دوليات

الإعلام الغربي: أصدقاء “إسرائيل” ينفضّون من حولها .. محرجون من فشلها وجرائمها

بقلم: ابتسام الشامي

تجند في خدمة الدعاية الإسرائيلية وتسويقها

منذ بداية الحرب العدوانية على قطاع غزة، لم تكن تل أبيب وحدها صانعة المجزرة التي باتت تربو اليوم على ثلاثة وثلاثين ألف شهيد مدني، خلف الكيان المؤقت اصطفت جبهة عريضة من الداعمين، تتقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها من أنظمة دول غربية وعربية وإسلامية. آلة الحرب الإسرائيلية التي دمرت حتى الآن ما يقرب من ثلثي القطاع المحاصر منذ عام 2006، كانت أصلاً آلة متعددة الجنسيات، من دون أن ننسى طبعاً الإعلام الذي تجنّد لخدمة الدعاية الإسرائيلية عن دوافع الحرب وأهدافها، وفي هذه الجبهة الإعلامية، تطوع جيش من الإعلاميين، الذين التزموا السياسة الإسرائيلية سواء في فبركة الأكاذيب عما جرى في عملية طوفان الأقصى، أو في تبرير المجازر التي ارتكبها العدو لاحقاً في المستشفيات ودور العبادة والمؤسسات العائدة للأمم المتحدة من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التحقق مما اذا كانت المعلومات التي ينقلونها لجمهورهم عن الحرب ومجرياتها صحيحة. وفي ما كان النحيب على الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس يتصدر الشاشات الغربية وبعض العربية، غابت معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو عن تلك الشاشات، علماً أن قضية الاسرى كانت في صدارة دوافع عملية طوفان الأقصى كما أوضحت حركة حماس على لسان قائدها العسكري محمد الضيف في أول بيان له بعد ساعات قليلة على انطلاق العملية صبيحة السابع من أكتوبر من العام الماضي.

هذا المشهد بما حمله من دعم مطلق للعدو بلغ حد الشراكة في مجازره المتواصلة، حكم المشهد خلال الأشهر الماضية على قاعدة لا صوت يعلو فوق “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وهذا “الحق” المدعى وضعت تل أبيب له ترجمة عملية على شكل أهداف للحرب المعلنة على قطاع غزة، يأتي في مقدمها القضاء على حركة حماس، وتهجير سكان القطاع أو بالحد الأدنى تغيير الواقع السياسي فيه بما يخدم أجندة العدو في استكمال احتلال أرض فلسطين من البحر إلى النهر. لكن الذي جرى خلال الأشهر الستة من عمر الحرب، أن العدو وجد نفسه عالقاً في وحول القطاع غير قادر على الحسم، المقاومة التي وعد بالقضاء عليها ما زالت صلبة ومتماسكة ومناورة إلى الدرجة التي يتمكن فيها المجاهدون من استدراج قوات النخبة الإسرائيلية إلى مكامن الموت في خان يونس المدمرة ومناطق شمال مدينة غزة التي ادعى الجيش الإسرائيلي إنه أنجز مهمته فيها “بنجاح”.

الإعلام الغربي: إسرائيل مجرمة حرب ومعزولة

أمام هذا الواقع المعقد وجد العدو نفسه في دوامة الدم والنار، لا هو قادر على تحقيق الأهداف المعلنة ولا باستطاعته إنهاء القتال من دون تحقيقها، في وقت بدأ فيه وقت “السماح” الدولي لإرهابه المتفلت من أي ضوابط قانونية أو أخلاقية أو إنسانية بالنفاد.

البيت الأبيض الذي قاد الحرب إلى جانب الكابينيت الحربي الإسرائيلي، بشخص رئيسه جو بايدن وفريقه العسكري والأمني والسياسي لم يعد قادراً على تحمل كلفة الفشل الإسرائيلي في زمن السباق الرئاسي الأمريكي، والدول الغربية التي تبدل فيها مزاج الرأي العام ضد الكيان المؤقت، لم تعد قادرة هي الأخرى على تبرير مجازره وارتكاباته وقد باتت أمام شعوبها مدانة بالشراكة في قتل الفلسطينيين وتجويعهم. هنا بدأ الحديث يتعاظم عن عزلة دولية يعيشها الكيان المؤقت، وهذه العزلة لم تتجلَ في القرار الصادر عن مجلس الأمن من دون أي فيتو بوقف الحرب فحسب، وإنما في ما يعكسه الإعلام العالمي من تبدّل ملحوظ في مقاربة الحرب وما آلت اليه – لا سيما بعد تعمد العدو قتل الناشطين في المطبخ العالمي – ومن انزياح واضح من التجنّد في المعركة إلى انتقادها والتحذير من تداعياتها والإقرار بفشل العدو فيها.

