إعرف عدوك

الأسوأ على الاطلاق.. إسرائيل قد يفوتها قطار التطبيع مع السعودية

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

وفي الخلفية، تتحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تدريجياً، ويبرز سيناريو، على الرغم من أن الاحتمال ليس كبيراً الآن، بأن تعزز واشنطن والرياض علاقتهما دون ربطها بالتطبيع السعودي الإسرائيلي. ونتيجة لذلك، ستضيع فرصتان استراتيجيتان من أيدي إسرائيل: (1) تشكيل مجموعة قوى إقليمية بقيادة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ضد محور المقاومة الذي تقوده إيران؛ (2) المشاركة الفعالة لدول السلام، بما فيها المملكة العربية السعودية، في تعزيز الإصلاحات في السلطة الفلسطينية وفي تحقيق الاستقرار وإعادة البناء في قطاع غزة.

على الرغم من الحرب بين إسرائيل وحماس، وربما بسببها، لم تتوقف الاتصالات السياسية الهادفة إلى تعزيز التطبيع بين إسرائيل والسعودية. وقد عملت الإدارة الأمريكية على إطلاق العملية، التي بادرت حماس في 7 تشرين الأول إلى نسفها وانضمت إليها إيران عبر وكلائها. ومع ذلك، بعد ستة أشهر من القتال، يمكن التقييم بحذر أن الدوافع الأساسية للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في هذا الصدد لم تتغير. تسعى الولايات المتحدة إلى إنشاء نظام إقليمي جديد تحت قيادتها، ليسهل عليها وعلى دول الشرق الأوسط التعامل مع إيران، وكذلك للإشارة إلى أنها لا تتخلى عن المنطقة. وتسعى السعودية من جانبها إلى ترسيخ وجودها إقليمياً، خصوصاً في الخليج العربي والبحر الأحمر، وتحصين موقعها وأمنها، خصوصاً في مواجهة إيران، من خلال تعزيز العلاقات مع واشنطن.

علاوة على ذلك، فإن الحرب الدائرة منذ 7 تشرين الأول في عدة ساحات أوضحت للعائلة المالكة السعودية أن المشكلة الفلسطينية ليست ثانوية ولا يمكن احتواء وجودها أو تجاهله. ولذلك، تسعى السعودية جاهدة إلى النأي بنفسها عن التماهي مع إسرائيل، وتظهر تضامناً متزايداً مع الفلسطينيين، وبالتالي ترفع “الثمن” الذي تطلبه من إسرائيل من حيث الالتزام، الذي سيرافقه خطوات فعلية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في إطار حل الدولتين.

قبل 7 تشرين الأول، أرادت الولايات المتحدة الدفع قدماً بصفقة تعترف فيها السعودية بإسرائيل ويتم توقيع اتفاق تطبيع بين الدولتين، ونتيجة لذلك سيتم التكامل بين دول المنطقة في المعسكر الموالي لأمريكا. وحتى الآن، تسعى الولايات المتحدة جاهدة إلى ربط التطبيع الإسرائيلي السعودي بترتيب إقليمي شامل، يتمحور حول تعزيز شراكتها مع دول الخليج وخلق ثقل إقليمي موازن لإيران. وفي الواقع، لقد أوضحت الأحداث منذ 7 تشرين الأول لإدارة بايدن أهمية العقيدة التي صاغها الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط، والتي تشمل عدة مسارات:

1- كبح نشاط إيران السلبي في المنطقة، أيضاً من خلال وكلائها، ولكن في نفس الوقت الحفاظ على الاتصالات معها؛

2- الدفع لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي لن تهدد إسرائيل؛

3- إنشاء تحالف أمني موسع مع المملكة العربية السعودية، والذي سيشمل تطبيع علاقات المملكة مع إسرائيل؛

4- تعزيز التنمية الاقتصادية والازدهار في الشرق الأوسط، والذي يشمل البنية التحتية والممر التجاري من الهند إلى أوروبا. ومن وجهة نظر الإدارة الأمريكية فإن هذه المكونات متشابكة.

ومن نتائج الحرب ارتفاع “ثمن التطبيع” بالنسبة لإسرائيل في المنطقة الفلسطينية، وهو ما ترفض الحكومة الإسرائيلية دفعه. كما ارتفع الثمن الذي يتعين على المملكة “دفعه” مقابل التطبيع مع إسرائيل، لأنه مطلوب منها الآن إظهار الانخراط في الساحة الفلسطينية، دعماً لإعادة إعمار واستقرار قطاع غزة، وفي التعامل مع الموقف العام في الدول العربية الذي تصلّب تجاه إسرائيل بعد الحرب والآن أكثر من 90% من المواطنين، في الخليج أيضاً، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، يعارضون التطبيع مع إسرائيل. إن الفجوة بين سياسات الأنظمة وموقف المواطنين آخذة في الاتساع، ولكن على الرغم من أن المملكة العربية السعودية، مثل بقية دول الخليج، ليست دولة ديمقراطية، إلا أن البيت الملكي يخشى حدوث اضطرابات عامة يمكن أن تعرض استقرار السلطة للخطر.

لذلك، وعلى خلفية الحرب في قطاع غزة ونتائجها، طرأت تغيرات على شروط الطرفين للتوقيع على اتفاق التطبيع:

مطالب السعودية: الموضوع المركزي بالنسبة للرياض هو التقديمات التي ستحصل عليها من الولايات المتحدة. وهي تتضمن اتفاق دفاعي يحصن أمن المملكة مقابل إيران، الحصول على وسائل قتالية أمريكية متطورة تتضمن طائرات أف 35، ومساعدة أمريكية في إنشاء بنية تحتية نووية مدنية، بما في ذلك تشغيل دائرة الوقود النووي في مجالها. بالإضافة إلى ذلك، لدى المملكة العربية السعودية مطالب من إسرائيل، تتمحور حول موافقة إسرائيلية على تعزيز حل الدولتين والسلطة الفلسطينية “المتجددة” كعنوان مسؤول في الساحة الفلسطينية. فإذا كان السعوديون قبل 7 تشرين الأول يريدون رؤية دعم إسرائيلي ضمني لحل الدولتين، مع الحفاظ على حرية المناورة السياسية، فإنهم اليوم يريدون رؤية خطوات إسرائيلية عملية، مثل تسليم المسؤولية في قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، الأمر الذي سيؤدي إلى استقرار الساحة الفلسطينية. ويبدو أن هناك موافقة من جانب الرياض على ربط استئناف عملية التطبيع مع إسرائيل بمشاركة أكبر من جانبها في قطاع غزة في “اليوم التالي لحماس”. كل هذا بشرط الاستجابة الأمريكية الإيجابية للمطالب التي قدمتها الرياض، فضلاً عن موافقة إسرائيل على العناصر الإشكالية في قائمة المطالب، مثل القدرات النووية للسعودية وتآكل التفوق العسكري النسبي لإسرائيل.

مطالب الولايات المتحدة: وتشمل مطالب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية قضايا داخلية واستقرار إمدادات النفط وتقليص العلاقات بين المملكة والصين في سلسلة من القضايا، لا سيما التعاون التكنولوجي والأمني والنووي. وفي المقابل، تطلب الإدارة توقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل كجزء من التكامل الإقليمي للحد من التطلع الإيراني. وكما ذكرنا، تتوقع الولايات المتحدة أيضاً أن يتضمن تشكيل النظام الإقليمي مشاركة السعودية في الساحة الفلسطينية، وخصوصاً في تحقيق الاستقرار والإدارة وإعادة التأهيل في قطاع غزة وكذلك في مساعدة السلطة الفلسطينية على تجديد نفسها والعمل بفعالية.

مطالب إسرائيل: تتوقع إسرائيل من جانبها أن تقوم المملكة بتشكيل أو على الأقل المشاركة في إنشاء قوة مهمة عربية لقطاع غزة، والتي ستساعد على تعزيز الاستقرار هناك، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع وإعادة تأهيله، وبإنماء قيادة فلسطينية معتدلة قادرة على تولي مسؤولية إدارة القطاع. تجد إسرائيل صعوبة في استيعاب الرسائل القادمة من الولايات المتحدة والمنظومة العربية وكذلك المجتمع الدولي، والتي بموجبها يكون التمثيل الحصري في الساحة الفلسطينية هو تمثيل السلطة الفلسطينية. لكن الحكومة الإسرائيلية تعارض تعريف السلطة الفلسطينية كعنوان، خشية أن يكون أساساً للضغط على إسرائيل للتحدث معها حول الدفع لتسوية على أساس حل الدولتين. يحاول مسؤولون يمثلون الحكومة الإسرائيلية التقليل من أهمية المطالب السعودية، بل إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعتبر المواجهة المفتوحة مع الإدارة الأمريكية في هذا السياق والمعارضة الحازمة لحل الدولتين عملاً قيادياً، الذي يفترض أن يزيد من الدعم الشعبي لها.

حتى لو ظلت دوافع الدول العربية للسلام مع إسرائيل كما هي، فإن اعتبارات التكلفة والعائد للأنظمة العربية تتغير. ومن وجهة نظرهم، فإن إسرائيل ليست الوحيدة التي لم تهزم حماس بعد، التي تكرهها، لكن مشهد الدمار والقتل من قطاع غزة يهدد باضطرابات بين الجمهور في بلدانهم. علاوة على ذلك، فإن خطر الانزلاق إلى صراع إقليمي مع إيران وحلفائها لا يزال قائماً. ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية، مثل بقية دول السلام، تفضل عدم التورط في هذه المرحلة في الدفع لتسوية في قطاع غزة من شأنها أن تضع حداً للحرب، ولكن يطلب مشاركة نشطة، مثل المشاركة في فريق مهمة عربي من أجل غزة.

تدرك إدارة بايدن أن الحكومة الإسرائيلية تواجه صعوبة في اتخاذ قرارات استراتيجية مهمة وأنها مقيدة بالسياسة الإسرائيلية الداخلية. ولذلك فهي تعمل على تعزيز التحركات حتى بدون موافقة الحكومة الإسرائيلية وتظهر استعداداً لفرض إجراءات تجد صعوبة في قبولها. وفي ضوء ذلك، ينبغي النظر إلى توسيع المساعدات الإنسانية لغزة وإنشاء ميناء بحري مؤقت على ساحل قطاع غز؛ دعم قيادة الإصلاحات في السلطة الفلسطينية وتشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط؛ الاستعدادات لبناء قوة فلسطينية لضبط النظام العام في قطاع غزة برعاية السلطة الفلسطينية وبمشاركة الأردن ومصر.

تتعزز العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى مستوى يسمح لهما بتعظيم شراكتهما، مع تقليل مركزية التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. يُنظر إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نفسه في واشنطن على أنه شخص تعلم من أخطائه ومن خلال نهجه العملي تجاه إيران واليمن وحتى إسرائيل، باعتباره يظهر المسؤولية الإقليمية. إن إمكانية تخفيف “عبء” التطبيع عن السعودية هو الأفضل على الإطلاق، سواء قبول التقديمات الأمريكية أو تجنُّب دفع الثمن في الرأي العام بسبب التقرب من إسرائيل. مع ذلك، يبدو أن السعوديين ينسقون مع الولايات المتحدة وسيتركون الباب مفتوحاً أمام “التطبيع المشروط”، كما صرح بذلك كبار المسؤولين في المملكة علناً. وعلى رأس الشروط مطالبة إسرائيل باتخاذ خطوات عملية لإقامة الدولة الفلسطينية.

بالنسبة لإسرائيل، هذا هو الأسوأ على الإطلاق – تفويت فرصة التطبيع مع العالم العربي الإسلامي، والتخلي عن “المصمم الاستراتيجي” المتاح – التطبيع والتكامل الإقليمي – الذي سيشكل الرد المناسب على حماس وإيران اللذين سعتا إلى وقف عملية التقارب بين إسرائيل والدول العربية، بالإضافة إلى الدفع نحو ترتيب لإنهاء الحرب بمشاركة عربية نشطة في تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في قطاع غزة (وإن كان ذلك أيضاً مع تجديد السلطة الفلسطينية). ولهذا السبب، ولأن اتفاق التطبيع الإسرائيلي السعودي سيوفر مكاسب اقتصادية ويحسن الشرعية لإسرائيل في العالم العربي والإسلامي، ويعزز الموقف الأمريكي في المنطقة ويرفع مستوى القوة السياسية والأمنية السعودية كثقل موازن لإيران يتعين على إسرائيل أن تتأكد من أنها لن تتخلى عن هذه الفرصة الذهبية التي قد لا تتاح إلا مرة واحدة في العمر.