فوز ترامب بعيون أوروبية.. قلق على أمن القارة واقتصادها
بقلم ابتسام الشامي
ما أخفته الكلمات المنمقة في تهنئة القادة الأوروبيين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفوزه في السباق الانتخابي، أظهرته مواقفهم، وما انطوت عليه من هواجس إزاء العودة الثانية لرئيس سبق أن هدّد بفرط عقد الناتو وبرفع نسبة الرسوم الجمركية في التبادلات التجارية مع بلادهم.
ترامب للأوروبيين عليكم أن تدفعوا من أجل أمنكم
لم تنتظر بروكسل الإعلان الرسمي عن فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية لتعيد وضع مخاوفها على الطاولة، فالرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية سبق أن سكن البيت الابيض قبل أربع سنوات خلت، وخلال ولايته الأولى ذهب بعيدا في تهديد حلفاء بلاده من الأوروبيين في ما يعتبر عماد أمنهم القومي، ملوحاً بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي ما لم يبادر أعضاؤه إلى انفاق بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة من أعضائه الـ32 المشاركة فيه. وهو تهديد عاد وكرره في حملته الانتخابية بسقف أعلى، مثيراً حالة من الذعر في أوروبا عندما قال في شباط الماضي “إنه لن يضمن بعد الآن حماية دول الحلف الأطلسي من روسيا، إذا لم تف دول الحلف بالتزاماتها المالية”.
أوروبا مستنفرة بعد فوز ترامب
الهواجس الأوروبية ذات الطبيعة الأمنية، سارع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، إلى التعبير عنها مع الإعلان عن فوز ترامب في السباق الانتخابي الأمريكي، إذ شدّد على “وجوب استعداد أوروبا وتعزيز سياستها الدفاعية لمواجهة الحقائق الجيوسياسية التي قد تتغير بعد انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية”. وخلال جلسة عامة للبرلمان الأوروبي عقدت في بروكسل للبحث في تأثير نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، رأى بوريل أن “التغيير في الولايات المتحدة سيؤثر في الديناميكيات العالمية”، ما من شأنه أن يؤدي إلى تغييرات كبيرة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وإذ أشار بوريل إلى “الزيادة البطيئة في الإنفاق الدفاعي في أوروبا منذ ولاية ترامب الأولى “بين عامي 2017 – 2021، نوّه بأن “إعادة انتخاب ترامب يجب أن تكون أمراً يوضح أننا بحاجة إلى تعزيز أمننا وأخذ مصيرنا بأيدينا”. وفي وقت شدد فيه على أن هذه ليست نهاية العالم، بل بداية عالم مختلف، دعا بوريل الاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد والتكيف مع الحقائق الجيوسياسية الجديدة.
الهواجس التي عبر عنها بوريل، شاطره فيها عدد من القادة الأوروبيين، وفي اجتماع زعماء “المجموعة السياسية الأوروبية” في بودابست، جدّد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الدعوة إلى أن تلتفت أوروبا إلى مصالحها بنفسها، داعياً نظراءه إلى تأكيد استقلال قارتهم عن الولايات المتحدة، وأن “يدافعوا عن مصالح شعوبهم في مواجهة مصالح المنافسين الجيو/سياسيين في خضمّ هذه اللحظة الحاسمة من التاريخ”، مضيفاً أن الكتلة الأوروبية “يجب ألا تسمح لنفسها بأن تكون من أكلة الأعشاب، ضعيفة، ومحاطة بمجموعة من المفترسين، آكلي اللحوم”. وقال ماكرون إن أوروبا يجب أن تستعيد السيطرة على تاريخها، “إذ لم يَعُد في إمكانها تفويض مسألة حماية أمنها إلى الولايات المتحدة”. وفي معرض الاستنكار تساءل ماكرون عما إذا كان على الأوروبيين “أن يقرؤوا التاريخ الذي يكتبه الآخرون أم أن يكتبوا تاريخهم الخاص بهم؟” في إشارة إلى القضايا الدولية الساخنة التي تنخرط فيها أوروبا أو تتأثر بنتائجها.
وإذا كانت مواقف الرئيس الفرنسي معروفة، في ما خص الأمن الأوروبي والاستقلال السياسي لدول القارة، فإن ما كان مفاجئاً في الاجتماع ذاته مواقف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الرجل المعروف بكونه صديقاً للرئيس ترامب، حذّر في خطابه من أن “سلام أوروبا واستقرارها وازدهارها في خطر، وأن الوضع الذي تعيشه صعب ومعقد وخطير جداً” وأضاف قائلاً إنه “مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فقد زاد معسكر أولئك الذين يريدون السلام في أوكرانيا بشكل كبير، وإن هذا الوضع الجديد يحتّم على أوروبا أن تستجيب بالضغط من أجل وقف مبكر لإطلاق النار”. وإذ دعا إلى أن “تتحمل أوروبا المزيد من المسؤولية عن السلام والدفاع وعدم الاكتفاء بحماية الأمريكيين”، توقع “محادثات صعبة جداً بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول التجارة”.
تغيير سياسة الانفاق من التماسك الاجتماعي إلى الدفاعي
هواجس القادة الأوروبيين من تأثيرات عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في مستقبل دولهم الدفاعي والاقتصادي، عكسته الصحف الغربية التي سلطت الضوء على المفاعيل المتوقعة لهذه العودة. وتحت عنوان أوروبا تستعد لترامب “أسوأ كابوس اقتصادي قد يواجهه العالم”، رأت صحيفة نيويورك تايمز، أن الحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري بسبب الشكوك حول الضمانات الأمريكية في أوروبا من شأنها أن تزيد من ضغوط الميزانيات الوطنية وتزيد من العجز. مشيرة أيضاً إلى أن موقف الرئيس المنتخب الأكثر عدوانية تجاه الصين من شأنه أن يضغط على أوروبا لاختيار الجانب أو مواجهة الانتقام. ونقل تقرير الصحيفة عن كبير خبراء الاقتصاد في بنك آي إن جي الهولندي، كارستن برزيسكي، قوله “لقد تحقق أسوأ كابوس اقتصادي في أوروبا”. وحذر من أن التطورات قد تدفع منطقة اليورو إلى “ركود كامل” في العام المقبل.
بدورها أكدت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن بروكسل تعمل على تغيير سياسات الإنفاق الخاصة بها بهدف إعادة توجيه عشرات المليارات من اليورو إلى الدفاع والأمن، وذلك في ظل تواصل الحرب في أوكرانيا، ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ما يزيد الضغوط على الاتحاد الأوروبي لتعزيز الاستثمار. وبحسب تقرير الصحيفة، فإن هذا التحول السياسي سوف ينطبق على حوالي ثلث الميزانية المشتركة للاتحاد، أو حوالي 392 مليار يورو من عام 2021 إلى عام 2027، وهي الأموال التي تهدف إلى الحد من التفاوت الاقتصادي بين دول الاتحاد الأوروبي. واذ لفتت إلى ان هذه الأموال المخصصة للتماسك، والتي لم ينفق منها سوى نحو 5% بموجب القواعد الحالية، حيث تمنع استخدامها لشراء معدات دفاعية أو تمويل الجيش بشكل مباشر، أكدت أنه سيجري إبلاغ عواصم الدول الأعضاء في الأسابيع المقبلة بأنها ستتمتع الآن بمزيد من المرونة بموجب القواعد لتخصيص أموال التماسك لدعم صناعاتها الدفاعية ومشاريع التنقل العسكري مثل تعزيز الطرق والجسور للسماح بمرور الدبابات بشكل آمن، بحسب مسؤولين في الاتحاد الأوروبي. ووفق الصحيفة البريطانية فإن من شأن ترتيبات الانفاق الجديدة، السماح بتمويل تعزيز إنتاج الأسلحة والذخائر، على الرغم من أن الحظر المفروض على استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لشراء تلك الأسلحة سوف يظل قائماً.
خاتمة
استنفرت عودة ترامب إلى البيت الأبيض الدول الأوروبية وايقظت هواجسها الأمنية والاقتصادية، وبين إدارة جو بايدن التي ورطتها في حرب مع روسيا في أوكرانيا، وادارة ترامب التي تريد ادارة الظهر لها، تجد أوروبا نفسها مستهدفة في أمنها واقتصادها، وهي ضريبة طبيعية لأي دولة أو جهات دولية قررت تأجير أمنها وقرارها لغيرها.