إعرف عدوك

هل ترتكب إسرائيل جريمة تدمير جماعي في غزة؟

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

سلوك الجيش يخلق الانطباع بأن التدمير المتعمد لمدينة غزة ومحيطها هو أحد الأهداف غير المكتوبة للحرب. يقول سكان غزة: “غزة تُقتلع من جذورها”. ويقول اللواء يائير جولان: “سيطرت على الجيش ثقافة إطلاق النار لأنها ممكنة، ثقافة الانتقام”. 

إن الإبادة الجماعية هي أكثر من مجرد جريمة حرب. يتم تعريفها على أنها “جريمة الجرائم”. منذ الحرب العالمية الثانية، هناك إجماع واسع النطاق على أن العمل الذي يهدف إلى إبادة شعب أو مجموعة عرقية، هو أسوأ من أي جريمة حرب أخرى. وهذا التشخيص موجود في القانون الدولي، وفي “معاهدة روما” التي أنشئت على أساسها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وأيضاً في الرأي العام العالمي.

ولكن ماذا عن إزالة أو محو مدينة؟ فهل هناك خطورة مفرطة في هذا أيضاً تتجاوز جرائم الحرب “العادية”؟ وبقدر ما يهمنا: هل يمكن اعتبار هدم مدينة غزة ومحيطها جريمة خطيرة في حد ذاتها، جريمة تدمير منازل، جريمة سكن، منزل؟.

وغزة مدمرة بالفعل. وفقاً للبيانات التي تم تقديمها في 13 ك 1 في اجتماع “مجموعة مأوى فلسطين”، وهي هيئة تضم منظمات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، فإن 26% من الوحدات السكنية في شمال قطاع غزة دمرت بالكامل، وتعرضت 62% أخرى لأضرار جزئية.، بمجموع 88%.

وفي مدينة غزة نفسها، تم تدمير 16% من الوحدات السكنية بشكل كامل، وتعرضت 59% أخرى لأضرار جزئية، أي ما مجموعه 75%. وفي المناطق الوسطى، خانيونس ورفح، كانت الأرقام أقل، خاصة من حيث الدمار الكامل، لكن ذلك كان قبل أن يزيد الجيش الإسرائيلي عملياته هناك. وفي المجمل، وبحسب هذه البيانات، فإن حوالي 70% من إجمالي الوحدات السكنية في قطاع غزة – 305,000 وحدة سكنية من أصل 439,000 – تضررت كلياً أو جزئياً.

هذه البيانات، التي تعتمد على تقديرات المنظمات المختلفة (استخدمت بيانات وزارة الإسكان في حكومة حماس فقط فيما يتعلق بمساحة الوحدات السكنية في القطاع)، تتوافق مع تقديرات مؤسسات دولية أخرى. وبحسب تحقيق أجرته وكالة أسوشييتد برس للأنباء، نُشر الأسبوع الماضي واعتمد على خبيرين أمريكيين شاركا في تحليل أضرار الحرب، وبحسب صور الأقمار الصناعية، فإن الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بغزة خلال شهرين ونصف من القتال تتجاوز ما ألحقته سوريا والقوات الروسية في حلب بين عامي 2012 و2016؛ وعن الدمار الذي أحدثه الروس في ماريوبول في عام 2022؛ وحتى عن الدمار النسبي الذي لحق بالمدن الألمانية بسبب قصف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وقال أحد الخبراء، كوري شار، الذي تابع الدمار في حلب وماريوبول: غزة الآن لها لون مختلف عن الفضاء.  في المجمل، وفقاً للخبيرين، فقد حددا اضراراً في 56 مدرسة كانت بمثابة ملاجئ للسكان الذين غادروا منازلهم، وفي 110 مساجد وثلاث كنائس.

وكما هو الحال مع تحقيق وكالة أسوشييتد برس، أفاد تحقيق أجرته صحيفة “واشنطن بوست” الأسبوع الماضي عن حدوث أضرار في 70% من الوحدات السكنية في قطاع غزة. وقال خمسة خبراء، قاموا بتحليل صور الأقمار الصناعية، للصحيفة، إن جميع المستشفيات الـ 28 في شمال قطاع غزة تعرضت للقصف، وتم إسقاط ما يقرب من 17 قنبلة تزن 900 كجم أو أكثر، قربها مما يؤدي إلى تدميرها. ونقل المقال عن رئيس وفد منظمة “أطباء بلا حدود” إلى فلسطين

