دوليات

الناتو في عامه الخامس والسبعين.. ثقل التحديات وهواجس المستقبل

بقلم: ابتسام الشامي

التحدي الروسي

عشية القمة الخامسة والسبعين لحلف شمال الأطلسي، ارتأت روسيا شن أعنف هجماتها منذ أشهر على العاصمة الأوكرانية كييف مستهدفة بنى تصنيع عسكري، ولئن جاء ذلك في سياق حرب طويلة تجاوزت عامها الثالث من دون أفق واضح لأن تضع أوزارها، فإن توقيت الهجوم في تقدير أعضاء الناتو جاء ليذكر المجتمعين بأحد أخطر التحديات التي تواجه تحالفهم في ظل بيئة سياسية متحولة، تجعله يقف على أرض غير صلبة.

الصراع الأطلسي الروسي الذي انفجر في أوكرانيا على مسافة خطوة من انضمام الأخيرة إلى الناتو، بات يثقل كاهل الحلف ويستنزف موارد أعضائه، وهو إلى ذلك، يستولد تحديات إضافية، مع ارتقاء روسيا في تهديداتها ضد الحلف العسكري الأطلسي على خلفية تعرضها لقصف أوكراني بأسلحة غربية. وإذا كان من الصحيح القول إن الدعم العسكري الغربي سبق انطلاقة الحرب وتلاها ومن ثم تطور معها وفق متطلباتها، فإن الجديد في الأمر والذي من شأنه أن يجعل التلويح الروسي بالرد أكثر جدية، تطوير موسكو تحالفاتها السياسية والعسكرية لاسيما مع بيونغ يانغ التي زارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، وكان التعاون العسكري في قائمة محادثاته مع نظيره كيم جونغ أونغ، وسط تصاعد الاتهامات الغربية لكوريا الشمالية بتزويد روسيا بالسلاح المستخدم في الحرب، وتحذيرها من تداعيات ذلك. وعلى وقع هذه التطورات مضافاً إليها الفشل الأوكراني في منع تقدم القوات الروسية في جغرافيا البلاد السوفياتية السابقة، والذي يبرره الرئيس الأوكراني فلادومير زيلنسكي بنقص الدعم العسكري، وتقييد استخدام الأسلحة الغربية، فإن القمة انتهت بإعلان تقديم حزمة جديدة من “المساعدات” العسكرية لأوكرانيا، حيث تعهد قادة دول حلف شمال الأطلسي منحها مساعدات عسكرية بقيمة 40 مليار يورو خلال العام المقبل “لمساعدتها في الحرب مع روسيا”. وجاء في الإعلان الصادر عن القمة أنه “من خلال مساهمات تناسبية، يعتزم الحلفاء تأمين تمويل أساسي بقيمة 40 مليار يورو بالحد الأدنى خلال العام المقبل، وتوفير مستويات مستدامة من المساعدة الأمنية لأوكرانيا لكي تنتصر”.

عضوية أوكرانيا ما زالت معلقة

وإلى كون الالتزام المشار إليه من قبل أعضاء الناتو جاء على أساس سنوي، وليس لسنوات عدة كما كان يرغب به الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، فإن عضوية أوكرانيا في الحلف ظلت معلقة هي الأخرى، اذا اكتفى بيان القمة بالإشارة إلى أن التحالف العسكري سيواصل دعمه لأوكرانيا “في مسارها الذي لا رجعة فيه نحو الاندماج الكامل على الصعيدين الأوروبي والأطلسي، بما في ذلك نيل عضوية حلف شمال الأطلسي”، وهي صيغة لم تُرضِ كييف على ما يبدو، إذ عبر وزير الخارجية الاوكراني ديمتري كوليبا عن امتعاض بلاده الضمني من عدم تبني عضويتها الكاملة في الناتو. وفي مقابلة مع قناة “سي إن إن” الأمريكية قال: “لن نكون سعداء تماماً إلا عندما تصبح أوكرانيا عضواً في حلف “الناتو”، ويتم الوفاء بالوعود المترتبة على ذلك. لقد سمعنا رسائل مقنعة في اليومين الماضيين على جميع المستويات مفادها أن الطريق إلى العضوية لا رجعة فيه، وأن أوكرانيا ستكون في “الناتو”. ولكن لا يمكننا الانتظار 75 سنة أخرى للاحتفال بانضمام أوكرانيا. ويجب أن يحدث هذا في أسرع وقت ممكن”.

هاجس التخلي الأمريكي

الدعم العسكري لأوكرانيا ومصير عضويتها المختلف عليه بين أعضاء الناتو، لم يكن البند الوحيد على جدول أعمال القمة التي استضافتها واشنطن لمناسبة تأسيسه. وعلى الرغم من مرور سبعة عقود ونصف على التأسيس، إلا أن الاسئلة “الوجودية” حضرت بقوة في أذهان قادته، بفعل ترقب نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في ظل ما تظهره استطلاعات الرأي لناحية ارتفاع حظوظ الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالوصول إلى البيت الأبيض الخريف المقبل. والأخير لم يكتف في ولايته الرئاسية السابقة في التشكيك بجدوى حلف شمال الأطلسي، بل ذهب بعيداً في التهديد بالانسحاب منه، ما لم ترفع الدول الأعضاء نسبة المساهمة فيه، هذا فضلاً عن تبنيه، “الحل السياسي” للحرب الجارية في أوكرانيا.

ولعل الهواجس الأوروبية معطوفة على محاولة تحسين الصورة بعد المناظرة الأخيرة مع منافسه في السباق الانتخابي، دفعت الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى طمأنة الحلفاء بشأن قوة الحلف ومستقبل الالتزام الأمريكي به، وفي هذا السياق شدد بايدن في خطابه “الانتخابي” أمام أعضاء الاطلسي، أن الحلف أصبح اليوم “أكثر قوة من أي وقت مضى في تاريخه”، معلناً عزم بلاده تزويد أوكرانيا بنظام دفاع جوي جديد من طراز باتريوت، إضافة إلى مئات صواريخ الدفاع الجوي الإضافية على مدى العام المقبل، والتي تهدف بحسب بايدن إلى “حماية المدن الأوكرانية من الصواريخ الروسية”. والتعهد هذا جاء بعد نحو أسبوع من إعلان واشنطن تقديم حزمة “مساعدات” عسكرية أمريكية بقيمة 2.3 مليار دولار لأوكرانيا، تشمل صواريخ مضادة للدبابات، وصواريخ دفاع جوي، وقذائف مدفعية وهاون، من مخازن الجيش الأمريكي وجيوش الدول الحليفة. وإذ تبدي الدول الأوروبية قلقها من تراجع أولوية حرب أوكرانيا في البيت الأبيض سواء بفعل تركيزه على المواجهة مع الصين، أو بسبب التطورات في منطقة غرب آسيا، والانشغال بالسباق الانتخابي، فإن بايدن، وفي محاولة طمأنة الحلفاء، توعد بهزيمة روسيا، موضحاً أن ما وصفها بالهبة التاريخية، تندرج ضمن جهود الولايات المتحدة وحلفائها لمد أوكرانيا بمنظومات دفاع جوي تكتيكية إضافية في الأشهر المقبلة.

خاتمة

عشية انعقاد قمة الناتو في العاصمة الأمريكية واشنطن، كانت المناورات العسكرية الصينية مع بلاروسيا قد انطلقت، على الحدود الشرقية لأوروبا، في مؤشر آخر عن حجم التحديات التي تفرضها التحولات العالمية على الولايات المتحدة الأمريكية ومكانتها، وهي تحولات ترفع مستويات القلق لدى حلفائها الغربيين، وتدفعهم إلى البحث في ما بعد “الريادة” الأمريكية، وإذا كان من الصحيح القول إن رفع نسب الإنفاق العسكري في موازنات دول الناتو يتلاءم ومتطلبات الحرب في أوكرانيا، إلا أنه ينطوي أيضاً، على تدبير استباقي، لاحتمال انقطاع الإمداد الأمريكي المالي والعسكري والاستخباري، وهو ما يعكس في جوهره أزمة ثقة بين واشنطن وحلفائها.