إقليميات

الكيان الصهيوني.. احتلال جنوب سوريا والتطبيع مع دمشق

بقلم توفيق المديني

و”نطالب مستغلّاً عنوان طائفة الموحدين الدروز الذين يمتدون في المنطقة الجنوبية، لدقِّ الأسافين بين الشعب السوري الواحد بسياسة فَرَّقْ تَسُدْ، مصوّراً نفسه “مُخَلِّصاً” لهم؛ حيث ادعى أنَّه لن نسمح بـ “تهديد الدروز في جنوب سوريا”.

ومن اللافت، أنَّ الكيان الصهيوني طيلة 77 عاماً، يمارس سياسة تمييز عنصري ضد اليهود الشرقيين وبضمنهم الأكراد، ويمارس سياسة تمييز أبشع ضد مواطنيه الدروز. ومع أنَّه فرض على شبان الطائفة “المعروفية” الخدمة العسكرية، سنَّ قانون القومية الذي يمنح اليهود تفوقاً عرقياً على كل من هو غير يهودي. ولذلك؛ فإنَّ أحداً لا يصدق أنَّهُ يحمي مصالح الأكراد والدروز في سوريا.

وردّاً على تصريحات نتنياهو، شهدت محافظات جنوب سوريا مظاهرات عارمة رَفْضاً لدعواتِ التقسيم أو الانفصال، وتأكيداً على رفض مساعي الاحتلال الصهيوني فرض نفوذه في المنطقة السورية. ورفع المشاركون لافتاتٍ، كُتِبَ بعضها بالعبرية، مثل لا للفيدرالية، إضافة إلى رفضهم توغلات الاحتلال، وأخرى تطالب بالانسحاب من الجولان السوري المحتل.

نتنياهو يوسع حدود “إسرائيل” في جنوب سوريا

شنَّ الكيان الصهيوني عدواناً جديداً على جنوب سوريا، عبر قيام جيش الاحتلال الصهيوني بغاراتٍ جويةٍ ضدَّ مناطق على الأراضي السورية، استهدفت محيط منطقة الكسوة جنوبي العاصمة دمشق. وبحسب المرصد السوري، فإنَّ هذه الغارات ترفع عَدَدُ الاسْتِهْدَافَاتِ الصهيونيةِ للأراضي السورية منذ مطلع عام 2025 إلى 15 عملية، 13 منها جوِّيَة واثنتين بَرِّيَتَيْنِ، ما أسفر عن تدمير 17 هدفاً.

وشملت الأهداف مستودعات أسلحة وذخائر ومقرات عسكرية وآليات. وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل ستة أشخاص، بينهم اثنين من العسكريين، واثنين مجهولي الهوية، بالإضافة إلى إصابة شخص آخر بجروح. ووفقاً للمرصد، نفذ الكيان الصهيوني نحو 501 غارة جوية على مواقع عسكرية سورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024 وحتى نهاية العام، مما أدَّى إلى تدمير الترسانة العسكرية السورية بالكامل.

 وتزامن هذا العدوان الجوي مع توغلٍ برِّيٍّ على عدَّة محاور في القنيطرة ودرعا، في جنوب سوريا، حيث توغَّلتْ في وقت متأخر من ليل الثلاثاء – الأربعاء(25و26فبراير /شباط الجاري)، نحو 80 عربة عسكرية صهيونية في المناطق المذكورة، وانقسمت إلى مجموعتين: 40 عربة توجهت إلى عين الزبدة وغدير البستان، وانسحبت بعد ساعتين تاركةً سيارتين وحوالي 20 عنصراً صهيونياً قرب غدير البستان، بينما توغلت العربات المتبقية شرقاً باتجاه بلدة عين ذكر، وتمركز عدد من قواتها قرب مفرق البكار وسرية علوش، فيما استقرت قوات قوامها ثلاث دبابات وخمس سيارات وأكثر من 50 عنصراً مصحوبة بدبابات وطائرات مسيّرة غربي قرية تسيل في ثكنة عسكرية، ثم جرى الانسحاب بعد إتمام المهمة.

وبعد ساعات من العدوان الصهيوني الجديد على عدد من المواقع جنوب سوريا، سارع وزير الأمن الصهيوني، يسرائيل كاتس، إلى التأكيد أنّ سلاح الجو قصف بقوّة جنوب سوريا، على أنَّه جزءٌ ممَّا أسماها “السياسة الجديدة المحددة لنزع سلاح جنوب سوريا”. وفي استفزازٍ واضحٍ للشعب السوري الذي خرج في عددٍ من المدن الجنوبيّة بتظاهرات ضد الاحتلال وتصريحات رئيس حكومته نتنياهو، وباعتبارها جزءاً من تحدِّي الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، وإدارته المنهمكة في صوغ مستقبل البلاد، اعتبر كاتس أنَّ القصف “رسالةٌ واضحةٌ مفادها بأنَّه لن نسمح لجنوب سورية بأن تتحول إلى جنوب لبنان”، مختصراً العدوان بأنَّه “عدم مخاطرة بأمن مواطنينا”. وشَدَّدَ كاتس في البيان الذي أصدره على أنَّ “كل محاولة لقوات النظام الجديد في سوريا، والمنظمات الإرهابية في البلاد للتمركز في المنطقة العازلة جنوبي سوريا ستُقابل بالنار”، على حدِّ تهديده.

أما الكاتب الصهيوني أرئيل كهانا، فقد شَدَّدّ في مقالٍ نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم “الصهيونية بتاريخ 26 فبراير/شباط 2025، على أنَّ بنيامين نتنياهو يعمل على توسيع حدود الاحتلال الصهيوني في جنوب سوريا، وقال الكاتب الصهيوني، “فعلياً، تمَّ إنشاء منطقة تحت تأثير “إسرائيل” المدني والأمني، ما يعني اختفاء الحدود الإسرائيلية السورية التي تم تحديدها وفقاً لاتفاقيات وقف إطلاق النار لعام 1974″.

ويتصرف جيش الاحتلال الصهيوني كقوةٍ عسكريةٍ محتلةٍ، ويعمل على ترسيخ وجوده لإقامةٍ طويلةٍ في جنوب الأراضي السورية التي دخلها مؤخراً، كما قام بإزالة الغابات والأشجار في مناطق مختلفة، ما أدّى إلى كشف أوسع للمناطق وزيادة قدرة السيطرة العسكرية.

استغلال علاقة الدروز الصعبة مع النظام الجديد

قبل عدة أيام جمع لقاءٌ بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، و7 شخصيات بارزة من محافظة السويداء، حمل دلالاتٍ بناء على التوقيت الذي جاء فيه، وأعطى أيضاً رسائل ارتبطت بمسارين.

المسار الأول داخلي، وخصّ على نحو محدَّدٍ الشكل الأخير لطبيعة العلاقة التي تربط دمشق بالسويداء ذات الغالبية الدرزية، في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.

أما الثاني فهو خارجي، وذهب باتجاه التهديد الذي سبق اللقاء بساعات، والذي صدر على لسان رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية، بنيامين نتانياهو، بقوله: “لن نتسامح مع أي تهديد للمجتمع الدرزي في جنوب سوريا”، كما طالب بإخلاء المناطق هناك من السلاح.

وكان من بين الشخصيات التي التقت بالشرع، الإثنين24 فبراير/شباط 2025، ليث البلعوس، نجل الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس “حركة رجال الكرامة”، الذي اغتيل في يوليو 2015، وجرى اتهام نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، بالوقوف وراء ذلك. ويقود ليث حالياً عدَّة مجموعاتٍ محليةٍ مسلحةٍ، تنضوي جميعها ضمن ما يعرف بـ “مضافة الكرامة”. كما تضُمُّ هذه “المضافة” قادة ومقاتلين يوصفون منذ سنوات بأنَّهم “رجال أبو فهد وحيد البلعوس”.

وعلاوة على ذلك، كانت التصريحات التي أطلقها نتنياهو، بشأن “حماية الدروز” ومطلب “نزع السلاح” من جنوب سوريا أثارتْ الكثير من التكهناتِ بشأن الموقف الذي سيتخذه الشارع في السويداء ذات الغالبية الدرزية، وقادتها ورجال الدين فيها.

ويوضح البلعوس أنَّ تصريحات نتنياهو “قوبلت برفض واسع من أهالي السويداء”. ويقول: إنَّ سكان المحافظة “يسيرون على مبدأ الشيخ أبو فهد، صاحب المقولة الشهيرة: سوريا أُمُنّا ووطن ثاني بديل ما عنا (ليس لدينا).. إما فوق الأرض بكرامة أو تحت الأرض بكرامة.. ويا حملة الله”. وخرجت مظاهرات وسط ساحة الكرامة بالسويداء، الثلاثاء، حيث ندد المشاركون فيها بما قاله نتانياهو، وعبروا عن رفضهم لأي تدخل خارجي بالشأن السوري.

وجاء ذلك بعد الاجتماع الذي جمع الشرع مع قادة التشكيلات المحلية في المحافظة، ومن بينهم البلعوس، في صورة عكست رداً غير مباشرٍ على الصهيوني الفاشي نتنياهو. ويؤكد البلعوس بالقول: “نحن مع أمن المنطقة ولا نريد الحرب ولا نريد مزيدا من الدماء.. نريد سوريا واحدة موحدة بحفظ أمنها وأمانها، وحفظ أمن وأمان دول الجوار والمنطقة بشكل عام”.

وفيما يتعلق بتشكيلات الجنوب السوري، لا تزال المناقشات جارية حتى الآن، للوصول إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، سواء في السويداء أو درعا المجاورة. ويؤكد البلعوس أن “الفصائل المحلية تؤكد على أهمية التعاون مع الإدارة المركزية، والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية”. ويوضح أن التنسيق مع الحكومة في دمشق على صعيد الأمن والجيش، يركز على أن يتولى أبناء السويداء هذه المهمة على مستوى المنطقة الجنوبية. كما يركز التنسيق أيضا على فكرة أن “ينطوي الأمن والجيش على عقيدة صحيحة وأن يكون انتماؤه وولاؤه لله والشعب”.

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة معاريف، عن اللواء في الاحتياط، جاك نِريا، الذي شغل في السابق منصب المستشار السياسي لرئيس الحكومة الراحل إسحق رابين، ويرأس اليوم مجلس إدارة أكاديمية رمات غان، ويُعد باحثاً كبيراً في المركز الأورشليمي لشؤون الخارجية والأمن، قوله: إنه “آمل ألا ندخل في مغامرة جديدة على غرار مغامرتنا في لبنان مع المسيحيين، والآن مع الدروز السوريين، فمن قاد الثورة ضد الانتداب الفرنسي كان الدروز أنفسهم”.

إلى ذلك، شكَّكَ نِريا في قدرة الكيان الصهيوني على التأثير في المنطقة: “فبالنسبة للعرب، تحالف درزي كردي هو تحالف غير قابل للتطبيق. ولا أعرف إلى أي مدى تستطيع “إسرائيل” التأثير على ما يحدث على بعد خمسين كيلومتراً”.

ولا تتوقف المحاولات على ترسيخ احتلال إسرائيل للأراضي الجديدة في هضبة الجولان، ومخططها للبقاء الطويل هناك، بل تمتد لتطاول مُركبات المجتمع السوري في الجنوب خصوصاً الدروز، الذين تناولت تقارير، بينها صهيونية في اليومين الماضيين، ما مفاده بأن الكيان الصهيوني يخطط لاستغلال وضعهم الاقتصادي – الاجتماعي لكي يشغّلهم في مهن البناء والزراعة في مستوطناتها، وفي المقابل يدفع الكيان الصهيوني باتجاه منحهم حكماً ذاتياً من شأنه أن يشكل “حاجزاً” بين سورية الكبرى والكيان الصهيوني.

خاتمة

يأتي هذا التوغل الصهيوني الجديد بعد خُلُوِ المنطقة فعلياً من أي قوة، وفقاً لمصدر عسكري يشير إلى أنَّ “مثل هذا التبرير منفصل عن الواقع، نظراً إلى أنَّ القوات الروسية كانت قد نشرت نقاط مراقبةٍ ثابتةٍ على امتداد شريط الفصل لإحداث نوع من الثقة المتبادلة بين حكومة دمشق السابقة وتل أبيب، وتثبيت خلو المنطقة من وجود أي قوةٍ عسكريةٍ تعتبرها “إسرائيل” مدعومة من إيران أو تابعة لها”. وبدوره، يؤكد ضابط سابق في الجيش السوري المنحل أنَّ الجنوب، وبعمق يزيد عن 40 كم، كان خالياً من القوات الإيرانية ومجموعات المقاومة اللبنانية، منذ عام 2019، أي بعد عام من سيطرة بشار الأسد على المنطقة عبر اتفاقيات المصالحة بين النظام والفصائل المحلية، والتي رعتها موسكو آنذاك.

كشفت مصادر عسكرية في تل أبيب، عن أن الغارات التي تتوالى على سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد، تعكس نشوء عقيدة حربية جديدة تسمى “حرب الدوائر الثلاث”، ترمي إلى فرض نزع سلاح في مناطق واسعة، من دمشق جنوباً في سوريا، واتباع نهج مماثل لما تنفذه في الجنوب اللبناني وقطاع غزة كله. وقالت هذه المصادر، إنَّ جيش الاحتلال الصهيوني اتخذ قراراته بشأن هذه العقيدة وبدأ يطبقها، على الجبهات الثلاث المذكورة، مع وضع قواعد خاصة لكل جبهة. ولكن القاسم المشترك بينها هو فكرة الدوائر الثلاث: دائرة خط دفاع قوي داخل الكيان الصهيوني على حدود كل منطقة، إقامة حزام أمني على طول الحدود داخل كل الدول المجاورة، وفرض منطقة نزع سلاح عميقة.

ففي الجبهة السورية، تعزز القوات الصهيونية في الدائرة الأمنية الأولى، السياج الأمني وتحوّله خط دفاع حصيناً أمام الهجمات بإقامة جدار مزود بالأجهزة الإلكترونية وقناة محفورة على طول الحدود، وحشد قوات كبيرة تقام لها قواعد عسكرية في المناطق العالية تشرف على سهول الجنوب السوري.

وفي الدائرة الثانية، أقام الكيان الصهيوني حزاماً أمنياً واسعاً مؤلفاً من أكثر من 400 كيلومتر مربع، يشمل “المنطقة الحرام” التي كانت قد أقيمت بصفتها منطقةً حيادية في اتفاق فصل القوات سنة 1974 وحظر فيها وجود قوات عسكرية، وأضافت إليها مناطق أخرى لا تبعد عن دمشق أكثر من 22 كيلومتراً، وبالإضافة إليها احتلال جميع قمم جبل الشيخ المطلة على الأراضي السورية من جهة واللبنانية من جهة ثانية، وقد أقامت إسرائيل فيها تسع قواعد عسكرية.

أما الدائرة الثالثة، فهي في قلب الأراضي السورية، وتمتد من دمشق إلى الحدود مع الأردن من جهة وإلى الغرب عند المنطقة التي تحتلها إسرائيل منذ سقوط نظام الأسد.

أمام تزايد وتيرة التوغل الصهيوني، أكد البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني، الذي رعته الإدارة الجديدة في سوريا، الثلاثاء25فبراير/شباط 2025، “الحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية، وسيادتها على كامل أراضيها، ورفض أي شكل من أشكال التجزئة والتقسيم، أو التنازل عن أي جزء من أرض الوطن”.

وشدَّدَ البيان على “إدانة التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، باعتباره انتهاكاً صارخاً لسيادة الدولة السورية، والمطالبة بانسحابه الفوري وغير المشروط، ورفض التصريحات الاستفزازية من رئيس الوزراء الإسرائيلي، ودعوة المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب السوري، والضغط لوقف العدوان والانتهاكات”.

الحجج التي يتذرع بها الكيان الصهيوني استمرار اعتداءاته على سوريا، وهي “تدمير مخازن أسلحة” أو “تحييد خلايا إرهابية” أو “منع استخدام دبابات”، لا تنطلي على أحد، فهو يستهدف من القصف فرض اتفاقيات إبراهيم، على الطبقة السياسية المشغولة في إنشاء سوريا الجديدة وعلى الخطط المستقبلية فيها، في ضوء تحولاتٍ عرفها الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع خلال سنوات الجهاد المعولم، والتي انتهت به في قصر الشعب قائداً للمرحلة المقبلة من مستقبل سوريا، باحثاً عن شرعية محلية وإقليمية ودولية، ومُتَحَرِّراً من عقدة ماضيه الجهادي عبر انْتِهَاجِهِ سِيَاسَةٍ بَرَاغْمَاتِيَةٍ مِيكْيَافِلِيَةٍ. هكذا يستغل الكيان الصهيوني كل هذا الوضع لكي تنضم سوريا الشهيدة ذات التاريخ القومي العريق في مواجهة العدو الصهيوني إلى قافلة الدول العربية المطبعة مع “إسرائيل”، وتحويلها إلى دولة فيدرالية تضم مجموعة دويلاتٍ ذات حكمٍ ذاتيٍّ. ويأتي هذا من باب الادعاء الصهيوني الكاذب بأنَّه يحافظ على حقوق ومكانة الدروز والأكراد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *