إقليميات

العدوان الصهيوني على سوريا والرَّد الإيراني المطلوب

بقلم: توفيق المديني

فقد استهدفت الغارة الإسرائيلية مقر القنصلية الإيرانية في دمشق هذه المرَّة، يوم الاثنين الماضي، وأدَّتْ إلى مقتل مجموعة كبيرة من القيادات في الحرس الثوري الإيراني العائدين من لبنان، أبرزهم القائد محمد رضا زاهدي البالغ من العمر 63 عاماً، كان قائداً لـ “فيلق القدس”، الذراع العسكري للحرس الثوري الإيراني، في سوريا ولبنان. والتحق زاهدي بالحرس بعد عامين من انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وكان من قادته من الصف الثاني خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، فكان قائداً للواء “44 قمر بني هاشم” لمدة ثلاث سنوات، ثم أصبح قائداً لفريق “14 الإمام الحسين”. وعمل العميد زاهدي قائداً للسلاح البري للحرس الثوري الإيراني من 2005 إلى 2008، ثم اختاره قائد الحرس الثوري عام 2016 إلى 2019 قائداً للعمليات في الحرس. كما التحق العميد زاهدي عام 2007 بـ “فيلق القدس”. كما قتل القائد الثاني محمد هادي حاجي رحيمي، وهو منسق فيلق القدس، وخمسة مستشارين عسكريين وضباطاً آخرين قتلوا في الهجوم، وهم حسين أمان إلهي، ومهدي جلالاتي، ومحسن صداقت، وعلي آغا بابائي، وعلي صالحي روزبهاني.

ويعدُّ العدوان الصهيوني على مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، أكثر عمليات الاحتلال الصهيوني جرأة ضد المصالح الإيرانية في سوريا، ويكشف أيضاً مدى الاختراق الاستخباراتي العسكري والأمني الصهيوني لسوريا، لأنَّ هذه الاعتداءات الصهيونية المتكرِّرَة داخل الأراضي السورية، نُفِّذتْ بناءٍ على معلوماتٍ استخباريةٍ قدمتها أطراف معادية تعمل لمصالح أمريكا و”إسرائيل”، واسْتَهْدَفَتْ مستودعات في سوريا كانت تُستخدمُ كجزءٍ من خطِ الأنابيبِ لتخزينِ وتجهيزِ أسلحةٍ إيرانيةٍ.

ويمثل العدوان الصهيوني الأخير أحد أبرز تداعيات الحرب الأمريكية- الصهيونية على غزّة بعد عملية طوفان الأقصى يوم 7أكتوبر الماضي، وتصعيداً في الضربات المتبادلة بين “إسرائيل” وإيران، وإن كانت طهران تكرر مراراً أنَّها لن تُجرَّ لحربٍ لا تختار زمانها ومكانها ، وانتقالاً لحرب الظلّ بينهما إلى مواجهةٍ مفتوحةٍ، خاصة بعد الاعتداء الصهيونية التي شنّتها “إسرائيل” في أسبوع، و استهدفت  فصائل محور المقاومة الموالية لطهران في سوريا: دير الزور وريفها (26 مارس/ آذار2024)، وريف حلب (29 مارس2024)، وأخيراً العدوان المدوّي على القنصلية الإيرانية في دمشق (1 إبريل/ نيسان2024) .

الحرب المفتوحة بين “إسرائيل” وإيران على الأراضي السورية

يأتي تصاعد وتيرةِ الاعتداءاتِ الصهيونيةِ الْمُمَنْهَجَةِ على سوريا طيلة الأسابيع القليلة الماضية، والتي تتزامن مع حرب الإبادة الجماعية التي تقودها أمريكا و”إسرائيل” ضد غزَّة، بهدَفِ منعِ نقلِ أسلحةٍ من إيران إلى حزب الله، تعتبرها “إسرائيل” كاسرةً للتوازن، وإخراج إيران من مخبئها، ووضع حدٍّ لحربِ الوكالة التي تمارسها باستخدام فصائل محور المقاومة المنتشرة في إقليم الشرق الأوسط، وتتمترس وراءها، بحيث تُلحق أضراراً بخصومها من دون أن تتكبّد هي أي خسائر. يبدو هذا الأمر أنّه انتهى الآن. وكانت واشنطن أوّل من دفع نحو مقاربة تحميل إيران مسؤولية تصرّفات حلفائها عندما قتلت قاسم سليماني في مطار بغداد مع بداية عام 2020.

وتستهدف الاعتداءات الصهيونية المتكرِّرة في الفترة الأخيرة على سوريا مواقع الجيش العربي السوري، وتحديداً تلك التي تتشارك فيها الانتشار والتمركز مع القوى الحليفة من إيران، ومراكز البحوث العلمية التي تعتمدها الدولة السورية لتطوير ترسانتها العسكرية، فيما تتهم “إسرائيل” ودول غربية سوريا إلى أنَّ إيران تستخدم بعض هذه المواقع لتطوير أسلحة وبرامج صاروخية.

ومنذ عملية طوفان الأقصى، كثفت “إسرائيل” عدوانها بمعدل ثلاث غاراتٍ كل عشرة أيام بدلاً من واحدة كل ثلاثة أسابيع في سوريا. وتشير التقارير الصهيونية دائماً  ، بأنَّ الوجود العسكري الإيراني في جنوبي سوريا وشرقها، والقطاعات العسكرية التابعة للجيش العربي السوري التي تحتويه، أصبح مستهدفاً من قبل الغارات الصهيونية المدروسة والمكثفة .

لا تنطلق “إسرائيل” في تبرير اعتداءاتها الْمُتَكَرِّرَةِ على سوريا من أنَّها تعرضت لضرباتٍ عسكريةٍ انْطَلَقَتْ من الأراضي السوريةِ، فهذا المنطلق لا ينطبق على الحالة السورية – الصهيونية. فهناك بعلم الجميع اتفاقية هدنة وفصل قوات تتجدَّدُ تلقائياً كل ستةِ أشْهُرٍ بين سوريا والكيان الصهيوني على الرغم من الاحتلال الصهيوني للجولان، وعلى الرغم من ضمِّ الجولان لهذا الكيان الغاصب بقرار من الكنيست في عام 1981، ومن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. فالكل يعْلَمُ منذ عام 1973 لم يتعرض الكيان الصهيوني لأيِّ عملٍ عسكريِّ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ من قبل الجيشِ العربيِّ السوريِّ.

على الرَغْمَ من هَزِيمَةِ الْمَشْرُوعِ الْأَمْرِيكِيِّ – الصِّهْيُونِيَّ – التَّرْكِيَّ وَالْخَلِيجِيِّ مِنَ النَّاحِيَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ، في الْحَرْبِ الَّتِي خِيضَتْ ضِدَ سُورِيَّة، طِيلَةِ الْعِشْرِيَّةِ السَّوْدَاءِ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَطْرَافُ تَدْعُو إِلَى إِسْقَاطِ الدَّوْلَةِ الْوَطَنِيَّةِ السوريةِ، أَوْ تَغْيِيِرِ السِّيَاسَاتِ أَوِ الْمَنَاصِبِ الرَّئِيسِيَّةِ فِي بُنْيَةِ الدَّوْلَةِ أَوْ كِلَيْهِمَا، فإنَّ روسيا اكتفت منذ سبتمبر/ أيلول 2015، بإدانة الاعتداءات الصهيونية المتكرِّرة على سوريا لفظياً، بعد  التوصل إلى صيغة تحكم هذه الاعتداءات بين روسيا و”إسرائيل”، مفادها عدم تدخّل “إسرائيل” في الحرب في سوريا بين الدولة الوطنية السورية والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية، في مقابل إطلاق يدها ضد شحنات الأسلحة الإيرانية المتّجهة إلى حزب الله، حسب تحليل معظم الخبراء في إقليم الشرق الأوسط.

من الواضح أنَّ روسيا غارقة في الحرب الأوكرانية ، وهي حرب موجهة ضد النظام العالمي الرأسمالي الأمريكي أحادي القطبية، وتستهدف من وراء هذه الحرب بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وتأكيد روسيا كدولة – حضارة، والدفاع عن سيادتها الكاملة، وهي تريد أن تستقطب إلى نظرية عالم متعدد الأقطاب، قوة العالم الإسلامي متمثلة بإيران وتركيا وباكستان وإندونيسيا، والمملكة العربية السعودية، وسوريا، ومصر، إضافة إلى الصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، وقد منحتها الأزمة السورية الفرصة التاريخية الكبيرة لكي تخوض الصراع الدولي المتصاعد مع نخبة العولمة، الممثلة بوضوح في إدارة جو بايدن، التي لا تريد أن تعترف طواعية بتوديع نموذج النظام العالمي الأمريكي أحادية القطب وهيمنته.

فسوريا بحكم موقعها في الجغرافيا السياسية يخاض صراع دولي وإقليمي على أراضيها، فهي ضرورة للنموذج الجيوسياسي الجديد، والجيو/سياسية متعددة الأقطاب، وهو ما مكن روسيا من الظهور كفاعل جديد في العلاقات الدولية، يتطلب توحيد إمكانات شعوب المنطقة العربية والإسلامية في مواجهة الإمبريالية الأمريكية وغطرستها. لكنَّ روسيا لا تلعب في الوقت الحاضر مثل هذا الدور.

وهذا ينطبق بشكل مباشر على القوى السياسية في العالم العربي، في ظل غياب كلي لأي مشروعٍ قوميٍّ تحرُّرِيٍ. لا يمكن على المستوى الفردي، ولأي دولة عربية بل وعلى نطاق أوسع إسلامية، أن تدعي أنَّها بمفردها تشكل قوة في مواجهة الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني. لقد فهم ذلك جيداً القوميون العرب، وأيديولوجية البعث، وفي عهد عبد الناصر. وهذه ضرورة العالم متعدد الأقطاب.

إنَّ استراتيجيةَ الْوِلَاَيَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ بِغَضِّ النَّظَرِعَنْ رَحِيلِ إدَارَةِ بايدن ومجيىء إدارة جديدة في انتخابات شهر نوفمبر المقبل، لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَهِي أَنْ تَسْتَسْلِمَ سُورِيَّا لِلْهَيْمَنَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ لِلْكِيَانِ الصِّهْيُونِيِّ، وَلِلْهَيْمَنَةِ الْاِقْتِصَادِيَّةِ لِسُوقِ الْمَالِ الْأَمْرِيكِيِّ، والمتضررالوحيد في هذا الصراع الدولي والإقليمي المحتدم على الأراضي السورية، هو الشعب السوري.

مطالب أمريكا والكيان الصهيوني

منذ بداية الحرب على سوريا، وكذلك خرب الإبادة الجماعية ضد غزَّة، والاعتداءات الصهيونية مستمرة على البلاد، حيث تتهم الولايات المتحدة سوريا بأنَّها تقف عائقاً أما تنفيذ الأهداف الأمريكية في المنطقة، وهذه الأهداف هي:

1- تَصْفِيَةُ الصِّرَاعِ الْعَرَبِيِّ – الصِّهْيُونِيَّ، وبالتالي تصفيةِ القضيةِ الفلسطينية، والقضاء على محورِ المقاومةِ، والحدِّ من انتشارِ الأسلحة النوويةِ، وتَعْزِيزِ اقتصاداتِ الشركاتِ الْحُرِّةِ القائمةِ على السوقِ المندمجةِ في إطارِ العولمةِ الليبراليةِ الأمريكيةِ المتوحشةِ.

2- الْقَبُولُ بِحَقِّ “إسرائيل” دَوْلَةً يَهُودِيَّةً عَلَى أرْضِ فِلَسْطِينِ التَّارِيخِيَّةِ الَّتِي سُلِخَتْ من الوطن العربي.

3- قَبُولُ “إسرائيل” فَرْضَ سِيَادَتُهَا عَلَى مُرْتَفِعَاتِ الْجَوَلَاَنِ الَّتِي اِحْتَلَّتْهَا “إسرائيل” عَامَ 1967، وَضَمَّتْهَا إِلَيْهَا فِي عَامِ1981، واعتبار ذلك أمراً واقعاً.

4- إِنْهَاءُ دعْمِ سوريا لفصائلِ المقاومةِ الفلسطينيةِ التي تسعى لتحريرفلسطين، وتكوين دولة وطنية فلسطينية فوق ترابها الوطني، وقَطْعِ علاقتها مع حزب الله اللبناني، بوصفه الرادع الرئيسي في وجه التوسع الإقليمي الصهيوني في لبنان، والتطلعات الصهيونية لتحويل لبنان لدولة مطبعة مع الكيان الصهيوني.

5- تَرْكُ الدولة الوطنية السورية، بلاحمايةٍ أمام الاعتداءات الأمريكية والصهيونية والتركية، بالتخلي عن قُدُراتها على إنتاج أسلحة استراتيجية، بينما يَظَلُّ يَحِقُ للكيان الصهيوني الاحتفاظ بترسانةٍ هائلةٍ من الأسلحة النووية والكيمياوية.

