العدوان على لبنان يشعل وتيرة التصعيد الأمريكي على اليمن
بقلم نوال النونو
يتحرك اليمنيون على كافة المستويات مؤخراً لمواجهة أي احتمالات للتصعيد الأمريكي على بلادهم.
وخلال الأسبوع الماضي، شكّلت ثلاثة أحداث رئيسة أهم دلالات على وجود تصعيد أمريكي كبير على اليمن، حيث خرج الملايين من الشعب اليمني في مسيرات حاشدة يوم الجمعة الماضي بالعاصمة صنعاء وعموم المحافظات، مؤكدين على جهوزيتهم التامة لمواجهة أي تصعيد أمريكي، وقبلها ألقى السيد القائد عبد الملك الحوثي الخميس الماضي خطاباً حذّر فيه من مغبة أي تورط للسعودية والإمارات في تصعيد أو عدوان جديد على اليمن، مؤكداً أن هذا إنْ حدث فسيجلب الخزي والعار على هاتين الدولتين، ولن تحقق السعودية أو الإمارات أي أهداف.
أما الحدث الثالث في الأسبوع الماضي، فتمثل في تنفيذ مناورة عسكرية للقوات المسلحة اليمنية تحت شعار “ليسوءوا وجوهكم”، أظهرت من خلالها عدداً من الأسلحة الاستراتيجية، منها غواصات مسيرة، في دلالة على مدى الجهوزية لليمن في مواجهة أي تصعيد مرتقب.
وتنفذ الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عدواناً على اليمن منذ 12 ابريل نيسان 2024م، حيث تستهدف الطائرات مواقع عسكرية تابعة للقوات المسلحة اليمنية، في حين تدّعي واشنطن أنها تقصف مخازن أسلحة تابعة “للحوثيين” ومنصات لإطلاق الصواريخ، في المقابل تكثف القوات المسلحة اليمنية نيرانها صوب السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية بالبحر الأحمر، في إطار استراتيجية اليمن المساندة لغزة.
ومع تطورات الأحداث في المنطقة، وتحوُّل لبنان من جبهة إسناد لغزة، إلى ساحة حرب حقيقية، يضغط الأمريكيون نحو توسيع الحرب على اليمن، عن طريق الإيعاز للمرتزقة اليمنيين الموالين للتحالف السعودي الإماراتي بتفجير معركة الساحل الغربي لليمن، والضغط على السعودية والإمارات لإعادة التصعيد وشن غارات جوية على البلاد، وهو ما كشفت عنه صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية قبل أيام.
وخلال الأيام الماضية، كثّفت وسائل الإعلام التابعة لمرتزقة السعودية والإمارات حديثها عن ضرورة ما تسميه بتحرير “الحديدة” وهي محافظة تقع غربي اليمن على ساحل البحر الأحمر، وتسيطر عليها قوات صنعاء، وهي أقرب نقطة لهذه القوات لاستهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية في مضيق باب المندب، وتُعدُّ الحديدة مركزاً استراتيجياً “لأنصار الله” أو القوات الموالية لصنعاء، وفيها ميناء الحديدة الذي يُعدُّ أهم شريان لليمن لدخول الغذاء والسلع الأخرى.
ويتبنى المرتزقة (القوات اليمنية الموالية للسعودية والإمارات) الرواية الأمريكية بشأن الأحداث في اليمن، ويعتقدون أن القوات المسلحة اليمنية (الحوثيون) يشكلون تهديداً حقيقياً لحركة الملاحة الدولية، وأنهم ينفذون الأجندة الإيرانية في هذا الشأن، وأنهم “مستعدون لاستئناف المعارك في أي وقت لضمان استعادة الحديدة واستقرار المنطقة” كما يقول المتحدث باسم القوات المشتركة في الساحل الغربي – قوات يمنية تتبع الإمارات – العميد وضاح الدبيش في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط في السادس عشر من أكتوبر- تشرين الأول الماضي.
ويرى المتحدث باسم قوات المرتزقة العميد عبده مجلي أن استمرار هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر أدى إلى تعريض الأمن والسلم الإقليمي والدولي للمخاطر، وضاعف من معاناة الشعب اليمني الاقتصادية.
هذه التصريحات تتطابق تماماً مع التوصيف الأمريكي لمجريات الأحداث في البحر الأحمر، وكأنها تخرج من مشكاة واحدة، فالأمريكيون يعتقدون أن “الحوثيين” يهددون حركة الملاحة في البحر الأحمر، وأنه يجب ردعهم وإيقاف هذا العبث كما يدعون.
بالنسبة للقوات المسلحة اليمنية، وكما هو معروف، فإن عملياتها في البحر الأحمر أو البحر العربي والمحيط الهندي، تأتي لمساندة لغزة التي يتعرض سكانها لعدوان صهيوني غاشم على مدى أكثر من عام.
وفي جميع البيانات التابعة لقوات صنعاء، تؤكد أن هذه العمليات لن تتوقف إلا بتوقف العدوان والحصار على قطاع غزة، كما أنه موقف مبدئي تؤكد عليه القيادة اليمنية بدءاً من السيد القائد عبد الملك الحوثي، ورئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء المشير الركن مهدي المشاط، والقيادة العسكرية، ومن خلال الحضور الجماهيري اليمني المليوني الذي يخرج يوم الجمعة من كل أسبوع لمناصرة غزة في صنعاء وعموم محافظات اليمن.
ويجد المتتبع للتحركات الأمريكية تجاه اليمن من بعد العدوان الصهيوني على لبنان في منتصف سبتمبر أيلول الماضي، تصاعد نبرة التهديد تجاه اليمن، فالمؤشرات تدل على الرغبة الأمريكية في التصعيد، وذلك من خلال ما نلمسه من تحركات في هذا السياق، ومنها استهداف اليمن بطائرات شبحية لأول مرة في 17 أكتوبر تشرين الأول الماضي، لاستهداف مواقع تتبع القوات المسلحة اليمنية، أو مواقع تتبع “الحوثيين” بحسب المصطلح الأمريكي.
ويقول وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن هذه الضربات: “نفذنا ضربات دقيقة ضد 5 مواقع تخزين أسلحة تحت الأرض في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن بما فيها قاذفات “بي 2″، وكان هذا دليلاً فريداً على قدرة الولايات المتحدة على استهداف المنشآت التي يسعى خصومنا إلى إبعادها عن متناول اليد، بغض النظر عن مدى عمق دفنها تحت الأرض أو تحصينها”.
في ذلك اليوم، سمع اليمنيون أصوات انفجارات عنيفة في العاصمة صنعاء، لكن المسؤولين اليمنيين يؤكدون أن الولايات المتحدة تستهدف بغاراتها مواقع عسكرية سبق أن تم استهدافها لعشرات المرات إبان العدوان السعودي الإماراتي على اليمن الذي بدأ في 26 مارس آذار 2015، ولا يزال مستمراً حتى هذه اللحظة، مؤكدين أن هذه الغارات ليس لها تأثير على القدرات العسكرية اليمنية، لأن مخازن الأسلحة ليست في صنعاء، وإنما في مناطق سرية لا يعرف الأمريكيون أو التحالف السعودي الإماراتي تخزينها.
بعد يوم واحد من هذه الغارات فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على 5 شركات و5 أفراد، وأدرجت 8 سفن كممتلكات محظورة بسبب علاقاتها (بسعيد الجمل)، وهو الناشط المالي الحوثي المدرج على لائحة العقوبات الأميركية، بحسب الرواية الأمريكية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في بيان: “فرضنا عقوبات على 5 شركات و5 أفراد، وأدرجت 8 سفن كممتلكات محظورة بسبب علاقاتها بسعيد الجمل، وهو الناشط المالي الحوثي المدرج على لائحة العقوبات الأمريكية”، مضيفاً أن “الدعم الإيراني للمجموعات الإرهابية الإقليمية يستمر في زعزعة استقرار الشرق الأوسط”.
وأشار إلى أن الإيرادات من شبكة “الجمل” تدر الأموال التي تمكن الحوثيين من شن هجمات إقليمية، بما في ذلك تعطيل الشحن الدولي في الممرات المائية الحيوية.
من جانبه اعتبر وكيل وزارة الخزانة الأمريكية بالإنابة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية برادلي سميث الإيرادات من شبكة “الجمل” تدر الأموال التي تمكن الحوثيين من شن هجمات إقليمية، بما في ذلك تعطيل الشحن الدولي في الممرات المائية الحيوية.
وعلى الرغم من أن صنعاء لم تعلِّق حول هذا البيان، إلا أن هذه العقوبات تأتي في سياق الضغط الأمريكي المتواصل على صنعاء لإيقاف عملياتها المساندة لغزة، ومن أبرزها منع مرور السفن في البحر الأحمر، والتي تتجه نحو الموانئ الإٍسرائيلية في فلسطين المحتلة، حيث كان لهذا المنع أو الحصار أثره الكبير على الكيان، وأدى إلى إعلان ميناء إيلات الإسرائيلي جنوبي البحر الأحمر عن إفلاسه.
وفي سياق الضغوط على صنعاء لإيقاف عملياتها في البحر الأحمر، تعمل أمريكا على تحريك الأمم المتحدة ضد صنعاء، من خلال مطالبة المجلس بإيقاف هذه العمليات وإدانتها، ومن خلال المطالبات المتكررة للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بالوقف الفوري لهذه الهجمات، والادّعاء بأنها أدّت إلى “زيادة كبيرة في خطر وقوع كارثة بيئية”.
وتظل التحركات العسكرية هي الأبرز للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، من خلال تحريك الأساطيل والقطع الحربية، والإعلان عن وصول قاذفات (بي 50) وأسلحة نوعية إلى قواعدها العسكرية في قطر وغيرها، وفي رسائل تبعثها واشنطن لليمن وإيران ومحور المقاومة بأنها لن تتوقف عن مساندة “إسرائيل” وأنها لن تتورع عن استخدامها ضد أي تطورات أو أحداث في قادم الأيام.