إدارة ترامب.. توصيات سياسية لإسرائيل
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
صورة الوضع
تشكل عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة حقبة جديدة على الساحة العالمية، ومن المتوقع أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة في ميزان القوى الدولي. ومن المتوقع أن تشتد المنافسة بين القوى العظمى، بين الولايات المتحدة والصين، وربما روسيا أيضاً.
وهذا صحيح بشكل خاص إذا فشلت جهود ترامب لفرض حوار من شأنه أن يؤدي إلى صفقات/اتفاقيات باستخدام أدوات القوة التي تمتلكها الولايات المتحدة. وسوف يكون في قلب المنافسة بين القوى الصراع المستمر على الهيمنة العالمية بين الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، وتلك التي تتحدى النظام العالمي، من وجهة نظر الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يستمر هذا الصراع على الرغم من أن ترامب نفسه يرسل إشارات مفادها أن إدارته أقل التزاماً بنهج النظام العالمي الذي يقوده الغرب في مواجهة بقية العالم، وأكثر تركيزاً على الالتزام تجاه الولايات المتحدة. ستواصل سياسة ترامب في ولايته الثانية التركيز على المصالح الأمريكية المتميزة، مع اتّباع نهجٍ حازم تجاه أولئك الذين يعتبرهم أعداء والتوقع من الحلفاء الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة. ويتم ذلك من خلال بناء الشراكات مع ضمان توافقها مع المصالح الاقتصادية والأمنية، كما تراها الحكومة. وتظل منطقة الشرق الأوسط بؤرة مركزية للتوترات بين القوى المتنافسة، ولكنها تظل أيضاً بؤرة للفرص الاقتصادية والأمنية.
وفي الشرق الأوسط، من المتوقع أن يعزز ترامب دعمه لإسرائيل، على الرغم أنه قد تكون هناك توترات، خصوصاً حول الرغبة في تعزيز التهدئة الإقليمية، والتي ستشمل، بالإضافة إلى الضغط على إيران، الرغبة في التوصل إلى اتفاق معها، فضلاً عن الجهود الرامية إلى توسيع نطاق “الاتفاقيات الإبراهيمية”، مع التركيز على تعزيز التطبيع بين إسرائيل ودول عربية أخرى. ومن المرجّح أن تشمل هذه الجهود السعي إلى إنهاء القتال في قطاع غزة، وربما حتى تقديم نسخة محدثة من “صفقة القرن” كوسيلة مفضلة لتحقيق هذا الهدف. وفي هذا السياق، صرّح ترامب نفسه أنه من وجهة نظره، ينبغي أن تكون صفقة الرهائن بين إسرائيل وحماس، التي تم توقيعها بمشاركته المباشرة، بمثابة رافعة لتعزيز الخطوط العريضة التي من شأنها تمكين توسيع “اتفاقيات إبراهيم”.
وبالإضافة إلى التحديات على الساحة الدولية، من المتوقع أن تواجه إدارة ترامب مجموعة واسعة من القضايا الداخلية، وخصوصاً تحقيق الطموح في تعزيز التغييرات الداخلية الشاملة بسرعة، كما وعدت خلال الحملة الانتخابية. ويبدو أن الرئيس المنتخب حرص على تعيين أفراد موالين لأيديولوجيته وملتزمين بتنفيذ الثورة التي يسعى إلى تعزيزها داخل الإدارة الأمريكية، بما في ذلك تفكيك الجهاز المهني في المكاتب المركزية، والجيش، والمخابرات، ووزارة العدل، وملؤه بأشخاص ملتزمين بأجندة إدارته. والخلفية وراء ذلك هي رغبة ترامب في ضمان إرثه والاعتراف الدولي به، مع التركيز على إمكانية الفوز بجائزة نوبل للسلام.
على أية حال، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن ترامب أثبت بالفعل أن عملية اتخاذ القرار لديه لا تستند في كثير من الأحيان إلى عملية منظمة، بل تنبع من نزوات لا يمكن التنبؤ بها مسبقاً دائماً.
تشديدات مركزية في السياسة المتوقعة للإدارة
التركيز على أمريكا أولاً: خلال الفترة الثانية لإدارة ترامب، من المتوقع أن تستمر، بل وتشتد، النزعة الانعزالية النسبية التي تم التعبير عنها خلال الفترة الأولى والتي عكست تفضيلاً واضحاً للمصالح الأمريكية الضيقة على حساب إعطاء الأولوية للتعاون الدولي.
صحيح أن ترامب قد يصر على تقليص دعم الولايات المتحدة ودورها في المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة، في حين يطالب حلفاءه ــ الأمر الذي قد يزيد التوترات ــ بإظهار قدر أعظم من المسؤولية عن أمنهم. ومع ذلك، وعلى الأرجح فإن اتساع نطاق التحديات الدولية سوف يتطلب منه أيضاً التعاون مع حلفائه وأخذ مصالحهم في الاعتبار. وبالنسبة للإدارة الأمريكية فإن المبدأ التوجيهي سيكون “إنهاء الحروب، وليس البدء بها”. ويتم ذلك من خلال الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاقيات من شأنها تعزيز المصالح الأمريكية، وتحقيق ذلك من موقع القوة، مع التركيز على الضغوط السياسية والاقتصادية، وربما أيضاً إظهار القوة العسكرية، ولكن مع الطموح لتجنب استخدام القوة العسكرية، وبالتأكيد التورط العسكري. وفي الوقت نفسه، لا يزال من المبكر للغاية تحديد كيفية تصرف الإدارة عندما يتضح أنها غير قادرة على التوصل إلى اتفاقات وترتيبات، وبطبيعة الحال أيضاً فيما يتصل بالتطورات الخارجية الجديدة التي ستتطلب مشاركتها.
الصين
سيظل الصراع ضد الصين في صميم سياسة ترامب العالمية، وخصوصاً في الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية. ولكن على النقيض من سنوات إدارته الأولى، عندما كان هناك إجماع نسبي بشأن السياسة المرغوبة تجاه الصين، فإن هناك هذه المرة اعتبارات إضافية من المتوقع أن تؤخذ في الاعتبار – الرغبة في الانعزالية السياسية من ناحية، والمصالح الاقتصادية، من ناحية أخرى -. والتي من المفترض أن تشجع التنسيق، من ناحية أخرى.
ستظل التوترات بشأن تايوان تهدد الاستقرار الإقليمي في شرق آسيا، ولكن مدى التزام ترامب تجاه تايوان لا يزال غير واضح. ومن المرجح أن ترامب لا يريد أن يُنظر إليه على أنه يتخلى عن تايوان والالتزام الأمريكي تجاه الجزيرة، ولكنه لا يريد أيضاً أن يُنظر إليه على أنه يسمح لتايوان بجر الولايات المتحدة إلى صراع عسكري. وقد يسعى ترامب إلى فرض عقوبات إضافية ومحاولة تعزيز التحالفات الإقليمية في آسيا (على سبيل المثال، مع اليابان والهند).
روسيا
تعهّد ترامب بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ومع ذلك، ليس من الممكن في الوقت الحالي تحديد الطرق التي ستتصرف بها الادارة لتحقيق هذا الهدف.
وتشير تصريحاته إلى أن ترامب غير ملتزم بالحفاظ على سيادة أوكرانيا داخل حدودها المعترف بها، وربما يكون على استعداد لإبرام صفقة تسمح بوجود روسي في الأراضي المحتلة في أوكرانيا والتسوية، أي التنازل عن دخول أوكرانيا كعضو في حلف شمال الأطلسي. على كل حال، سوف تتأثر السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا من تقييم الادارة (لضعف) روسيا والعزيمة التي يظهرها رئيسها.
موقف الإدارة من الشرق الأوسط
التشدد في التعامل مع إيران: من المتوقع أن يعمق ترامب سياسة “الضغط الأقصى” على إيران، بما في ذلك فرض عقوبات قاسية إضافية وبذل جهود مكثفة لضمان تنفيذها. في الوقت الحالي، لم يوضح ترامب والمسؤولون الكبار المعينون لشغل مناصب رئيسية في الإدارة هدف زيادة الضغوط، على الرغم من أن ترامب نفسه تحدث في كثير من الأحيان عن نيته التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران. ومن المرجح أيضاً أن يسعى إلى تعزيز التحالف الإقليمي في مواجهة إيران، بما في ذلك التعاون الوثيق مع إسرائيل ودول الخليج. ولكن موقفه من التحرك العسكري ضد إيران، وبالتأكيد نيته في تنفيذه، غير واضح.
ومع ذلك، يبدو أنه إذا استمرت إيران في المضي قدماً في برنامجها لتخصيب اليورانيوم، فقد يظهر استعداداً أكبر من الماضي لأن يضع أمامها تهديداً عسكرياً وحتى القيام بعمل عسكري، وخصوصاً من جانب إسرائيل، والسعي إلى استغلال الهزيمة التي مُني بها “محور المقاومة” بعد الحرب المتعددة الساحات مع إسرائيل.
في الوقت نفسه، وكما ذكرنا، فقد صرح ترامب مراراً وتكراراً أنه يأتي بهدف “إغلاق الحروب” وليس “فتح حروب جديدة”، ومن المؤكد أنه لا يوجد الكثير من التعاطف بين “قاعدته” للمشاركة الأمريكية المباشرة في العمليات العسكرية.
التطبيع بين إسرائيل والسعودية ودول أخرى: ومن المتوقع أن يدفع ترامب نحو إبرام اتفاقيات تطبيع إضافية بين إسرائيل ودول عربية، مع التركيز على المملكة العربية السعودية. ومن المؤكد أن نجاح هذه الخطوة من شأنه أن يعزز إرثه (وربما يجعله يفوز بجائزة نوبل). ومع ذلك، فإنه ليس من الواضح كيف تنوي الإدارة المضي قدماً نحو تحقيق هذا الهدف. ربما تعود نسخة من “صفقة القرن” إلى جدول الأعمال، لكن ترامب نفسه قال بعد انتخابه إن هناك نماذج أخرى يمكن أن تؤدي إلى تقدم في هذا الصدد.
السياسة تجاه الفلسطينيين: من المرجح أن يواصل ترامب دفع حل الدولتين جانباً وتعزيز نماذج اقتصادية مماثلة لـ “صفقة القرن”، والتي ستركز على تحسين البنية التحتية والاقتصاد في الساحة الفلسطينية على حساب حل شامل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد يؤدي هذا النهج إلى إثارة المعارضة الفلسطينية وتفاقم التوترات في الأراضي الفلسطينية وحتى في إسرائيل، إذا أصر الرئيس على مطالب إسرائيل، كما ظهر في خطته التي قدمها خلال ولايته الأولى. ومن المرجح أن تستمر إدارة ترامب في معارضة تسريع اتجاه ضم الأراضي في الضفة الغربية من قبل إسرائيل، وبالتأكيد في قطاع غزة، باعتبارها خطوات من شأنها أن تضر بشكل كبير بقدرتها على تعزيز رؤية السلام الإقليمي.
لكن فشل جهود الإدارة في دفع إطار سياسي قد يدفعها إلى سحب مشاركتها في دفع العملية السياسية، وهو ما قد يعني أيضاً تجاهل تحركات الضمّ الإسرائيلية، وهو ما قد يضر أيضاً بالمكانة الدولية لإسرائيل وقيمها كدولة ديمقراطية.
العراق: قد يواصل ترامب تقليص الوجود العسكري الأمريكي في هذا البلد (وكذلك في سوريا)، لكنه سيحافظ على قوة مركزة في المنطقة، ومن المرجح أن تكون الأولوية في العراق، لمحاربة داعش ومواجهة جهود إيران لتعميق نفوذها الاقليمي.
لبنان: إذا استأنف حزب الله إطلاق النار على إسرائيل، وبالتأكيد إذا استؤنف الصراع واسع النطاق بينه وبين إسرائيل، فقد يدعم ترامب عملية إسرائيلية واسعة النطاق. ولكن في كل الأحوال، من المتوقع أن تسعى الإدارة جاهدة إلى منع توسع الأزمة إلى صراع إقليمي.
مستقبل سوريا: أكد ترامب مجدداً أنه من وجهة نظره فإن الولايات المتحدة “ليس لديها أي مصلحة فيما يحدث في سوريا. إن ميله الواضح سيكون التقليل من التدخل الأمريكي، وخصوصاً العسكري، بما في ذلك احتمال سعيه إلى التقدم في ولايته الأولى ثم التراجع عن انسحاب جميع القوات الأمريكية المتمركزة في شمال شرق سوريا ومساعدة القوات الكردية، التي تسيطر، من بين أمور أخرى، على السجون التي يحتجز فيها عناصر داعش. ومن الممكن أن تحاول الولايات المتحدة، من خلال الحوافز الاقتصادية ومع حلفائها في المنطقة، التأثير على النظام الجديد في سوريا، الذي يسعى إلى تعزيز سلطته والظهور بمظهر المتبني لسياسات التوجه الغربي.
