إقليميات

مخطط سعودي إماراتي لتثبيت واقع الانفصال جنوب وشرقي اليمن

بقلم نوال النونو

وتحرّكت خلال الأيام الماضية قوات المجلس الانتقالي – وهي فصائل عسكرية موالية للإمارات – وتدعو بشكل واضح لانفصال جنوب اليمن عن شماله، لتكمل سيطرتها على محافظة حضرموت الغنية بالنفط والمحاذية للمملكة العربية السعودية، وكذلك السيطرة على محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان، وكلا المحافظتين تطلّان على البحر العربي، وتشتهر حضرموت بأنها أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة، وهي غنية بالنفط والمعادن، وتتيح لمن يسيطر عليها التحكم بحركة الملاحة الدولية في بحر العرب.

وخلال العشر السنوات الماضية، ظلّت حضرموت بعيدة عن سيطرة أنصار الله، وقد تعرّضت للاحتلال السعودي الإماراتي، حيث انتشرت فيها قوات وفصائل عسكرية متعددة تدين بالولاء للسعودية أو الإمارات، وفيها تقع المنطقة العسكرية الأولى ومعظم منتسبيها يتبعون حزب الإصلاح “الإخوان المسلمين” فرع اليمن، وفي حضرموت كذلك قوات ما يسمى “النخبة الحضرمية” التابعة للمجلس الانتقالي الموالي للإمارات، وقوات ما يسمى “حلف حضرموت” التابعة للشيخ القبلي عمرو بن حبريش وهو موالٍ للسعودية، وفي حضرموت توجد قوات أمريكية تتمركز في مطار الريان المطل على البحر العربي، وقوات سعودية وإماراتية، وبريطانية، كما توجد هذه القوات في محافظة المهرة وتحديداً في مطار الغيضة.

ويعدّ المستجد في هذه الأحداث هو أن الرباعية الممسكة بالملف اليمني وهي (أمريكا، وبريطانيا، والسعودية، والإمارات) تعيد هندسة أدواتها، وتدفع الانفصاليين إلى الواجهة، لمخطط يُراد من ورائه إعلان دولة لليمن جنوبي وشرق اليمن، مقابل دولة أخرى في الشمال التي يسيطر عليها أنصار الله، وإذا ما حدثت مواجهات بين الطرفين فإنها تكون وفق الصبغة المناطقية (شمالي وجنوبي) وليس بالصبغة الطائفية (سنة وشيعة) التي فشلت خلال العشر السنوات الماضية.

مكاسب وخسارة

وإذا كان الانفصاليون هم أكبر المستفيدين من أحداث حضرموت، فإن حزب الإصلاح المدعوم من قطر وتركيا هو أكبر الخاسرين، فقد خسر عمقاً استراتيجياً له شرقي اليمن، وكان هذا العمق يساعده في الوصول إلى المحافظات الجنوبية بسهولة، بمعنى أن الحزب كان يتنقل من حضرموت إلى عدن وأبين بأريحية، لكنه اليوم بات خارج المشهد، وعاجزاً عن التنقل في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية اليمنية، وبات محاصراً في مدينة مأرب فقط، وهي المدينة المهددة بالسقوط في أيّة لحظة من قبل أنصار الله.

وبناءً على هذه التطورات باتت مساحة ما كان يسمى سابقاً بدولة اليمن الديمقراطية قبل تحقيق الوحدة 1990م تحت سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم والممول من قبل الإمارات، في حين أصبح اليمن الشمالي تحت سيطرة أنصار الله، باستثناء مناطق صغيرة في تعز يحكمها طارق محمد صالح، وخصوصاً المخا المطلة على البحر الأحمر، ومدينة مأرب التي يسيطر عليها حزب الإصلاح وهي غنية بالنفط والغاز.

ما وراء أحداث حضرموت

لقد رسم الاحتلال السعودي الإماراتي واقعاً جديداً في المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية، وباتت الراية الآن بيد قوات المجلس الانتقالي الذي يرفع علم الانفصال ولا يعترف بالجمهورية اليمنية، ونحن هنا أمام تداعيات خطيرة أولاً على الوحدة اليمنية، وثانياً على اليمن الشمالي وأنصار الله، فقد يدفع الأعداء بهؤلاء بعد تنظيمهم للهجوم على المناطق الواقعة تحت سيطرة أنصار الله في الشمال اليمني، تحت شعار “تحرير صنعاء” كما يزعمون، لكن هذا الخيار يصطدم مع أهداف وشعارات المجلس الانتقالي الذي أقصى حلمه هو تحقيق الانفصال، وإبقاء الوضع كما هو عليه، بمعنى بقاء قوات أنصار الله في الشمال، وقوات الانتقالي في الجنوب.

واللافت أن هذه الأحداث انطلقت في الثلاثين من نوفمبر، وهو اليوم الذي يحتفل فيه اليمنيون بذكرى عيد الاستقلال بخروج آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن بعد احتلال دام 128 عاماً، وبعد زيارات بريطانية مكثفة إلى عدن، ما يعني أن بريطانيا قد يكون لها دور في هندسة هذا المخطط، وهي تطمح من جديد للعودة إلى عدن التي كانت أحد مستعمراتها في المنطقة.

أما بالنسبة لأمريكا وكيان العدو الإسرائيلي والإمارات، فإن السيطرة على المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية اليمنية يعطيها أفضلية في التحكم بحركة الملاحة البحرية في البحرين الأحمر والعربي، كون هذه المحافظات تطل إما على البحر الأحمر مثل عدن ولحج وأبين، أو على البحر العربي مثل حضرموت والمهرة وشبوة. وهنا لا يُستبعد إقامة قواعد عسكرية أمريكية وبريطانية وصهيونية في هذه المحافظات للتحكم بالملاحة البحرية.

ما يحدث في حضرموت لا يقتصر على الشأن اليمني فحسب، وإنما يأتي ضمن مخطط الهيمنة والتوسع لقوى الاستكبار العالمي على المناطق الحيوية والاستراتيجية في المنطقة، وهنا تأتي أطماع أعداء اليمن متنوعة ومتعددة، فهم يسعون باستمرار إلى نهب ثروات اليمن وخيراتها من نفط وغاز ومعادن تتواجد في هذه المحافظات، والتحكم بالممرات المائية، إضافة إلى تشكيل قوات وفصائل عسكرية مناطقية تتولى مهمة مواجهة أنصار الله في الشمال، وبالتالي ضرب الوحدة اليمنية والقضاء عليها نهائياً.

لكن ما بات معروفاً للجميع أن الإمارات والسعودية ومنذ احتلالهما للمحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية اليمنية عام 2015م لم تعملا على إحداث التنمية في هذه المناطق، وتثبيت الأمن والاستقرار، وتحسين الوضع الاقتصادي، بل لديهما مخطط بإبقاء الوضع في هذه المحافظات المحتلة هكذا كي تضمن عدم وجود تمرد عليها، وكي تظل إدارة الحكم في هذه المناطق تحت الهيمنة والسيطرة الإماراتية السعودية. وهذا الوضع لا يرضي الكثير من اليمنيين الجنوبيين، والذين ترتفع أصواتهم عالياً من يوم إلى آخر للمطالبة بتغييره، وقد يكون شرارة لتفجير الثورة ذات يوم ضد الغزاة والمحتلين الجدد من السعوديين والإماراتيين ومن يقف وراءهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *