إعرف عدوك

أهمية تغيير السياسة الإسرائيلية إزاء روسيا وأوكرانيا

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

الموقف الإسرائيلي إزاء الحرب في أوكرانيا هو معضلة مستديمة، من جملة أمور إثر العلاقة التي تراها الإدارة الأمريكية بين الحرب بين إسرائيل وحماس وبين مواجهة أوكرانيا مع روسيا ومحاولة منح مساعدة اقتصادية وعسكرية سواء لأوكرانيا أو لإسرائيل.

الموقف المحايد للقدس إزاء الحرب في أوكرانيا، أيضاً في ضوء الموقف المؤيد للفلسطينيين بعيد المدى الذي تتخذه روسيا، يلمّح لموسكو أنه يمكن الاستمرار بعدم مراعاة المصالح الإسرائيلية، وفي الوقت عينه لا يساعد الولايات المتحدة على مساعدة إسرائيل. من هنا تنشأ الحاجة لإعادة دراسة الموقف الإسرائيلي إزاء روسيا.

منذ بدء حرب “سيوف حديدية”، السؤال بشأن تغيير محتمل في الموقف الإسرائيلي إزاء القضية الروسية – الأوكرانية لا زال موضع اهتمام. في الوقت الراهن، يبدو أن إسرائيل تفوّت الزخم الأمثل لتغيير موقفها، أي اتخاذ موقف مؤيد لأوكرانيا بشكل واضح جداً.

من ناحية روسيا، اللهجة العدائية للحديث إزاء إسرائيل اعتدلت مقارنة بالأسابيع الأولى من الحرب، وفي أعقاب دعم موسكو لحماس التنظيم الذي أطلق سراح ثلاثة مخطوفين يحملون جنسية إسرائيلية – روسية مزدوجة (وإن كان أطلق سراح اثنان منهم بالتوازي أيضاً في إطار صفقة التحرير مع إسرائيل). من جهة القدس، تنسيق سياسة إزاء روسيا في ضوء موقفها المؤيد لحماس منذ اندلاع القتال كان ضعيفاً نسبياً (تمرير رسائل في محاور ثنائية إلى جانب صدّ انتقاد إدارة القتال على منصة الأمم المتحدة، مع تخفيف الشجار علناً)، وعموماً لا يتعلق بقضايا تتعلق بأوكرانيا.

من جهة أوكرانيا، التي عبّر كل القوس السياسي والعام فيها عن دعم واضح لإسرائيل منذ اليوم الأول للحرب، أصوات مؤيدة لإسرائيل سُمعت بشكل أقل في الآونة الأخيرة، بسبب صعوبات متزايدة في جبهة الحرب في روسيا، عدم يقين متزايد إزاء استمرار التزود بوسائل قتالية متواصل من الولايات المتحدة، وكذلك مشاحنات سياسية داخلية. أيضاً الزيارة المخططة للرئيس فلاديمير زيلينسكي لم تتحقق.

على هذه الخلفية، يمكن الادعاء ظاهرياً أن المرحلة الأكثر ملاءمة لإعادة حساب العلاقة الإسرائيلية بالحرب الروسية – الأوكرانية مرّت، وحالياً جُدد معيار “الأعمال تجري كالمعتاد” أمام الدولتين.

مع هذا، يجب الأخذ بالحساب أيضاً عنصرين إضافيين في هذه المعادلة – الولايات المتحدة والاستراتيجية الروسية في الساحة الدولية.

حرب “سيوف حديدية” تغير نقطة الرؤية الغربية (قبل كل شيء الأمريكية) إزاء أوكرانيا، بشكل ينسجم مع الروس. روسيا معنية باستمرار المواجهة بين إسرائيل وحماس من أجل مواصلة إشغال الولايات المتحدة، التي تلاقي صعوبة حتى الآن في تحديد سياستها إزاء هاتين الساحتين – نتيجة الجدالات في الكونغرس تتأخر المساعدة المخططة سواء لكييف أو للقدس. المشرعون الأمريكيون يرون بحرب إسرائيل – حماس وحرب روسيا – أوكرانيا مسألتين منفصلتين، لا توجد علاقة مباشرة بينهما – (الأمر الذي يضعف ادعاءات البيت الأبيض إزاء ضرورة وإلحاحية نقل المساعدة لكليهما)، وهذا من جملة أسباب عدم وضع إسرائيل نفسها في السياق الغربي المؤيد لأوكرانيا.

بعد زيارته إسرائيل فوراً، عرض الرئيس بايدن الحربين كأعمال عدوانية من جهات معادية للديمقراطية، روسيا وحماس، ضد جاراتها الديمقراطية. موقف مماثل أطلقه أيضاً الرئيس زيلينسكي ورئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين. على ضوء الدعم غير المحدود من قبل غالبية أعضاء الكونغرس الجمهوريين لإسرائيل، أملت الإدارة أن تحصل على موافقتهم على رزمة المساعدة المشتركة للدولتين. لكن لم تنجح هذه المحاولة لسببين أساسيين: انخفاض دراماتيكي في التأييد العام الأمريكي لمواصلة مساعدة أوكرانيا في ضوء مفهوم أن الحرب وصلت إلى حائط مسدود؛ تحول مسألة المساعدة إلى أحد المواضيع في صراع القوى بين الحزبين على خلفية التحضيرات التمهيدية للانتخابات الرئاسية في العام القادم. المشرّعون الأمريكيون معنيون بدعم إسرائيل، وبمدى قليل أيضاً أوكرانيا، لكن الشعور بالضيق الذي ميّز موقفهم في عام 2022 قد مرّ. الخلافات في الرأي هذه تمس بموقف أوكرانيا وسط الرأي العام الأمريكي. الأخطر من ذلك، أن تقليصاً مهماً في حجم المساعدة (مقارنة بالاقتراح الأصلي للإدارة – 61 مليار دولار)، كما ظهر بعد تسوية في الكونغرس بهذا الشأن، سيصعّب أكثر على قدرة أوكرانيا على مواصلة الحرب.

إسرائيل الرسمية لا تتطرق عموماً للمقارنة التي عرضها الرئيس بايدن بين الحربين وتقلل من التعبير علناً بشأن المساعدة. المساعدة ليست ملحة لإسرائيل مثلما هي ضرورية لأوكرانيا، وبالإضافة في القدس يبرز فهم أن جهات مؤيدة للإسرائيليين في واشنطن ستنجح في نهاية الأمر بالتصديق على المساعدة لها. تجاهل إسرائيل التام للمعادلة التي قدمتها الإدارة بشأن الحروب لم تساعد بالتأكيد جهودها للدفع قدماً برزمة المساعدة، بل عززت الانطباع بأن إسرائيل غير معنية بالظهور كمن تنتمي إلى التكتل الغربي المؤيد لأوكرانيا. أي، إزاء التعبير عن أدنى تضامن مع جهود الإدارة المؤيدة والودية، إسرائيل فضّلت الحفاظ على السياسة الحيادية بالنسبة لحرب روسيا – أوكرانيا.

إلى جانب المقاربة الغربية، ثمة جانب إضافي يؤثر على منظومة العلاقات الثلاثية روسيا – إسرائيل – أوكرانيا هو الإستراتيجية الروسية الواسعة ومشتقاتها إزاء إسرائيل. كما يبدو بوضوح منذ السابع من تشرين الأول، إثر الحظر ونظام العقوبات الغربي، روسيا تبحث عن توسيع دعم دول “عالم الجنوب”. معظم هذه الدول، التي ينتمي إليها كل العالم الإسلامي تقريباً، تنتهج موقفاً مؤيداً للفلسطينيين بشكل واضح – الأمر الذي يملي على روسيا سياستها بالنسبة للحرب. طالما المواجهة بين روسيا وبين التكتل الغربي المؤيد لأوكرانيا لم تنته (ولا يتوقع حصولها في المستقبل المنظور)، فإن الطموح الروسي بنيل نقاط في “عالم الجنوب”، خصوصاً بواسطة موقف معاد لإسرائيل، من المؤكّد أن يستمر.

مؤيدو الموقف الاسترضائي من جانب إسرائيل (الرائد حالياً) إزاء روسيا يزعمون أن المخاطر الكامنة في زيادة حدة النبرة ضد روسيا تتغلب على المزايا المحتملة الكامنة في ذلك. هم يوضحون أن قدرة الضرر الروسي كبيرة إلى حد ما – في ساحة دولية – دبلوماسية، بالنسبة لإيران، في الساحة السورية، بالنسبة لأمن اليهود (والإسرائيليين) في روسيا – إلى درجة أنه يفضل اتخاذ جانب الحيطة والحذر. هذه الادعاءات أُطلقت أيضاً قبل السابع من تشرين الأول، وهي التي أملت خط القدس حتى الآن.

لكن الحقيقة هي أن شيئاً ما تغير منذ اندلاع حرب “سيوف حديدية”. في الوقت الذي لم تغير فيه إسرائيل سياستها، روسيا زادت من شدة الضغط على إسرائيل في المنتديات الدولية، من خلال توجيه اتهامات مستهترة بشأن وحشية الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، دون أي شجب لحماس؛ روسيا وثّقت تعاونها الأمني مع إيران؛ لم تعمل على منع المليشيات الشيعية في سوريا من مهاجمة إسرائيل – على الرغم من التأثير الكبير للقوات الروسية في سوريا إلى جانب الأمر البارز لمنع التصعيد؛ وبينما التظاهرات وأعمال الشغب في الجمهوريات الروسية في شمال القوقاز في نهاية تشرين الأول أشارت إلى أن أمن اليهود في روسيا نفسها تضرر بمدى كبير.

في كل واحدة من ساحات الضرر الأساسية قد برز التوتّر، وهو غير مرتبط بأعمال إسرائيل (باستثناء معركة “سيوف حديدية”، لكن لا توجد أي علاقة لروسيا بها). من هنا يوجد احتمالان – مواصلة الخط السلبي وتمني أن لا يحصل توتر إضافي (ومع ذلك لا توجد أسباب جيدة لتوقع ذلك)، أو بالتعاقب الاعتراف بالتغيير والقيام بملاءمات ذات صلة.

إسرائيل وجدت نفسها أمام روسيا في حالة ضفدع يُطبَخ في القدر: سياسة موسكو تغيرت منذ زمن، تدريجياً، وفي كل لحظة ممكنة لم يكن بالإمكان الإشارة إلى تغيير سلوك دراماتيكي – كالذي يبرر قراراً إسرائيلياً حول تغيير سياسة الرد. حالياً أيضاً، بعد أن خدشت العلاقة الروسية للحظة أسماع من لا يتابع هذا الموضوع، “نسيم” خفيف – اعتدال النبرة العلني – أعاد إسرائيل إلى الوضع السابق – في القدر.

برز أيضاً أنه في الاتجاه المعاكس، من جهة إسرائيل إزاء روسيا، ثمة قدرة إضرار معينة. والدليل على ذلك، لم يُلحظ تغيير جوهري في السلوك العسكري الروسي في سوريا بالنسبة لنشاط المعركة بين الحروب الإسرائيلية، على الرغم من التصريحات الحادة لوزارة الخارجية الروسية بشأن نشاط سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف مؤيدة لإيران في سوريا.

بما أن روسيا ترى سياستها الخارجية والأمنية منذ عام 2022 في موشور الحرب في أوكرانيا، وبينما كل شركاء إسرائيل الأساسيين يتمسكون بموقف واضح جداً إزاء الحرب في أوكرانيا، على إسرائيل بلورة سياستها تبعاً لذلك. سياسة واضحة إزاء المسألة الأوكرانية قد تبث للغرب رسالة توحيد الصفوف وتشخيص مصالح أمنية، وكذلك تخدم كرافعة ضرر ضد روسيا (إضافة إلى سلوك مترابط بالنسبة لبقية مواضيع الاحتكاك). بين الوضع الحالي وبين مساعدة إسرائيلية شاملة (all-out) لأوكرانيا، بما فيه تزويد سلاح هجومي توجد مجموعة واسعة من الاحتمالات، حيث يمكن السيطرة بقوة على التغيير بواسطة مواصلة سلوك روسي إزاء إسرائيل.

معهد بحوث الأمن القومي –  جورجي بوروسكون (باحث في برنامج روسيا في معهد بحوث الأمن القومي)