العلاقات الصينية الروسية.. التحديات تفرض المزيد من التعاون والشراكة
بقلم ابتسام الشامي
على وقع التحديات المشتركة، يرتفع منسوب التعاون الروسي الصيني، وتتعزز علاقات الدولتين المستهدفتين بالحصار ومنع تمدد التأثير..
ولئن شهدت العلاقات تطوراً غير مسبوق في تاريخها خلال الأعوام الماضية، فإن قوة الاستهداف الخارجي تجعلها بحاجة إلى المزيد من الارتقاء والشراكة الاستراتيجية.
العلاقات التجارية
شهدت العلاقات الروسية الصينية منذ مطلع القرن الجديد ارتقاءً متزايداً في التقارب والتعاون، فرضته التطورات الدولية المتسارعة لاسيما استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لفرض قيادتها الأحادية على العالم، بما يعني مصادرة أدوار الدول الأخرى أو محاصرة تأثيرها ونفوذها الدوليين. وانطلاقاً من رؤيتهما المشتركة لعالم متعدد الأقطاب، ونظام دولي قائم على التعاون والمشاركة، وجدت الدولتان مصلحتهما في المواجهة المشتركة لتحديات العزل والاقصاء، وتوفير البيئة السياسية لتحقيق التعددية القطبية.
مسار التعاون الذي انطلق مدفوعاً بمواجهة المشروع الأمريكي قفز منذ عام 2022 قفزة نوعية في مسار التقارب نحو بلوغ الشراكة الاستراتيجية. فالعقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية ضد روسيا على خلفية عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، دفعت موسكو إلى البحث عن أسواق جديدة لغازها الممنوع عن أوروبا بفعل العقوبات، وبأسعار تنافسية، أخذت بيكين الحصة الأكبر من الغاز الروسي، بما ساعد الروس على الصمود في مواجهة الحرب الاقتصادية الغربية وإفشال أهدافها. وبحسب آخر المعطيات والأرقام الرسمية حول حركة التبادلات التجارية بين الجانبين فإن إجمالي الصادرات والواردات الصينية مع روسيا بلغ حوالي 240 مليار يورو في 2024، أي بزيادة بنسبة حوالي 2%، بالمقارنة مع 235.3 مليار يورو في 2023. ولئن تنوعت التبادلات التجارية بين الجانبين، إلا أن أكثرها ازدهاراً كان قطاع الطاقة مع ازدياد حاجة الصين إليها بفعل تطور القطاع الصناعي لديها. وبمعزل عن الأزمة الأوكرانية وتداعياتها المرتبطة بتحول الصين إلى أكبر مستورد للطاقة الروسية، يجدر الالتفات إلى أن مسار التطوير في هذا المجال حصل ضمن رؤية استراتيجية لحظت حاجة الصين المتنامية للطاقة وقدرة روسيا على توفيرها لها، وفي هذا السياق جاءت خطة الرئيس الروسي عام 2012 لإنشاء خط “قوة سيبيريا -1″، الممتد من “ياقوتيا” الواقعة شرق سيبيريا، إلى المستهلكين في أقصى شرق روسيا ثم إلى الصين. وهو بهذا الامتداد على مسافة أكثر من 5000 كلم، يعتبر أكبر خط أنابيب لنقل الغاز، في حين أن السعة السنوية لهذا الخط، تقدر بحسب مجموعة الصين للإعلام بنحو 38 مليار متر مكعب تصل إلى الصين، أي قرابة 9% من استهلاكها السنوي من الغاز الطبيعي. علماً أن الخط الذي افتتح رسميا أواخر عام 2019، بدأت مرحلته التشغيلية مطلع شهر كانون الأول الماضي مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، بطاقته التشغيلية القصوى.
وإلى ما تقدم كانت شركة الغاز الوطنية الروسية “غازبروم” وشركة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، قد وقعتا عام 2014 اتفاقا بقيمة 400 مليار دولار، مقابل 1000 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، بعقد يمتد 30 عاماً، وهو أكبر عقد في تاريخ الشركة الروسية.

الرؤى السياسية المشتركة
العلاقات الروسية الصينية المتسارعة التنامي على المستوى الاقتصادي والتجاري، تتنامى سياسياً أيضاً، مدفوعة باعتبارات مواجهة التحديات المشتركة. وهو ما يحرص الجانبان على تظهيره في مختلف المناسبات والفاعليات. ولمناسبة العام الصيني الجديد “عام الأفعى”، أجرى الرئيس شي جين بينغ اجتماعاً عبر تقنية الفيديو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21 من الجاري، حيث استعرض الرئيسان التقدم المهم المحقق في العلاقات الصينية – الروسية العام الماضي، واتفقا على مواصلة الحفاظ على التواصل الاستراتيجي في العام الجديد. وخلال الاتصال شدد الرئيس الصيني على أن “العلاقات بين البلدين تنمو بقوة وإنه يأمل في أن تصل إلى مستويات عليا جديدة”. في حين اعتبر نظيره الروسي، أن “التعاون بين موسكو وبكين قائم على قواسم كبيرة مشتركة في المصالح الوطنية وتقارب وجهات النظر بشأن ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين القوى الكبرى”، مضيفا نحن “نبني علاقاتنا على أساس الصداقة والثقة المتبادلة والدعم والمساواة والمنفعة المتبادلة. وهذه العلاقات تتمتع بالاكتفاء الذاتي، ومستقلة عن العوامل السياسية الداخلية والوضع العالمي الحالي”. وجدد بوتين خلال الاتصال دعوته لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب وأكثر عدالة، لافتاً إلى أن “العلاقات في مجال السياسة الخارجية والعمل المشترك بين روسيا والصين يلعبان دورا موضوعيا مهما في استقرار الشؤون الدولية”.
اتصال الرئيسين الروسي والصيني، جاء في اليوم التالي لبدء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو ما اعتبر رسالة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، مفادها التعاون الاستراتيجي لمواجهة التحديات وحالة عدم اليقين في المرحلة القادمة ازاء خطوات الرئيس العائد إلى البيت الأبيض حاملاً سيف العقوبات الاقتصادية وأسلحة الحرب التجارية. وفي هذا السياق، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن إدارته تناقش فرض رسوم جمركية 10% على السلع المستوردة من الصين مطلع شباط المقبل، وعزا ترامب ذلك إلى أن “مادة الفنتانيل المخدرة تُرسل من هناك إلى المكسيك وكندا”. وأضاف الرئيس الأمريكي في حديثه لصحفيين في البيت الأبيض، أنه فرض بالفعل رسوماً جمركية كبيرة على بكين خلال ولايته الأولى.
وفي سياق متصل، هدد ترامب بفرض المزيد من العقوبات على روسيا بسبب حرب أوكرانيا ودعا الكرملين إلى إنهاء الصراع. وكتب ترامب عبر المنصة التي يملكها: “أوقفوا هذه الحرب السخيفة لن يزداد الأمر إلا سوءاً”. وأضاف: “إذا لم نتوصل لاتفاق، وقريباً، ليس لدي خيار آخر إلا فرض ضرائب ورسوم وعقوبات باهظة على أي شيء تبيعه روسيا إلى الولايات المتحدة ودول أخرى مشاركة”. ويأتي تهديد ترامب، بعد أيام من فرض الولايات المتحدة وبريطانيا عقوبات جديدة هي الأقسى على قطاع النفط الروسي، استهدفت حوالي 180 سفينة وعشرات التجار وشركتين نفطيتين كبيرتين وبعض كبار المسؤولين التنفيذيين.
خاتمة
إذا كانت الرؤى المشتركة، قد دفعت العلاقات الروسية الصينية إلى التقارب خلال السنوات الماضية، فإن تعاظم التحديات الخارجية يفرض المزيد من التعاون، والانتقال بها إلى الشراكة الاستراتيجية، في ظل العداء الأمريكي المتنامي المعبر عنه بمزيد من استراتيجيات الصدام والحروب الاقتصادية والتجارية.