نقطة الاختناق: منافسة البنية التحتية في منطقة آسيا وقوس المحيطين الهندي والهادئ (الجزء الثاني)
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
لسوء حظ الصين، المسارات الرائدة التي توصل لكل موانئها التي يعتمد عليها اقتصادها، تمر عبر نقاط الربط التي تسيطر عليها دول حليفة للولايات المتحدة. غرباً، نحو المحيط الهادئ، تمتد “السلسلة الأولى من الجزر” التي تمتد من اليابان عبر تايوان والفلبين إلى أستراليا.
وفي الجنوب، مضيق ملقا بين إندونيسيا وسنغافورة هو الممر الرئيسي إلى المحيط الهندي، حيث يأتي معظم النفط والغاز (من دول الخليج) حيث يتم إرسال معظم البضائع الصينية إلى الأسواق الأوروبية وتسمى نقطة الضعف هذه “معضلة ملقا” والحلول المقدمة لها من قبل الصين، ومن جهة أخرى من الدول المهددة، متنوعة.
أعلنت الصين، خلافاً للقانون الدولي، أن بحر الصين الجنوبي في حوزتها، ولتحصين ادعائها بدأت بناء قواعد بحرية على الشعاب المرجانية، وسط مضايقة وتهريب سفن الدول المطلة على البحر – فيتنام، الفلبين وماليزيا وبروناي وإندونيسيا. في نفس الوقت، استثمرت الصين في التعزيز العسكري وخاصة في القدرات البحرية و”قدرات منع الدخول “. التهديد المتزايد حفز اليابان لقيادة تحالف مضاد يعرف باسم منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة. مجموعة واسعة من الدول التي تحتضن آسيا من اليابان وكوريا الجنوبية من جهة، عبر دول جنوب شرق آسيا والهند ودول شرق أفريقيا. بهدف منع الصين من فرض حصار على طرق المرور تم انشاء تحالف بحري من القوى الأربع اليابان والولايات المتحدة والهند وأستراليا. تجري في إطاره تدريبات ومناورات بحرية مشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وإلى جانبها تحالف (أوكوس) للتعاون العسكري بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
وتنضم هذه إلى نسيج البنية التحتية العسكرية التي تنشرها الولايات المتحدة مع شركائها على طول سلسلة الجزر الأولى والثانية) سلسلة جزر أخرى متفرقة وبعيدة عن البر الرئيسي) والتي تتحكم في مخارج الصين إلى المحيط الهادئ.
وفي نفس الوقت الذي تجري فيه هذه العمليات، تعمل الصين على الترويج لمشروع البنية التحتية الضخمة “الحزام والطريق” – شبكة من المسارات الالتفافية عبر المناطق الداخلية من القارة الآسيوية باتجاه المحيط الهندي، إلى قلب آسيا، إلى الشرق الأوسط، إلى أوروبا وأفريقيا. الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب التي تبنيها الصين باستثمارات هائلة تربط لأول مرة الدول المتخلفة وعلى وجه الخصوص تلك التي ليس لديها موانئ بحرية بالاقتصاد الصيني، ومن بينها لاوس، نيبال وكازاخستان وباكستان وميانمار. ربط البنية التحتية المقام بين موردة الطاقة العملاقة روسيا ومستهلكة الطاقة العملاقة الصين يعمل على خلق تكامل إقليمي متزايد بين اقتصاديات القوى العظمى التي تتقاسم الفضاء الأورو/آسيوي. الطرق البرية في الصين تتصل في سلسلة الموانئ البحرية في المحيط الهندي والمناطق المحيطة بها المعروفة باسم “سلسلة اللؤلؤ”، والتي تسمح بنقل الطاقة والبضائع حول مضيق ملقا وكذلك إقامة بنى تحتية عسكرية حول المضائق المهددة.
