دوليات

اليمن يربك حسابات العدو.. لا يمكن ردع أنصار الله

بقلم ابتسام الشامي

صواريخ اليمن الفرط صوتية في استهدافاتها النوعية وارتفاع وتيرتها، لا تهز الأمن الإسرائيلي وتبقي مستوطني قلب الكيان في الملاجئ فحسب وانما تربك الحسابات الإسرائيلية وتقوض رواية النصر والحسم.

مراحل إسناد غزة

منذ بداية الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى النوعية، لم يتأخر اليمن، قيادة وشعباً في تلبية نداء استغاثة أهل القطاع ومحاولة الذود عنهم والعمل على دفع العدو لوقف عدوانه. ومنذ التاسع عشر من تشرين الأول 2023 بدأت الترجمة العملية الأولى لقرار الإسناد باستهداف السفن المرتبطة بالكيان المؤقت، لتدخل القوات البحرية اليمنية بعد ذلك السفن الأمريكية والبريطانية ضمن بنك الأهداف، في أعقاب قيام الجيش الأمريكي ومعه حليفه البريطاني بتنفيذ سلسلة من الاعتداءات ضد اليمن بهدف دفعه لفك حصاره البحري عن الكيان المؤقت. ومن رحم الإسناد والرد على العدوان الأمريكي ولدت المرحلة الثالثة من التصعيد اليمني انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني، مع إعلان حركة أنصار الله، في آذار الماضي، بدء استهداف سفن العدو في المحيط الهندي. تبعتها المرحلة الرابعة بعد نحو شهرين من خلال توسيع منطقة عملية الاستهداف لتشمل البحر الأبيض المتوسط واستهداف السفن التي سبق لشركاتها الوصول إلى موانئ فلسطين المحتلة. أما في شهر حزيران الماضي فقد أعلنت صنعاء تدشين المرحلة الخامسة من عمليات الفتح الموعود باستهداف مدينة تل أبيب بطائرة مسيرة في التاسع عشر منه، ومن ثم استهدفتها بصاروخ فرط صوتي في منتصف شهر أيلول، نجح في اختراق كل المنظومات الدفاعية الإسرائيلية، لتتوالى بعد ذلك صواريخ اليمن النوعية في الوصول إلى أهدافها في قلب فلسطين المحتلة وتتحول تل أبيب إلى مدينة “غير آمنة” يتدافع سكانها إلى الملاجئ كلما دوت صفارات الإنذار إيذانا بوصول صاروخ جديد.

فشل المنظومات الدفاعية الإسرائيلية في التعامل مع الصواريخ اليمنية، بالتوازي مع فشل العدو الإسرائيلي وحلف “حارس الازدهار” بقيادة الولايات المتحدة في ردع اليمن عن الاستمرار في نصرة غزة وإسنادها، بات يشكل مأزقاً حقيقياً لقوى العدوان، لاسيما وأن الاعتداءات التي يتعرض لها اليمن وتطال أهدافاً حيوية ومدنية، لا تزيد اليمنيين إلا إصراراً على استكمال المواجهة مع العدو حتى تحقيق أهدافها، واللافت في المشهد اليمني، أن قرار المواجهة الذي اتخذته صنعاء، يستند إلى قاعدة تأييد شعبية صلبة، تستمر في التعبير عن نفسها بزخم متصاعد، في المسيرات المليونية الأسبوعية التي تخرج في العاصمة ومختلف المحافظات اليمنية نصرة للشعب الفلسطيني المظلوم وتأييداً لقرار إسناده عسكرياً.

تل أبيب محبطة: لا يمكن ردع أنصار الله

وحيال جبهة اليمن وعلى الرغم من محاولة العدو الظهور بمظهر القادر على التعامل مع تحدياتها من خلال تكثيف الاعتداءات والتهديد بمزيد من التصعيد، تبدي الأوساط الأمنية الإسرائيلية شكوكها إزاء فرص النجاح في إيقاف جبهة الإسناد هذه، فضلاً عن محاولة احتواء تداعياتها. وفي هذا السياق تلفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إلى أن “إخفاقات الاعتراض المسجلة خلال الأسبوع الأخير تكشف ثغرة خطيرة في طبقات الدفاع الجوي الإسرائيلي المختلفة”. وإلى فشل التصدي يتحدث معلق الشؤون العسكرية في الصحيفة رون بن يشاي عن فشل الردع أيضاً ويقول “يمكن التقدير الآن بأن العملية التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي لن تردع الحوثيين اليمنيين ولم تلحق ضرراً بقدراتهم ولا بنواياهم”. مضيفاً “من الضروري الاعتراف بحقيقة أن اليمنيين ليسوا عشيرة بدائية بل جيش حقيقي مجهز بأفضل الأسلحة في مجال الطائرات من دون طيار والصـواريخ الباليستية، وأن الحرب ضدّهم لا يمكن أن تقتصر فحسب على الاعتراضات والدفاع” لأن “إلحاق الأضرار اللازمة بالقدرات العسكرية يحتاج إلى معلومات استخباراتية ويجب التغلب على مشكلة المسافة”. والمشكلة الاستخباراتية ليست من نصيب إسرائيل وحدها بحسب بن يشاي “فعلى ما يبدو أن القيادة المركزية الأمريكية ليس لديها ما يكفي من المعلومات الاستخبارية أيضاً”.

بدورها ركزت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” على ما وصفتها بالتحديات الكبيرة التي تواجه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بسبب هجمات أنصار الله، وقالت إن إسرائيل لا تمتلك أدوات كثيرة للتعامل مع هذه الجبهة. وإذ استغربت الصحيفة تهديد وزير الأمن يسرائيل كاتس “بقطع رؤوس قادة الجماعة” أكدت أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية “لم تمهد الأرضية لتنفيذ هذا التهديد في وقت لا تبدو فيه الجماعة قد ارتدعت بعد الضربات التي تلقتها حتى الآن”.

الإعلام الغربي: الحوثيون تحولوا إلى فاعل دولي

فشل ردع “الحوثيين” تناوله أيضاً الإعلام العالمي، إذ أكدت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها أن جماعة أنصار الله يواصلون تعطيل طرق التجارة في البحر الأحمر، غير مبالين بمئات الضربات التي نفذتها أمريكا وحلفاؤها. ونقلت الصحيفة عن الخبير الإسرائيلي يوئيل غوزانسكي من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، قوله إن “الحوثيين ليس لديهم الكثير ليخسروه ولا يمكن ردعهم”، موضحاً أنهم “لن يتوقفوا حتى تنهي إسرائيل حربها في غزة”.

بدورها نشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية تقريراً تحدثت فيه عن التحول الذي شهدته من أسمتها جماعة الحوثي في اليمن من حركة ثورية إلى فاعل دولي يمتلك تأثيراً كبيراً في الوضع في اليمن والمنطقة بأسرها. وقالت الصحيفة، “على خلفية دعم الفلسطينيين في غزة، تحول الحوثيون من حركة ثورية في معقلهم الجبلي شمالي اليمن قبل عشرين سنة، إلى رأس حربة المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة بفعل هجماتهم المتكررة التي تهدد حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر”. وعلى الرغم من الهجمات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية التي طالت عدداً من المواقع والأهداف في اليمن، إلا أن الصحيفة تنقل عن خبراء اعتقادهم بأن هذه الردود “لن تؤثر في الحوثيين وإنما زادت من شهرتهم، وهم تعهدوا بوقف عملياتهم البحرية فحسب عندما يوقف الجيش الإسرائيلي قصفه لغزة”.

خاتمة

يتصاعد تأثير جبهة اليمن في كيان العدو ويرتفع مستوى خطورتها على الأمن الإسرائيلي، ولئن هدد العدو بتدفيع أنصار الله ثمن نصرتها الشعب الفلسطيني المظلوم فإن ذلك لن يردع الحركة عن مواصلة ما بدأته، وقد خرجت عملياتها في ضوء التطورات والاعتداءات الإسرائيلية، عن مجرد كونها إسناداً لغزة لتكون دفاعاً عن اليمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *