دمعُ السَّبايا
بقلم غسان عبد الله
مَنْ لِزَينبَ وحيدةً تناجي الشَّمسَ لترْفُقَ بدمعِها.. تناجي الأفلاكَ تَصْرعُ ألمَ الكآبةِ في الصَّدر.. تتفتَّحُ في الطُّرُقِ المُفْضِيَةِ إلى الطُّغاةِ ورودُ دَمْعِ اليتامى.. وأزهارُ الدعاءِ الحميم من زينِ العبادِ تَضُوعُ في هاتيكَ الشِّعابْ.. تضجُّ بالعبقِ الزَّينبيِّ ورودُ المدائنْ.. تموتُ الورودُ ولا تَفنى الجنائنْ.
يا جنائنَ عينيها ترقدانِ في الحزنِ والمُصابْ.. يا ملائكَ الرَّحمن.. أطلُّوا منْ شُرُفاتِ جدِّها في المدينةِ.. أطِلُّوا على مِخْدَعِ الأرقِ في روحِها.. أَلْقُوا بعباءةِ الكساءِ المحمَّديِّ فوق هاتيك القيودْ.. حرِّكوا سَتَائِرَ الغُربةِ المريرةِ في غُرَفِ القلب.. فليلُ عذاباتِها لا يُطاقْ.. ودمْعُ العيونِ على التُّرْبِ يُراقْ.
للسَّبيِ نشيجٌ آخر.. موجِعٌ.. موجعٌ حدَّ الصُّراخ.. ولا صُراخ.. بل تسابيحُ في عيون السَّجادِ.. ونجاوى على مَبْسمِ رُقيَّةَ.. وآلامُ خطابْ.. للسبيِّ نشيجٌ آخر.. يُزرَعُ على جنَبَاتِ الطّفِّ.. يُحرِّكُ في قلبِ العقيلةِ حَرَّ العذابْ.. لكنَّها لا تَلْوي على شيءٍ.. سوى الدُّعاءِ.. مَنْ يرُدُّها على أكتافِ الحسينْ؟؟ فقد شَاقَها ألمُ المُصابْ.. تحلُمُ أنَّها والحُزْن لا تلتقي.. أنها بِكفِّ كفيلِها العبَّاسِ ترتقي..
لعينيها بالدمعِ زمانٌ آخرُ.. جنَّةٌ لا حدودَ لأنهارٍ من عسلٍ وثمارْ.. يا لَصدْرِكِ المليءِ بالضُّلوعِ المهشَّمةِ من وطْأةِ الخُطُوبْ.. يا لَلْفراتِ يبكيكِ أسىً يستفزُّ حرَّ الهجيرِ ثمَ جفافاً يَلُوبْ..يا للقيدِ تَرْسُفين به، يا للأغلالِ تبكي على مِعْصَمَيكِ النُّوارنيَّتَيْنِ لعينيكِ زمانٌ آخرُ.. وللصباحِ خطابٌ جديدْ.
وفي الدَّربِ تبكيكِ فاطمة.. أيتها المسبيةُ المعصومةُ الزَّكيةْ.. يا جُرحَ عليٍّ يتجدَّدُ في مِحرابِ الحُسين.. يا ألَقَ النُّورِ السَّماويِّ يهبطُ على القبورِ أطباقَ نُورْ.. أيا سيدتي.. عندما ودَّعكِ الطَّفُ وأسرابُ اليمامْ.. كان الغيابُ يستَعصي على الفَهمِ.. وكانَ الحُسينُ.. يُرجِعُ الرُّوحَ والتسابيحَ إلى روضةِ السلامْ.. كان البكاءُ.. سلوى تَلْهينا عن السَّبيِ العظيم.. كانتِ الآلامُ واحاتِ حزنٍ وألفَ نجيعٍ في حَضْرةِ الإمامْ..
سيِّدَتي.. بُعيْدَ العاشرِ في كلِّ صباح.. في كلِّ عامْ.. نُخبِّئُ في ذاكِرتِنا دمعاً آخرَ ليومكِ الجليلْ.. ولأوجاعِ العليلْ.. نُؤوي صغارَ عصافير الطَّفِ المفجوعةِ في جارحاتِ القلبْ.. قالتْ كربلاءُ.. لم أسمَعْ بالليلِ دُعاءَها.. هل فارقَتْنِي نجاوى زينبُ وتركَتْني نَهْبَ احتضارْ.. قولوا لها ترابي أريجُهُ مِسْكُ الحسين.. أرضي لم ترتَشِفْ شهداً من ذَرْفِ عينيها.. أرضي تَطَاولَت بِصَبْرِها سماءً.. يأخُذُ الموتُ على أتربتي شكلَ الحياة..
قالت الشَّمْسُ لو يُحْجَبُ ضيائي.. يأخذُني كسوفٌ أبديٌّ.. كي لا ينالَ منْ ضياءِ وجهها وهَجي.. ولا يعلوها مني الشُّحوبْ.. قالتْ أسرابُ النملِ تحت النَّخيل: “طعمُ الترابِ دُونَ وطأتِها مرٌّ لا يُطاقْ.. هل ارتَحلَتْ زينَبُ.. هل غَادَرَتْ رُقيَّةُ ببكائِها الطِّفليِ هذي الرِّمالْ؟؟”.
للسبايا زمانٌ آخرُ ودمعٌ وافدٌ من أطرافِ الكآبة.. فَأَسْرِجِي يا عَصَافيرَ الصَّباحِ أغصانَ الشَّجرِ للمرْتحلينَ نحو العذابْ.. وتوقَّفي قابَ قوسينِ أو أدنى من هودجِ العقيلةِ.. ولَتَرْفُلِ السبايا بنمير الصلاة..
لكِ الله يا حُبَيْباتِ الرمــــالِ | فللريحِ دمـدمةٌ عـاتية | |
ويا نجــمةَ الصُّبحِ لا تطْلُعي | فقدْ أبَتِ السُّــــحُبُ العالية | |
ويا بُلْبُلَ الرَّوضِ كُفَّ الغنــاءَ | فليسَ هنا أُذُنٌ صاغـــــية | |
ويا قلبُ وحْدَكَ تقضي المسـاءَ | وتجتثُّ أفراحَـــــكَ البالية | |
تمرُ عليكَ ســــبايا الحسين | وترحـــــلُ مفجوعةً باكية |