البأس اليمني مقبرةٌ للأمريكي أو ذلٌ وتفاوض!
بقلم: زينب عدنان زراقط
حربُ غزّة عرّفت العالم على أهمّية “قضية فلسطين” وقدسيتها، بتلاحُمَ محور المقاومة وإعلانه الفداء “على طريق القدس”، فألحقوا الهوان بالمغتصب الصهيوني وأذلّوا الأمريكي – راعي الحرب وبادئها -.
صراع قوى عظمى، في تناقض وتبايُنٍ للمواقف يعكس المصالح الاستبدادية للأقطاب السياسية للاستعمار والهيمنة. ينعكس ذلك بموقف روسيا في مشروع القرار الذي تقدّمت به إلى مجلس الأمن الدولي لطلب وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في الحرب الجارية بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” في غزة، والذي أيّدته الصين أيضاً؛ فأسقطتهُ أمريكا بـ “الفيتو”، ومن ثمّ عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية قرار ضربها لليمن، – ردّوها عليها – فـ “بخعت” روسيا والصين الأمريكي بعدم إسقاطهما لهذا القرار بالفيتو هذه المرّة الذي من شأنه توسع جبهة الحرب. فحقيقة الأمر أن العملاق الصيني والدب القطبي الروسي حاكا مكيدة للأمريكي ليسقط فيها، – ليس فقط عن نيةٍ بإيذائه – بل لتوسيع دائرة النزال التي من الممكن جداً أن تمسّ إيران أيضاً، وهي التي تعارض نفوذهما معها. فكيف انتقلنا من حرب غزة ما بين الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية إلى مواجهةٍ برزَ فيها “الإيمان كُلّه على الشرّ كُلّه”، نزلت بدولةٍ هي الأكثر طاغوتية وإجراماً وظلامية، الاستكبار الأمريكي كلّه “بالشكل المباشر” قد نزل الميدان، لمنازلة من؟ اليمن الواقع تحت الحصار والنار والإبادة منذ تسعة سنوات؟ اليمن الذي تواطأت عليه السعودية والإمارات تحت إمرة الأمريكي ليشنّوا عدواناً غاشماً لم تنتهِ فصوله حتى الساعة؟، أمريكا نزلت عند أقدام الحفاة “أنصار الله الحوثيين في اليمن” لمواجهتهم!.
الأمريكي دون ناصرٍ في وجه اليمن
مع بداية العدوان على قطاع غزة حذّرت صنعاء إسرائيل من الدخول في مرحلة الهجوم البري، ولم يأخذ الكثيرون هذا الموقف على محمل الجد، ولكن بعد ثلاثة أيام من بدء الهجوم البري، اليمن تهدّد سفن الشحن الإسرائيلية أو المتجهة إلى الأراضي المحتلة ثم السيطرة على سفينة “جالاكسي ليدر” وتلا ذلك عدد من العمليات البحرية التي منعت السفن التجارية المتجهة للكيان الصهيوني من المرور عبر البحر الأحمر وتسببت تلك العمليات بقلق كبير للداعم والحليف الرئيسي للكيان الإسرائيلي، وكان الإعلان من مستشار الأمن القومي الأمريكي لجو بايدن، أن الولايات المتحدة تتفاوض مع دول أخرى وتحاول إقناعها بتشكيل قوة بحرية دولية لضمان المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر، وأن وزارة الدفاع الأمريكية تحاول ضم 40 دولة إلى هذه القوة البحرية الدولية التي ستراقب مساحة ثلاثة ملايين ميل من المياه الدولية وتشمل الدول الأعضاء في القيادة المركزية الأمريكية. وعلى كُلٍ، التحالف فشل قبل أن يبدأ، ووجدت أمريكا وبريطانيا نفسيهما وحيدتين في شن عدوان همجي على اليمن.
وما إن أعلن هذا التحالف فشله رسمياً حتى قررت الولايات المتحدة الأمريكية شن عدوان على اليمن برفقة شريكتها بريطانيا، ويتضح، من العدوان فجرَيْ الجمعة والسبت على اليمن بشكل منفرد مع بريطانيا، فشل كل محاولات هذا التحالف لفك الحصار اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية، أمام حنكة وقدرة القوات البحرية اليمنية التي نجحت بدقة عالية في فرض هذا الحصار بنسبة 100% وذلك باعتراف وسائل إعلام العدو، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ الخيارات العسكرية في هذا الميدان.
وبتنفيذها عدواناً على اليمن، تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد ارتكبت أفدح خطأ وأكبر حماقة في تاريخها، فاليمن العنيد والمقاوم لن يبقى مكتوف الأيدي، بل إن لديه خيارات كثيرة وواسعة لردع هذا العدوان والرد على منفذيه وكل المتورطين والمشاركين فيه، ولعلّ الأمريكي يخبر ذلك جيداً خصوصاً بعد أن جاءه الرد السريع من صنعاء التي لم تتردد في استهداف سفينة أمريكية رداً على الاعتداء الأمريكي على البحرية اليمنية في البحر الأحمر.
فلم يكن جديداً أن تأتي الطائرات الأمريكية والبريطانية في الساعات الأولى من جمعة رجب، اليوم الذي دخل فيه اليمنيون الإسلام لتقصف مدن ومحافظات الجمهورية اليمنية فهذا يندرج ضمن معادلات الصراع بين الحق والباطل، بين العدوان الذي يقصف على مدى تسع سنوات واليمن الذي تجاوزهم وأصبح يقف مع الأمم والشعوب التي تعاني من الظلم والاضطهاد بسبب أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وهو اليوم يقف مع قضية الأمة المركزية فلسطين، على الرغم مما يعانيه من حصار وعنجهية من نفس الدول ونفس الأدوات، إلا أن الفرق الذي تحقّقَ اليوم أن الولايات المتحدة لم يعد باستطاعتها ترك وكلاءها من العملاء والمتخاذلين القتال عوضاً عنها، وفشلت أمانيهم بالهيمنة على بلدان الشرق الأوسط وها هم يتخبطون بحثاً عن مخارج في ظل تحولات وخسائر اقتصادية قاسية داخل بلدانهم، لقد خسر الأمريكي والبريطاني على حد سواء من النفوذ والهيمنة والسيطرة الاقتصادية والعسكرية وعلى المستوى الاستراتيجي الكثير والكثير.
المصالح الأمريكية كلّها هدف مشروع للمقاومة
ما على الأمريكي أن يدركه تماماً بأن الأزمة الإسرائيلية الأمريكية لا تنحصر بالصفعة الكبرى التي تلقاها كيان الاحتلال في 7 أكتوبر بل في أنها الضربة التي أسدلت الستار عن فصل جديد من المواجهة باتت فيها الولايات المتحدة مضطرة – على عكس ما تقتضيه مصلحتها – بالتورط عسكرياً والتعامل مع شكل آخر للحروب تختبره بهذا الشكل للمرة الأولى في المنطقة، يكون فيها اليمن الذي يبعد أكثر من ألفي كلم عن فلسطين المحتلة على تماس مباشر بالميدان وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية و”اليقظة العسكرية” لاستهداف قائد حركة أنصار الله – وهو الهدف الأول لواشنطن منذ بدء الحرب قبل 9 سنوات – يبقى هذا القائد العظيم “على تنسيق تام وتواصل شبه يومي مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله”، وهنا تكمن الخطورة على العدو، لأنه يدرك بأن نزوله إلى الميدان “حرق جميع أوراقه” فجميع نقاط تمركزه أمست أهدافاَ مشروعة أمام كلّ محور المقاومة، وليس محصوراً بردٍ يمني عليهم فقط…
مقبرةً للأمريكي أو ذلٌ وتفاوض
في الختام، كل الحروب بين القوى العظمى كالتي تجري اليوم بين أمريكا وروسيا على أرض أوكرانيا وفي حالة الانسداد وصلابة الطرفين وعدم إيجاد خلاصة حسمٍ للحرب والتي لا تجري على الأرض فقط وإنما تؤثر في كل بنية النظام العالمي وقطاعاته من اقتصادية وعسكرية، يلجأ الطرفان للتفكير في منخفضاتٍ وتسويات لتصريف الحرب وحسمها، وغالباً تقع على جغرافيا بها أزمات مزمنة أو مجمدة بتحريكها أو إشعالها لتوجيه بوصلة الرأي العام والعالمي إليها، ثم تجري التسويات بين الأطراف وقبول الأمر الواقع في جغرافيا الصراع الأولى ومنطلق الصراع، والمنخفض المرشح لتصريف الحرب، وعلى ما يبدو دوماً، أن المرشح الدائم تكون هي فلسطين، لأن الإضرار بصهيون حتى لو بقدر قليل وصناعة توازن ردع مع محيطها يعنى غلق محطة التموين للغرب، فجرت الرياح بغير ما اشتهت السفن الأمريكية.. وأمسى البحر الأحمر نكبةً تنذر باندحارها الكلّي من منطقة الشرق الأوسط، فهل يكون اليمن مقبرةً للأمريكي، أم سينزل ذليلاً عند مفاوضته ويتراجع عن حماقته ويوقف حرب “غزّة”؟.