حزب الله في مواجهة الكيان الصهيوني كإمبريالية فرعية
بقلم توفيق المديني
تعزَّز الاختراق الإمبريالي الأمريكي للمشرق العربي مع قيام الدولة الصهيونية، وولادة مولود جديد أصبح يسمى الأمن الصهيوني كلازمة للأمن القومي الأمريكي، وتزايد أخطار الكيان الصهيوني مع تنمية قواه التي تأتي ضمن إطار التحول النوعي في العلاقات الاستراتيجية بين الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية..
وبالتالي دوره في المخطط الأمريكي في المنطقة العربية بشكل رئيس، وضمن إطار حشد قوى الحركة الصهيونية العالمية التي أفسحت لها اتفاقيات كامب ديفيد 1979، واتفاق أوسلو 1993، واتفاق ودي عربة 1994، واتفاقيات التطبيع مع أربع دول عربية عام 2020، في المجال فرصة تاريخية مهمة جداً لتحقيق هدفها الرئيس ألا وهو تثبيت قاعدة الكيان الصهيوني واستثمار مواقع وعلاقات وخبرات الحركة الصهيونية العالمية في العالم عامة لتمكينه عن طريق الانخراط والتغلغل لكي يصبح جزءاً من المنطقة العربية أولاً، ثم شنِّه حرب الإبادة الجماعية عقب عملية طوفان الأقصى من أجل ضم الضفة الغربية وقطاع غزَّة، وتصفية القضية الفلسطينية، ثانياً.
مع عودة ترامب
لا استقرار في الشرق الأوسط من دون حل القضية الفلسطينية
بدأ الرئيس الأمريكي المنتحب حديثاً دونالد ترامب في تعيين فريقه القيادي لولايته الثانية من أجل تشكيل وصياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب تجاه الأزمات الدولية وتجاه الشرق الأوسط بصفة خاصة.
فقد اختار ترامب السناتور، ماركو روبيو، ومايكل والتز، كوزير للخارجية ومستشار للأمن القومي على التوالي وترشيحه إليس ستيفانيك، النائبة الجمهورية عن نيويورك، كسفيرة للأمم المتحدة، التي من المرجّح أن تستخدم منصبها في الأمم المتحدة لمهاجمة وكالات الأمم المتحدة ودبلوماسييها بشأن أي انتقاد للكيان الصهيوني، وتعيين بيتر هيغسيث، وزيراً للدفاع، ومايك هاكابي، سفيراً له في الكيان الصهيوني، وجون راتكليف، مديرا لوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه). وتعطي هذه التعينات صورة واضحة عن توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في ولاية ترامب الثانية.
ومن المعروف حسب رأي المحللين والخبراء الأمريكيين أنَّ هيغسيث يعَدًّ من الداعمين بقوة للكيان الصهيوني، ويرفض فكرة حل الدولتين، وهو من المتحمسين الكبار للتوسّع الصهيوني الاستيطاني في الضفة الغربية، التي يعيش فيها 3 ملايين فلسطيني ونصف مليون مستوطن صهيوني. أما راتكليف، فهو من المنتقدين لإدارة بايدن التي هدَّدَتْ بحظر تصدير الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، لو لم تحسّن الأوضاع الإنسانية للمدنيين في غزَّة.
وتتطابق مواقف المسؤولين الأمريكيين في إدارة ترامب الجديدة، مع مواقف القيادات الكبرى في الحكومة الصهيونية الفاشية التي يقودها نتنياهو، الذي يرفض حل الدولتين، أما وزير المالية الصهيوني، والوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش فقد أعلن خلال جلسة الكتلة البرلمانية لحزبه يوم الاثنين 11نوفمبر 2024، أن العمل نحو فرض السيادة الصهيونية في الضفة الغربية المحتلة قد بدأ، معلناً العام 2025 “عام السيادة على الضفة” مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ونقلت صحيفة “معاريف” العبرية عن مسؤولين صهاينة، لم تسمّهم، أنه جرى بالفعل طرح الموضوع أمام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، كواحدة من النقاط الرئيسية التي تريد “إسرائيل” الحصول على دعمه فيها. وذكرت الصحيفة العبرية، أنَّ إعلان سموتريتش موقفه على الملأ يأتي بعد فترة من المحادثات الهادئة لتجنّب إزعاج إدارة الرئيس جو بايدن وعدم الإضرار بحملة ترامب. وقالت مصادر الصحيفة: “كنا على وشك فرض السيادة على المستوطنات، والآن حان الوقت للقيام بذلك. هناك اليوم إجماع واسع في الائتلاف والمعارضة من جميع أجزاء البيت (أي الأطراف الإسرائيلية) على معارضة إقامة دولة فلسطينية تهدد وجود دولة إسرائيل”.