وقال بالاكريشنان راجاغوبال، مقرر الأمم المتحدة عن الحق في السكن وأستاذ القانون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لصحيفة الغارديان قبل حوالي أسبوعين إن الدمار في حلب وماريبول وتدمير مجتمعات الروهينجا في ميانمار أثار الحاجة إلى إنشاء فئة “قتل المنازل”، تدمير الفضاء الحضري، باعتباره جريمة ضد الإنسانية، حيث لا توجد اليوم إشارة مباشرة إلى مثل هذه الحالة في القانون الدولي. وقال إن ما يحدث الآن في غزة يزيد من هذه الحاجة. وقال راجاغوبال: “علينا أن نتعامل مع الأعمال العدائية التي يتم تنفيذها مع إدراك أنها ستتسبب في تدمير منهجي وأضرار لمساكن المدنيين والبنية التحتية وتجعل مدينة بأكملها، مثل مدينة غزة، غير صالحة للسكن بالنسبة للمدنيين”.

(البن غفيرية) تسربت إلى الجيش

لم ينشر الجيش الإسرائيلي بيانات تتعلق بحجم الدمار الذي سببته عملياته في غزة. وعلى أية حال، فمن الصعب جداً حساب ذلك. وذكرت إسرائيل أن سلاح الجو نفذ 22 ألف ضربة في الفترة من 7 ت1 إلى منتصف ك 1، ولكن يجب أن يضاف إلى هذا بالطبع قصف المدرعات والمدفعية والبحرية خلال المعارك، وكذلك عمليات التدمير الواسع النطاق الذي قام به سلاح الهندسة. وكتبت صحيفة “وول ستريت جورنال” نهاية الأسبوع أن إسرائيل استخدمت حتى منتصف ك1 “29” ألف قنبلة وقذيفة وذخيرة في قطاع غزة، مقارنة بنحو 3678 قنبلة وقذيفة استخدمها الجيش الأمريكي في العراق بين عامي 2004 و2010.

سياسيون وشخصيات عامة مختلفة، من اليمين وليس فقط من اليمين، جعلوا من تدمير مدينة غزة أحد أهداف الحرب. وهكذا، على سبيل المثال، اقترح عضو الكنيست تسفي فوغل من عوتسما يهوديت يوم الأربعاء الماضي فقط “تحويل شمال قطاع غزة بأكمله إلى منطقة استيطان يهودية”. غزة كان يجب أن تمحى كلياً. ووصف اليميني يوآف سوريك على موقع “هشيلوح” كيف سيكون شكل شمال قطاع غزة عام 2027.

الشيء الوحيد الذي سيبقى منها، بحسب سوريك، هو متحف في ذكرى النكبة التي سيقام على أنقاض مخيم جباليا للاجئين، اقترح رجل الأعمال أورين دوبرونسكي، نجم برنامج الواقع “أسماك القرش”، “تدمير غزة من أساسها” وتحويلها “إلى أشهر موقف سيارات في العالم”. وانتشر هذا المنشور عالمياً على نطاق واسع.

لم تتبن إسرائيل الرسمية فرضية تدمير مدينة غزة، لكن سلوك الجيش يخلق الانطباع بأن التدمير المتعمد للمدينة ومحيطها هو في الواقع أحد الأهداف غير المكتوبة للعملية في غزة. ليس فقط الدمار الذي يحدث نتيجة القنابل المصممة “لتليين” الأهداف قبل دخول القوات البرية إليها أو الدمار الذي يحدث أثناء المعركة. فقد واصل الجيش عمليات تدمير مكثفة حتى بعد إعلان “السيطرة العملياتية” على مناطق مختلفة في شمال قطاع غزة.

يقول اللواء يائير غولان: “من ناحية، هناك صعوبة عملياتية حقيقية هنا. القتال في هذه المنطقة المكتظة بالسكان هو عمل خطير وصعب للغاية. ومن ناحية أخرى، ثقافة إطلاق النار لأنها ممكنة استولت على (الجيش)، وهذا مؤشر غير لطيف إلى حد ما على القدرة القتالية للجيش الإسرائيلي. لكي تكون منضبطاً وهادئاً، حتى في حالة المواجهة والقتال، عليك أن تكون محترفاً للغاية، وما ترونه الآن هو دليل على وجود جيش غير محترف، ولم يتدرب كثيراً في السنوات الأخيرة.

ويحدد غولان ثقافة “إطلاق النار من أجل إطلاق النار” سواء في مقتل المحامي يوفال كاستلمان في القدس أو في مقتل المختطفين الثلاثة في غزة: بإنها ثقافة الانتقام. ويقول غولان: “لقد اخترقت (عقيدة بن غفير) الجيش الإسرائيلي”.

ويقول غولان إنه لا يعتقد أن “الفكرة المنظمة كانت تدمير أكبر عدد ممكن من المنازل، حتى لا يكون لهم مكان يعودون إليه”، وأن الدمار في غزة هو في الأساس نتيجة “نظرة لا مبالية”. الوضع أنتم (حماس) جلبتموه على أنفسكم، وهذه هي النتائج.

لكن في كلتا الحالتين، إذا أضفنا إلى الدمار الجهود الرامية إلى “دفع” سكان مدينة غزة وضواحيها البالغ عددهم 1.1 مليون نسمة إلى جنوب قطاع غزة، ومنع عودتهم خلال فترة التهدئة في بداية ك 1، وفي المستقبل المنظور، ليس من غير المعقول القول إن إسرائيل “حولت غزة إلى صحراء”، كما قال الصحفي أكرم عطا الله، المولود في غزة ويعيش في لندن، وأن 37 من أصل 40 عضواً في عائلة الزوجة قتلوا جراء القصف بعد فرارهم من جباليا إلى وسط قطاع غزة.

وقال ضابط إسرائيلي للصحفي نير غونتز الذي كان يقيم مع قوة الجيش في شمال قطاع غزة الأسبوع الماضي: “سيكون من الخطأ السماح للمواطنين بالعودة إلى هنا، إذا عادوا فستكون كارثة”.

الموقع المدني الذي لا يخدم القتال ليس هدفاً مشروعاً

من أكثر مقاطع الفيديو المرتبطة بالحرب تفجير البرلمان الفلسطيني، في 15 ت2، بعد يومين من سيطرة قوات الجيش عليه و”تطهيره”. في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أطلق عليه اسم “برلمان حماس”، لذلك كان يستحق التفجير، لكن “لم يهتم أحد (في غزة) بالبرلمان، لأنه لا يوجد برلمان. ولم تجر انتخابات في فلسطين منذ 2006، كان مجرد مبنى”، يقول باسل الصوراني، الباحث في “المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان”، من سكان غزة، الذي كان متواجداً في المدينة خلال الخمسين يوماً الأولى من القتال حتى غادر القطاع مع عائلته إلى القاهرة.

حتى لو تم استخدام البرلمان للحرب، فبمجرد تطهيره، فإنه لا يعود هدفاً مشروعاً، يقول المحامي مايكل سبارد، الخبير في قوانين الحرب وحقوق الإنسان. إن التمييز بين الهدف المسموح به في الهجوم والهدف غير المسموح به يكمن في مسألة ما إذا كان المكان يستخدم لأغراض قتالية ويخدم المجهود العسكري بالمعنى الضيق، وحتى في هذه الحالة ينبغي فحص التناسب واتخاذ الاحتياطات اللازمة للحد من خطر إلحاق الأذى بالمدنيين. إن الموقع المدني الذي لا يخدم القتال ليس هدفاً مشروعاً.

كتب عاموس هرئيل في “هآرتس” أن تفجير البرلمان تم “بمبادرة محلية”، ولم يحظ بموافقة رئيس الأركان. ولكن حتى لو كان هذا صحيحاً، فإن تفجير البرلمان لم يكن حادثاً منعزلاً. وبعد أيام قليلة من انفجار مبنى البرلمان، انتشر في غزة مقطع فيديو لانفجار مبنى المحكمة، والذي أهداه مقاتلو الكتيبة 8173، بحسب الفيديو، لضحايا مجزرة السابع من ت1. “لن ننسى ولن نغفر” جاء في التسجيل بالفيديو.

كما تم تفجير الحرم الجامعي الضخم لجامعة القدس المفتوحة، “تخليداً لذكرى جميع الذين سقطوا في عملية السيوف الحديدية”، كما سمع في التسجيل. وأضاف أحد الجنود: “لا يوجد شيء مثل الجيش الإسرائيلي في العالم، يا له من إغلاق للدائرة.” قبل أن يتم تفجيره، كان الجيش قد استولى بالفعل على الحرم الجامعي وحوله إلى مكان يعيش فيه الجنود، لذلك ومن المؤكد أنه في وقت تفجيره لم يكن من الممكن استخدامه كمنشأة عسكرية لحماس

يقول رونان سايدل من منظمة “كسر الصمت”: “نعلم من العمليات السابقة أن الجيش يدمر المنازل التي أقام فيها الجنود”. ساد هذا جداً في عملية الجرف الصامد ولم نتمكن من معرفة السبب. ففي نهاية المطاف، كان الجنود بداخلها، ولم تكن مفخخة”. ويقول سيدل إنه في العمليات السابقة، شهد الجنود أن جزءاً من التدمير كان يهدف إلى “إظهار النتائج للجمهور الإسرائيلي، وإظهار أن الجيش “يعمل”. وحتى الآن، لم تتلق “كسر الصمت” شهادات من جنود الحرب الحالية.

كما عانت المباني العامة الأخرى، مثل مركز رشاد الشوا الثقافي وقصر الثقافة حيدر عبد الشافي، وهما معقلان للثقافة العلمانية في غزة، من مصير مماثل لمصير الجامعة المفتوحة. وقد تم قصف المسجد العمري، أقدم مسجد في غزة والرمز التاريخي للمدينة، لأنه، بحسب الجيش، “كان يستخدم كبنية تحتية للإرهاب وتم العثور على فتحة نفق فيه”.

ولكن إذا كان من الممكن اعتبار البرلمان والمحكمة وحتى الجامعة المفتوحة “رموزاً حكومية” لحماس، أو على الأقل “مباني قوة” – فإن الضرر الذي لحق بها، وفقاً لتحقيق يوفال أبراهام كان يجب أن يدفع السكان إلى الوقوف ضد حكومة حماس – يقوم الجيش بتدمير المباني التي تخدم الجمهور، مثل المدارس والمباني الخاصة، كشكل من أشكال “العقاب” على العثور على معدات قتالية أو فتحات أنفاق فيها.

هكذا، على سبيل المثال، تم نشر فيديو لتفجير مدرسة في الشجاعية، عثر فيه على “أسلحة وعبوات ناسفة وفتحات أنفاق”، وبحسب المقطع الصوتي المرفق بالفيديو. “ليعلم شعب إسرائيل ولتعلم كل أمم العالم أن هؤلاء هم أعداؤنا وأنهم يربون أطفالهم بهذه الطريقة”.

وفي مقال على القناة 13، قال المقدم شمعون عوركافي، من لواء الهندسة 601، أثناء قيامه بتفجير منزل في شمال مدينة غزة، “سنواصل تدمير البنية التحتية بأعلى معدل نعرفه… “هكذا سيتم تحديد كل منزل في غزة نجد على أنه بنية تحتية لحماس”. وقال المعلق العسكري للقناة ألون بن دافيد، كاتب المقال، في الاستوديو إن الجيش لديه الإذن بـ “تفجير أي منزل به صندوق بريد لحماس”.

كان التدمير يهدف أيضاً إلى “تشكيل” المشهد الطبيعي في غزة ليتناسب مع خطط الجيش. وهكذا، على سبيل المثال، قبل نحو أسبوع، قام الجيش بتفجير 56 منزلاً في الشجاعية. وقال قائد اللواء 828 في التوثيق المنشور: باي باي شجاعية الله يرحمها، وهنا يبدأ النصر. وبعون الله، ستتمتع بإطلالة على البحر”، قال قائد آخر في توثيق آخر لنفس الحدث، في إشارة إلى المستوطنات المحيطة بغزة، والتي من شأن إزالة الصف الشرقي من المنازل في الشجاعية أن توفر لهم المشهد المطلوب.

الدمار الهائل يقول للناس: لا يمكنكم العودة أبداً

قال الصوراني في مقابلة عبر تطبيق زوم من القاهرة: “في بيت حانون وبيت لاهيا هناك تدمير لمدن بأكملها. لقد تمت تسوية هذين المكانين بالأرض، ولن يتمكن سكان هذه المناطق من العودة. هذا الدمار الهائل يقول للناس: لن تتمكنوا أبداً من العودة، وسيتم تخصيص هذه الأماكن للمستوطنين الإسرائيليين، أو ستستولي عليها الدولة كما في الضفة الغربية أو ستكون مناطق عسكرية.

الصوراني، الحاصل على درجة الماجستير في القانون الدولي من لندن، ينشط كما ذكر في منظمة المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان التي أسسها والده الدكتور راجي الصوراني. وانتقدت هذه المنظمة بشدة كلا من حماس والسلطة الفلسطينية. وبعد بدء الهجوم على غزة، فر هو وعائلته من منزل إلى منزل. وحاولوا الهروب جنوباً بسيارتهم، لكنهم تخلوا عن ذلك بعد أن رأوا جثثاً ملقاة على جانب الطريق، وحذرهم من يقودون السيارة أمامهم بضرورة العودة خوفاً من إطلاق النار الإسرائيلي. وفي النهاية، وبعد كابوس دام 50 يوماً، تمكنوا من الوصول إلى رفح ومنها إلى القاهرة.

يقول الصوراني: “إن خوفي الأكبر كفلسطيني، وخوف معظم من يعيشون في جنوب قطاع غزة أو في القاهرة، هو من أن لا نتمكن من العودة إلى غزة”. أنا واثق من أنك لو سألت 99% من الغزيين سيقولون لك ليس الموت هو ما يؤلمنا الآن، بل التهجير القسري، وحقيقة اننا نمر بنكبة ثانية. الظروف التي نشأت تجبرك على الخروج من منزلك، ليس لديك خيار، إذا كنت تريد أن تعيش. إنه أسوأ شعور على الإطلاق.

ويقوا الصوراني، الرسالة التي ينقلها الدمار الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي في غزة، هي أن هذه المنطقة (غزة) ليست مناسبة للسكن البشري. إنها حقا غير جديرة بالسكن. لا توجد مستشفيات ولا مدارس ولا طرق.

ويقول أكرم عطا الله، الذي دُمر منزله الواقع غربي جباليا بالقرب من شاطئ البحر، بشكل كامل، أشياءً مماثلة. هذا انتقام وليس حرباً. ويضيف عطا الله، المعروف بكتاباته الناقدة عن حماس: “غزة يتم اقتلاعها. الأمر لا يقتصر على المنازل. لقد تم تدمير كل الشوارع، كل البنية التحتية – الكهرباء والصرف الصحي والمدارس والجامعات. ما علاقة حماس بأنابيب المياه؟ إذا عاد الناس، فلن يتمكنوا من العيش هناك. غزة صحراء. لقد دمروا الحياة في غزة. في الحرب، يمكنك العيش بدون مدرسة، بدون جامعة. بعد الحرب يجب أن يذهب الأطفال إلى المدرسة، وأنت بحاجة إلى جامعة.

يقول الصوراني إن شاباً من غزة، يُدعى شكري فليفل، ينشر كل يوم مقاطع فيديو على موقع إنستغرام تظهر الدمار في مدينة غزة. ويقول (فليفل) إن معظم المباني التي لم يتم هدمها بعد، سيكون هدمها إلزامياً لاحقاً، لأنها لن تلبي المتطلبات الضرورية ليعيش الناس فيها.

هل تعتقد أن التدمير كان ممنهجاً أم أنهم أطلقوا النار بحرية؟

كلا الأمرين. هذا أمر منهجي، لأنه حتى لو سمحوا لنا بالعودة، فإنهم يريدون منا أن نكرس كل تفكيرنا لكيفية استعادة غزة من أجل العيش فيها. يريدون منك أن تنسى حقك في تقرير المصير، وفي الدولة الفلسطينية، وحقوق الإنسان الأساسية، والقدس، وما يحدث في الضفة الغربية، منذ انتهاء الاحتلال. سيكون همك الوحيد هو كيفية السماح لكمية صغيرة من الخرسانة بدخول غزة، وكيفية الحصول على الطعام.

في جامعة الأزهر، المعروفة بحسب الصوراني بأنها معقل لفتح، عُلقت صورة كبيرة لياسر عرفات، ففجروها، ويتساءل الصوراني: “لماذا فجّروا المحكمة التي تشمل قاعات المحاكم؟ إنها مجرد قاعات”. عقاب جماعي لكل الفلسطينيين. (يريدون) أن يدفع الفلسطينيون الثمن. إنهم يريدون منا أن نكره أنفسنا، ونكره معارضتنا، ونلوم قادتنا. أعتقد أن هذا هو الهدف.

الشاطئ بأكمله، كل الفنادق التي كانت في شارع الرشيد، تم قصف معظمها. مسجد الحسينة، أجمل مسجد في مرسى غزة، تم قصفه. لماذا؟ لأنهم لا يريدون ترك أي شيء جميل في غزة، ولا ذكرى جميلة.

ويوضح المحامي سيفارد أن الإضرار بمبنى مدني لا توجد حاجة عسكرية لتدميره هو جريمة حرب، ويقول سيفارد: “محو مستوطنة وقرية ظاهرة مختلفة”، في إشارة إلى تصريحات تقرير الأمم المتحدة حول الحاجة إلى معالجة “مذبحة المنازل” بطريقة خاصة.

لهذا السبب أجد سبباً لقول إن عمليات الهدم واسعة النطاق، التي تهدف إلى تحويل منطقة مدنية مأهولة إلى منطقة لا يمكن العيش فيها، ينبغي تعريفها على أنها جريمة ضد الإنسانية. إنها وسيلة للقضاء على المجتمع، لخلق وضع يتم فيه تدمير مساحة معيشته، ومثل هذه الممارسة لها خطورة خاصة.

لا أعرف أمر العملية، لكن الحقائق التي تظهر من غزة تثير شكوكا قوية في أن الجيش ينفذ خطة تدمير واسعة النطاق لجعل مناطق واسعة من غزة غير صالحة للاستخدام للسكان المدنيين، ولجعل مناطق بأكملها غير صالحة للسكن. فالواقع الذي خلقه الجيش ينقل العبء عليه ويلزمه بتفسير أفعاله وتقديم الإجابات

ويقول الصوراني إن هناك أشخاصاً في غزة يعتقدون أن هجوم حماس في 7 ت1 كان خطأ، ويقولون “كان ينبغي أن نعرف ماذا سيكون رد الفعل، ولنتوقف “. لكنه يتابع: “البعض يقول: لا، واصلوا القتال، لا تستسلموا أبداً. أعتقد أن الأغلبية مع الرأي الثاني. إذا بقيت إسرائيل في غزة، فلن تجد نفسها أمام 2.3 مليون شخص، بل ستجد نفسها أمام 2.3 مليون انتحاري.

ويردد غولان كلام الصوراني ويقول: “الزمن سيحدد ما إذا كنا قد كويناهم في عقولهم (الفلسطينيين) حتى لا يحدث هذا مرة أخرى، أو إذا فتحنا حسابا دموياً لن يؤدي إلا إلى تشجيع حالات مماثلة. وإذا كنت لا تستطيع معرفة المستقبل، فارجع إلى النقاش الداخلي، وما يفعله بنا، ما يفعله بنا بشكل سيء للغاية على المدى الطويل.

ننسى كم من الفلسطينيين قتلوا في العمليات السابقة، الرصاص المسكوب، عمود سحاب، الجرف الصلب وهذا جزء من العمى. “لقد وجهنا لهم ضربة ساحقة”، وكل كلمات (أفيف) كوخافي البليغة، تسأل نفسك على ماذا بنيت هذه الكلمات البليغة؟ كنا بحاجة إلى أن نفهم أن الشعب الذي تلقى “الرصاص المصبوب” و “الجرف الصامد” لا يفكر بالطريقة التي اعتقدنا أنهم يجب أن يفكروا بها. هذا يزيدهم فقط صلابة. لم أكن قائداً للقيادة الجنوبية، لذلك لم أتعامل مع الأمر كثيراً. لكنني اعتقدت أن سياسة الرد لدينا كانت غبية، فهي لا تردع أحداً.

الصوراني ليس مهتماً كثيراً بفئة “مذبحة المنازل”. بالنسبة له، ما يحدث الآن في غزة يطابق بالفعل تعريف الإبادة الجماعية. ويقول إنه وفقاً لنظام روما الأساسي، الإبادة الجماعية تعني “الأفعال المرتكبة بقصد التدمير، ك ثلاثة من شروط هذا التعريف، حسب رأيه، متوفرة فيما يتعلق بالعملية الإسرائيلية في غزة:

قتل أعضاء المجموعة؛ إلحاق ضرر جسيم، جسدي أو عقلي، بأعضاء المجموعة؛ وفرض ظروف معيشية محسوبة على المجموعة عمداً لتحقيق تدميرها المادي. كلياً أو جزئياً، على مجموعة قومية أو دينية أو إثنية

في البداية قلنا إنها إبادة جماعية، والآن نقول إنها إبادة جماعية، هذا ما يقوله فيما يتعلق بموقف منظمته ومنظمتين فلسطينيتين أخريين لحقوق الإنسان، الميزان والحق.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه اللهجة القاسية، فإن الصوراني متفائل. ويقول: غزة بالنسبة لي هي المكان الأفضل. درست في بريطانيا، وعشت في الخارج، وقال لي كثير من الناس: هل أنت مجنون؟ هل تريد العودة إلى غزة؟ لكن بالنسبة لي، كانت غزة دائماً هي الأولوية الأولى. البحر، الناس، الطيبة، الابتسامات رغم الألم، والأشخاص الذين، رغم كل المعاناة، ما زالوا يريدون أن يعيشوا. الطعام المذهل. إنها بالنسبة لي أجمل مدينة في العالم، وستظل كذلك بعد كل الدمار والجرائم المرتكبة. أنا متأكد من أن الناس لن يستسلموا أبداً، وسوف يعيدون بناءها وسيجعلونها جميلة مرة أخرى.

وجه موقع سيحا مكوميت إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عدة أسئلة: هل اقوال ضباط الجيش بشأن تدمير كل منزل في غزة حيث يتم العثور على مواد قتالية أو فتحات أنفاق هو سياسة عقابية، أم أن له أهمية عملياتية؛ هل سياسة القصف؟ العقوبة، إن وجدت، تنطبق أيضاً على المباني العامة مثل المدارس في الشجاعية وغيرها من الأماكن التي تم العثور فيها على أسلحة أو أعمدة؛ هل يتطلب تفجير “رموز الحكومة” مثل البرلمان أو المحكمة موافقة الاركان العامة؟ ام تم ذلك بمبادرة محلية؟، ولماذا تم تفجير حرم جامعة القدس المفتوحة، رغم وجود جنود هناك من قبل؟ وبالتالي فمن المرجح أن يكون قد تم تطهيرها بالفعل؛ هل كان تفجير المنازل الـ 56 في الشجاعية قد تم، للسماح بـ “منظر البحر”، وبالتالي يشكل عقاباً جماعياً؛ وهل مقبول على الجيش التفسير القنوني الذي مفاده أن الموقع المدني الذي لا يخدم القتال ليس هدفاً مشروعاً؟

لم يجب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على معظم الأسئلة المحددة، وقال بأن “الجيش الإسرائيلي يقاتل حالياً منظمة حماس الإرهابية القاتلة في قطاع غزة، والتي تضع نشطاءها وأصولها العسكرية بشكل منهجي وسط السكان المدنيين، وتدير القتال من بيئة مدنية وتستخدم المدنيين دروعا بشرية.

كجزء من تدمير القدرات العسكرية لحماس، تنشأ حاجة عملياتية، من بين أمور أخرى، لتدمير أو مهاجمة المباني التي تضع فيها المنظمة الإرهابية البنية التحتية القتالية. وهذا يشمل أيضاً المباني التي حولتها حماس بانتظام لأغراض قتالية، مثل المباني التي يتم فيها حفر الأنفاق. وقد تم حفر فتحات الانفاق كجزء من الشبكة العسكرية المتفرعة تحت الأرض، وفي الوقت نفسه، تستخدم حماس عسكرياً بشكل منهجي المباني العامة التي من المفترض أن تستخدم لأغراض مدنية، بما في ذلك المباني الحكومية والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الطبية والمباني الدينية. كما كشف الجيش الإسرائيلي مراراً وتكراراً خلال الحرب، فإن استيعاب واستخدام حماس في البيئة المدنية واسع النطاق وغير مسبوق، حيث تم تحويل أحياء بأكملها في قطاع غزة، وأحياناً مع جميع المباني فيها، إلى مجمعات قتالية. تشمل الكمائن وشقق القيادة والسيطرة ومستودعات الاسلحة والأنفاق القتالية ونقاط المراقبة ومواقع إطلاق النار والمنازل المحاصرة والمتفجرات في الشوارع، وتدور معارك عنيفة ضد قوات الجيش الإسرائيلي من هذه المباني منذ بداية المناورة البرية.

وأضاف: “الجيش الإسرائيلي ملتزم بالقانون الدولي ويعمل بموجبه، ولا يتبع سياسة “العقاب”. ويتم تحويل التقارير والشكاوى حول الأحداث غير العادية التي وقعت أثناء القتال إلى اجهزة التحقيق التابعة للجيش الإسرائيلي.

موقع سيحا مكوميت – ميرون ربوبورت