روسيا وإيران نحو أفق جديد من التعاون.. الشراكة الاستراتيجية في مواجهة التحديات
بقلم ابتسام الشامي
بتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، تنتقل العلاقات الإيرانية الروسية إلى أفق جديد من التعاون والتكامل لمواجهة التحديات المشتركة، وتحقيق مصالح البلدين، في مختلف المجالات بما فيها الامنية والعسكرية.
الاتفاقية ومجالات التعاون
في أول زيارة له إلى روسيا منذ انتخابه رئيساً للجمهورية الاسلامية الإيرانية في تموز الماضي، يوقع الرئيس مسعود بزشكيان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الدولة المضيفة، لتدخل العلاقات الثنائية بين البلدين مرحلة جديدة من الشراكة، مدفوعة بحاجة كليهما إلى الآخر، للتعاون الاقتصادي وفي مجالات أخرى مختلفة يتقدمها التعاون الأمني والعسكري، لمواجهة تحديات خارجية مشتركة من حيث المصدر والاستهداف.
العلاقات الثنائية بين طهران وموسكو، شهدت على مدى العقود الماضية تجاذبات عدة، تقاربت أحياناً وتباعدت أخرى، لكنها منذ عام 2001 انتظمت ضمن معاهدة شراكة مدتها عشرون عاماً قابلة للتجديد التلقائي كل خمس سنوات ما لم يطلب أحد طرفيها أو يتفق كلاهما على التعديل أو الإلغاء، وبحلول عام 2017 وضعت المعاهدة على طاولة إعادة التحديث والتجديد، لينبثق عنها بعد التمديد الأخير لها عام 2020، اتفاقية جديدة ترتقي بعلاقات البلدين إلى الشراكة الاستراتيجية.
الاتفاقية التي بقيت بنودها قيد السرية، تضم مقدمة وسبعة وأربعين بنداً، تشمل مجالات مختلفة من التعاون الثنائي في الاقتصاد، والتجارة، والطاقة، والنقل، والبيئة، والقضايا الدفاعية والأمنية، إضافة إلى قطاعات الصناعة، والتكنولوجيا، والاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء المفاعلات النووية. ووفقاً لسفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في روسيا كاظم جلالي، فإن وثيقة التعاون تولي اهتماماً كبيراً لتحقيق التوازن، والحفاظ على الاستقلال، واحترام السيادة الوطنية للدول. مؤكداً أن “التطورات الكبيرة في العلاقات الثنائية خلال العقود الأخيرة دعت قادة البلدين إلى تحديث الاتفاقية لتغطية التحديات الحالية”. وبشأن تفاصيل المعاهدة أكد السفير الإيراني أنها “تشمل جميع جوانب العلاقات الثنائية، بما في ذلك العلاقات السياسية، وكيفية صياغة وجهات النظر والتحركات في هيكل القوة، وكيفية العمل في المحافل الدولية. كما تمتد إلى المجالات الاقتصادية، مثل التعاون الإقليمي، وتنفيذ المشاريع، والتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف”. وأضاف “نظراً لامتلاك إيران وروسيا موارد طاقة، فإنه جرى التخطيط أيضاً للتعاون بين البلدين في مجالات التجارة الدولية والطاقة”. وكذلك “يشمل التعاون مجالات الطاقة النووية السلمية، القضايا الدفاعية والعسكرية، مكافحة الإرهاب، القضايا البيئية وبحر قزوين، مكافحة غسيل الأموال والجرائم المنظمة، كجزء من بنود هذه الاتفاقية”. مشيراً إلى أن “الاستقلال، الاعتماد على الذات، وأمن البلاد أمور بالغة الأهمية بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقد أنفقنا 45 عامًا من التضحيات لتحقيقها.”
التوقيت السياسي لتوقيع المعاهدة
إذا كان الجدول الزمني للاتفاقية يلزم البت بها لاستمرارية مفاعيلها، إلا أن التوقيع عليها معدلة في هذا التوقيت ينطوي على الكثير من الأبعاد بالنظر إلى التطورات الأخيرة على مستوى المنطقة والعالم، وما يرتبط منها على مستوى التداعيات والتأثير بالنسبة لكلا البلدين. وفي هذا السياق يأتي التوقيع على مسافة أيام قليلة من دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب البيت الابيض مجدداً، وهو الذي كان قد غادره قبل أربع سنوات، منسحباً من الاتفاق النووي الدولي مع إيران وفارضاً عليها أقصى أنواع الضغوط الاقتصادية، من دون أن ننسى جريمة اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الاسلامي الحاج قاسم سليماني، وقائد الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس، وهي الجريمة التي وضعت واشنطن وطهران على حافة الاشتباك المباشر. وإذا كان التقدير بأن وصول ترامب مجدداً إلى البيت الأبيض يعني استعادة السياسية السابقة ضد الجمهورية الإسلامية بما فيها من ضغوط و”عقوبات” اقتصادية، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة وعلى الرغم من وعودها بإنهاء الحرب في أوكرانيا، قد لا تكون قابلة للتطبيق، بفعل ما طرأ على هذه الحرب من تحولات في موازين القوى مضافاً إليها مستوى انخراط اللاعبين الدوليين بشكل مباشر فيها، علماً أن الإدارة الأمريكية المغادرة، لطالما اتهمت إيران بدعم روسيا عسكرياً في الحرب المندلعة منذ ثلاث سنوات. وبالتالي فإن توقيع الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران على مسافة من تبدل الإدارة الأمريكية، يدفع الكثير من المراقبين إلى وضعه في إطار الرسائل للإدارة الجديدة بالمواجهة المشتركة لتحديات قد تفرض عليهما.
وإلى ما تقدم فإن التوقيع على الاتفاقية، جاء أيضاً على مسافة زمنية قصيرة من التحول السياسي الكبير في دمشق، العاصمة التي حال التعاون العسكري بين الشريكين دون سقوطها قبل أعوام في يد التنظيمات التكفيرية وما كانت تمثله من امتداد للمشروع الأمريكي لمنطقة غرب آسيا، والمتمثل في قطع خطوط تواصل محور المقاومة، وإبعاد روسيا عن المنطقة ضمن سياسية عزلها، ومنع تأثيرها الدولي. وبالتالي فإن “الخسارة” المشتركة في سوريا، من شأنها أيضاً الدفع نحو التعاون وتوثيق الشراكة لمواجهة تداعيات هذه الخسارة على المستوى الاستراتيجي.
انعكاس طبيعي لتطور علاقة البلدين
وبعيداً عن القراءة السياسية لهذه الاتفاقية وما تحمله من أبعاد ربطاً بالتطورات الدولية والإقليمية، يحرص طرفاها على وضعها في إطار التطور الطبيعي لعلاقات البلدين المنسجمين من حيث الرؤية للنظام العالمي الجديد، وهو ما أكده، وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي، في مقالة نشرتها وكالة “ريا نوفوستي”، معتبراً أنها خطوة نحو عالم أكثر عدلا وتوازنا”. مضيفا أن “إيران وروسيا تبنيان نظاماً جديداً إذ تدركان مسؤوليتهما التاريخية”. لكن الأهم في ما كتبه عراقجي بالنسبة إلى أهداف الاتفاقية أنها “ترمي إلى استبدال هيمنة الغرب بالتعاون”.
بدوره أكد الكرملين أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران، “تعكس ارتقاء العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد وتضع إطاراً قانونياً لمزيد من التطوير في جميع المجالات على المدى الطويل”.
وجاء في بيان الكرملين، أن “من المتوقع أن تتناول المحادثات الرفيعة المستوى المقبلة القضايا الرئيسية ذات الاهتمام المشترك والمطروحة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وتشمل هذه القضايا تطورات الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا ومنطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما وراء القوقاز والوضع المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وغيرها من الأمور”. وأكد الكرملين أن الاتفاق يلبي تطلعات موسكو وطهران وليس موجها ضد مصالح الدول الأخرى.
خاتمة
لا تذهب اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران إلى توسيع علاقات قائمة بين بلدين تجمعهما رؤى مشتركة، وإنما ترتقي بها إلى مستوى جديد، من شأنه أن يسمح لهما مواجهة التحديات المشتركة في مختلف المجالات مع تطور الأوضاع الاقليمية والدولية.