تحالف جديد لتطويقها .. الولايات المتحدة الأمريكية الصين أولويتنا
بقلم: ابتسام الشامي
واصلت الولايات المتحدة الأمريكية، تحويل استراتيجية الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن إلى خطط عملياتية. وبعدما كانت قد شخصت الصين عدواً واجب المواجهة واحتواء المخاطر على مكانتها العالمية في عالم ينحو باتجاه نظام جديد، فإنها أقدمت على المزيد من الخطوات لتشكيل تحالفات جديدة تهدف إلى تطويق الصين في بيئتها الاستراتيجية.
زعزعة الاستقرار
لم تغير الأحداث الجارية على مستوى العالم من غرب آسيا إلى أوروبا في الأولويات الأمريكية اتجاه الصين، وعلى الرغم من أن ما يجري في فلسطين المحتلة وما نتج عنه من تداعيات إقليمية ودولية وكذلك الحرب المتواصلة في أوكرانيا للعام الثالث على التوالي تنطوي على الكثير من التحديات للولايات المتحدة الأمريكية وهيبتها، فإن خطة تحويل البيئة الاستراتيجية إلى بيئة مضطربة ومعادية للدولة التي تصنفها في قائمة أعدائها، واصلت مسارها بتحالفات جديدة بين أعداء الأمس، الجوهر فيها إعادة عسكرة تلك الدول بعدما كانت قد خفضت خلال عقود من الزمن ميزانياتها العسكرية لمصلحة تنمية اقتصاداتها عبر الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة.
وبعد تحالف اليابان وكوريا الجنوبية المعلن عنه في شهر آب الماضي في منتجع كامب دايفيد، يتحضر الرئيس الأمريكي جو بايدن لعقد أول قمة ثلاثية من نوعها تجمعه إلى رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا ورئيس الفيليبين فرديناند ماركوس في العاشر من الشهر الجاري. وكما في التحالف الأول، فإن التحالف الجديد يتمحور، حول الصين ويستهدف على وجه الخصوص تحويل بحر الصين الجنوبي إلى منطقة مضطربة، بما يؤدي عملياً إلى تقويض الجهود الصينية في خفض التوترات في هذه المنطقة الحساسة لأمن بكين القومي.
دور مركزي لليابان
التحالف الجديد الذي من شأنه أن يمنح اليابان دوراً قيادياً ويحولها إلى رأس حربة المواجهة مع الصين في منطقة المحطين الهادئ والهندي، ينطلق بشكل عملي قبل الإعلان عنه رسمياً في القمة المقررة في واشنطن، من خلال مناورات عسكرية تستضيفها الفليبين في بحر الصين الجنوبي وتشارك فيها الولايات المتحدة واليابان وأستراليا في السابع من الجاري، في رسالة واضحة إلى الصين بأن تعزيز التعاون العسكري بين الدول المشاركة، يستهدف بشكل مباشر مواجهة نفوذ الصين المتزايد في المنطقة المثقلة بالنزاعات حول بعض الجزر المهمة وكذلك حول المناطق الاقتصادية للدول المشاطئة للبحر. وفي هذا الإطار يمكن القول إن الاستراتيجية الأمريكية المعتمدة تقوم على قطع السبل السياسية لتسوية النزاعات المذكورة، بالتوازي مع تعزيز النزعة العسكرية للدول المطلة على البحر وجسر الهوات التي تباعد بينها، من خلال تحالفات جديدة تقفز على تاريخ من النزاعات الدموية جمعها خلال القرن الماضي. علماً أن أول تواصل عسكري بين اليابان والفليبين بعد الحرب العالمية الثانية تأخر حتى السادس من كانون الأول من عام 2022، حين هبطت طائرتان مقاتلتان يابانيتان في الأراضي الفليبينية للمشاركة في مناورات عسكرية، وكان هذا الحدث بمثابة تحول كبير في علاقات الفليبين “بجلادها” خلال الحرب العالمية الثانية حيث شهدت العاصمة مانيلا بين شهري شباط وآذار من عام 1945، واحدة من أكبر مذابح الحرب العالمية الثانية.