تأتي عودة ترامب إلى السلطة في واشنطن في ظرفٍ تاريخيٍّ محدَّدٍ، يتمثل في عودة القضية الفلسطينية بقوة على الساحة الدولية بعد عملية الإبادة الجماعية الأمريكية -الصهيونية في قطاع غزَّة، التي بدأت عقب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023. فهل ستمنح إدارة ترامب الثانية أولوية مطلقة للمسألة الفلسطينية، خصوصاً وأنَّ الجميع في هذا العالم يعتقد أنَّه لا وجود لشرق أوسط مستقر دون حل هذه القضية.
حزب الله يكبد العدو الصهيوني خسائر فادحة
على الرغم من الدعاية الإعلامية لجيش الاحتلال الصهيوني تقول إنَّ هذا الأخير انتقل إلى المرحلة الثانية من “المناورة البرية” في جنوب لبنان، فإنَّ العمليات العسكرية للمقاومة الإسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله تؤكد في ميدان المواجهات العسكرية أنَّ العدو الصهيوني يتكبد خسائر كبيرة في صفوف جنوده وضباطه ومعداته العسكرية.
فقد نشرت غرفة عمليات حزب الله، مساء الثلاثاء 12 نوفمبر 2024، بياناً تفصيلياً حول التطورات الميدانية لمعركة “أم البأس”، على قناته في منصة تليغرام، جاء فيه: أنَّ “المقاومة اتخذت ضمن خططها الدفاعية كل الإجراءات التي تمكنها من خوض معركة طويلة لمنع العدو من تحقيق أهدافه دفاعاً عن حرية وسيادة بلدها، ورفعة وكرامة شعبها الأبي” مؤكداً أن “الجبهة في كل المحاور والقطاعات تمتلك العديد والعتاد اللازمين ومن مختلف الاختصاصات العسكريّة لخوض هكذا معركة”.
وأكَّد حزب الله أن “خسائر العدو الصهيوني بلغت منذ بدء ما أسماه العدو بالمناورة البرية في جنوب لبنان أكثر من 100 قتيل و1000 جريح من الضباط والجنود وتدمير 43 دبابة ميركافا وثماني جرافات عسكرية وآليتي هامر ومدرّعتين وناقلتي جند، وإسقاط أربع مسيّرات من طراز هرمز 450، ومسيّرتين من طراز هرمز 900″، مشيرة إلى أن “هذه الحصيلة لا تتضمّن خسائر العدوّ الإسرائيلي في القواعد والمواقع والثكنات العسكريّة والمستوطنات والمدن المحتلّة”.
وحول المواجهات البرية، في القطاع الغربي، قال حزب الله إنَّه “بفعل ضربات المقاومة الكثيفة والمركّزة، انسحبت قوات جيش العدو الصهيوني من معظم البلدات التي كانت قد تقدمت إليها إلى ما خلف الحدود، ما عدا المراوحة منذ أكثر من أسبوع لتشكيلات الفرقة 146 في جيش العدو الصهيوني في أحراش اللبونة وشرقي بلدة الناقورة التي يسعى للسيطرة عليها عبر التقدم نحو وادي حامول من الجهة الشرقيّة للبلدة. أما في البلدات الحدودية في القطاع الغربي، لم يُسجل أي محاولات تسلّل او تقدّم منذ 28/10/2024، فيما يكتفي العدو بعمليات التمشيط المتكررة من المواقع الحدوديّة على المناطق التي انسحب منهاـ مع تسجيل رمايات مدفعيّة وغارات من الطائرات الحربيّة طالت بلدات النسق الثاني في طير حرفا، والبطيشية، والجبّين، وشيحين، وصديقين… إلخ”.
وضمن سلسلة عمليات خيبر، قال حزب الله إن “عدد العمليات التي نفذتها المقاومة الإسلامية بلغ منذ انطلاقها إلى 70 عملية، استهدفت 33 هدفاً استراتيجياً بعمق وصل حتى 145 كم جنوبي مدينة تل أبيب. (قواعد عسكريّة ولوجستيّة وجويّة وبحريّة، قواعد للدفاع الجوي والصاروخي، مصانع عسكريّة، مقرات قياديّة، قواعد اتصالات واستخبارات، معسكرات تدريب). وشاركت القوّة الجويّة في المقاومة الإسلاميّة بـ 22 عمليّة ضمن سلسلة عمليّات خيبر، أطلقت خلالها أكثر من 60 مسيّرة من ترسانة المقاومة من المُسيرات النوعيّة. وبعمق وصل إلى 145 كلم حتّى الضواحي الجنوبيّة لتل أبيب”.
وشدد حزب الله على أن “القوة الصاروخيّة في المقاومة الإسلاميّة تواصل استهداف تحشدات العدوّ في المواقع والثكنات العسكريّة على طول الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة، وصولاً إلى القواعد العسكريّة والاستراتيجيّة والأمنيّة في عمق فلسطين المحتلّة، بمُختلف أنواع الصواريخ منها الدقيقة التي تُستعمل للمرّة الأولى، وبلغ مجموع عمليّات القوّة الصاروخيّة خلال معركة أولى البأس منذ 17/09/2024 وحتى تاريخه أكثر من 1020 عمليّة إطلاق متنوعة. 125 عمليّة منها خلال الأسبوع الماضي فقط، كما أطلقت القوّة الصاروخيّة في المُقاومة الإسلاميّة بتاريخ 06/11/2024، وللمرّة الأولى في تاريخها، صاروخ فاتح 110، الذي استهدف قاعدة تسريفين على بعد 130 كلم من أقرب نقطة من الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة”.
كذلك، تواصل القوّة الجويّة في المقاومة الإسلاميّة استهداف مواقع وقواعد العدوّ العسكريّة، ونقاط تجمّع وتموضع ضباطه وجنوده، وسط استنفار لكامل منظومات الدفاع الجوّي الإسرائيلي بكل مستوياته وطبقاته، وسلاح الجو الإسرائيلي بمُقاتلاته الحربيّة ومروحيّاته، حتى دخلت أذرع الجيش “الإسرائيلي” في حالة من الاستنزاف والعجز، وذلك بحسب ما أشارت الغرفة. ولفت حزب الله إلى أن “مجموع عمليات القوة الجوية في المقاومة الإسلاميّة بلغ منذ بدء معركة طوفان الأقصى وحتى 12/12/2024 أكثر من 315 عمليّة، أُطلق خلالها أكثر من 1000 مسيّرة من مختلف الأحجام والمهام. منها أكثر من 105 عمليّات، أُطلق خلالها أكثر من 300 مُسيّرة، منذ بدء معركة أولي البأس في 17/09/2024 وحتى تاريخه”.
حزب الله يستهدف وزارة حرب العدو الصهيوني
جاء في بيان عسكري لحزب الله يوم الأربعاء 13 نوفمبر 2024، إنه في “إطار عمليات خيبر شنت المقاومة الإسلامية، من بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي وللمرة الأولى، هجوماً جوياً بسرب من المسيرات الانقضاضية النوعية، على قاعدة الكرياة مقر وزارة الحرب وهيئة الأركان العامة الصهيونية وغرفة إدارة الحرب، وهيئة الرقابة والسيطرة الحربية لسلاح الجو في مدينة تل أبيب، وأصابت أهدافها بدقة”.
وفي بيان آخر، قال إنه نفذ هجوماً جوياً بسرب من المسيرات الانقضاضية، على قاعدة عاموس، وهي قاعدة تشكيل النقل في المنطقة الشمالية، ومحور مركزي في جهوزية شعبة التكنولوجيا، والتي تبعد عن حدود لبنان مع فلسطين المحتلة 55 كيلومتراً غرب العفولة وأصابت أهدافها بدقة بحسبه.
أعلن جيش الاحتلال الصهيوني، مقتل 6 من ضباطه وجنوده، بعد وقوعهم في كمين لحزب الله جنوب لبنان في اشتباك من المسافة صفر. وأشار الناطق باسم جيش الاحتلال، إلى أن جميع القتلى ينتمون إلى الكتيبة 51 التابعة للواء غولاني، بينهم ضابط برتبة نقيب والبقية من الجنود برتبة رقيب. من جانبه قال المراسل العسكري للقناة 14 العبرية، إن 11 جندياً قتلوا وأصيب أكثر من 10 آخرين على جبهتي غزة ولبنان خلال اليومين الماضيين فقط. فيما أشارت إذاعة جيش الاحتلال إلى مقتل 107 جنود وضباط من لواء غولاني منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
رسالة الأمين العام لمجاهدي حزب الله: “أرى عزمكم على تحرير القدس”
أكَّد الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله في رسالته التي وجهها إلى مقاتلي الحزب، أنَّه “رأى عزمهم على تحرير القدس والأراضي المحتلة ومواجهتهم وبأسهم الذي سيحقق النصر بهزيمة العدو”.
وقال الشيخ نعيم قاسم، “لقد رأيت إيمانكم بتحرير القدس وأرضنا المحتلة، وشموخ عزتكم ترفعون بها أهلنا وأحبتنا، وبأس مواجهتكم تحصن صمودنا، وتحقق نصرنا بهزيمة عدونا، وصرخاتكم بالنار من أجل سيادتنا واستقلالنا، وعطاءات دمائكم تصنعون مستقبل أجيالنا ووطننا”. وأضاف، “أحبائي، تصدون العدو بجباهكم وتطردونهم بوقع نعالكم، أنتم القوة في مواجهة الجبروت والطغيان، أنتم الرؤوس المرفوعة تكسر الذل والاستسلام، أنتم الإباء تزلزلون أركان الصهيونية أنتم أمواج الخير تسقطون عربدة الشر”. وتابع، “لي الفخر أن أكون معكم، وأشكر الله أن اختارني واحدا منكم”.
حصيلة جديدة لشهداء العدوان الصهيوني على لبنان..
أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مساء الأربعاء 13 نوفمبر2024، ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني المتواصل على البلاد، إثر قصف وغارات متواصلة في مناطق متفرقة من البلاد. وقالت الوزارة في بيان لها، إنَّ العدوان المستمر منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بلغ “3 آلاف و365 شهيداً و14 ألفاً و344 جريحاً”. بينما أكَّدت أنَّ “غارات العدو الإسرائيلي على لبنان، أمس الثلاثاء، أسفرت عن 78 شهيداً و122 جريحاً”. وذكرت الوزارة أن أرقام الضحايا من النساء والأطفال بلغت 869 شهيداً و3 آلاف و873 جريحاً، ومن الكوادر الصحية 192 شهيداً و308 جرحى. فيما استهدف العدو الصهيوني 88 مركزاً طبياً وإسعافياً، و40 مستشفى، و244 من الآليات التابعة للقطاع الصحي، ونفذت اعتداءات على 65 مستشفى، و218 من الجمعيات الإسعافية، بحسب الوزارة.
خاتمة
تأسيساً على ثوابت المشروع الصهيوني، التي اتسمت طوال الوقت بقوتها وثباتها ومحدودية متغيراتها، فإنَّ الصراع العربي- الصهيوني غير قابل للتسوية النهائية على أساس الحلول الوسط، لأنه يعني التخلي عن الهدف الاستراتيجي أو ما يسمى “التحقيق المطلق والكامل للصهيونية”، وعن مقولة “إسرائيل الكبرى” وعن الدور الوظيفي للكيان الصهيوني والذي من دونه يفقد الكيان سرَّ الاهتمام الإمبريالي الغربي، ويؤدي إلى ترهل المؤسسة العسكرية الصهيونية التي يدين لها الكيان الصهيوني بكل ما يحظى به من دعم إمبريالي ومساعدات اقتصادية وعسكرية أسطورية.
ويدّعي الكيان الصهيوني أنَّ جوهر الصراع العربي – الصهيوني، ليس القضية الفلسطينية واحتلال الأراضي العربية، وإنَّما رفض العرب الاعتراف بالكيان الصهيوني وحقه في الوجود في حدود آمنة، وأنَّ السلام يجب أن لا يبدأ ببحث الانسحاب من الأراضي المحتلة، بل اعتراف الدول العربية بالكيان الصهيوني كدولة يهودية وتطبيع العلاقات معها، وحل القضية الفلسطينية عبر الخيار الأردني.