إقليميات

إسرائيل الكبرى تبدأ من “ممر داوود”

بقلم زينب عدنان زراقط

فكيف استطاع الاحتلال التموضع في سوريا دون أي ممانعة، وما هي تفاصيل هذا الممر من موقع وجغرافيا وأهميته بالنسبة لكيان الاحتلال؟.

إسرائيل تتمدد في الجنوب السوري

استغلت إسرائيل الفراغ السياسي السوري والانشغال ببناء حكومة جديدة بحوار وطني وفتح العلاقات مع الدول الأخرى والجوار، لتعزز من تواجدها في الجنوب السوري وترمي إلى بناء سياج أمني تحوّله إلى خط دفاع حصين أمام أي اعتداء أو هجوم، بإقامة جدار مزود بالأجهزة الإلكترونية وممرٍّ محفور على طول الحدود من سوريا إلى لبنان ومن ثمَّ فلسطين المحتلة، وفرض منطقة منزوعة السلاح، وحشد قوات كبيرة تقام لها قواعد عسكرية في المناطق العالية تشرف على سهول الجنوب السوري، في مفهومٍ يُطلق عليه “ممرُ داوود”.

عليه، استأنفت إسرائيل مشروعها بمُجرّد استلام “أحمد الشرع” السلطة في سوريا بعد إسقاط نظام الأسد، بتسليمٍ مطلق دون أي استنكار أو استهجان، وتحت راية أن لا للنزاع والحروب في المنطقة، لم يعترض أو يمنع الطيران الحربي الإسرائيلي الذي أغارَ على كل مراكز الجيش السوري وجميع مستودعاته ومصانعه العسكرية وأماكن تمركزه الأمني، حتى لم يتبقَ لدى الحكومة الجديدة طلقة سلاح واحدة من مخلفات عهد الأسد، بأكثر من 500 غارة خلال 72 ساعة، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي- أي في اليوم نفسه لسقوط الأسد -، تسببت في تدمير جميع القدرات الدفاعية وسلاحي الجو والبحرية السوريين. وعلى الرُغم من قضائها على كل أشكال التواجد العسكري، تواصل ضرباتها بالطيران الحربي فوق مواقع عدة بذريعة – تدمير مخازن أسلحة – أو – تحييد خلايا إرهابية – أو – منع استخدام دبابات -، إلا أن الملاحظ أن القصف يأتي بالأساس لفرض حضور إسرائيلي على الطبقة السياسية المشغولة في إنشاء سوريا الجديدة وعلى الخطط المستقبلية فيها.

وآخرها كان مساء الثلاثاء 25 شباط/ فبراير، – أي هذا الأسبوع – حيث تم استهداف مواقع عسكرية في محيط العاصمة السورية دمشق، وتحليقٍ للمروحيات الحربية على مسافات منخفضة في العديد من المناطق بمحافظتي درعا والسويداء جنوب سوريا، واستهداف مدينة الكسوة بريف دمشق الجنوبي ومطار إزرع بريف درعا ما أودى بحياة عدّة أشخاص بحسب منصات حقوقية. وبالتزامن مع تلك الضربات الجوية، توغلت القوات البرية الإسرائيلية في ريف القنيطرة الشمالي ودرعا، هذا في الوقت الذي كثفت فيه قوات الاحتلال من استهدافها لمواقع على الحدود السورية اللبنانية، تحديداً عند منطقة جنتا على تخوم سلسلة جبال لبنان الشرقية، ما أودى بحياة شخصين وإصابة أخرين، وفق ما ذكرت “الوكالة الوطنية للإعلام” في لبنان.

وكان رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد شدّدَ بتصريحاته الأخيرة بجعل جنوب سوريا “منطقة منزوعة السلاح، مُحدداً محافظات “القنيطرة ودرعا والسويداء”، ومؤكداً أن تل أبيب لن تسمح لقوات الإدارة الجديدة بالانتشار جنوب العاصمة دمشق. وحالياً يتمركز الجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ وتعمد إلى التوسع نحو درعا والسويداء بتسهيل من العملاء في الجنوب الغربي، ثم مروراً بما يسمى جيش سوريا الحرة الذين تشرف عليهم الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة التنف بهدف شق طريق “ممر داوود”.

ممر داوود الموقع والأهمية

يقع ممر داوود في منطقة جبلية وعرة في جنوب سوريا، تحديداً في محافظة القنيطرة المحررة، بالقرب من هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. يتميز الممر بكونه نقطة التقاء بين ثلاث دول، سوريا التي يقع الممر في أراضيها، ولبنان حيث يتصل الممر بقراه الجنوبية خصوصاً كفرشوبا ومزارع شبعا، إلى فلسطين المحتلة حيث يقع الممر على مقربة من هضبة الجولان.

للتفصيل أكثر، يمكن تحديد المناطق التي يمر بها ممر داوود في سوريا على النحو التالي:

1. محافظة القنيطرة: هي المحافظة السورية التي يقع فيها ممر داوود، وتحديداً في الجزء الجنوبي الغربي منها وتقع على بعد حوالي 60 كيلومتراً جنوب غرب دمشق. كما تشمل، هضبة الجولان: التي يمر ممر داوود عبر أجزاء من هضبة الجولان السورية، التي تُعتبر منطقة استراتيجية بسبب ارتفاعها وموقعها الجغرافي. الهضبة تطل على سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، مما يجعلها نقطة مراقبة مهمة.

2. جبل الشيخ (جبل حرمون): ويقع ممر داوود بالقرب من جبل الشيخ، الذي يُعرف أيضاً باسم جبل حرمون. هذا الجبل يقع على الحدود بين سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، ويُعتبر أعلى نقطة في المنطقة، حيث يصل ارتفاعه إلى حوالي 2,814 متراً فوق سطح البحر.

3. مناطق ريف دمشق الجنوبية: يمر ممر داوود أيضاً بالقرب من بعض المناطق في ريف دمشق الجنوبي، خاصة تلك القريبة من الحدود مع لبنان وفلسطين المحتلة. تشمل هذه المناطق قرى وبلدات صغيرة تُستخدم كطرق عبور بين سوريا ولبنان.

4. الحدود السورية – الإسرائيلية: يقع ممر داوود على مقربة من الحدود السورية – الإسرائيلية، تحديداً في المنطقة التي تفصل بين هضبة الجولان المحتلة والأراضي السورية المحررة. هذه المنطقة تشهد توترات أمنية وعسكرية مستمرة بسبب الوجود الإسرائيلي والأنشطة العسكرية في المنطقة.

5. القرى والبلدات القريبة: يمر ممر داوود بالقرب من عدة قرى وبلدات سورية، منها:

أ‌- خان أرنبة: قرية سورية تقع في محافظة القنيطرة، بالقرب من الحدود مع لبنان.

ب‌- بقعاتا: قرية أخرى تقع في المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان.

ت‌- مزارع شبعا: وهي منطقة متنازع عليها بين سوريا ولبنان وإسرائيل، وتقع بالقرب من ممر داوود

6. الطرق الرئيسية التي يعبرها الممر: يمر ممر داوود عبر عدة طرق رئيسية في جنوب سوريا، منها:

ث‌- طريق دمشق – القنيطرة: وهو طريق رئيسي يربط بين العاصمة السورية دمشق ومدينة القنيطرة.

ج‌- طريق القنيطرة – مزارع شبعا: وهو طريق فرعي يتجه نحو الحدود اللبنانية.

ح‌- طريق جبل الشيخ: وهو طريق جبلي وعِر يتجه نحو قمة جبل الشيخ.

يمر ممر داوود عبر عدة طرق وجبال، ويُعتبر جزءاً من شبكة طرق تربط بين المناطق الحدودية. يمكن تفصيل طريق عبوره على النحو التالي:

1- من سوريا إلى لبنان: حيث يبدأ الطريق من مناطق ريف دمشق والقنيطرة في سوريا، حيث يتجه نحو الحدود اللبنانية. يدخل الممر إلى الأراضي اللبنانية عبر قرى حدودية مثل كفر شوبا ومزارع شبعا، وهي مناطق متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل.

2- من لبنان إلى فلسطين المحتلة (إسرائيل): بعد دخول الممر إلى لبنان، يتجه جنوباً نحو الحدود الفلسطينية المحتلة. يعبر الممر عبر مناطق حدودية مثل مزارع شبعا، ويدخل الممر إلى هضبة الجولان المحتلة، حيث تتواجد قواعد عسكرية إسرائيلية هماك.

كما هناك طريق آخر يعبر مباشرة من سوريا إلى هضبة الجولان المحتلة، دون المرور عبر لبنان. هذا الطريق يمر عبر مناطق جبلية وعرة، ويُستخدم بشكل رئيسي لأغراض عسكرية تخدم إسرائيل في تهريب السلاح والذخائر.

يُعتبر الممر جزءاً من الصراع الأوسع بين إسرائيل وقوى المقاومة. لأن السيطرة على ممر داوود تمنح إسرائيل نفوذاً إضافياً في المفاوضات المستقبلية حول ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان وفلسطين المحتل، كما يسمح للاحتلال بمراقبة تحركات المقاومة في جنوب لبنان وجنوب سوريا باعتباره نقطة استراتيجية مطلة.

ختاماً، تحركات المسلحين التابعين لسلطة الشرع الجديدة في سوريا، من اضطهاد وتنكيل وخطف للسوريين الشيعة في الجنوب السوري، مثل بلدة كفريا والفوعة في منطقة حسياء الصناعية جنوب حمص ومسحرة ونبع الصخر في ريف القنيطرة الأوسط لا توحيان بأن نهجه يعارض الاغتصاب الإسرائيلي لأراضي سوريا، ولا غرابة في الأمر إذ أن من نكل بكل طوائف المسلمين وخصوصاً الشيعة ومارس القتل والإرهاب والمجازر لا يمكن له أن يمتلك حس المواطنية والانتماء للأرض. فهل ينقلب الشعب السوري بالثورة المحقّة على الاحتلال الإسرائيلي في ظلّ “صمت الجولاني” وتُقلب الطاولة على رأس العدو…؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *