إقليميات

صعود نجم المقاومة الفلسطينية اللبنانية في فضاء الشرق الأوسط

بقلم: توفيق المديني

تحولت المقاومة الفلسطينية واللبنانية بقيادة الحركات الجهادية (حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله والحوثيين) منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى القوة الأساسية المسلحة في جبهات القتال مع دولة الاحتلال الصهيوني، للرّدِ على سنوات طويلة من العدوان والحصار المتواصل على كامل الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة.

فحتى الشعوب العربية المطحونة بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية لم تنتفض بشكلٍ صارخٍ، رفضاً للإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال الصهيوني على غزة؛ إذْ سُرعان ما خفت صوتها، وظل البعض منها فقط متواصلاً في الاحتجاج ضد التطبيع.

أمَّا الدول العربية الخمس كالأردن ومصر والسعودية والإمارات وقطر، منزوعاً عنها صفة الدول الوطنية، فقد أصبح دورها يكمن في إعادة تأهيل الاحتلال الصهيوني من خلال تأكيد دعمها لـ “جهود الوساطة” بخصوص الأزمة التي تعيش في ظلّها غزة، لأكثر من ثمانية أشهر، داعية إلى التعامل بما وصفته بـ “جدية وإيجابية” مع مقترح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للاتفاق على “صفقة” تضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار.

فالنظام المصري يخشى من فتح معبر رفح بشكلٍ كاملٍ في الوقت الحالي، خشية من أنْ يؤدي ذلك إلى انتقال المقاومة إلى الأراضي المصرية، بينما يعتزم الرئيس السيسي الحفاظ على توازن علاقات نظامه مع أمريكا والكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية في المنطقة، وحماس في قطاع غزة.

وفيما تواصل عدد من الدول الغربية احتجاجاتها الواسعة، استنكاراً لحرب الإبادة الجماعية الأمريكية الصهيونية المستمرة على قطاع غزة منذ مايزيد على ثمانية أشهر، التي دمّرت الحجر والبشر، وكسّرت كافة القوانين الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، وسط تضامن غربي غير مسبوقٍ، أصبح موقف الدول العربية يترنّح بين الضعف والاحتشام والتخاذل والتواطؤ، في ظلِّ حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها دولة الاحتلال الصهيوني في حق المدنيين العزّل في   قطاع غزة.

سقوط الأدوار الإقليمية العربية وصعود محور المقاومة

ثمة محصلة لأحداث تاريخية تراكمت طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، واستمرت مع العقدين الأولين للقرن الحادي والعشرين، أسهمت في سقوط مقومات النظام الإقليمي العربي إلى قاع البئر، وهكذا حين سقط المقدس الوطني و القومي  في أحابيل خط التسوية والبحث عن حلول سلمية للصراع العربي- الصهيوني، وأصبحت دول الطوق العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية جزءاً من السياسة واللعبة الدولية والإقليمية التي لا تسمح مطلقاً باستمرار المقاومة الفلسطينية من أجل التحرير وأصيبت المنظمة بالعجز والوهن، في ظل تراجع دورها على الصعيد العسكري، برزت “الظاهرة الجهادية” من خلال تفجّر العمل العسكري الذي مهد لانطلاقة الانتفاضة الأولى في فلسطين المحتلة في 9 كانون الأول 1987، وقيادة حزب الله المقاومة في جنوب لبنان الذي حرَّرَهُ من الاحتلال الصهيوني في 25 أيار عام 2000، وقيادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية ضد العدو الصهيوني، في معظم الحروب التي شَنَّها الاحتلال الصهيوني على غزة منذ عام 2009 و لغاية حرب الإبادة الجماعية الحالية.

لقد تحولت المقاومة المسلحة ضد العدو الأمريكي – الصهيوني إلى هوية  الشعب الفلسطيني والأمة، لكنَّ الذي ساعد على اكتشاف هذه الهوية، هو الإسلام الجهادي الحقيقي، الإسلام النضالي الذي يقول إنَّ جواب الدين والإسلام على الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة والاستعمار الأمريكي الجديد لمنطقة الخليج وبعض المناطق في كل من سوريا و العراق والأردن، هو القتال بالسلاح ضد هذا العدو المشترك وليس بالمهادنة، وهذا ما طرحته فصائل محور المقاومة في كل من فلسطين و لبنان واليمن و العراق وسوريا المرتبطة بمحور إقليمي مناهض للسياسة الأمريكية -الصهيونية في المنطقة، ألا وهو إيران.

وبالمقابل فشلت الدول العربية في وقف حرب الإبادة الجماعية الأمريكية – الصهيونية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، نظراً لتبعية  معظم الدول العربية للإمبريالية الأمريكية، وعجز هذه الدول العربية عن تحقيق أيِّ إجماعٍ عربيٍّ في قضيته المصيرية، وهي قضية فلسطين، (قطع علاقات الدول العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني علاقاتها الدبلوماسية، وسحب الأموال العربية المودعة في البنوك الأمريكية والأوروبية، واستخدام سلاح النفط والغاز، وإغلاق القواعد الأمريكية في الدول الخليجية)، مع تزايد الحروب الأهلية العربية – العربية، وانتشار الحركات الإرهابية والتكفيرية التي تنشر الفكر الانفصالي والإرهابي المتطرف المدعوم عربياً وصهيونياً وأمريكياً، لذلك كان موقف الدول العربية من الحرب على غزة ضعيفاً وبعيداً عن الموقف الوطني والقومي المشرف المناهض لدولة الاحتلال الصهيوني، والإمبريالية الأمريكية التي لا تزال مهيمنة على مجلس الأمن، واستخدمت حق النقض الفيتو لأكثر من مرة حماية لدولة للكيان الصهيوني أو ضد وقف الحرب العدوانية على غزَّة.

موقف المقاومة في غزة من خطة الرئيس بايدن

بالنسبة للمفاوضات الجارية بشأن خطة الرئيس بايدن لوقف إطلاق النار، كشف مصدر قيادي بحركة الجهاد الإسلامي، أنَّ رَدَّ المقاومة جَاءَ مفصلاً بشدةٍ وتضمن أدقّ التفاصيل، سواء بشأن البنود المقترحة أو عملية الانتقال بين المراحل المختلفة، قائلاً: “نعمل على سدِّ كافة الثغرات التي يمكن أن تنفذ منها الحكومة الإسرائيلية لتحقيق أهدافها من دون الالتزام بشروط المقاومة التي حدَّدَتْها، والمتمثلة في الوقف الشامل لإطلاق النار والانسحاب الكامل من القطاع وإعادة الإعمار”. وكشف المصدر عن أنَّ الرَدَّ “جاء متضمناً توقيتات محددة لعملية وقف إطلاق النار الشامل بحيث تدخل حيز التنفيذ الرسمي مع نهاية المرحلة الثانية من الاتفاق”.

وكان وفد مشترك من حركتي حماس والجهاد الإسلامي قد سلّم رد فصائل المقاومة، مساء الثلاثاء11حزيران/يونيو2024، للوسطاء في دولة قطر أثناء لقاء مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وأيضاً أُرسل الردّ للوسطاء المصريين. وبحسب بيان الحركتين، فإنَّ الرَدَّ “يضع الأولوية لمصلحة الشعب الفلسطيني، وضرورة وقف العدوان المتواصل على قطاع غزة بشكل تام”. وأبدى الوفد الفلسطيني جاهزيته للتعامل الإيجابي للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب ضد الشعب الفلسطيني انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية الوطنية.

وذكرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، يوم الأربعاء 12حزيران/يونيو2024، أنَّ ردَّ حماس والجهاد الإسلامي على المقترح الذي قدَّمَه بايدن شمل سبع ملاحظاتٍ، هي:

أولاً: في المرحلة الأولى، وتحديداً في اليوم الأول، يتمّ وقف مؤقت لإطلاق النار من الطرفين، والانسحاب بعيداً من المناطق المكتظة بالسكان إلى محاذاة الحدود.

ثانياً: في اليوم الثالث تبدأ عملية الانسحاب من شارعي صلاح الدين والرشيد، وتفكيك كل المنشآت العسكرية الإسرائيلية الموجودة في محور “نتساريم”، بالتزامن مع انسحاب القوات الإسرائيلية من كامل محور فيلادلفيا وإخلاء معبر رفح بصورة نهائية، على أن يجري إتمام الانسحابين، خلال مدة لا تتجاوز اليوم السابع.

ثالثاً: تسلّم المقاومة، في المرحلة الأولى، 33 أسيراً إسرائيلياً، أحياءً وأمواتاً، وستفرج عن 3 أسرى كل 3 أيام. وفي حال لم يتمّ الالتزام بالانسحاب الكامل بحلول اليوم السابع، تتوقّف عملية التسليم.

رابعاً: ترفض المقاومة أي شروط مسبقة على أسماء الأسرى الفلسطينيين، بخصوص طريقة إطلاق سراحهم (الإبعاد). كما تتمسّك بالقوائم التي تقدّمها هي، والتي تستند إلى مبدأ الأقدمية في الاعتقال.

خامساً: في نهاية المرحلة الأولى، يجب أن يكون الانسحاب كاملاً من كل القطاع، وأن لا يتواجد أي جندي إسرائيلي داخل قطاع غزة.

سادساً: بخصوص وقف إطلاق النار، فتنتهي المرحلة الأولى بالإعلان عن استعادة “الهدوء المستدام”، ما يعني وقف العمليات العسكرية بشكل كامل، ويسري ذلك قبل تبادل الأسرى والمحتجزين عند الطرفين.

سابعاً: تطالب المقاومة بإدخال الصين وروسيا وتركيا، كأطراف ضامنة للاتفاق.

حزب الله يوسّع قصفه نحو طبريا وحرق المستوطنات في الشمال

في الجبهة الشمالية، وسّع حزب الله اللبناني من وتيرة قصفه، يوم الأربعاء 12حزيران/يونيو 2024، في وقت أفاد جيش الاحتلال الصهيوني برصد أكثر من 160 صاروخاً منذ صباح الأربعاء، تجاوزت الحدود من لبنان، اعتُرِض جزء منها، وأخرى سقطت بعدة مناطق شماليّ الأراضي المحتلة، ما أدى إلى اشتعال حرائق في عدة مناطق.

وأفاد شهود عيان بسقوط صواريخ وسماع دويّ انفجارات في عدة مناطق، من بينها منطقة بحيرة طبريا. وهذه هي المرة الأولى التي تدوي فيها صفارات الإنذار في طبريا ومحيطها، منذ اندلاع الحرب في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويشير ذلك إلى توسيع حزب الله اللبناني قصفه نحو طبريا. كذلك، وثّق إسرائيليون انفجارات في محيط البحيرة.

وسادت حالة من الذعر صباح اليوم في أوساط المستجمّين على شواطئ البحيرة، التي تعتبر من أبرز أماكن الاستجمام، وبقيت كذلك طوال الأشهر الماضية منذ اندلاع الحرب. وجاء في بيان صادر عن سلطة الإطفاء والإنقاذ الإسرائيلية، أن “طواقم عديدة من الإطفاء والإنقاذ، تعمل في عدة مناطق بالمنطقة الشمالية جراء سقوط قذائف صاروخية في مناطق مفتوحة. الطواقم تعمل على إخماد الحرائق ومنع انتشارها، علماً أن أحوال الطقس الحارة تشكّل عاملاً مساعداً في انتشار ألسنة النيران”.

وقالت صحيفة “إسرائيل هيوم”: “بينما تتساقط الصواريخ من لبنان وتسبب دماراً، يعتقد بعض الإسرائيليين أن رد فعل حكومتهم الباهت يظهر أنها سلمت الشمال باليد إلى حزب الله”. وأضافت الصحيفة أن “غاي إيال، ضابط الأمن في المجلس الإقليمي للجولان، لم يغمض له جفن منذ الأمس، إذ تقع أكثر من 20 بلدة في الشمال، بينها مستوطنتان تم إخلاؤهما وهما أفيفيم ودوفيف، ضمن نطاق صلاحياته الواسعة”.

خاتمة: لقد كان هجوم خيار التسوية والاستسلام وتصفية المقاومة كاسحاً من قبل الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني والأنظمة العربية الاستسلامية، إذ تعرضت حركتي الجهاد وحماس والشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لحرب إبادة جماعية، لكنَّ تمسكهما بخيار المقاومة وعدم انخراطهما في لعبة التسوية بأيِّ شكلٍ من الأشكال، هو الذي أمنّ القضية الفلسطينية من خطر تصفيتها، عندما وصلت التسوية إلى طريقٍ مسدودٍ.

فحركة المقاومة الفلسطينية تخوض حرب عصابات ضد جيش الاحتلال الصهيوني في غزَّة، وتنصب الفخاخ وتفجر المتفجرات في المباني وتطلق الصواريخ وتختفي في فتحات الأنفاق، ما تسبب في خسائر فادحة للجيش الصهيوني، فقد ارتفع عدد قتلى جيش الاحتلال الصهيوني منذ بدء الحرب على غزة إلى 650 جندياً، منهم 298 منذ بدء العملية البرّية داخل قطاع غزة.

أما الرئيس بايدن الذي اختار لنفسه أن يكون شريكاً في حرب الإبادة الجماعية في غزَّة، فهو يواجه الآن تداعيات سياسته الخارجية المدافعة بشراسة عن استمرارية الهيمنة الإمبريالية الأمريكية، ومواجهة محور الصين وإيران وكوريا الشمالية، التي اقتربت من بعضها البعض لدعم المجهود الحربي الروسي ومقاومة النظام العالمي الرأسمالي الليبرالي الأمريكي المتوحش الذي أصبح في طور الأفول. وقد أثبت هذا الوفاق المناهض لأمريكا بالفعل قوته بالقدر الكافي للتخفيف من تأثيرات المساعدات الغربية لأوكرانيا، وهو يزيد من ثمن الهيمنة العسكرية الأمريكية.