إقليميات

قمة الارتهان العربي والخذلان.. والرهان يبقى على الميدان

بقلم زينب عدنان زراقط

وفي الوقت الذي يُعلن فيه العدو الإسرائيلي عن مرحلة التوغل الثانية من العملية البرية في جنوب لبنان، يتلقّى الضربات الموجعة من قبل “حزب الله” على مشارف القرى حيثُ لا يستطيع هذا العدو أن يسحب قتلاه ويتكبد خسائر كبيرة في الأرواح ما جعل رئيس الوزراء نتنياهو يضع رمز القلب المكسور مرفقاً بـ “شعار غولاني” على حسابة الإلكتروني كتعبير عن الحزن على العشرات من الضباط والجنود الذي قُتلوا على أيدي شباب المقاومة الإسلامية – لبنان -.

إذن، ماذا عن نتائج هذه القمة العربية الطارئة وما هي الخطوات التي اتخذتها الدول العربية حول واقع الحرب بغزة ولبنان ومدى تأثير الإدارة الأمريكية الجديدة على توجهاتها؟ ماذا عن آخر تطورات الميدان في الجبهة الشمالية بين الأراضي المحتلة ولبنان؟.

قمة مطبعة وموالية للبيت الأبيض

بعد سنة ونيّف، – ما يتجاوز الـ 400 يوماً -، من الشجب والاستنكار اجتمع حُكّام العرب والمسلمين، في قمة عربية في الرياض بشكل استثنائي وغير عادي، ولكنها جاءت لتؤكّد المؤكد دون أن تُفضي لقرارات نافذة. أجمعوا على ما اعتدنا سماعه، “غزة تتعرض لإبادة جماعية”، “وعدوان همجي على لبنان”، وطالبوا بوقف فوري لإطلاق النار!. ولكن الأُمة العربية والإسلامية سئمت “الجعجعة بلا طحين”!. فبدل من أن تكون الخطوة الأولى البديهية طرد سفراء الاحتلال من بلدانهم وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أكّد زعماء العرب أن تمسكهم بالسلام هو خيارهم الاستراتيجي، وبدل من أن يقطعوا العلاقات الاقتصادية ويوقفوا تصدير النفط للاحتلال وأعوانه، مكّنوا تجارتهم معه، وفتحوا بلدانهم كممرات لعبور أسلحته التي يتزوّد بها لقتل الفلسطينيين واللبنانيين ومن ثمّ يعودون في المقلب الآخر لتقديم المعونات الإغاثية للمتضررين من الحرب!.

قمةُ السفهاء العرب!! قمّةُ البيانات الفارغة، جاءت فقط من أجل كبح جماح الشعوب لديهم خوفاً من ثورات الغضب عليهم جرّاء سكوتهم، في حين أن امتلاك الأنظمة العربية والإسلامية الكثير من الأدوات التي يمكن أن تستخدمها لإيقاف الحرب، لكنها لا تفعل، خوفاً من الراعي الأمريكي الذي تعتمد عليه كلياً، فثبّتوا بذلك معادلة تبعيتهم للأمريكي وتطبيعهم مع الاحتلال.. تجلّى ذلك، أكثر ما يكون، في خطبة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي رفع لهجته في الحديث عما ترتكبه إسرائيل من مجازر في غزة ولبنان، ولكنه أنهى كلمته بأن خيارنا هو السلام. في المقابل، كان الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، أكثر انسجاماً مع نفسه، حين غاب عن القمة من الأساس، ولم يُرد أن يتفوه أو حتى يسمع بما يقوم بعكسه، بعدما ذهب بعيداً ليس في التطبيع فقط، وإنما في الرهان على الكيان الغاصب.

وإذا كان معظم قادة الدول المشاركة لا يخجلون من إظهار فضيحة عجزهم وتآمرهم أمام العالم، تكفي الإشارة إلى أن الإعلام الإسرائيلي لم يتناول القمة ولو بخبر، فإن الوظيفة الحقيقية للاجتماع تبقى محاولة زعماء العالم الإسلامي استلحاق أنفسهم، في ظل تزايد جمهور المقاومة بين شعوبهم، وتصاعد الغضب إزاء الإبادة التي ترتكبها. وأكثر من يشعر بهذا التهديد هو ملك الأردن، الذي تنتظره أيام صعبة، لا سيما في ضوء ما يُتَكهّن به من أن من بين جوائز ترامب لرئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، قد تكون الضفة الغربية التي يعني تهجير الفلسطينيين منها، تهديداً مباشراً له. وكانت العاصمة السعودية الرياض استضافت سابقاً في 11 تشرين الثاني من عام 2023، قمة عربية وإسلامية مشتركة لبحث الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كذلك، ولكنها لم تستطع تنفيذ ما تعهدت به، بل إن الحرب اشتدت وامتدت إلى لبنان.

  لم يتسنَّ الوقت لترامب لأن ينجز اتفاقاً بين الكيان والسعودية – وهو اتفاق كان من الممكن أن يكون تاريخياً ويرتقي إلى مرحلة الحائزين على جائزة نوبل للسلام – كما لم ينجح في تحقيق “صفقة القرن” لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ففي ولايته السابقة اختار دونالد ترامب القيام بزيارته الأولى خارج الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية، وأبدى افتتانه بالقصور المتلألئة والمرصعة بالذهب والأحجار الكريمة.

زيادةً على ما سبق، كان قد أعلن ترامب في خطاب النصر أن هدفه إنهاء الحروب وليس إشعالها، وهدفه الأساسي في مجال السياسة الخارجية هو الاستمرار حيث توقف، بحسب شعوره. هو أن الكثير من الأمور تغيّرت في الشرق الأوسط خلال السنوات الأربع التي قضاها في مار لاجو بمرارة وغضب، وأن المنطقة غسلت بسيول من الدماء والعداء. ولإيقاف الحروب الآن، يحتاج ترامب إلى قنوات مفتوحة لبؤرتين: طهران أولاً، ثم الرياض. ترامب ينظر للخليج العربي على أنه “البقرة الحلوب”، وباستطاعته إجبار دول الخليج بضخ أموالهم للخزانة الأمريكية مقابل حمايتهم وقالها ترامب صراحة للسعودية في خطاب علني “إنكم غير قادرين أن تصمدوا أسبوعاً دون حمايتنا”.

وتشير التقديرات الإسرائيلية الراجحة، فيما خصّ ولاية ترامب الثانية، إلى أن هذا الأخير سيطلق يد تل أبيب لفعل ما تشاء في الأراضي المحتلة، بما في ذلك تحقيق مطلب اليمين الفاشي، بضمّ ما أمكن من الضفة الغربية المحتلة، علماً أن الفاشيين يراهنون أيضاً على ضمّ قطاع غزة، أو في حدّ أدنى شمال القطاع لإعادة استيطانه. ومن جهته، يتماشى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مع اتجاهات اليمين المتطرّفة، بل هو يراهن عليها أيضاً، كما على استثمار فوز ترامب لتحقيق أهدافه، تماماً مثلما حدث إبان ولاية الرئيس الجمهوري الأولى. ولعلّ واحدة من أهمّ الإشارات الدالة على ما يريده نتنياهو، جاءت عبر تعيينه يحيئيل ليتر، الذي شغل في السابق منصب رئيس ديوانه، سفيراً إسرائيلياً جديداً لدى الولايات المتحدة. إذ إن ليتر هو ممثّل الجناح الأيديولوجي للمستوطنين والاستيطان، وقضم ومصادرة أراضي الفلسطينيين في الضفة، ما يجعل اختياره محمَّلاً بتطلعات نتنياهو من الإدارة الجديدة: ضمّ مستوطنات الضفة الغربية، وربّما أيضاً ضمّ شمال القطاع وإنْ بالتدريج، بعد طرد سكانه الفلسطينيين.

“وفي ظل ما يصرح به مسؤولون إسرائيليون، خصوصاً “سموتريتش” حول ضم الضفة إلى “سيادة إسرائيل”، يمكن استخلاص أمر هام، بأن الهدف هو السيطرة مستقبلاً على منطقة جنوب نهر الليطاني، بعد إزالة الرادع أي المقاومة”. وهنا تكمن “عقدة” التعديل على قرار 1701 التي تريدها إسرائيل بانسحاب “حزب الله” إلى ما بعد الليطاني!.

استراتيجية ترامب قائمة على الحكم من خلال الفوضى. فهو يتوق إلى إنهاء الحروب وعدم بدء حروب جديدة، لكن من المشكوك فيه أن تسمح له قائمة تعييناته في الخلية السياسية بذلك. إنه يريد التوصل إلى اتفاقيات سلام في الشرق الأوسط، لكن الاتجاه في الوقت الحالي يبدو حالة من الفوضى.

مستجدات الميدان وكلمة الفصل

آخر الكلام، نختم بالميدان الذي تتوجه إليه عيوننا كل يوم، حيث تعتمد المقاومة الإسلامية على استراتيجية العمل التكتيكي والنوعي والرؤية الواضحة والمبرمجة في تصعيدٍ تراكمي متسلسل، لتكون آخر إنجازاتها، عملية نوعية باستهداف قاعدة الكرياة وهي مقرّ وزارة الحرب وهيئة الأركان العامّة الإسرائيليّة، وغرفة إدارة الحرب، وهيئة الرقابة والسيطرة الحربيّة لسلاح الجو في مدينة تل أبيب، بواسطة سرب من المسيّرات الانقضاضيّة النوعية، ليليها استهداف ثاني بصواريخ بالستية من نوع “قادر” 2. كما انتقلت لتصعيد آخر باستهداف قاعدة “تل حاييم” التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية في جيش العدو، وقصفوا شركة صناعات الأسلحة العسكريّة “IWI” في ضواحي “تل أبيب”. وبحسب إعلام العدو فإن المقاومة قادرة على إدخال ملايين المستوطنين كل يوم إلى الملاجئ. وتمكنت بذلك من استعادة فرض المعادلات بإيلام العدو في عقر مؤسساته العسكرية وقوى عديدِه، وتحويل وضع حيفا وتل أبيب مشابهاً لمستوطنات الحافة الأمامية!.

يُحكى عن مسودة اقتراح أمريكية تقدمت بها السفيرة الأمريكية إلى رئيس مجلس النواب اللبناني “بري” عقب تصعيد المقاومة الأخير، وما يزال السجال قائماً وبانتظار الرد، ويبقى الفصل للميدان وورقة الضغط الوحيدة التي ستجبر العدو على التراجع والاستسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *