إعرف عدوك

إسرائيل من الداخل.. تقرير وضع

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

دخلت دولة إسرائيل في الأحداث الصادمة خلال الأشهر الأربعة الماضية، بعد 9 أشهر من ولاية الحكومة تدهور فيها الوضع الاقتصادي للدولة على خلفية إجراءات الانقلاب السلطوي التي قادتها الحكومة، وفي هذه الأثناء دخلت إسرائيل أيضاً في مخاطر اقتصادية تتمثل في: فرار الاستثمارات من الدولة والتهديدات في تخفيض مستوى الائتمان. في المجال السياسي تفاقمت خلال العام 2023 العلاقات مع جميع الدول العربية بمن فيهم دول الخليج والاتفاقيات الابراهيمية، وابتعد الاتفاق المقرر مع السعودية بسبب إجراءات جهات متطرفة في الحكومة.

بالإضافة إلى ذلك فقد ساءت بشكل دراماتيكي علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة على خلفية إجراءات جهات متطرفة في الحكومة وجرت مداولات في محكمة العدل الدولية في لاهاي بسبب جرائم الاحتلال في الضفة الغربية. إيران من جانبها واصلت طوال الوقت التطور والتقدم من الناحية السياسية، عبر عقدها حلف مع روسيا، الصين وكوريا الشمالية، افتتحت سفارات جديدة في دول عربية واقتربت إلى الحافة النووية.

في داخل إسرائيل وصل المجتمع الإسرائيلي إلى مستوى استقطاب وانقسام هو الأعلى منذ تأسيسها، المنتخبون تحدثوا بشكل صارخ ضد قادة الجيش والمؤسسة الأمنية، الشرطة الإسرائيلية وصلت إلى حافة الانهيار وخضعت لعملية ملاءمة لسياسة الوزير الذي يرأسها، وتم توسيع إعفاء أبناء المدارس الدينية من الخدمة في الجيش، وحصل ارتفاع دراماتيكي في حجم العنف من قبل فتيان التلال ضد الفلسطينيين، وارتفعت المعيشة بشكل مقلق، وازداد منحى مغادرة الدولة من قبل الأطباء وأصحاب المهن الحرة والجيش الإسرائيلي والشاباك حاربا على بقائهما في وسط الإجماع ضد التصريحات الفاضحة لأعضاء الائتلاف.

وحينها وقعت أحداث السابع من تشرين الأول. حينها اندلعت حرب “سيوف حديدية”. ظهر أن المجتمع الإسرائيلي قادر على تجاوز الاستقطاب والانقسامات في غمضة عين، والتوحد حول المساعدة المتبادلة، على الأقل في وقت الأزمات، فيما انكشفت الحكومة وأنظمتها المدنية بكل ضعفها.

 الإخفاق والفشل الأمني والاستخباري كانا هائلين وسيتم التحقيق فيهما بالعمق، لكن الذين يترأسون هذه المؤسسات تحملوا فوراً المسؤولية وخرجوا إلى المعركة يداً بيد. الحرب التي يقودونها بنجاح هائل على الرغم من الصعوبات التي يواجهونها من قبل الحكومة والذي يرأسها. تقدم الجيش الإسرائيلي في القتال كان أسرع بكثير مما تم التخطيط له، وعلى الرغم من أنه أوقع العديد من القتلى والإصابات، إلا أنه تم تحقيق إنجازات مثيرة للإعجاب في الميدان. إن إطلاق سراح المختطفين يجب أن يظل هدفاً بالغ الأهمية ويجب الاستجابة له أيضاً على المستوى العسكري والعملياتي، وقبل كل شيء على المستوى السياسي. حتى على حساب وقف مؤقت للقتال.

لكن طوال أشهر القتال حدثت أشياء أخرى، وأصبح الوضع في معظم ساحات أسوأ ما كان عليه قبل الأحداث والقتال. وهكذا، وعلى الرغم من التجند السريع للولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل وحتى بعد إرسالها مئات طائرات الشحن المحملة بالأسلحة والذخائر الحيوية للقتال، استمرت الحكومة والذي يرأسها في مواجهة الإدارة الأمريكية ورئيسها، ومن بينها تصريحات للوزيرين اليمينيين المتطرفين سموتريتش وبن غفير اللذين أوصلا حالة العلاقات مع أهم حليف لإسرائيل إلى واحدة من أصعب الأزمات في تاريخ العلاقات بين البلدين. غياب التواصل وانعدام الثقة التام من جانب الإدارة الأمريكية بالقيادة الإسرائيلية، وغياب التعاون السياسي والاستراتيجي الذي يسمح بتجديد المسار السياسي الإقليمي والنهوض به في اليوم التالي.

اليوم، بدأت الإدارة في الولايات المتحدة الأمريكية بالترويج لقرار مقترح في مجلس الأمن قد يجبر إسرائيل على وقف الأعمال العدائية في ظل ظروف غير مواتية لها. في هذه الأثناء، تتواصل عملية إضعاف السلطة الفلسطينية وتجاهلها تماماً كجهة محتملة للحكم في غزة في المستقبل، إلى جانب التصريحات المتطرفة لوزراء الحكومة حول نقل السكان إلى دول الجوار وتجديد الاستيطان في غزة. كل ذلك أدى إلى انقطاع كامل وأزمة حادة مع السلطات في الأردن ومصر، اللتين قطع قادتهما الاتصال برئيس الوزراء بشكل كامل، وأصبحت العلاقة معهم تتم على المستويات المهنية الأمنية فقط. العلاقة مع هاتين الدولتين استراتيجية ومهمة لا مثيل لها بالنسبة لدولة إسرائيل وقد كتب عنها الكثير من الكلمات، لكن الحكومة في إسرائيل تختار أيضاً طريق الاصطدام الأمامي. كما استقالت حكومة السلطة الفلسطينية تحت ضغط أمريكي. في مقابل ذلك، يشتد الصراع الداخلي حول القيادة المستقبلية للسلطة الفلسطينية حيث بدأ يتكون رأس حربة تحت قيادة محمد دحلان ومروان برغوثي في المستقبل، إذا وفي حال شغلا منصبيهما، للتعاون مع حماس.

 الوضع الاقتصادي الذي دخلنا فيه الحدث كان سيئاً بالفعل منذ البداية بسبب أحداث عام الانقلاب على الحكم. فالحرب والحاجة إلى تمويلها، وإعادة بناء المستوطنات المحيطة بغزة، ودعم إخلاء كافة المستوطنات في الجنوب والشمال، لم تُضِفْ سوى عبئ ثقيل على الاقتصاد، في حين يواصل العجز الارتفاع ويحطم أرقاماً قياسية جديدة. ولم تتأخر النتيجة المتوقعة في خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل للمرة الأولى منذ عقود، بسبب الإدارة الاقتصادية الفاشلة وعلى خلفية استمرار تحويل مليارات الشواكل لأحزاب الائتلاف والمكاتب الحكومية والتي هي في الغالب غير ضرورية. عمليات تحويل الأموال تهدف فقط لتعزيز استقرار الائتلاف والتمكين من استمرار وظيفته بتجاهل تام للوضع المزري للدولة. ومن المتوقع أن ينعكس التخفيض في قرارات شركات التصنيف الإضافية، ما يعزز الاتجاه السلبي.

 فيما يتعلق بالحوكمة والإدارة السليمة، تم استبعاد سلسلة من القرارات الحكومية التي تم اتخاذها بشكل متسرع وغير مسؤول ودون دعم قانوني من قبل المستشار القانوني للحكومة لأنها لم تستوف الحد الأدنى من متطلبات عملية الموافقة على القرارات الحكومية كما يقتضي القانون. بعض هذه القرارات أخفت محاولات إضافية من قبل وزير المالية لتحويل الأموال لأغراض تخدمه فقط وتتجاهل الوضع الاقتصادي للدولة.

يواصل الوزراء والمسؤولون المنتخبون، بما في ذلك رئيس الوزراء نفسه، شن حملة ضد الجيش الإسرائيلي والشاباك في تصريحاتهم وفي نشر نظريات المؤامرة ضد رئيس الأركان ورئيس الشاباك أثناء قتالهم داخل غزة، يعملون بجلال ومهنية ويقودون رجالهم إلى إنجازات قتالية مبهرة، رغم أنهم يعلمون أن مسؤولية فشل تشرين الأول تقع على عاتقهم، لكن مصلحة الوطن لا تزال في صدارة عقولهم.

في هذه الأثناء، وحتى أثناء القتال، تستمر سيطرة بن غفير على الشرطة ومصلحة السجون، من خلال قيامه بترقية وتعيين رجال في مناصب رئيسية بينما يتسبب في رغبة أفضل القادة في التنظيم في المغادرة، وبينما تنزف الشرطة من نقص الأفراد والقدرات التشغيلية. أدت سياسة بن غفير أيضاً إلى انخفاض كبير في وظيفة الشرطة الإسرائيلية بفرض القانون في الضفة الغربية وانتقل العبء إلى الجيش الإسرائيلي، الذي يرزح بالفعل تحت العبء في هذا المجال أيضاً. تحذيرات قادة الجيش الإسرائيلي والشاباك من تجاهل أعمال العنف التي يرتكبها مشاغبو التلال تم تجاهلها بالكامل من قبل الحكومة بقيادة الوزيرين سموتريش وبن غفير وهذه الساحة تغلي اليوم أكثر من أي وقت مضى وتهدد بالانفجار في وجوهنا. ومع كل هذا، وفي ذروة القتال، تريد الحكومة إقرار قانون يزيد العبء على جنود الاحتياط مع الاستمرار في منح الإعفاء الشامل من أي خدمة عسكرية أو وطنية لأعضاء المدارس الدينية. وهو القرار الذي لم يمر هذه المرة دون معارضة مدنية كبيرة وقوية، بل وحظي بأوامر مشروطة من المحكمة العليا تلزم الحكومة بتقديم رد فوري.

ويجب أن يضاف إلى كل ذلك عدم رغبة الحكومة ورئيسها في إعلان استراتيجية واضحة لليوم التالي في قطاع غزة، بما في ذلك الموافقة على نقل المسؤولية في المستقبل إلى السلطة الفلسطينية الجديدة والمحدثة التي سيتم إنشاؤها بعد انتهاء عصر أبو مازن. تجنب يؤدي إلى تفاقم الأزمة مع الإدارة في الولايات المتحدة، ويمنع إسرائيل من الانضمام إلى العملية الإقليمية التي تشمل تسوية مع السعودية.

وفي مجال الحكم المحلي، تظهر عدة اتجاهات مهمة: الأول هو تعزيز الأحزاب الحريدية في المدن التي لم تكن تعتبر مدناً دينية. والثاني، تعزيز عناصر القيادة المحلية في الوسط العربي على حساب الأحزاب الوطنية التي كانت تقليدياً تقود أيضاً القيادة على المستوى المحلي. وقد تبشر هذه العملية بتغيير متوقع في سلوكيات وأنماط اختيار الوسط العربي على المستوى الوطني أيضاً.

وها هو بعد حوالي أربعة أشهر من بدء الأحداث والمعارك، وبعد سنة وشهرين من تولي الحكومة الحالية مهامها. يتضح حجم الفشل الهائل في كافة مجالات العمل. في الساحة السياسية، في الساحة الأمنية، في الساحة الدولية، في الساحة الاقتصادية، في الساحة الاجتماعية والمدنية. تظهر استطلاعات الرأي المختلفة التي يتم نشرها أن الجمهور في معظمه قد سئم من الوضع الحالي وبغض النظر عن ميوله السياسية، فإنه يختار التغيير. إن خيار دولة إسرائيل اليوم يجب أن يكون بين استراتيجية واسعة ترى مصلحة الدولة ومواطنيها، والسياسة الحزبية الضيقة التي تعزز خير رجال الأعمال والمسؤولين المنتخبين.

تحتاج دولة إسرائيل إلى تغيير استراتيجي من الألف إلى الياء على كافة المستويات والأفضل بأسرع وقت.  إن التغيير الذي سيربط إسرائيل بالعمليات الإقليمية والعالمية، سيسمح بعودة الأمن وتعزيز الاقتصاد، وقبل كل شيء، سيعيد توحيد الشعب المنقسم والمتصدع على خلفية عام الانقلاب على السلطة وأحداث تشرين الأول.