6- إِنْهَاءُ العلاقة الاستراتيجية بين سورية وإيران، وإنهاء الوجود العسكري الإيراني في سورية.

7- اسْتِبْعَادُ المفاهيم الإيديولوجية التي تأسستْ عليها الدولة الوطنية السورية كلِّياً من التداولِ، في الدستور، وفي الخطاب السياسي والإعلامي، وفي مناهج التعليم بمختلف مستوياته ، مثل: العروبة، الوحدة، الحرية، الاشتراكية، والمقاومة، و إِحْلاَلُ محلِّها: سوريا أولاً، ورفض العروبة عبر تبني النزعة القطرية الشوفينية، والإقرار بالتبعية للغرب عبرتبنِّي سياسات موالية للغرب ومؤيدة للاستثمارات الأجنبية ، وتحويلِ الاقتصادِ السورِي من اقتصادٍ مخططٍ مملوكٍ للدولة يُحَاكِي النموذج الاشتراكي، إلى اقتصادِ السوقِ المندمجِ بالكامل في نظام العولمة الليبرالية ، وإلى فضاءٍ مفتوحٍ للشركاتِ والمستثمرين الأمريكيين.

التسوية السورية المستحيلة

فِيمَا تَرْبِطُ الْوِلَاَيَاتُ الْمُتَّحِدَةُ بَيْنَ تَلْبيَةِ هَذِهِ الْمُطَالِبِ الآنفة الذِّكْرِ أعلاه، مِنْ جَانِبِ الدَّوْلَةِ الْوَطَنِيَّةِ السُّورِيَّةِ، وَرَفْعِ الْعُقُوبَاتِ الْاِقْتِصَادِيَّةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهَا مُنْذُ أَكْثَرِ مَنْ عَقْدٍ مِنَ الزَّمَنِ، يَرْفُضُ الرَّئِيسُ بِشَار الْأَسَدِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً كُلَّ هَذِهِ الْمَطَالِبِ، لَيْسَ مَنِ الْآنَ، بَلْ مُنْذُ زِيَارَةِ كُولِنِ بَاوِلِ وَزِيرِ الْخَارِجِيَّةِ الْأَمْرِيكِيِّ السَّابِقِ إِلَى دِمَشْقِ فِي 3آيار / مايو2003، حَيْثُ اِخْتَارَتْ أمريكا منذ ذَلِكَ الْوَقْتِ الضَّغْطَ عَلَى دِمَشْقِ عَبْرِ فَرْضِ الْعُقُوبَاتِ وَالْحِصَارِ وَدَعْمِ مَجْمُوعَاتِ الْمُعَارَضَةِ، لَا سِيَماً أَنَّ الْوِلَاَيَاتِ الْمُتَّحِدَةِ أَدْرَكَتْ، قَبْلَ عَشْرِ سنوَاتٍ مِنْ ظُهورِ تَنْظِيمِ ” دَاعِش”، أَنَّ حَرَكَاتِ الْإِسْلَامِ السِّيَاسِيِّ، عَلَى اِخْتِلَاَفِ تَيَّارَاتِهَا الْإِخْوَانِيَّةِ، وَالْجِهَادِيَّةَ، هِي الْمُعَارَضَةُ الرَّئِيسَةُ لِحُكُومَةِ الْأَسَدِ الْعَلْمَانِيَّةِ.

السياسة الأمريكية والصهيونية، تقول إذا أراد الرئيس الأسد تَجَنُّبَ تغيير النظام قسراً، فعليه أن يلبيَّ هذه المطالب، بمعنى آخر أن يتخلى البعثيون عن مبادئهم القومية العربية، وأن يبذلوا جهوداً كبيرةً لكي يصبحوا غير بعثيين، وموالين للإمبريالية الأمريكية، ومطبعين مع العدو الصهيوني، وبالتالي متخليين عن سوريا العروبة وقلب محور المقاومة.

وفيما رفضت الدولة الوطنية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد الخضوع للإملاءات الأمريكية – الصهيونية، نجد بالمقابل المعارضة السورية على اختلاف أطيافها لديها كامل الاستعداد لتنفيذ هذه المطالب.

خاتمة: الرَّد الإيراني المطلوب

بعد العدوان الإسرائيلي على مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، واستشهاد قيادات بارزة ومهمة من الحرس الثوري الإيراني العاملين في قيادة “فيلق القدس”، باتت إيران أمام خيارين: السكوت والانكفاء أو الردّ والمواجهة في حرب إقليمية مباشرة مع “إسرائيل”.

فقد أكد المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، يوم الأربعاء3أبريل/نيسان 2024، أنَّ الاحتلال الصهيوني سيتلقى الصفعة” بعد هجومه الأخير في سوريا على مبنى القنصلية الإيرانية واغتيال قيادات عسكرية إيرانية رفيعة المستوى، مضيفاً أنَّ إسرائيل “أوقعت نفسها في ورطة وفخ في غزة لا يمكنها أن تنجو منهما”.

من جهته، قال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، يوم الأربعاء الماضي، خلال فعالية “منبر القدس” في يوم القدس العالمي، إن “هذه الجريمة (قصف القنصلية الإيرانية) لن تبقى من دون رد”. وأضاف الرئيس الإيراني أن “عملية طوفان الأقصى تحولت إلى رمز المقاومة في المنطقة”، قائلاً إن ما يحصل في غزة من جرائم مروعة يؤكد أن الكيان الإسرائيلي لا يلتزم بأي مبادئ وقوانين دولية.

وشدَّد الرئيس الإيراني على أن تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي من قبل دول “بات غير ممكن ببركة دماء المقاتلين الفلسطينيين”، قائلاً إن هذا التطبيع هو “المقامرة على حصان خاسر والرأي العام في العالم لن ينخدع هذه المرة بصورة المظلومية التي يصطنعها الصهاينة” عن أنفسهم.

يعتقد الخبراء والمحللون العارفون بإقليم الشرق الأوسط، أنَّ إيران تجد نفسها في موقعٍ حرجٍ شديدٍ، لجهة معرفة ما هو الخيار الأفضل للرَّدِ على العدوان الصهيوني الأخير، فإيران بعد الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، انتهجت مساراً مختلفاً عما سبق، وأدركت أنَّ معاركها وصراعاتها الإقليمية، يمكنها حسمها من خلال فصائل محور المقاومة الموالية لها والمنتشرة في أكثر من بلد عربي دون التدخل بشكل مباشر بتلك الصراعات.

ومن الصعب جدّاً أن تدخل إيران في حربٍ مباشرةٍ مع الكيان الصهيوني وأمريكا في آن معاً، أو الحال هذه لن تغامر بالرَّدِ العسكريِّ على “إسرائيل” بشكلٍ مباشرٍ وبالأصالة عن نفسها، إنَّما ستبحث عن مخرجٍ آخرٍ يتمثل في قيام فصائل محور المقاومة في المنطقة بالرَّد على العدوان الصهيوني، مع الأخذ بالاعتبار، أنْ تكون الضربات الموجهة للكيان، ليست قوية للدرجة التي تفتح حرباً مفتوحةً، لأنَّها متأكدةٌ من أنَّ حرباً مفتوحةً مع الكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا، لا قبل لإيران ولا لسوريا بها، وستتضرر بشدَّةٍ منها، وتخسر الكثير من المنجزات التي حققتها في السنوات الأخيرة.

فنتنياهو رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية يُرِيدُ توسيع رقعة الحرب الإقليمية لتشمل ساحات أخرى، وتكسير جميع الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك التي كانت موجودة في طريقة تعامله مع إيران أو مع فصائل محور المقاومة المنتشرة في سوريا والعراق واليمن، لأنَّه يعاني من أزمة داخلية عميقة، وهو يمارس سياسة الهروب إلى الأمام، من خلال غلق الحديث عن الدعوة لانتخابات مبكرة يمكن أن تطيح به وبمستقبله السياسي، وكذلك سيضمن تدخل الولايات المتحدة لصالح حكومة الاحتلال الصهيوني في حال ردّت إيران بشكلٍ عنيفٍ ضد الكيان الصهيوني، وستظهر “إسرائيل” بأنَّها مستهدفةٌ في وجودها، وأنَّها تتعرض لحربٍ متعددة الأطراف، ما يجعل كل الغرب يدخل من جديدٍ لدعمها عسكرياً بأسلحة متطورة جدّاً، في سبيل تحقيق هزيمةٍ بإيران وفصائل محور المقاومة للتخلص من عقدة فشله في تحقيق نصرٍ عسكريٍّ على حماس وباقي الفصائل المقاومة، بعد مرور خمسة أشهر على حرب غزَّة.