاريخ‏.

النافذةُ الضخمةُ تباطأتْ لكي تكونَ في غايةِ الوضوحِ.. ولكي تتوضَّحَ الجاهليةُ أمامَ ذاتِها‏ من أجلي؟‏ مررتُ أمامَ الخطأ‏ لأوقِظَهُ‏ ولأكتَسِبَ من العشبِ بدايَتَهُ‏ وكيف تكوَّنَتْ هذه الهاويةُ الممتلئةُ بالعدالة‏.. فانتظرني‏ لأتعرّفَ بكَ‏ وانهض معي‏ لأكرّس للضوءِ كثافةْ‏.. ولكي أنتمي‏!.. سأكونُ خراباً للمعرفةِ وللتجلياتِ المخلصةِ وما يهمني من النوافِذِ‏ وضوحُها‏ وهبوطُها الدائمُ.. كلُّ هذا‏ من أجلي‏ ومن أجلِكُم‏ لأن الأجنحةَ‏ خَوَّضَتْ بالهواءِ‏ ليفترِسَها‏ وأيضاً‏ لتستنهِضَ كلَّ شيءٍ داخلَ الجواهِرِ‏ ولتستردَّ للحريةِ‏ شكلَها الأولَ‏ وشكلَ السجناءِ‏ وشكلَ السيولِ المفتوحةِ على الليلِ‏ وعلى النهارِ‏ وعلى‏ ترابٍ أمضى حياتَهُ نائماً‏ فوقَ سريرٍ منكسر‏.

مساءً.. مشيتُ أنا وداخلي‏ باتجاهِ فضاءٍ يُشْبِهُ الخريفَ.. تحرَّكْنا بثقةٍ‏ وألِفْنا‏ مرافئَ ملطخةً برقائقَ من هذا الترابِ المنشَقِّ وحَفَرْنا أسماءَنا‏ على بوابةٍ‏ قَتَلَتْ داخِلَها‏ بخارجِها‏ وفصَلَتْ خواطِرَها‏ عن أصولِها‏.. قلتُ لداخلي: إنني لا أؤمن بالجدارِ‏ قالَ لي:‏ ليس هذا المهم..‏ المهم‏ أنه يؤمن بك.‏

مساءً.. أؤمن أن للَّيلِ عشَّاقاً للسمرِ.. ووروداً تذبُلُ لتعودَ أخرى أكثر وضوحاً.. ولكنني لا أُدرِكُ منه سوى الليل، ولا تُدرِكني النجومُ سوى بالوميضِ.. لكن ما يهمُّني فعلاً من نوافذ المساءِ بعضٌ من الأنسِ وقليلٌ من الدعاءِ وكثيرٌ من السمرْ.