في هذا السياق، أكدت صحيفة إيكونيميست، أن تل أبيب “خسرت معركة الرأي العام العالمي” مشيرة إلى أن أقرب حلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، يدرسون إمكانية الحد من شحنات الأسلحة المرسلة بسبب ما يحصل في غزة”. وبحسب الصحيفة فإن “التمسك برؤية الجيش الإسرائيلي باعتباره أخلاقياً أمر ضروري لصورة الإسرائيليين عن أنفسهم. لكنه الآن متهم بارتكاب فشلين كارثيين. أولاً أنه لم يحقق أهدافه العسكرية في غزة. وثانياً أنه تصرف بشكل غير أخلاقي وانتهك قوانين الحرب.

وحول “الإنجازات” العسكرية في الحرب، يؤكد تقرير الصحيفة البريطانية، بأن “حماس لا تزال بعيدة كل البعد عن التدمير، وأن مقاتليها لا يزالون ينصبون الكمائن، وتعيد الحركة تأكيد حضورها في الأماكن التي يغادرها الجيش الإسرائيلي”. ونقلت الصحيفة عن العقيد المتقاعد، والباحث السياسي الإسرائيلي، رؤوفين غال، قوله إن “كبار قادة الجيش اتخذوا قرار بدء الحرب بهجوم واسع على غزة، مدفوعين بمشاعر عميقة بالذنب والإذلال، وبدلاً من التوقّف للتفكير والتخطيط، تدخّل الجيش بسرعة وبقوة لاستعادة الكبرياء المفقود”. بدوره قال الجنرال المتقاعد، نوعام تيبون، إن القادة في الجيش توهموا أن الدخول إلى غزة من شأنه تحطيم حماس نفسياً، لكن الحديث عن تفكيك كتائبها مجرد هراء”.

وتحت عنوان “أيها المدافعون عن حرب إسرائيل على غزة، انتهت اللعبة”، كتب رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي”، ديفيد هيرست مقالاً قال فيه إن “الحلفاء المتحمسين، الذين يسمون أنفسهم أصدقاء إسرائيل، أدركوا أنهم أيضاً أصدقاء من ارتكبوا جريمة قتل عمال الإغاثة الغربيين، وأصدقاء الإبادة الجماعية، وأصدقاء الفاشية”. وأضاف “بعد مرور ستة شهور، بدأ ينهار بأسره ذلك الكيان الذي سمح للقوات الإسرائيلية بقتل ما يزيد على 33 ألف فلسطيني، وجرح ما يزيد على 75 ألفاً آخرين، وتشريد السكان الذين يزيد تعدادهم على 2.3 مليون نسمة، وتجويعهم، وهدم شمال غزة، وتدمير الخدمات الصحية.. ها هم الزعماء السياسيون الذين برروا هذه المذابح باعتبارها ممارسة من قبل إسرائيل لحقها في الدفاع عن النفس، والصحفيون الذين روجوا لحكايات الرعب الوهمية عن الرضع الذين قطعت رؤوسهم أو النساء الذين تعرضن للاغتصاب الجماعي يوم السابع من أكتوبر، والمحررون الذين ظلوا يومياً يتجاهلون التقارير التي تتحدث عن تعرض قوافل الإغاثة للاستهداف من قبل القوات الإسرائيلية، ها هم جميعاً يهرعون بحثاً عن ملاذ”. وكتب هيرست “ها هي تنهار في أيديهم جميع الحجج التي استخدموها للدفاع عن هذا الذبح المستمر – الزعم بأن هذه حرب عادلة -، وبأن إسرائيل ينبغي أن يُسمح لها بإنجاز المهمة، وبأن الفعل المتخذ متناسب، وبأن الإجراء القانوني في محكمة العدل الدولية يعيق محادثات السلام ولذلك يمكن تجاهله، وبأن بريطانيا والولايات المتحدة يمكنهما في نفس الوقت وعظ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والاستمرار في تزويده بالسلاح”. وفي اشارة إلى تبدل المزاج العام في أوروبا بخصوص الحرب، يشير الكاتب البريطاني إلى أن ما يزيد عن 600 من الشخصيات البارزة في بريطانيا، محامين وأكاديميين وقضاة سابقين، بما في ذلك الرئيسة السابقة للمحكمة العليا الليدي هيل واثنان من القضاة السابقين في المحكمة، وقعوا على خطاب يحذر الحكومة البريطانية من أنها تنتهك القانون الدولي من خلال استمرارها في تسليح إسرائيل”. وفي السياق نفسه، يشير دايفيد هيرست إلى سؤال طرحه الوزير السابق في الخارجية البريطانية السير ألان دانكان “كيف يمكن الاستمرار في اعتبار إسرائيل حليفاً لبريطانيا”؟، وهذا الأخير طالب بمحاسبة كبار الشخصيات البريطانية التي دعمت “إسرائيل” في حربها على غزة.

وليس بعيداً عن هذه الأجواء، كتبت نسرين مالك في صحيفة “الغارديان مقالاً قالت فيه إن الحرب في غزة، أتمت فترة الأشهر الستة، ومع ذلك فإن هناك تحولاً ملموساً.. لأن التسامح الذي حصلت عليه الحكومة الإسرائيلية من قبل حلفائها في أعقاب هجمات حماس أصبح الآن مهدداً بالانتهاء”. وجاء في المقال: “بالنسبة لكثير من الجمهور، الذي أيد وقف إطلاق النار منذ الأيام الأولى للهجوم على غزة، كان من الواضح دائماً أن الكارثة سوف تتكشف. ولكن في المجال الرسمي – بين السياسيين وأجزاء من وسائل الإعلام – فإن رعب 7 تشرين الأول أكتوبر كان بمثابة شيك على بياض لبنيامين نتنياهو وحكومته”.

مضيفة “ربما احتاج الأمر إلى مقتل سبعة من عمال الإغاثة في المطبخ المركزي العالمي حتى يحدث هذا التحول، وربما كان تراكمياً، لكن ما يصعب إنكاره الآن هو أن إسرائيل أصبحت مارقة”. وتضيف الكاتبة في صحيفة الغارديان البريطانية، “على مدار الأشهر الستة الماضية، برزت دولة تنتهك كل البروتوكولات على النحو الذي لا يضعها ضمن الحظيرة الديمقراطية، بل في فئة ما خارجة عن القانون. لقد أهانت الحكومة الإسرائيلية حلفاءها ورعاتها. لقد تجاهلت وتحدت الأحكام والتحذيرات الصادرة عن منظمات ذلك العالم الديمقراطي الملتزم بالقانون، ذلك العالم الذي تدعي أنها تمثله في منطقة متخلفة معادية. وجعلت حلفاءها يبدون ضعفاء وعاجزين، الأمر الذي أدى إلى زعزعة استقرار سياساتهم الداخلية”. وعلى أرض الواقع تقول نسرين مالك، “من الواضح أن إسرائيل لم تبالغ في رد فعلها فحسب، بل إنها متعجرفة، ومفرطة في إطلاق النار، ولا يمكن الاعتماد على استخباراتها ولا أساليبها في الحرب”.

وتحت عنوان “إسرائيل ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبته أمريكا في العراق”، كتب ديفيد فرينتش مقال رأي في صحيفة “نيويورك تايمز” رأى فيه “أنه وبعد مرور ستة أشهر على الحرب في غزة، بدأ ينتابه شعور مزعج مفاده أن إسرائيل تواجه العديد من التحديات التي مرت بها الولايات المتحدة في العراق، وترتكب نفس الأخطاء في غزة”. مشيراً إلى أن “الحصيلة الفادحة من القتلى والمجاعة ما هما إلا نتاج مباشر للحرب”، ويؤكد فرينتش “أن إخراج حماس من السلطة يشبه فكرة اجتثاث البعث في العراق، التي ستؤدي إلى دمار الخدمات المدنية، وستزيل كل الوسائل للحفاظ على النظام المدني”. مضيفاً أنه ولحين ملء الجيش الإسرائيلي الفراغ الناشئ، إما من خلال إدارته المباشرة، أو بتحالف إداري، فإن حماس لديها فرصة كي تعود مرة أخرى.

خاتمة

من التجند لخدمة دعايتها السياسية والإعلامية إلى التبرؤ من جرائمها، هكذا يتبدل المشهد الغربي في مقاربته للحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، هو تحولٌ فرضه إجرام العدو بحق المدنيين العزل من أبناء القطاع، كواحد من تعابير عجزه أمام صلابة المقاومة وعزمها وصبر أهل القطاع والتفافهم حول مقاومتهم مهما بلغت التحديات وعظمت التضحيات.