أعداء الأمس تجمعهم الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، لتنكب مهمة المواجهة مع الصين نيابة عنها، كما في أوكرانيا، وهي مهمة تخص فيها واشنطن طوكيو بدور مركزي، وفق ما تشير إليه صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، مضيفة أن الدور “غير المسبوق لليابان في إطار توثيق تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية، يأتي منسجماً مع سياستها التي كان من نتائجها، إعلانها عام 2022 مضاعفة إنفاقها الدفاعي وذلك في إطار صناعة وزن أمني أكبر في المنطقة. ووفقاً لمعلومات الصحيفة، فإن “الولايات المتحدة واليابان تخططان لرفع تحالفهما الأمني إلى مستوى غير مسبوق منذ نحو ستين عاماً” في إشارة إلى تاريخ توقيع معاهدة دفاع مشترك بين الجانبين، عام 1960. كاشفة أن القمة التي ستجمع الرئيس الأمريكي ونظيره الفليبيني ورئيس الوزراء الياباني، ستشهد إعلان بايدن، خططاً لإعادة هيكلة القيادة العسكرية الأمريكية في اليابان لتعزيز التخطيط العملياتي والتدريبات بين البلدين”. مشيرة إلى أن الأخيرة تخطط لإنشاء قيادة عمليات مشتركة، العام المقبل، من أجل تعزيز الاندماج مع القوات الأمريكية المتمركزة في البلاد، وإنشاء نظام قيادة عملياتي موحد” وذلك لمواجهة ما تصفه كل من طوكيو وواشنطن، بالتهديد المتزايد من الصين، مع ما يتطلبه ذلك من “تعاون جيشيهما والتخطيط بسلاسة أكبر، ولا سيما في أزمة مثل صراع تايوان”.
الصين تحذر
وفي وقت تداولت فيه وسائل إعلام يابانية، أن التجمع الثلاثي الجديد سيتطور إلى تحالف أكثر أهمية من الحوار الأمني الرباعي أوكوس الذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، تنقل صحيفة بوليتيكو عن مسؤول أمريكي وآخر ديبلوماسي أجنبي على اطلاع على الخطط المتعلقة بالتحالف الجديد قولهما، إن “المناورات المحتملة هي الخطوة الأقوى التي يتخذها بايدن لتعزيز ما يسمى باستراتيجيته للمحيطين الهندي والهادئ” القائمة على “حشد الحلفاء والشركاء لمواجهة البصمة الاقتصادية والديبلوماسية والعسكرية المتزايدة للصين في المنطقة”. وفي سياق متصل بأبعاد التحالف الثلاثي، يكشف مسؤول أمريكي للصحيفة، أن بلاده تبحث في كيفية “تحويل اليابان إلى شريك تكنولوجي في إطار أوكوس”.
إزاء هذه التطورات التي ترى فيها الصين تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وجه الرئيس الصيني رسالة تحذيرية إلى نظيره الأمريكي في اتصال هاتفي بينهما. وبحسب وسائل إعلام صينية فإن الرئيس تشي جينبينغ شدد على ضرورة احترام مبدأ “السلام والاستقرار والمصداقية، والامتناع عن الممارسات المزعزعة للاستقرار” مجدداً تأكيده أن مسألة تايوان خط أحمر يمنع تجاوزه في إطار العلاقة بين البلدين.
خاتمة
تحد جديد تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على الصين في إطار استراتيجيتها لتطويق نفوذ الأخيرة العابر للقارات، وإذ تفضل بكين حتى الآن الاستثمار في قوتها الناعمة من خلال مبادرة الحزام والطريق، فإن اللعب الأمريكي في حديقتها الخلفية وعلى تماس مع أمنها القومي، من شأنه أن يعدّل استراتيجيها للمواجهة. علماً أن القراءة السياسية الصينية للتحالف الجديد كما بالنسبة لما سبقه، لا تستخف بخطورته على أمنها لكنها في المقابل ترى أنه ينطوي على عوامل عدم نجاحه بالنظر إلى حجم الخلافات التي تتنازع أطرافه لاسيما تلك المتعلقة بالمناطق الاقتصادية للدول المشاطئة لبحر الصين الجنوبي.