لافروف في أفريقيا.. روسيا تطور علاقاتها مع القارة السمراء
بقلم: ابتسام الشامي
عكست جولة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الأفريقية، حرص روسيا على تطوير علاقاتها بدول القارة الأفريقية وتعميق شراكاتها الاستراتيجية معها، في وقت تعيش فيه تلك الدول لحظة تحول سياسي فارقة، تعيد معها تنظيم علاقاتها الخارجية وتموضعاتها السياسية.
روسيا مهتمة بتعزيز حضورها في أفريقيا
في جولة هي السادسة من نوعها خلال عامين، حط وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، رحاله في القارة الأفريقية، مخصصاً أربع دول بزيارة عمل كان من نتائجها توقيع عدد من اتفاقيات التعاون في مجالات مختلفة، تعزيز الحضور الروسي في القارة وتوثيق العلاقات مع دولها.
الجولة التي شملت أربع دول، هي: غينيا، بوركينا فاسو وتشاد في إقليم الساحل، بالإضافة إلى جمهورية الكونغو، جاءت على وقع تطورات مهمة تعيشها روسيا بفعل نتائج الحرب على أوكرانيا، وموقفها الميداني المتفوق من جهة، والبيئة الأفريقية المفعمة بالتحولات ربطاً بالمواجهة التي تخوضها بعض الدول مع الاستعمار القديم وفي مقدمه الفرنسي والأمريكي. وليس صدفة هنا أن جولة الأيام الأربعة بين الثاني والسادس من الشهر الجاري لرأس الديبلوماسية الروسية، تزامنت مع بدء السلطات العسكرية في النيجر عمليات القوات الأمريكية من أراضيها بعد فض الاتفاقية العسكرية الموقعة بين الجانبين “لتنظيم” الوجود العسكري الأمريكي في هذا البلد الأفريقي الذي يعيش تداعيات ما بعد الانقلاب العسكري، والذي كادت الدول الدائرة في الفلك الغربي، أن تنظم حملة عسكرية لإعادة نظام حليفها الرئيس المخلوع محمد البازوم.
وفي ما يعكس تبني روسيا سياسة خارجية تقوم على تطوير مستوى علاقاتها القائم مع الدول الأفريقية، تزامنت جولة لافروف، مع زيارة نائب وزير الدفاع الروسي “يونس بيك يفكيروف” إلى كل من النيجر ومالي، وكذلك تواكبت مع الحضور الأفريقي في فعاليات الدورة السابعة والعشرين للمنتدى الاقتصادي الدولي المنعقد في روسيا في الفترة الممتدة بين الخامس والثامن من الشهر الجاري. من دون أن ننسى الحراك السياسي الذي تشهده موسكو، على خط الأزمة الليبية وكذلك السودانية حيث استقبلت مؤخراً وفداً عسكرياً لمجلس السيادة الانتقالي في السودان لإتمام عدد من الاتفاقات من بينها منح روسيا قاعدة عسكرية على البحر الأحمر.
أهداف جولة لافروف ونتائجها
عملياً يمكن الاستنتاج مما تقدمت الإشارة إليه لناحية الاهتمام الروسي بالقارة الأفريقية و”الانخراط” في قضاياها، أهداف الجولة الأفريقية لوزير الخارجية الروسية، يتقدمها:
– تعزيز الحضور في القارة السمراء، من خلال توثيق العلاقات الاستراتيجية مع دولها، بعدما تحولت هذه القارة إلى ساحة اخرى لصراع النفوذ المتعاظم على وقع ما يعيشه الاستعمار القديم من حالة تآكل وتراجع، عبرت عنها سلسلة الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وما نتج عنها من “مواجهات” سياسية مع الدول المستعمرة.
– توثيق التعاون العسكري بين موسكو وعواصم القارة الأفريقية، من خلال عدد من الاتفاقيات العسكرية التي ترسم إطاراً ينظّم الحضور العسكري الروسي في تلك الدول، ويشمل إلى توريد السلاح، تدريب القوات المسلحة ومساعداتها على تنظيم جسمها وتطوير قدراتها، وهذا ما برز خلال محادثات لافروف مع المسؤولين في الكونغو، حيث جرى الاتفاق على تطوير التعاون العسكري التقني، ومتابعة تنفيذ ما اتفق عليه في عام 2019 بين الجانبين، لناحية إرسال مُتخصصين عسكريين روس إلى الكونغو لمساعدتها على تطوير مؤسساتها العسكرية والأمنية، فضلاً عن تعزيز التعاون المشترك بين روسيا وغينيا، لاسيما في ما يتعلق بتطوير القدرات العسكرية للأخيرة، ومساعدتها على مواجهة التهديدات الأمنية، والاتفاق على استمرار التعاون العسكري الروسي مع تشاد وخصوصاً على مستوى توريد الأسلحة والمعدات العسكرية. وفي سياق متصل، كان البارز في زيارة لافروف إلى بوركينا فاسو، التأكيد على زيادة الدعم الروسي ولا سيما في مجال تدريب القوات العسكرية، وزيادة أعداد الخبراء الروس العاملين في هذا البلد، بما يتلاءم ورؤية المجلس العسكري الحاكم، بخصوص بناء أجهزة أمنية وعسكرية قادرة على فرض الأمن وتأمين الاستقرار. كما “تعهد لافروف بمواصلة تقديم بلاده معدات عسكرية ضرورية للقوات المسلحة البوركينية، لتقوية قدراتها الدفاعية وتمكينها من القضاء على بقايا الجماعات الإرهابية”.
وإلى ما تقدم، فإن تطوير الشراكات الاقتصادية مع الدول الأفريقية، يدخل ايضا في صلب الأهداف الروسية، لاسيما وان موسكو معنية في ضوء ما تتعرض له من عقوبات وحصار اقتصادي غربي، بالبحث عن آفاق جديدة لعلاقاتها الاقتصادية والتجارية، علماً أن الدول الأفريقية، التي تتمتع بثروات هائلة، ظلّت على مدى العقود الماضية دولاً فقيرة، بفعل سياسات النهب المنظم الذي مارسه الاستعمار الغربي، عبر أدواته التي نصّبها في مراكز صنع القرار، وبالتالي فإن من شأن بناء علاقات مع روسيا تطوير هذه الدول بنيتها الاقتصادية وتحسين الاستفادة من مواردها الطبيعية. علماً أنه لا يمكن الفصل بين تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية، ولعلّ الأولى تكون معبراً للثانية، وهو الملاحظ في زيارة لافروف إلى تشاد، حيث ركّزت على تحسين مستوى العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، “لتبلغ مستويات الصلات السياسية والدفاعية والأمنية والإنسانية”، وبحسب ما رشح من معلومات حول نتائج الزيار، أن رأس الديبلوماسية الروسية عرض دعم بلاده دخول شركات روسية ذات خبرة في مشروعات البنية الأساسية، مثل السكك الحديدية الروسية.
خاتمة
تمضي روسيا في تطوير علاقاتها مع دول العالم، ضمن استراتيجية هادفة إلى إفشال حرب تطويقها، وإذا كانت الحرب في أوكرانيا قد هدفت إلى إشغال موسكو في أمنها القومي، فإن تمدد علاقاتها إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية وكذلك تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع الصين، ودول غرب آسيا، يعطي مؤشراً ليس على فشل حرب التطويق فحسب وإنما على قدرة روسيا على اختراق ساحات كانت حتى الأمس القريب تدور في الفلك الغربي ومحسوبة في دائرة نفوذه.