إقليميات

العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق تصعيد خطير جداً

بقلم زينب عدنان زراقط

يأتي يوم التأكيد على البيعة لقضية الأُمّة الإسلامية “تحريرُ فلسطين” في عامنا هذا، في أعتى غزوات جيش العدو الصهيوني على أرض فلسطين، قُرابة الستة أشهُر من حربٍ ودمار ومجازر وتجويع، في طوفانٍ هزّ جبروت البيت الأبيض وصدّع ملامح وجوه المُتخاذلين من حُكّام العرب!. والأنكى من ذلك، ما سوّلت له نفسُه الإسرائيلي، في فورة غليان الوضع على صفيحٍ من نار، وقُبيلَ “جُمُعة القُدس” بيومين، إقدامُ سلاح جو العدو على استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا، في تحوّلٍ خطير لحرب غزة، وهنا نتكلم عن تصعيد خطير جداً في الشرق الأوسط. فكيف تجرّأ الاسرائيلي باستهداف القنصلية الإيرانية بكُلّ تبجُّحٍ هكذا، وكيف دعمت أمريكا هذه الضربة لنسمع بعدها بتهليلات الرئيس الأمريكي “بايدن” بأمر “نتنياهو” على وقف فوري لإطلاق النّار!!؟

دوافع الاستهداف الإسرائيلي وتبعاتَهُ عليه

أكد قائد الثورة الإسلامية “الإمام علي الخامنئي – في بيان بمناسبة استشهاد اللواء محمد رضا زاهدي ورفاقه -،” بأن “يوم القدس العالمي” في هذا العام سيُنيل الاحتلال الصهيوني الهزائم المتواصلةِ في غزة وأنّ ونهايته باتت قريبة، كما أن جريمته الأخيرة في سوريا لن تنجيه من الهزيمة وسيتلقى صفعةً لقاء اعتدائه الأخير على مبنى الشؤون القنصلية الإيرانية في سوريا.

وفي تفاصيل الخبر، أن نتنياهو أعطى الأمر للسلاح الجوي بتدمير القنصلية الإيرانية في دمشق، فاستُهدفَ الموقع ودُمِّرَ المبنى بالكامل واستشهدَ كُل من فيه، بستة صواريخ موجّهةٍ من طائرة حربية إسرائيلية. ما ادى إلى ارتقاء الشهيد العميد محمد رضا زاهدي ونائبه و4 دبلوماسيين. القائد زاهدي هو قائد رفيع المستوى تغتاله اسرائيل خارج إيران بالإضافة إلى نائبه، وتعتبر هذه من أبرز العمليات العسكرية الهجومية على إيران وأبرز هجوم علني سافر على أهداف إيرانية لمبنى دبلوماسي بشكل مباشر ويعبّر عن الدولة، وبالمقارنة هي ضربة لأرض إيرانية كذلك أيضاً. فالإشكالية المطروحة ها هُنا، عن سبب استفزاز إسرائيل لإيران في هذا التوقيت الحسّاس، ومن كان الداعمُ لها؟

في وقتٍ صرّحت فيه إيران على الفور، بأنّ العدو الإسرائيلي سوف يندم على فعلته ويلقى عقاباً فوري يؤل إلى احتضاره… وبينما تأهّب الكيان كُلّه من ويل ما سيفعله الإيراني جرّاء ما اقترفه، وسط توقعاتٍ – في الإعلام العبري – بضربةٍ تاليةٍ سريعة تحقنُ الغضب على ما وقع عليها، إلاّ أنّ المقاومة كعادتها تريثت، ولعلّها حصدت مبتغاها من خلال كظم غيظها بقصمِ ظهر البعير!.

حالة رُعب غير مسبوقة حلّت داخل الكيان الصهيوني على المستوى السياسي والأمني والشعبي تحسُّباً من الرّد الإيراني، في حين أن الخبراء والمحللين الصهاينة اعتبروا أن حكومتهم قد وضعتهم في قبضة القوة الإيرانية الهائلة التي وإن بدت هادئةً إلا أنها عاصفةٌ ومُميتة إن تحرّكت. ويعيشون حالة رُعب نفسي من خلال إجراءات إيران التهديديةِ برفع يافطاتٌ باللغة العبرية وضعت عليها إشارات “إكس X” على صور ضباط الجيش الإسرائيلي وهي منتشرةٌ في جميع أنحاء طهران. وذهب المحللون والخبراء الصهاينة إلى القول إن كيانهم قد وقع هذه المرة “ليس مع لاعب شطرنج ماهر وإنما مع من اخترع هذه اللعبة، وهم الإيرانيون”، الذين باعتبارهم “هم ليسوا أصحاب أعصابٍ حامية وهم من اخترعوا لعبة الشطرنج ويعملون على خطةٍ طويلة الأمد، حتى التضحية وسقوط الأرواح لديهم جزء من خطتهم وهم يحسبون لعدة خطواتٍ إلى الأمام”، وسط تخوّفٍ وترقّب من امتداد الحرب في شمال الكيان الغاصب إثر ضربةٍ إيرانية واسعة تطال مواقع استراتيجية وقواعد للجيش.

وهكذا وضعت إسرائيل في حالة تأهب واستنزاف كبيرين بانتظار الرّد الإيراني. ومن إجراءاته إخلاء سفاراته في البحرين والإمارات، حتى السُكان المُقيمون في المنطقة المحيطة بتلك السفارات قد سارعوا في الابتعاد عن المنطقة. كما عزّزت استنفارها في قطاعات الجيش والإعلان الرسمي باستدعاء قوات احتياط إلى سلاح الجو وإلغاء إجازات جنود الجيش الإسرائيلي في نهاية الأسبوع وسط فرضٍ لحظر التجوّل وفتحٍ للملاجئ العامة وإعدادٍ للمستشفيات وتهيئةٍ للمستوطنين بوقوع حربٍ مُحتملةٍ في الشمال، واعتماد المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تفعيل التشويش على الـ “GPS” في كل أنحاء “إسرائيل”، ترقُّباً من خطر الرّد الإيراني.

دوافع الإسرائيلي من وراء استهداف القُنصلية الإيرانية

1- تعتبر إسرائيل أن إيران هي المسؤولة عن الدعم بالسلاح للضفة الغربية ويأتي هذا الاتهام بعد كشف عدة عمليات إيصال سلاح مؤخراً إلى الداخل وللضفة حساسية عالية بالضبط من العدو وهي خط احمر.

2- قيام حركة المقاومة العراقية بضرب مدينة “إيلات” بالسلاح المسيّر وإصابة مبنى تابع للقوة البحرية وهي نفطة حسّاسة – تحوي على مُفاعل ديمونا النووي – والتي كانت ضربةً موجعة هزّت الكيان الإسرائيلي واعتبرتها إمّا مدعومة أو مخططة من إيران.

3- زيارة اسماعيل هنية – رئيس المكتب السياسي لحماس – للسيد القائد الخامنئي وذلك بعد يوم من التصويت في مجلس الأمن لصالح فلسطين، وإيران بتلك الزيارة بينت للعالم أجمع أنّها الدّاعم الأول والعلني لحماس وفي إشارة قوية لأنّ المقاومة الفلسطينية “حماس” تابعة لإيران.

4- رسالة من نتنياهو إلى جمهوره المتصارع معه، أنه لن يضرب حماس فقط، بل سيضرب داعميها وذلك لرفع مستوى التأييد له، في ظل الخراب الداخلي الذي يُقاسيه بتهديد المستوطنين بإسقاط حكومته وزجّه بالسجن.

5- وفي التحليل الخاص، بما أن نتنياهو بات آيساً من الطوفان الذي حلّ به، وكي لا يكون المتورّط الوحيد أمام الرأي العالمي المُعارض له، قام بضربة القنصلية الإيرانية كي يستفزّ محور المقاومة بشكلٍ قويّ، لعلّه يجرُّ إيران أو حزب الله على الإقدام بردٍ يُعطيه الذريعة والفرصة لتوسعة الحرب إلى جنوب لبنان.. لتتبعُها حربٌ إقليمية.. – تحت شعار خرابٌ يحلُّ “عليه وعلى أعدائه” -!.

الموقف الأمريكي من الاعتداء

أخيراً، حول ما إذا كانت أمريكا قد دعمت هذا الاعتداء السافر، والمعروف بأنّ هكذا عملية لا يقترفّها الإسرائيلي من دون أخذ الضوء الأخضر الأمريكي، وهُنا نقف أمام مُعضلة انشقاق الصفّ الأمريكي والصراع السياسي الكامن أيضاً على كُرسي رئاسة البيت الأبيض، ومُحاولة الرئيس السابق “ترامب” زعيم حزب الجمهوريين زلّ قدم الرئيس الحالي “بايدن” زعيم الديموقراطيين. نرى ذلك جلياً في العديد من مواقف الاحتدام ما بين الرئيسين، وفي آخر الاتهامات من ترامب لبايدن أنه قد جعل إيران غنية من خلال تحرير أرصدتها المالية وتسبّبَ بانفجارٍ في الشرق الأوسط من خلال واقِعة 7 أكتوبر التي تكمن إيران وراءها كذلك حسبَ زعمهِ، من خلال دعمها لحماس بالسلاح جرّاء رفع العقوبات عنها…  وذلك للتأثير على شعبية “بايدن” في المرحلة الانتخابية، ولعلّ “الجمهوريين” بقيادة “ترامب” هم من دعموا ضربة القنصلية ليتجرّأ “نتنياهو” على الإقدام على هذا الاعتداء…!.

ليتبيّن أن التهديد الإيراني لم يَشُلّ الكيان الغاصب فحسب، بل إنَّ تحميل إيران أمريكا المسؤولية عبر وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان”، من خلال استدعائه فجر الثلاثاء الماضي القائم بأعمال السفارة السويسرية في طهران باعتبار أن بلاده راعية للمصالح الأمريكية في إيران، وتوجيه رسالة مهمة للحكومة الأمريكية باعتبارها الداعم للكيان الصهيوني وهي أنّ: “على أمريكا أن تتحمل المسؤولية”!.

أمّا عمّا جرى في البيت الأبيض بعدها، وحَسبَ تسريباتٍ عبر أوساط سياسية حسّاسة، أن “بايدن” قد وضع الإسرائيلي ما بين خيارين، إمّا يتوسّط له لدى الإيراني بالكفِّ عن الرّد عليه مُقابل “وقف إطلاق النّار في غزة”، أو فليتلقّى ضربة إيران – دون ناصرٍ أو معين – بمنأىً عن وجود دعمٍ أمريكي في ظهره!.

وهكذا أتت الضربة الإسرائيلية في وقت العدّ العكسي لانفجار ثورة الغضب لأجل القُدس وتحرير فلسطين، ظنّاً منهم أنه سوف تندلع نار وحرب كُبرى بعدها، فجاءت حِكمة قيادة المقاومة كما عهدناها، بالتريّث والحكمة لتصنع نصراً بتضحيات دماءِ شُهدائها… وبما أنّ الرّد الإيراني قد اجتازَ مُدة الـ 48 ساعة، وهو نسبياً يُعتبر تأخّراً في التكتيك العسكري كي لا تفقد قواعد الاشتباك وسياسات الردع ترسانتها، هل بإمكاننا اعتبار أن الإسرائيلي قد اختار قرار “وقف إطلاق النّار”، لتولد اليوم في “يوم القدس” بُشرى نصرِ “غزّة”؟.