أميرُ الظلّ.. الآتي من غربةِ الحسينِ إلى غربةِ الوطن
بقلم غسان عبد الله
يحترق الليلْ..
تخفضُ ساعاتُ الموتِ جناحَ الذُّلِ لحارِسِها.. ويحترقُ الليلْ..
وهيثمُ على شفا إبحارهِ الأخير..
يستلُّ سيفَ الغيابِ الذي ما أغمدهُ ويمعنُ في الرحيلْ..
يحتلُّ مسافةَ أحزانِ القلبِ منذُ أربعينَ عاماً يزولُ الصبرُ.. ولا يزولْ..
وثمّة من يبكي في الغيبِ ويمسح بالعشبِ البريّ الطالعِ في كفّيه، دموع الخيلْ..
يحترق الليلْ.. والواقفُ كالأحلامِ على بابِ الفجرِ يزفُّ الشهادةَ عروساً..
للآتينَ من الذلِّ الشرقيّ المزمنِ.. يحترفون الشوقَ اليائسَ والمنفى..
يبنون فصولاً من صبّار العزِّ فيسقُطُ سقفُ الأسى جيلاً بعدَ جيلْ..
تنبُتُ فوقَ وجوهِ الناسِ سنابلُ العزِّ من نفحِ يديه..
وهيثم طودٌ شامخٌ.. لا.. لا يميلْ..
يحترق الليلْ..
وأميرُ الظلّ يُقيمُ على حدِّ الأنواءِ ويصنعُ عزمَ الأرض من بعضِ رؤاه..
يلبس آلام الجرحى والغُيّاب.. ويرتقِبُ نجماً في الأفق رافق صباه..
والضوءُ ينام على شرفاتِ القدسِ التي تسربلت جدرانُها لألف آهٍ.. وآهْ..
وآهُ المحتلّين ستعلو حين يقومُ من سرادقهِ ويهدرُ الصوتُ من رَجعِ صداه
يحترق الليلْ.. وعلى حافةِ لحظةِ الغدرِ يشرئبُ عنقُ الجنوب وتُزهرُ رُباه..
يحترقُ الليلْ.. وفي الليل يترجّل الفارسُ عن صهوته.. لكنه ممسكٌ باللجام..
الكلماتُ تنفض عن جناحيها الغبار
وتستريح على بياض الصمتِ في النهر الذي بين الحقيقة والكلامْ
في الليل ينتحر الظلامْ.. وتباشِرُ الأشياءُ خطوتَها البريئةَ
كلُّ شيءٍ نامَ.. إلا أنه لا شيء من حواس فارسه نامْ..
الجنةُ موعدُ الفارسِ الذي يبتكرُ الضياء..
الجنّةُ للوافدِ من عمرِ العزمِ يعصف بالفداء..
والفارسُ العلويُّ كان في برزخٍ يزاول في العتمةِ بعضَ الضياء..
كان نداءً منهمراً من خيمةِ الأسارى وبرزخِ الشهداءْ..
منذ البدء يقترِفُ الجهادَ.. يُدمِنُ أكؤساً مترعةً بالصبر والدعاء..
يتنفَّسُ الشهادةَ..
يسكُنُ في المتاهاتِ والدساكر.. يأتي مفاجئاً كالموت.. ساطعاً كالعشق..
يرنو للفجر.. يُشاكِسُ الليل.. يغيبُ.. ينتشر.. يحضُرُ.. ينتصرْ..
هذا الفارسُ الآتي من غربةِ الحسينِ إلى غربةِ الوطن..
هذا الفارسُ العلويُّ.. ليس لديه سوى دمٍ واحدٍ
لونٍ واحدٍ.. وجهةٍ واحدةٍ.. وعزم الشبابْ..
ليسَ له من وطنٍ سوى القصائدِ التي سوفَ تكْتُبُهُ ذاتَ زمان..
كي يجْمَعَ عطرَهُ حيناً.. ويكتبَ وردَهُ حيناً.. ويذْكُرُ النُسيمات التي تهبُّ للثْمِهِ..
ثم يهدْهِدُ روحَهُ.. فتنبعِثُ الأشواقُ في هاتيك الشعاب..
ليس له من وطنٍ سوى دماءٍ نذرها لتُنثرَ فوق ذاك التراب..
وروحُهُ دغْدَغَها النَّحلُ.. علَّمها رشْفَ الشهدِ الصباحي من ذاك الرِّضاب..
تُرى أي تراب؟؟ أي تراب؟؟!!..