تنفيذ مبادرة الحزام والطريق ابتداء من عام 2013 يكشف للقوى المتنافسة حجم التهديد في المنافسة على البنية التحتية مع الصين، وأعلنت هذه عن مشاريع منافسة تدريجياً. أطلق الاتحاد الأوروبي “البوابة العالمية” في عام 2021 والتي تهدف إلى استثمار 300 مليار يورو لمدة ست سنوات في البنية التحتية في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. ووسعت اليابان استثماراتها في شرق آسيا ومع الهند اعلنت عزمها على إنشاء “ممر النمو “الآسيوي الأفريقي. وتستثمر الهند أيضاً في القدرات البحرية لتعزيز سيطرتها على المحيط الهندي، وفي التحالفات العسكرية وفي بناء الموانئ ما يسمى بـ “سلسلة الالماس” في جميع أنحاء المحيط الهادئ بهدف مواجهة النفوذ الصيني. الولايات المتحدة الشريكة في العديد من هذه المبادرات، تعمل أيضاً على إنشاء “الممر الاقتصادي الهندي الشرق أوسطي الاوروبي ” الذي سيربط بين الهند واوروبا عبر الامارات العربية والسعودية والاردن وإسرائيل. وسيتم التوسع في هذا في الفصل التالي.
منافسة البنية التحتية في البحر الأحمر وما حوله
إذا كان مضيق ملقا هو البوابة الشرقية من وإلى المحيط الهندي، البوابة الغربية هي البحر الأحمر من مخرجيه في الجنوب مضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب وفي الشمال قناة السويس وشرق البحر الأبيض المتوسط.
على غرار مضيق ملقا، يمر عبره أيضاً حجم كبير من النقل العالمي، للمقارنة، يمر حوالي 30% من حجم النقل عبر ملقا والسويس نقطة الاختناق المرتبة بعده من حيث حجم النقل فهو حوالي 15%. من بين أمور أخرى، النفط والغاز والغذاء وغيرها من السلع، بالإضافة إلى جميع كابلات الاتصالات البحرية بين آسيا وأوروبا، ولهذا السبب تعتمد القوى إلى حد ما على بعضها البعض. التهديد الأمني على ما يمكن تسميته القوس الهندي الأوروبي الذي يمتد من الموانئ الأوروبية عبر البحر الأحمر والقرن الأفريقي إلى موانئ دول الخليج والهند والشرق آسيا، يرتدي ويخلع أشكالاً على مر السنين، بدءاً بإغلاق مضائق تيران في حرب الأيام الستة مروراً بإغلاق قناة السويس بعد حرب يوم الغفران وهجمات القراصنة في القرن الأفريقي، وصعود الحوثيين في اليمن عام 2014. حولتها أهميتها الكبيرة إلى ساحة للصراع البارد والمنافسة على البنية التحتية لقوى كثيرة يسعى كل منها إلى تثبيت سيطرة له فيها وأحياناً أيضاً كجزء من تحالفات أوسع. والفرعية أكثر. سيتم استعراض تصرفات القوى في المنافس أدناه على حدة لكل قوة أو مجموعة. ومن المهم أن نلاحظ، كما يتبين من النتائج أن المنافسة في هذا الفضاء معقدة ولا تتزامن بشكل مباشر مع المنافسة بين الكتل الموصوفة في الفصل السابق. بشكل خاص يبرز هنا أداء لاعبين اقليميين ممن يعملون في الفضاء بشكل مستقل نسبياً عن الكتلة التي تشملهم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، تركيا وإيران وأيضاً إسرائيل.
إيران
على الرغم من بعدها الجغرافي وحدودها الاقتصادية، إيران التي عرّفها الباحثون بأنها لاعب ثانوي في البحر الأحمر، تثبت الأحداث الأخيرة مدى أهميتها فيه إيران منذ عام 2011 تستثمر بكثافة في تمأسس طويل الأجل في القوس الهندو أوروبية، في إظهار للتواجد العسكري لأسطولها وفي تأسيس البنى التحتية البحرية وفي اختراق الأماكن غير المستقرة من وجهة نظر جيوسياسية. تتنوع الأسباب ولكن واحداً من الأسباب الرئيسية هو تركيز السيطرة على البحر الأحمر الذي يؤمن طرقها التجارية وتهدد خصومها. دعم إيران لفصيل المتمردين في اليمن، الحوثيين الذين أصبحوا مبعوثين لها، ساعد في تعزيز قدرة الأخيرة على ايجاد نقطة خنق في البحر الأحمر. ومن خلالهم تمكنت إيران من ضرب عصفورين بحجر واحد، ضرب إسرائيل وكذلك بلدان المعسكر السني (أساساً الإمارات والسعودية) اللتان تعتمدان على نقل النفط والغاز. بدعم وتوجيه ومساندة إيرانية بدأ الحوثيون مهاجمة أهداف سعودية التي خاضوا معها صراعاً وحشياً منذ حوالي عقد من الزمن.
في عام 2015، عندما سيطرت قوات الحوثي على الجزيرة اليمنية بريم، الواقعة في قلب مضيق باب المندب، انتشرت فيها قوات إيرانية وكانت أقوالهم شاهداً على غرضهم – وهو وجودهم هناك “سوف يستمر إلى الأبد”. ولكن تم احتلال الجزيرة بعد ذلك بوقت قصير من قبل الحكومة اليمنية وحلفائها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. لقد وصلت المواجهة بينهما إلى ذروتها في عملية الرمح الذهبي عام 2017. ولكن فقط بعد 7 ت1- 2023، حدث ارتفاع درجة في نوعية وحجم الهجمات على نقطة الاختناق عندما بدأ الحوثيون بمهاجمة السفن التي عرفوها على أنها إسرائيلية (على الرغم من أنها لم تكن كذلك). وعلى غرار اليمن، دعمت إيران وسلحت لفترة طويلة في السودان، من بين أمور أخرى، مع توقع إنشاء ميناء على شواطئه، وحتى عرضت حاملة طائرات هليكوبتر في المقابل. تم تجميد العلاقات مع إيران في العقد الماضي بسبب الضغوط الغربية والسعودية الاماراتية. ولكن في الآونة الأخيرة أعلن أحد الجنرالات الذين يطالبون بالسلطة في السودان عن دفء العلاقات مجدداً وعن صفقات أسلحة واسعة مع إيران.
وفي إريتريا المعزولة عن الغرب بسبب انتهاك حقوق الإنسان الذي تقوم به حكومتها، تستخدم إيران ميناء عصب منذ عام 2008 لرسو أسطولها للقيام بدوريات وحماية السفن الإيرانية في البحر الأحمر. وأعربت إيران عن طموحها بإنشاء قواعد عسكرية كذلك في دول جيبوتي والصومال، لكن حتى الآن هذا الطموح لم يتم تحقيقه. ومع ذلك، منذ هجمات الحوثيين اتجهت الحكومة الصومالية إلى تمتين علاقاتها مع الإيرانيين (التي انقطعت بسبب الضغوط السعودية الإماراتية) وصارت تصرح ضد إسرائيل.
المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة
أقلقت القبضة الإيرانية منافساتها الإقليمية المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للغاية، إلى جانب الخوف الاكبر من عدم الاستقرار لدى جيرانهم الضعفاء على حدودهم وعلى ممراتهم التجارية. ولهذا السبب زادت الرياض وأبو ظبي منذ سنوات من استثماراتهم في جميع دول المنطقة إلى حد ودائع مباشرة بمليارات الدولارات للحكومات وتوقيع اتفاقيات الدفاع، والتوسط في اتفاقيات السلام (على سبيل المثال بين إثيوبيا وإريتريا والسودان (ووضع طلب عملي من هذه الدول لتختار طيفاً وتبتعد عن إيران، وهذا بالفعل تم تحقيقه لفترة معينة (في عام 2016 قطعت الصومال والسودان علاقاتهما الدبلوماسية مع إيران. وبقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة تم تأسيس مجلس البحر الأحمر وخليج عدن الذي يربط بين دول المنطقة في تحالف دفاعي. سبب آخر لاهتمام السعودية الكبير بالمنطقة هو إنشاء وتوسيع البنية التحتية المدنية للموانئ على طول شواطئها الشرقية، في ميناء ينبع أو جدة أو المدينة المستقبلية نيوم.
تستثمر السعودية المليارات من الدولارات سنويا في البنية التحتية والصناعات في مصر. ونظراً لاعتماد مصر الاقتصادي عليها، فقد تنازل الرئيس المصري السيسي في عام 2016، لصالح المملكة العربية السعودية وعن السيادة على جزيرتي صنافر وتيران وهما مطلتان على المدخل إلى خليج إيلات. وأثارت هذه الخطوة معارضة قوية لدى الجمهور المصري، مما أدى إلى تأخير التنفيذ لسنوات. النقل الرسمي تم أخيراً في عام 2023 بعد ضغوط من الأمريكيين، الذين رأوا في ذلك خطوة مهمة لتعزيز التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
علاوة على ذلك، تحت تأثير الأميركيين تعمل السعودية على إنشاء طريق بري يتجاوز البحر الأحمر وتسمح أيضاً للقوات الأمريكية باستخدام موانئها على طول البحر الأحمر – المواضيع التي سيتم وصفها لاحقا.
تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة بتنسيق نسبي مع المملكة العربية السعودية وأيضاً بقدر كبير من الاستقلال، وربما تحصل على الريادة. وتضعان نصب اعينهم انشاء سلسلة موانئ وقواعد خاضعة لسيطرتهم، نسخة إماراتية من سلسلة اللؤلؤ وبجانبها سلسلة من القواعد العسكرية المرنة قاموا بإعدادها بسرعة على مواقع مختلفة والتخلي عنها عند تغير الحاجة.
تحظى مصر بالحد الأقصى من الاستثمار الإماراتي الذي يصل إلى مبالغ استثنائية، على سبيل المثال، في عام 2022 استثمروا 27 مليار دولار في البلاد؛ في نطاق واسع من البنى التحتية والقطاعات الاقتصادية الاخرى. تستحوذ دولة الإمارات العربية المتحدة على صناعات في العديد من القطاعات، تطوير أو تشغيل موانئ البحر الأحمر بمدن شرم الشيخ، والغردقة، وسفاجا، والسخنة، وعلى شاطئ البحر وتقوم بإنشاء مدينة ساحلية جديدة في رأس الحكمة) وهكذا. ويبدو أيضاً وجود قاعدة عسكرية (باستثمار 35 مليار دولار)
وتحتفظ أيضاً بقاعدة في جيبوتي ولفترة طويلة من الزمن شغلت الموانئ في البلاد، حتى ألغت الحكومة العقود بحجة أن الشركة الإماراتية لم تف في التزاماتها. في إرتيريا استأجرت دولة الإمارات العربية المتحدة جزر حنيش وميناء عصب (الذي هجرته مؤخراً، ومن الممكن أن تكون إيران قد بدأت بتسييره في الفراغ الذي خلفته كما أنشأت قواعد في جزيرتي بريم وسقطرى اليمنيتين وذلك في مداخل مضيق باب. إلى جانب تطوير وتشغيل ثلاثة موانئ في جنوب اليمن.
تشكل بلدان القرن الأفريقي محور اهتمام كبير للإمارات المتحدة التي استثمرت أكثر من 11 مليار دولار منذ بداية القرن الحادي والعشرين في مشاريع البنية التحتية المدنية الضخمة في هذه الدول.
للمقارنة، استثمرت السعودية فقط حوالي ثلث ذلك. في أرض الصوماليلاند، وهي مقاطعة متمردة في الصومال وعلى شواطئ خليج عدن، تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة ببناء موانئ ضخمة في مدينتي بوصاصو وباربرا باستثمارات مئات الملايين من الدولارات في كل واحدة منها واقامتها مهدت طريق إنشاء موانئ عسكرية قريبة تعتمد عليها. بواسطة إنشاء طريق جديد من ميناء بربارة إلى إثيوبيا، التي يفتقر سكانها البالغ عددهم 120 مليون نسمة اليوم إلى اتصال فعال بالبحر، تطمح الإمارات العربية المتحدة إلى منافسة الممر الصيني الذي سيربط إثيوبيا بميناء جيبوتي.
يضاف إلى ذلك أن الدافع الإماراتي السعودي لبسط السيطرة على البنية التحتية العسكرية في المنطقة ليس مجرد جزء من صراعهم مع إيران ولكن أيضاً جزء من صراعهم الموازي ضد المحور التركي القطري الذي يدعم حركة الإخوان المسلمين الذي يهددهم. الصراع الذي وصل إلى ذروته لعدة سنوات لكنه اعتدل منذ ذلك الحين. على سبيل المثال، في عام 2017 طالبت دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية الصومال بان تقطع علاقاتها مع قطر ولكنها رفضت.
دول أخرى في المنطقة، مثل جيبوتي، في الواقع تجاوبت مع هذا الطلب. ومن هنا فصاعدا حولت الإمارات دعمها من العاصمة موغاديشو إلى صوماليلاند. وبسبب التخلي، حظيت تركيا في أن تصبح الداعم العسكري الرئيسي للصومال. يجب الانتباه إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة أعلنت مؤخراً عن اقامة قاعدة جديدة في الصومال.
مع الحكومة الجديدة وقع السودان اتفاقاً ضخماً مع الإمارات العربية المتحدة في عام 2022 بأربعة مليارات دولار لبناء ميناء جديد شمال إلى بورت سودان. منذ اندلاع الحرب الاهلية في السودان اصبحت الإمارات العربية المتحدة داعما مركزيا لأحد الفصائل من أجل إعادة تحصين نفوذها في البلاد.
تركيا وقطر
تعطي تركيا أولوية استراتيجية عالية لبناء القوة البحرية. كما هو واضح في عقيدة “الوطن الأزرق” التي نشرتها في عام 2006. في وثيقة سياسية أخرى تم نشرها مؤخراً تسمى “القرن التركي” تم الإيضاح أنه على الرغم من الاهتمام الرئيسي يركز على البحار التي تحيط بها مباشرة (البحر الاسود والبحر المتوسط) فان المصالح التركية مغلفة كثيرا في تأمين حركة البضائع وموارد الطاقة من المحيط الهندي. وقد بدأت تركيا في تنفيذ هذا المفهوم وفي عام 2011 في الصومال حيث اختارت استثمار مئات الملايين من الدولارات في المشاريع الإنسانية، في جهود جوار السلام، وبعد ذلك تم إنشاء قاعدة عسكرية تركية في العاصمة مقديشو (الأكبر خارج حدود تركيا). وفي عام 2024، تم التوقيع على اتفاقيات جديدة وأوسع بين البلدين لتوريد الأسلحة والتدريب. بدأت تركيا بتطوير ميناء مقديشو وتشغيله منذ عام 2013. وفي الاتفاقيات الجديدة بين الدولتين يتضح أن تركيا وستكون قادرة على استخدام الميناء لتلبية احتياجاتها البحرية والذي سيتم استخدامه لإبراز القوة نحو البحر الأحمر والمحيط الهندي.
إلى جانب الصومال، تستثمر تركيا حالياً سبعة مليار دولار لإنشاء منطقة صناعية ولوجستية وبنية تحتية للقطارات في ميناء غارغوف بشمال مصر. وهذه الاستثمارات البالغة مئات الملايين من الدولارات آخذة في الازدياد في الآونة الأخيرة، وسط محاولتها تخفيف التوتر القائم بينها وبين مصر وفي نفس الوقت لتصبح “بوابة أفريقيا” لتركيا.
وفي السودان، قادت تركيا في عام 2017 دورة استثمارية موسعة في الصناعات والزراعة والبنية التحتية للمياه، وإنشاء مطار، وقبل كل شيء، استئجار ميناء سواكين، قلعة عثمانية قديمة لتبني فيها ميناءا مدنيا وعسكريا. وفي الوقت نفسه، أعلنت شريكة تركيا، قطر عن استثمار أربعة مليارات دولار في إنشاء الميناء في هذا الموقع، إلى جانب الاستثمارات الضخمة في الطرق في السودان، وفي إريتريا والصومال. ومع الانقلاب في السودان عام 2019، تم تعليق العقد من بين ذلك بسبب الضغوط السعودية والإماراتية. الآن تركيا تدعم أحد الفصائل المقاتلة في السودان على أمل اعادة تأسيس تجديد قبضتها على البلاد.
روسيا
لدى روسيا أيضاً مصلحة متزايدة في توسيع نفوذها على طول الطيف الهندو أوروبي. تسلسل المعاقل الروسية تبدأ من ميناء طرطوس الساحلي السوري شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي حصلوا عليه بفضل تدخلهم العسكري في الحرب الأهلية حيث نجا بشار الأسد من الانقلاب بجلده. ويستمر التسلسل في مصر، التي على الرغم من احتجاج الولايات المتحدة تشدد وتعيد التعاون مع روسيا لأكثر من عقد من الزمن بالعمل العسكري، وفي صفقات الأسلحة الكبيرة، وفي التصريح لاستعمال الجيش الروسي للقواعد والموانئ المصرية. وكذلك في بناء روسيا لمحطة للطاقة النووية، على أساس استثمار 20 مليار دولار في مدينة ديبع في شمال شرق مصر. وهكذا تساعد روسيا مصر في تحديث وتعزيز قوتها العسكرية بطريقة غير عادية وبناء قوة بحرية قوية بشكل خاص مرتكزة على الموانئ العسكرية في بيرنيس على البحر الأحمر، في بور سعيد في قناة السويس وغرغوف في البحر الأبيض المتوسط. وربما تعتزم روسيا مساعدة مصر في حربها ضد الإرهاب الإسلامي في سيناء وبالتالي الحصول على موطئ قدم كامل في المنطقة مثل النموذج الذي عملت به في سوريا. وإلى الجنوب من هناك تقيم القوة الروسية الترتيبات أيضاً للحصول على تصاريح الرسو في الموانئ في جميع أنحاء المحيط الهندي، وبشكل بارز تجري في بحر العرب تمارين بحرية مشتركة مع الصين وإيران.
وفي السودان تسعى روسيا إلى إنشاء قاعدة مستقلة في مدينة بورت سودان وبدأت بالفعل في عقد اتفاق مع الحكومة، ما ادى إلى تهديد واضح من الولايات المتحدة تجاه الحكومة السودانية وسبب مماطلة الحكومة). حتى وقت قريب، على خلفية الحرب الأهلية في البلاد، أكد أحد الجنرالات المطالبين بالسلطة في السودان حصول صفقة مع روسيا لإنشاء ميناء لوجستي وعسكري في ميناء بورت سودان. في الوقت نفسه هناك دلائل على أن إريتريا ستسمح أيضاً أن تنشئ روسيا قاعدة في مدينة ماساوا الساحلية.
الهند
للهند أيضاً مصلحة كبيرة في تسليط الضوء على قوتها في البحر وأخيرا، وخاصة كجزء من استراتيجية “عقد الالماس “والتي تهدف إلى منافسة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة من خلال سلسلة من الموانئ تحت سيطرتها. بعد فترة طويلة، ركزت الهند على بناء البنية التحتية في شرق المحيط الهندي باتجاه مضيق ملقا وذكرت أنها تعيد التركيز على المحيط الغربي، البحر العربي وخليج عدن. ولهذا الغرض، تستثمر الهند الكثير من رأس المال في إنشاء ميناء تشابهار في إيران. وإنشاء قواعد بحرية في جزر سيشيل وجزر المالديف وجزيرة مينيكوي – كلها تحيط ببحر العرب وتمكن من نشاط البحرية الهندية في مجال البحر الاحمر. خصصت عمان مجمعاً لوجستيا للبحرية الهندية في مجمع ميناء دوكام. وتدرس الهند المزيد من الاستثمارات المكثفة في تطوير هذا الميناء وموانئ وصناعات أكثر في الدولة التي تعتبر ذات أهمية استراتيجية خاص لها في المنطقة. مع الهجمات الحوثية في حرب السيوف الحديدية زادت البحرية الهندية تواجدها ونشاطها عند مدخل المضيق إلى مستوى لم يسبق له مثيل. لقد حدث ذلك في الماضي، حتى لو كانت تتجنب المشاركة الرسمية في التحالف الغربي ضدهم.
الصين
تم تعريف أزمة الحوثيين في البحر الأحمر من قبل معلقين مختلفين كنقطة تحول مهمة في تراجع الهيمنة الأمريكية أمام الصين على الرغم من الخسائر الاقتصادية للصين من التضرر في التجارة البحرية، على الرغم من أن الولايات المتحدة تتوسل لها للمشاركة في العملية العسكرية وأيضاً للضغط على إيران التي تمنح الصين الرعاية بعدة طرق لإيقاف وكلائها الحوثيين. تتجنب الصين العمل إلا في العمليات التي تقتصر على المرافقة العسكرية لسفنها. حتى أن الحوثيين أعلنوا أنهم لن يضروا في السفن الصينية أو الروسية. رغم اصابة سفينة صينية شخصت بالخطأ. يزعم المحلل ناثان ليفين سواء أن الصين مارست ضغوطاً على إيران تؤدي إلى وقف الهجمات او ما إذا كان التهديد سيستمر أم لا فإن الإبحار تحت رعاية الصين سيظل يعتبر أكثر أماناً، والصين ستستفيد لأنه سيتم تصويرها لأول مرة على أنها قوة تضمن حرية ملاحتها في البحار. ومن خلال القيام بذلك، فإنها ستأخذ من الولايات المتحدة هذا الدور التاريخي الذي يشكل ركيزة مهمة في تأسيس هيمنتها. وتنظر الصين إلى منطقة البحر الأحمر على أنها امتداد استراتيجي مباشر لمبادرة الحزام والطريق، وربط الغرب وأفريقيا بها. في العقد الماضي، كانت الصين في فترات أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي في أفريقيا، على الرغم من أنه انخفض مؤخراً مرة أخرى وهي في فجوة كبيرة بعد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والإمارات وأيضا الهند. وفي منطقة البحر الأحمر، لم تتجاوز الصين بعد الاستثمارات القادمة من المصادر الغربية، وعلى وجه الخصوص مقارنة بدولة الإمارات العربية المتحدة. وعلى ما يبدو تركز على مشاريع أكثر استراتيجية لمرة واحدة منه على المنافسة على الاستثمارات العامة
الصين لديها قاعدة بحرية في جيبوتي إلى جانب قواعد الدول الأخرى. وهي أول قاعدة يتم إنشاؤها حتى الآن خارج أراضيها، وتقوم بتوسيعها كنقطة مركزية للسيطرة على البحر الأحمر وباتجاه المحيط الهندي. وتذهب الصين إلى حد بعيد في الاستثمار في الموانئ والبنى التحتية الأخرى في دول المنطقة وإقامة تحالفات معها، ما أثار استياء الولايات المتحدة من عشرات الدول في العالم التي تستثمر فيها الصين كجزء من مبادرة الحزام والطريق، من عشرات الدول في العالم التي تستثمر فيها الصين كجزء من مبادرة الحزام والطريق، أصبحت المملكة العربية السعودية رائدة في الآونة الأخيرة من حيث الاستثمارات وفي تشييد البنية التحتية – حوالي 5.6 مليار دولار في عام 2023 وحده.
استثمارات إضافية تنفذ بواسطة الصين في الإمارات العربية المتحدة، في عمان، في الصومال، في السودان واستثمار 12 مليار دولار في توسعة رصيف في ميناء جيبوتي وفي تشغيله وارتباطه بخطوط أنابيب النفط إلى إثيوبيا المجاورة، بهدف قيادة تحولها إلى “سنغافورة” القرن الأفريقي” (الصين استغلت الفرصة للإمساك بموانئ جيبوتي بعد طرد الإمارات العربية المتحدة من تشغيلها في عام 2022.
وتحافظ الصين على وجود روتيني لقواتها البحرية في جميع موانئ البحر الأحمر وتشارك في العمليات المشتركة ضد القراصنة في خليج عدن وتعمل على ترسيخ نفسها كمورد متزايد للأسلحة للكثير من دول المنطقة. وهي تعمل أيضا لوضع نفسها كوسيط بين الأعداء في مبادرة التنمية والسلام في القرن الأفريقي ” الذي أعلنت عنها عام 2022. وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، مثلا بين السعودية وإيران أو بين الفصائل الفلسطينية. وفي مصر، أصبحت الصين مستثمراً رئيسياً في المشاريع الصناعية واللوجستية التي تدعم توسيع قناة السويس وأيضاً في ميناء العين السخنة إلى الجنوب منها في بور سعيد وفي ميناء الإسكندرية. وفي الأردن، حيث ترى الصين “بوابة إلى بلاد الشام” لمبادرة الحزام والطريق، وقد التزمت الصين باستثمار سبعة مليارات دولار في الصناعة ومراكز التسوق ومحطات الطاقة الكبيرة التي تعمل بالفحم) والذي تم تعريفه على أنه أكبر استثمار صيني خاص خارج الصين، وفي السكك الحديدية، في خط أنابيب النفط الجديد للعراق، وفي جامعة صينية وغيرها. واخيراً أصبحت الصين لاعباً مهماً في مجال البنية التحتية في إسرائيل أيضاً، وهي بالفعل أنشأت الميناء الجنوبي في أشدود وتعمل بموجب امتياز في ميناء الخليج في حيفا. وقد أثار هذا تحذيرات من المسؤولين في الولايات المتحدة، الذين كانوا يخشون أن يشكل موطئ القدم الصيني تهديدا للاستخدام المستقبلي للميناء من قبل الأمريكيين، تزايد القلق بشأن مشاركة الصين في الاستثمارات في البنية التحتية والصناعات الموازية في إسرائيل قاد في عام 2019 إلى إنشاء آلية رقابية على الاستثمارات الأجنبية.
استمرار التدهور في العلاقات مع الصين يقود الجهات الرئيسية في إسرائيل لتحديد الدول الأخرى التي يمكن أن تتنافس على تنفيذ مناقصات بنية تحتية كبيرة “من منطلق الرغبة في تخفيف الاعتماد على الصين وذلك في ظل موقفها العدائي تجاه إسرائيل.