تركيا: قد تستمر العلاقات في التقلب بين التعاون المتقطع والصراعات حول سياسات أردوغان بما في ذلك تجاه الأكراد في شمال سوريا وكذلك اليونان وقبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط، والعداء لإسرائيل، ودعم حماس، وتقارب أنقرة مع روسيا والصين في السنوات الأخيرة.
أهداف السياسة الإسرائيلية
* الحفاظ على العلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة وتعزيزها، مع التركيز على ضمان الدعم الاستراتيجي الأمريكي واستمرار التعاون الأمني والمساعدة العسكرية. ويتم ذلك مع ضمان إدارة العلاقة من خلال الحوار الاستراتيجي ومعالجة التوترات والخلافات بطريقة سرية وسيكون للولايات المتحدة دور مهم في الجهود الرامية إلى استعادة مكانة إسرائيل على الساحة الدولية.
* الحفاظ على إسرائيل كقضية تحظى بإجماع الحزبين في الولايات المتحدة والحفاظ على الروابط والعلاقات الوثيقة مع اليهود الأمريكيين.
* تعزيز المصالح الإسرائيلية على الساحة الإقليمية: تحسين مكانة إسرائيل الإقليمية، وتعزيز التطبيع مع الدول العربية والإسلامية في إطار توسيع “الاتفاقيات الإبراهيمية”، وترسيخ مكانة إسرائيل كشريك رائد للدول السُنية المعتدلة في الشرق الأوسط.
* إيران و”محور المقاومة”: تعزيز هدف منع الخيار النووي من إيران ومواصلة إضعاف “محور المقاومة” الذي تقوده.
* الفلسطينيون: تعزيز الظروف الملائمة لعمليات التسوية، بطريقة تلبي احتياجات إسرائيل الأمنية وتحافظ على طابعها اليهودي والديمقراطي
* تعميق التعاون الاقتصادي والتكنولوجي: الاستفادة من القدرات التكنولوجية لإسرائيل للتعاون في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الأمن، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والطاقة النظيفة، والبيئة، والصحة.
التحديات والفرص الرئيسية أمام إسرائيل
العلاقات الإسرائيلية الأمريكية: من المتوقع أن تتعزز العلاقات في عهد إدارة ترامب والحزب الجمهوري. وسوف تساهم التعيينات المقبلة في الإدارة الجديدة لشخصيات متعاطفة للغاية مع إسرائيل، فضلاً عن الأغلبية الجمهورية في الكونغرس ومجلس الشيوخ، في هذا الأمر.
لقد انتهج ترامب خلال فترة ولايته الأولى سياسة اعتبرت ودية للغاية تجاه إسرائيل، ولكن التغييرات في السياسة أو العلاقات الإقليمية والعالمية الجديدة قد تخلق ديناميكيات مختلفة. إذا تجددت التحركات لتعزيز الاتفاق مع الفلسطينيين، على أساس فكرة الدولتين، فقد تنشأ توترات حادة بين القدس وواشنطن. وبما أن الإدارة الأمريكية ستجري قريباً إعادة تقييم لركائز السياسة الأمريكية، فقد تكون هناك إمكانية للتأثير الإسرائيلي على الأولويات والمبادئ التوجيهية التي ستصوغها.
إن التحدي الرئيسي الذي تواجهه إسرائيل يتمثل في تحديد المصالح المشتركة، وفهم تطلعات الإدارة والمجالات التي تحتاج فيها إسرائيل نفسها إلى تعديل سياساتها وأهدافها في هذا السياق. وعلى النقيض من إدارة بايدن، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستلتزم بـ “القيم المشتركة” كمكون أساسي لسياساتها، ونتيجة لذلك، ومن منطلق عدم التدخل في الشؤون الداخلية لإسرائيل، بخلاف إدارة بايدن لن تعبر عن معارضتها للتحركات التي قد يعتبرها جزء من الجمهور الإسرائيلي غير ديمقراطية، وقي هذا السياق:
* يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه في ضوء الصورة السائدة في إسرائيل بأن الإدارة الجمهورية بقيادة ترامب أكثر ودية تجاه إسرائيل من الإدارة الديمقراطية، فإن الحكومة الإسرائيلية ستجد صعوبة أكبر في مواجهتها ورفض مطالبها بالتأكيد – حتى لو كانت تتعارض مع النهج الإسرائيلي.
* إن العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الجمهورية قد تشكل تحدياً إضافياً لعلاقات إسرائيل مع الحزب الديمقراطي وعلاقتها مع الأغلبية الليبرالية من يهود أمريكا، المعادية لترامب. إن المصلحة الأساسية لإسرائيل تتمثل في الحفاظ على دعم الحزبين لها، ومن الضروري أن نتابع عن كثب التغيرات التي تحدث في الحزب الديمقراطي أيضاً في ضوء الفهم بأن القيادة المستقبلية للحزب من المرجح أن تكثف انتقاداتها لإسرائيل.
موقف إسرائيل على الساحة الدولية: انتهج ترامب سياسة أحادية الجانب مؤيدة لإسرائيل بشأن قضايا القدس ومرتفعات الجولان واتفاقيات إبراهيم، والتي بالطبع حظيت بدعم واسع في إسرائيل وأثار بعضها معارضة دولية.
وفي ولايته الثانية، قد يتفاقم الاستقطاب بين مؤيدي إسرائيل ومعارضيها على الساحة الدولية، الأمر الذي قد يجعل من الصعب الحفاظ على الدعم الواسع لإسرائيل بين الدول الأوروبية والآسيوية.
من ناحية أخرى، وعلى النقيض من إدارة بايدن، من المتوقع أن تقف الإدارة الجديدة إلى يمين إسرائيل، بما في ذلك الوفاء بالوعد بفرض عقوبات على موظفي المحكمة في لاهاي بسبب الإجراءات القانونية التي تجري ضدها. والتي تشمل اتهامات بالإبادة الجماعية وإصدار مذكرات اعتقال في محكمة العدل الدولية، فضلاً عن اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق في المحكمة الجنائية الدولية. وهذا دعم مهم، رغم أنه ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان موقف الولايات المتحدة في هذا السياق سيكون مفيداً في تغيير مواقف المحكمة في لاهاي بشكل جذري.
المساعدات الأمنية: إن استمرار الحملة في قطاع غزة والتحديات العسكرية الأخرى التي تواجه إسرائيل – ساحات القتال في الشمال ضد سوريا ولبنان وضد إيران وحلفائها في اليمن والعراق – تتطلب ضمان المساعدات العسكرية المستمرة من الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تظهر إدارة ترامب نهجا إيجابيا وتتجنب وضع العراقيل في طريق إسرائيل. وهذا، حتى لو كان هذا الأمر يخلق توتراً لدى الإدارة بين الرغبة في دعم إسرائيل والرغبة في تقليص المساعدات الخارجية.
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تطالب الإدارة بـ “ثمن سياسي” مقابل زيادة دعمها، بما في ذلك المطالبة بـ “التوافق” مع مواقفها تجاه الصين وربما حتى تجاه أوروبا. وحتى في السياق الفلسطيني، قد تطالب الإدارة الأمريكية باستعداد إسرائيل للمضي قدماً في التوصل إلى اتفاق. وهذا صحيح بشكل خاص إذا كانت هناك إمكانية لتعزيز تسوية إقليمية وتوسيع “اتفاقيات إبراهيم”.
ويشكل النهج الإيجابي للإدارة الأمريكية فرصة لإسرائيل استعدادا للمباحثات المتوقعة بشأن تجديد مذكرة التفاهم بين الدول بشأن المساعدات الأمنية لإسرائيل، والتي من المقرر أن تنتهي في عام 2028. ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الحوار حول اتفاقية مذكرة التفاهم المقبلة سيكون، من وجهة نظر ترامب، جزءاً من محادثة أوسع مع إسرائيل بشأن الاتفاقيات والخلافات في مجموعة متنوعة من المجالات المدرجة على جدول الأعمال.
الضغط على إسرائيل لاتخاذ موقف في الصراعات العالمية: قد يزيد ترامب الضغوط على حلفائه، بما في ذلك إسرائيل، لدعم سياساته علناً ضد الخصوم وخصوصاً الصين وروسيا. وقد يضع هذا الضغط إسرائيل في مواقف دبلوماسية حساسة، مما قد يضر بمصالحها الاقتصادية والأمنية. وهذا توقع محتمل من إسرائيل (وكذلك من حلفاء آخرين) للتوافق مع سياسة الولايات المتحدة بشأن القضايا الرئيسية، وخصوصاً في سياق “ما يجب وما لا يجب فعله” في التعامل مع الصين (كانت هذه هي الحال أيضاً خلال ولايته الاولى بشأن شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي مثلاً)؟
سياسة الإدارة تجاه إيران: من المتوقع أن تتبنى إدارة ترامب سياسة صارمة تجاه إيران وتطبق العقوبات المفروضة عليها بشكل أكثر صرامة، من أجل إقناعها بالتخلي عن سياستها في المواجهة. ومن المرجح أن يكون الهدف هو التوصل إلى اتفاق معها يركز على الموضوع النووي. إن التوقع بصياغة سياسة جديدة تجاه إيران في بداية مسيرة الإدارة الأمريكية يشكل فرصة لإسرائيل للتأثير على الخطوط العريضة، وخاصة أهداف السياسة الناشئة. وسيكون التحدي الرئيسي الذي يواجه إسرائيل هو أن يلبي مثل هذا الاتفاق، إذا تحقق، المطالب الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، هناك مخاوف من أن الولايات المتحدة سوف تقلص مع مرور الوقت تدخلها في المنطقة، خصوصاً إذا وصلت إلى استنتاج مفاده أنها غير قادرة على الترويج لحل إقليمي وتعبيراً عن النزعات الانفصالية. ومن بين العواقب المحتملة لتطور في هذا الاتجاه أن إسرائيل سوف تحصل بالفعل على الشرعية الأمريكية التي تسمح لها بحرية العمل على نطاق واسع لتعزيز التحركات لاستخدام القوة أو زيادة الجهود الرامية إلى تغيير النظام في إيران. ولكن الإدارة الأمريكية لن تكون على الأرجح مهتمة بالانجرار إلى الحرب (بشكل مباشر أو نتيجة لتحركات إسرائيل). من ناحية أخرى، هناك أيضاً احتمال أن تعمل إدارة ترامب على التوصل إلى اتفاق مع إيران لا يلبي توقعات إسرائيل بالكامل، وفي هذه الحالة فإنها ستمتنع عن إعطاء إسرائيل “الضوء الأخضر” للقيام بعمل عسكري ضد إيران.
ضغوط سياسية واقتصادية شديدة لإنهاء القتال في قطاع غزة: حتى قبل تنصيبه، عمل ترامب بقوة على التأثير على الأطراف للتوقيع على صفقة لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس. ومن المتوقع أن تتخذ إدارة ترامب إجراءات خلال الأسابيع المقبلة لضمان عدم انهيار الاتفاق. وستدعم الإدارة إسرائيل إذا انتهكت حماس الاتفاق، ولكن في رأيها، يجب أن يكون الاتفاق الذي تم التوصل إليه رافعة لإنهاء الحرب، مما يسمح بتقدم الرؤية الإقليمية، وعلى رأسها توسيع “اتفاقيات إبراهيم” بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
وفي كل الأحوال، قد تكون إسرائيل مطالبة بالسماح بإعادة الإعمار في قطاع غزة، وذلك أساساً لتسهيل مهمة الإدارة في الترويج لتحرك إقليمي لتخفيف التوترات، فضلاً عن الموافقة على تشغيل آليات الرقابة الدولية على مشروع إعادة الإعمار وهو الأمر الذي من غير المرجح أن تنظر إليه إسرائيل بشكل إيجابي.
توصيات
* يجب إجراء حوار سري مع الإدارة الجديدة لعرض احتياجات إسرائيل خلال إعادة تقييم الإدارة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وفي هذا الإطار، السعي إلى استغلال الفرص في جميع الأمور المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والتعاون التكنولوجي. ويجب علينا أيضاً أن نستعد لاحتمال أن تميل الإدارة إلى التركيز على الداخل، مع تقليل اهتمامها بالقضايا الخارجية.
* يجب الانتباه إلى الخطوط الحمراء التي وضعتها الإدارة الأمريكية تجاه إيران، وبذل الجهود للتأثير عليها من أجل تقليص احتمالات الاحتكاك بين إسرائيل وبينها في هذا السياق. ويتم ذلك من خلال الحوار المستمر، والذي يشمل أيضاً النظر الإسرائيلي في مكونات الاتفاق الذي ستسعى إدارة ترامب إلى الترويج له مع إيران. ومن المهم التأكيد للإدارة على أنه من أجل ضمان نجاح التحركات ضد إيران، لا بد من إضافة تهديد عسكري موثوق به إلى توسيع العقوبات وتعميق الجهود الرامية إلى فرضها. إن الجمع بين الضغوط الاقتصادية والتهديد العسكري الموثوق من شأنه أن يحسن احتمالات أن ترد إيران بشكل إيجابي لمطالب الإدارة، أو بدلاً من ذلك، السماح بالتحركات لتقويض النظام. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون من الممكن البحث مع الإدارة في إمكانية منح إسرائيل “الضوء الأخضر” للتحرك ضد إيران ولكن بدعم من الولايات المتحدة: “حرية التصرف” لإسرائيل تحمل معها أيضاً مخاطر، وخصوصاً إذا لم يتم الاتفاق مسبقاً على الرد الأمريكي بشأن احتمال التصعيد.
* لا بد من تعميق التعاون الأمني مع الولايات المتحدة: ويتعين على إسرائيل أن تؤكد على الحاجة إلى الدعم العسكري والدبلوماسي، مع الحفاظ على قدرة ونطاق العمل المستقل.
* في هذا السياق، لا بد من الاستعداد لتكوين مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة بشأن المساعدات لإسرائيل، ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات بشأنها في عام 2025. ومن المهم الاستفادة من الحوار المتوقع حول هذا الموضوع للسعي إلى تحقيق تقدم ملموس في هذا الصدد. لتشكيل عقد دفاعي مع الولايات المتحدة. إن التوصل إلى اتفاقات بشأن هذه القضايا في وقت واحد سوف يسمح لإسرائيل بتعزيز وضعها الأمني وقدرتها على الردع. إن استغلال النصف الأول من ولاية إدارة ترامب، حتى قبل انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني 2026، لصياغة الاتفاقيات من شأنه أن يجعل من الممكن ترسيخ العلاقة الأمنية بين البلدين بطريقة تجعل الرؤساء الأمريكيين في المستقبل يجدون صعوبة في تغيير علاقتهم مع إسرائيل، حتى لو اختلفوا مع سياستها.
* الحفاظ على “اتفاقيات إبراهيم” وتوسيعها: ينبغي استغلال الزخم والتطورات الأمريكية في المنطقة (وخصوصاً انهيار نظام الأسد وإضعاف إيران وحزب الله) لتوسيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول السنية البراغماتية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية.
* لا بد من اتخاذ إجراءات للحفاظ على دعم الحزبين لإسرائيل في الساحة العامة والسياسية الأمريكية. تعين على إسرائيل أن تحافظ على علاقات وثيقة مع قيادة الأقلية الديمقراطية في كلا المجلسين، وأن تتجنب الانجرار إلى خطوات من شأنها أن تفسر على أنها انحياز إلى الحزب الجمهوري في الجدل الدائر على الساحة الأمريكية الداخلية، والذي من المتوقع أن يشتد في الأشهر المقبلة. ويجب إعطاء أقصى قدر من الأهمية للحفاظ على العلاقات مع يهود الولايات المتحدة.
* يجب قيادة أنشطة التواصل الدولية من خلال حملات إعلامية تؤكد على التعقيد الأمني الذي تواجهه إسرائيل. وبشكل عام، لا بد من بذل جهد مكثف لتحسين صورة إسرائيل في الساحة العامة والسياسية الأمريكية.
* يتعين علينا أن نتصرف بشكل متوازن على الساحة الدولية: إلى جانب الاعتماد على إدارة ترامب، من المهم الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الأوروبية والآسيوية.
ولا بد من تعميق الشراكات مع الولايات المتحدة وترسيخها في مجموعة متنوعة من القضايا المتعلقة بالأمن القومي، وفي المقام الأول سلاسل التوريد، والتقنيات المبتكرة، والطاقة، والرقائق الإلكترونية. وقد يساعد تشكيل الكونغرس على مدى العامين المقبلين في تحقيق هذا الهدف.
معهد أبحاث الأمن القومي – الداد شبيط (باحث في معهد أبحاث الأمن القومي وضابط سابق في شعبة الاستخبارات العسكرية)