إقليميات

هل عدم المقاومة يجلب الأمن والسلام للشعوب؟!

بقلم زينب عدنان زراقط

هكذا هم العرب، كانت صفتهم الخيانة منذ مئتيّ عام، فكيف إذا اختاروا العار على الحرب، أي قبلوا بالارتهان السياسي للعدو وعدم مقاومته مقابل قرار السلم وخوفاً من الحرب، فأنى يكونوا في مأمنٍ مُستجدى؟ بل يُلقّون ما فوق العار الحرب أيضاً.

التضحية والمقاومة تذل العدو

حرب “غزة” التي عادت لتقضي على ما تبقى من أحياءٍ – قهروا الإبادة والمجاعة – ليقتلوا في أيّامٍ حرّمَ الله فيها القتال والناس صيام، إلى مئات الضحايا الذين ارتقوا في عيد الفطر حتى أمسى عيدَ الشهداء… ولبنان الذي لم يسلم من الغارات هُنا وهُناك، اغتيالات وضحايا ودمار، وما تزال المقاومة تعضّ على الجرح وتصبر في مرحلةٍ الدور فيها مُعطىً للحكومة، الملتزمةِ الصمت… ويختار اليمن بملء إرادته وبقرار قياداته الإسناد منذ بداية حرب طوفان الأقصى، مُدركاً تداعيات قراره، فقد أعدّ العُدة تحسباً لكل الاحتمالات التي قد تستجد.

وما كان متوقعاً حصل، أعاد الرئيس الأمريكي ترامب شنَّ الحرب الغوغاء على اليمن، وإنما على الرُغم من ذلك، يقف الحوثيون بكل شجاعةٍ في وجه أمريكا وإسرائيل، – ولطالما تمنّوا المواجهة المباشرة مع أمريكا – في رسالةٍ للعالم، مفادها أنّ زمن جبروت قوى الاستكبار قد انتهى. وما زاد الأمر تفاقماً من إحراج وقلق لواشنطن، أن ترى اليمن يصنع لها واقعاً جديداً وقد باتت عاجزة عن تعيين الرد المناسب لإيقاف اليمن عن الاستمرار. وكلما طال أمد المواجهة حُشرت أمريكا في زاوية الفشل، خصوصاً مع تصاعد نبرة التذمر الإسرائيلية بسبب تصاعد وتيرة العمليات اليمنية.

إلى إيران، حيثُ تشهد المنطقة تضخيماً إعلامياً تجاه الجمهورية الإسلامية يهدف إلى رفع حجم الضغوط عليها من قبل ترامب وأركان إدارته التي تحاول فرض واقع سياسي إقليمي في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني خصوصاً بعد استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله (رض) وسقوط سوريا بيد الراعي القطري والتركي المنسجمَيْن مع الرغبة الصهيونية في محاصرة تجربة الإسلام السياسي الشيعي المتمثلة بالجمهورية الإسلامية، وكانت نواياهم فاضحةً من خلال المجازر التي ارتكبوها بحقّ العلويين والشيعةِ في سوريا.

أمّا عن رسائل التهديد والوعيد الأمريكية، فما هي إلا رسائل فارغة من مضمونها حيث يدرك الأمريكي تماماً بأن الجمهورية الإسلامية لا تزال تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها وإلحاق الفشل بأي تهور أمريكي. إنَّ ما يسعى إليه ترامب هو فرض واقع للحوار تحت واقع الضغوط القصوى التي لن تُفلح حتى لو توهّم ترامب بأنه يمكن له من تحقيق ذلك عسكرياً.

الحياد.. ما بين سقوط السياسي أو المضيّ بالتطبيع

وسطَ كُلّ هذا الاستبسال وأجود أنواع البطولة والتضحيات بالقادة ونُخبِ الصف الأوّل من المجاهدين، واستمرار المقاومة والمساندة، ضدّ العدوّ الصهيوني ومشروعه في المنطقة، تتغيّب الساحة العراقية عن مشهد المساندة العسكرية، بعد بضع هجمات في بداية طوفان الأقصى إلى لا شيء يذكر اليوم، جرّاء الضغط الأمريكي على الحكومة العراقية ضمن خطتها الداعمة لإسرائيل والرامية لتوسّعها وهيمنتها في المنطقةِ. وفي الوقت الذي يمارس فيه المعسكر الغربي ضغوطات على الجمهورية الإسلامية، ينحو سياسيو العراق باتجاه تقديم فروض الطاعة للأمريكي وخلفه من رعاة معسكر “جماعة الإخوان المسلمون” في زحفٍ عراقي باتجاه الإرهابي الجولاني وأطراف صهيونية غير مباشرة (قطر وتركيا) وهو منحى مرفوض شعبياً. حيث أن ترامب اعتمد على ورقة أردوغان/حمد التي قدّماها له مجاناً ما يخدم نوايا وغايات العدو الصهيوني بإسقاط سوريا وبالتالي تصاعد مستوى الضغوط على محور المقاومة.

إنَّ حقيقة الجولاني الدموية وتاريخه المُمتلئ بالإرهاب، لا يمكن محوها من الذاكرة الشعبية التي تختزن الكثير من المآسي، ولا يمكن لأي مسؤول أن يعمل على تبييض صفحة هذه التنظيمات وقادتها حيث أنه سيضع نفسه في خانة المتآمرين. وهذه الانحناءة الرسمية للحكومة العراقية تصب في غاية كسب الرضا الأمريكي أولاً ومن ثم تخوفاً من أي تهور وعمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية أملاً من رئيس الوزراء العراقي السوداني بتحييد العراق عن نتائجها.

مهما تكن الأسباب فإن خطوة محمد شياع السوداني تجاه الإرهابي الجولاني هي خذلان لدماء الشيعة التي سفكتها التنظيمات الإرهابية الأمريكية، وهي دليل آخر على أن ما يسمى بالإطار التنسيقي أو قواه الرئيسة لم تتعلم من دروس قد لُدغت فيها من قبل حين منحت زمام أمورها لمن يقودها نحو الانتحار السياسي والخذلان الشعبي، بُغية الانفتاح على حلفاء أمريكا المرتبطين بشكل مباشر بالكيان الصهيوني. وتبعاً لرأي أوساط سياسية سورية – عراقية، فإن هذه الخطوات العراقية هي لكسب ودّ غالبية سكان المناطق السنية تجاه رئيس الوزراء في انتخابات البرلمان القادمة، وهذا التفكير إن فرضنا أنه في الحسبان إلا أنه سيهدد وحدة العراق بشكل واضح نتيجةً لتقوية الشرخ الطائفي وسير الشريحة السنية على خطى التجربة الإخوانية في سوريا.

هذه الخُطى التي يسير بها أركان الحكومة العراقية وارتباط مصالحها بالمشروع القطري التركي من شأنه أن ينتهي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا إذا انتفض الشعب ضد اللقاءات المباشرة والزيارات المشبوه للمسؤولين العراقيين.

فخلال السنة الماضية صدر أكثر من تصريح لرئيس الوزراء العراقي السوداني ولوزير خارجيته فؤاد حسين بخصوص عدم انحياز العراق نحو محور معين وذلك خلال معركة طوفان الأقصى تفادياً للخطوط الحمراء التي وضعتها لهما إدارة بايدن لتحجيم ضربات المقاومة ولعدم إضفاء طابع لرفض شعبي ضد ممارسات الكيان الغاصب. وبعد سقوط سوريا بيد عصابات مصنفة دولياً ضمن دائرة الإرهاب والتي تعود بمرجعيتها بشكل واضح لقطر وتركيا، برز هذا المحور بشكل جلي والذي يحاول انتزاع أوراق إقليمية إضافية من يد السعودية التي سارعت إلى تحقيق تقدم في الساحة اللبنانية لصالحها. العراق وبظل هذه الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني انخرط بشكل واضح في المحور القطري التركي بعد مزاوجة السوداني بين طموحه لولاية ثانية مع إنشاء حلف سياسي مع خميس الخنجر الذي يُمثّل امتداداً للمشروع الإخواني. هذا الانخراط المريب في محور يتبنى الجماعات التكفيرية في سوريا يكشف الريبة حول مزاعم السوداني وفؤاد حسين باستقلالية العراق من سياسة المحاور الإقليمية. وقد تبين ذلك من خلال منح السوداني الكثير من المشاريع الاستثمارية المشبوهة لخميس خنجر وابنه في قلب المنطقة الخضراء والتي تمثل معقلاً لمقار الدولة الرئيسة بما فيها منح أوراق تملُّك لمسؤولين قطريين وأتراك.

هذا الاختراق القطري التركي للعراق ولسيادته مع تغاضي حكومي وصمت مريب يمارسه رئيس الوزراء العراقي ومستشاريه تجاه الوجود العسكري للاحتلال التركي الذي يمثل طرفاً آخراً للكماشة التي ستخنق العراق ولربما تهدف إلى إسقاط النظام السياسي وإضعافه من الداخل بعد فشل مرحلة ممارسة الإرهاب الداعشي الذي كان للخنجر دورٌ بارزٌ فيه وبرعاية أمريكية. فلا عجب أن بعض القنوات الإعلامية العراقية المدعومة حكومياً تحاول نشر أن “السيناريو اللبناني يراود القوى العراقية” أي الحرب والتدمير والمجازر ومحو كامل للقرى ومناطق وأحياء… في عمليات ترهيب لأجل فرض إملاءات الخارج تحت الضغط والتخويف.

إلى قطر التي تلعب دور الوسيط في المفاوضات من أجل إنهاء حرب غزة، هي نفسها منذ بضعة أيام، كان طيرانها القطري مع الطيران الإماراتي جنباً إلى جنب بمحاذاة سلاح الجو الإسرائيلي والأمريكي في مناورات وتدريبات باليونان تحت مسمى Iniochos المحارب. والسعودية “ملتقى المسلمين!!” تبيح سماءها للأمريكيين والإسرائيليين لإسقاط الصواريخ اليمنية المتجهة نحو إسرائيل، وتبيحها أيضاً لعبور الصواريخ باتجاه اليمن دون منعها.

ختاماً، كنا في البداية نعتب على الأمة الإسلامية كي تنتفض وتجهر “قولاً أقلّها” بمظلومية الفلسطينيين والمضطهدين الذين تشنّ إسرائيل وأمريكا عدوانها عليهم، وإذا بالذين عتبنا عليهم بالأمسِ، هم اليومَ من يُعينون العدو على قتل الأبرياء وسفك دمائهم وإبادة أطفالهم ونسائهم وعلمائهم وقاداتهم… وغيرهم من الذين كانوا على الحياد ثم ركب بركبهم ومشى بالطريق الأقصر لاستجداء الأمن والأمان من الطغاة!!…

سقط النظام في سوريا وقُسمت بين الدول المتناحرة، واشتعلت التصفية الطائفية بين أهلها، وما يزال قرار الشرع قائماً “الأراضي السورية لن ولا تستخدم لضرب إسرائيل”… والعين الآن على العراق، فهل يركب العراق ركب التطبيع؟ أم تسير السعودية ضمن صفقات أبراهام وتقبل بالسلام مع إسرائيل؟ أيُعقل لشعوب هذه الأُمم أن لا ينتفض من بطونها الثوار ويطيحوا بالزمر السياسية المرتهنة للخارج؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *