اليمن في عيون الإعلام الغربي .. من دولة هامشية إلى لاعب قوي في المعادلات الدولية
بقلم: ابتسام الشامي
خلال سنوات العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن، خبر العالم من خلال التجربة اليمنية كيف يمكن لبلد مستضعف أن يواجه العالم بسلاح الثبات والصمود وتطوير القدرات تحت الحصار، وخلال العدوان على غزة، يقدم اليمن نموذجاً جديداً في قدرة بلاد لا تزال تحت الحصار والتهديد بالحرب والنار، أن تنتزع مكانتها، وتحولها إلى لاعب مؤثر في المعادلات الدولية.
اليمن ينتصر بفلسطين ولها
لم تتأخر صنعاء في فرض معادلتها في البحرين الأحمر والعربي على الكيان المؤقت: السفن المرتبطة بهذا الأخير ممنوعة من الإبحار حتى فك الحصار الإسرائيلي عن غزة، معادلة شككت تل ابيب وداعموها في قدرة اليمن على التعامل بها، مع حجم التهديدات عالية السقف التي تولتها الولايات المتحدة الأمريكية بعدما فشلت إغراءاتها في ثني اليمنيين عن تحويل أقوالهم في نصرة فلسطين إلى أفعال، تبين بالمعطيات والأرقام أن لها تداعيات خطيرة على مستوى الاقتصاد العالمي والاسرائيلي على وجه الخصوص، لكن الأخطر على وجه التحديد في نظر القوى الغربية، هو نجاح القوى الثورية في اليمن بعد حرب عدوانية عالمية طويلة على البلاد في تحويلها من دولة هامشية تابعة منزوعة قرارها السيادي، إلى دولة مؤثرة في المعادلات الدولية، وهو تحول بتقدير العواصم الغربية خطير بذاته، بما انطوى عليه من نموذج عملي في كيفية تحدي القوى الاستعمارية والتحرر من ربقتها، وخطير أيضاً لكونه يجري في واحدة من أهم المناطق الجغرافية حساسية على مستوى العالم، ربطاً بموقعية اليمن وإشرافه على أهم خطوط التجارة الدولية. هذه المقاربات للتحول اليمني، بدأ الإعلام الغربي في تسليط الضوء عليها بقوة، بفعل تأثير المعادلة البحرية التي فرضتها صنعاء على تل أبيب، وفي هذا السياق كان لافتاً للانتباه، تقرير لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية تحدثت فيه عن التحول الذي شهدته من سماها “جماعة الحوثي” في اليمن من حركة ثورية إلى فاعل دولي يمتلك تأثيراً كبيراً على الوضع في اليمن والمنطقة بأسرها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها: “على خلفية دعم الفلسطينيين في غزة، تحول الحوثيون من حركة ثورية في معقلهم الجبلي شمالي اليمن قبل عشرين سنة، إلى رأس حربة المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة بفعل هجماتهم المتكررة التي تهدد حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر”.
تقدير الصحيفة الفرنسية الذي تعمّد إغفال حقيقة أن القوات المسلحة اليمنية تفرض فحسب حصارها على السفن المرتبطة بالكيان المؤقت وليس على التجارة الدولية عبر البحر الأحمر، بنى على النتائج العملية لهذا الحصار، وهو ما أشار إليه بالأرقام موقع “ميبا نيوز” التركي الذي لم يحد بدوره عن الدعاية السياسية ذاتها التي تقذف اليمن بتهمة تعطيل حركة الملاحة البحرية في شريان التجارة الدولية لتبرير أي عدوان عليه. وبحسب الموقع فإن “حركة المرور في البحر الأحمر تقلصت بنسبة تزيد على الـ 40%، وتعطلت سلاسل التوريد العالمية. في المقابل، قامت بعض أكبر شركات الشحن في العالم بتحويل سفنها حول رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي لأفريقيا، ما أدى إلى تأخير مواعيد التسليم وإضافة حوالي 6000 كيلومتر إلى مساراتها”. أما بخصوص تأثير المعادلة على اقتصاد الكيان المؤقت، فيوضح الموقع التركي، أن “نشاط ميناء إيلات الوحيد في إسرائيل المطل على البحر الأحمر، انخفض بنسبة 85% منذ بدء الهجمات. ومع أن معظم حركة الشحن الإسرائيلية تمر عبر موانئ حيفا وأسدود الواقعة في البحر الأبيض المتوسط، إلا أن ميناء إيلات لا يزال مهماً لتصدير ملح البحر الميت واستيراد السيارات الصينية التي تشكل 70% من مبيعات السيارات الكهربائية في إسرائيل” على حد تعبير الموقع التركي ذاته.
أنصار الله يمسكون بالاقتصاد العالمي
القراءة السياسية لخسائر تل أبيب جراء الحصار اليمني على الملاحة المرتبطة فيها، يقود الكاتب البريطاني “روجر بويز” إلى القول “إن الحوثيين يمسكون بالاقتصاد العالمي في قبضتهم”. وفي مقالة له في صحيفة “التايمز” يشير الكاتب إلى أن ما يقوم به اليمنيون في البحر الأحمر ظلل أعمال مؤتمر دافوس الأخير “فعالم دافوس المقام بعناية بدأ يفهم أن الحوثيين في اليمن يحتفظون باقتصاد العالم في أيديهم مقابل فدية من خلال ضرب القوارب العابرة لمضيق باب المندب”، الأمر الذي أدى عملياً إلى “زيادة كلفة نقل سفن الحاويات والسفن التجارية من آسيا إلى أوروبا وتحويل طرقها إلى رأس الرجاء الصالح، وزيادة أسعار التأمين للمرور عبر البحر الأحمر”.
أمريكا تفشل في تحقيق أهدافها
المعادلة البحرية التي فرضتها صنعاء انتصاراً لفلسطين ولرفع الحصار عن غزة وما نتج عنها من تداعيات اقتصادية حتى الآن، جاءت تحت سقف مرتفع من التهديدات الأمريكية عبرت عن نفسها بتشكيل حلف “حرس الازدهار” ومن ثم المبادرة إلى الاعتداء على اليمن بهدف ردعه، لكن العدوان لم يحقق أهدافه وفق تقديرات صحيفة واشنطن بوست الأمريكية. وفي مقالة للصحافي إيشان ثارور يقول فيها “إن المسؤولين الأمريكيين أعلنوا نجاحهم بعد ضرب حوالي 60 هدفاً في اليمن تابعة للمسلحين الحوثيين في البلاد نهاية الأسبوع الماضي”. واذ ينقل ثارور ما قاله الفريق دوغلاس سيمز، مدير هيئة الأركان المشتركة، بأن الولايات المتحدة “واثقة تماماً من نجاحها في إضعاف قدرة الحوثيين على مواصلة مهاجمة السفن في البحر الأحمر بالصواريخ والطائرات المسيرة” يؤكد أن “شريحة كبيرة من شركات الشحن العالمي لا تزال تتجنب نقاط العبور عبر البحر الأحمر والتي تقع في نطاق هجمات الحوثيين”، مضيفاً “ويبدو أن الحوثيين أنفسهم لم ينحنوا بعد هجمات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي المسيرات التي نُظمت خلال عطلة نهاية الأسبوع في العاصمة اليمنية صنعاء، هتف أنصار الحوثيين: “نحن لا نهتم ونجعلها حرباً عالمية”، قبل أن تقدم القوات المسلحة يوم الاثنين الماضي، على ضرب سفينة حاويات تملكها وتديرها الولايات المتحدة في خليج عدن.
أسباب فشل الحملة الأمريكية على اليمن يضعها الباحث في معهد العلوم السياسية في باريس لوران بونفوا، في إطار قوة ارتباط اليمنيين بالقضية الفلسطينية بما يمكن “الحوثيين” من الاستثمار في هذه القضية، ويقول “إنهم يحصلون على ما يريدون، وهو الظهور كأجرأ لاعب إقليمي عندما يتعلق الأمر بمواجهة التحالف الدولي، الذي يؤيد إسرائيل إلى حد كبير ولا يهتم بالناس في غزة، وهذا يولد شكلاً من أشكال الدعم لهم، على المستوى الدولي وكذلك الداخلي”. وبحسب الباحث الفرنسي فإن “التعاطف مع الفلسطينيين يتجاوز الصراع الداخلي والخصومات التي تقسم اليمن، وبالتالي فإن الحوثيين يحشدون بعض النوايا الحسنة حتى من اليمنيين الذين لا يدعمونهم. علاوة على ذلك، حتى أعداؤهم المعلنون، بما في ذلك حكومات السعودية والإمارات، تجنبوا تأييد الحملة الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين، محذرين من التصعيد. وقدرة الحوثيين الآن على الصمود أمام الضربات الجوية الدولية هي ريشة أخرى في قبعاتهم”.
وفي سياق متصل بتفسير أسباب فشل الحملة الأمريكية على اليمن لدفعه إلى فك الحصار عن السفن المرتبطة بالكيان المؤقت في البحر الأحمر، تنشر صحيفة “الكونفيدينسيال” الإسبانية تقريراً تستعرض فيه ما تصفه هزيمة الولايات المتحدة في الحرب ضد الحوثيين في اليمن، مؤكدة أن “الهجمات الأمريكية لن تتمكن من ترهيب المسلحين والمتمرسين لأنهم قاتلوا لسنوات ضد السعودية والإمارات”.
وإذ تشدد الصحيفة على خسارة جو بايدن الحرب قبل أن يبدأها، تعدد مجموعة من الأسباب لذلك أبرزها: أنه “في التحالف البحري الذي أنشئ تحت اسم “حارس الازدهار”، لا توجد سوى دولة عربية واحدة، وهي البحرين الأصغر في الخليج. في حين أن هذه العملية لم تحظ بالدعم، حتى لفظياً، من السعودية أو الإمارات، أعداء الحوثيين الذين كانوا في حالة حرب معهم. كما لم تشمل مصر أيضاً على الرغم من الأضرار الاقتصادية الهائلة الناجمة عن الانخفاض الوحشي في حركة الملاحة البحرية عبر قناة السويس”. وفي سياق متصل غاب بعض حلفاء أمريكا الأوروبيين، مثل إسبانيا فرنسا وإيطاليا، ولم تشارك سوى دولة واحدة من دول الاتحاد الأوروبي، وهي هولندا.
وتعتقد الصحيفة الاسبانية أن الهجوم الأمريكي على أهداف في اليمن أدى عملياً إلى “زيادة التوتر في المنطقة، ولا شك أنه سيؤدي إلى تدمير بعض العتاد الحربي للحوثيين، لكن لن يكون لديهم نقص في الأسلحة. كما أن القوات التي قاتلت لأكثر من خمس سنوات ضد السعودية والإمارات لن تستسلم بعد الهجوم الأول ولديها خبرة حربية وهي مجهزة بشكل أفضل الآن، بل إنها تمتلك صواريخ باليستية مضادة للسفن”.
فشل الحملة العسكرية الأمريكية على اليمن يؤكده أيضاً الباحث الكسندر ستارك من معهد “راند كوربوريشن”، الذي نقلت عنه مجلة “فورين أفيرز” قوله “أحببنا أم كرهنا، فقد حصل الحوثيون على دعم محلي وإقليمي لربطهم العمليات بالبحر الأحمر بما يجري في غزة. وفي النهاية، لن تعالج هذه الخيارات التهديد الذي يمثله الحوثيون على المصالح الأمريكية، لكنها الأفضل من الخيارات السيئة، وليس أمام الولايات المتحدة إلا خيارات سيئة بسبب تعاملها الفاشل مع اليمن على مدى العشرين عاماً الماضية.. وعليها التعلم من أخطاء الماضي، فمحاولة الإطاحة بالحوثيين عسكرياً، لن تؤدي إلا إلى مزيد من الدمار على حياة الناس العاديين.
بدورها تؤكد صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقرير أعده إريك شميدت، أن ثلاثة أرباع القدرات القتالية لدى “الحوثيين” لا تزال سليمة، على الرغم من الغارات التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها فجر الجمعة الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه وفقاً للتقدير الرسمي للغارات فإن 90% منها الغارات استهدفت أهدافاً سبق أن قصفت، مضيفة أن التقييم يكشف عن التحدي الخطير الذي تواجه إدارة بايدن وحلفاؤها وهي تحاول احتواء ومنع الحوثيين من ضرب السفن التجارية. وأضافت الصحيفة أن العثور على أهداف الحوثيين أصبح صعباً، وأكثر تحدياً مما توقع المخططون الأمريكيون.
خاتمة
فتحت الولايات المتحدة الأمريكية مساراً متصاعداً من الضغوط العسكرية على اليمن، اعتداءات متواصلة يقابلها اليمنيون بالرد بما يناسبها. وفي تطوير الردود عبر استهداف السفن الأمريكية بشكل مباشر، رسالة استعداد يمنية بتحمل كلفة المواجهة مع الأصيل في الصراع، الذي اختبأ خلف السعودية والإمارات خلال السنوات الماضية في حرب هدفت إلى تقسيم اليمن وتفتيته، قبل أن تصل إلى نتائج معاكسة تماماً تحولت معها البلاد المستضعفة إلى لاعب في المعادلات الدولية، لن يستطيع قرار واشنطن إعادة وضع حركة أنصار الله على لائحة الإرهاب في احتواء مفاعيل هذا التحول.