هامش ثقافي

الذات والحديث عن الجمال

بقلم غسان عبد الله

وأتى أفلاطون فارتبطت فلسفة الجمال لديه بالميتافيزيقا من خلال نظرية المُثُل، وعند أفلاطون اختلط الجميل بالجليل، فالخير هو المثال الخالص الذي يحوي مزيجاً من الجمال والتناسب والصدق، ولهذا فإن الجمال لدى أفلاطون يتأرجح بين علو ما بعد الطبيعة والأخلاق.

وإذا اطلعنا على تطورات فلسفة الجمال لاحقاً لا شك بأننا سنجد فلاسفة ومدارس تستحق الإشادة بأعمالها وبمحاولاتها، ومنها ما بحثه كانط حول الحكم الجمالي واختلافه بحيثيات سابقة وبأنه قبلي وسابق على ما يدور في الذهن، ولكن محاولة كانط تعريفية أكثر منها تفصيلية.

وعلى الرغم من بروز الأعلام الفلاسفة والمدارس التي اهتمت بفلسفة الجمال فإنه يلاحظ أنها حصرت الجمال في فلسفة الفن دون غيره من مجالات طبيعية تتصل بفكرة الجمال اتصالاً وثيقاً وما تستحقه من دراسة إلى جانب الخلق الفني وذلك لما لها من نطاق واسع في تجلي الحس الجمالي وكذلك تأثير أولي على محاكاة الفنان في أعماله.

البحث عن فكرة الجمال

 لكي نبحث عن فكرة الجمال نحتاج إلى مدخل، والمدخل باتجاهين: اتجاه يتعلق بمعنى كلمة جمال، والثاني يتعلق بفهم اختلاف الموقف الجمالي. أما البحث عن المعنى فهو يدور حول الحس الإنساني المشترك لما تعنيه كلمة جمال، وهل من الممكن أن يقابل هذا الحس مفهوم منطقي لتحديد معنى؟ أم أن المعنى يظل إحساساً وشعوراً دون تحديد؟ ولكي نصل إلى مفهومنا ننتقل إلى المدخل الثاني في البحث وهو أن الموقف الجمالي إما أن يكون طبيعياً وإما أن يكون فنياً، والموقف الجمالي الطبيعي هو ما يتعلق بظواهر الطبيعة المتباينة وما تحدثه من أثر جمالي، والموقف الجمالي الناتج عن عمل فني هو ما يتعلق بما يقوم به الفنان من خلق عمل جديد. ولكن إذا وقف إنسان أمام جمال ما طبيعياً كان أم فنياً فلديه فكرة ذاتية باطنة في أعماقه هي أقرب للشعور الخالص وعند التقاء هذه الفكرة بالإحساس تتولد لديه فكرة ظاهرة وهي التي تمكنه من إدراك المعنى الجمالي للموقف، وربما اختلف هذا الإدراك بين الموقفين الطبيعي والفني وربما تماثل الإدراك بينهما إلا أنه من النادر حدوث تماثل بين الموقفين وذلك بسبب أن العمل الفني سواء كان محاكاة لطبيعة أو كان خلقاً جديداً فهو بالتالي يرتبط بفكرة مختلفة وحس مختلف يؤدي إلى معنى جمالي مختلف وتجربة جمالية مختلفة. ولهذا نرى أن فكرة الجمال تتنوع تنوعاً لا نهائياً بقدر تنوع المعاني التي يتم إدراكها بين أفراد البشر، وبقدر تنوع التجارب الشعورية المتباينة المصاحبة لهذا الإدراك. وإذا كانت محاولة وعي الفكرة بالتحليل والمفهوم تعتبر محاولة جريئة نظراً لتجاوزها بحث الإشكالات الأساسية لفكرة الجمال ذاتها، ومهما كانت تداعيات وتبريرات وعي فكرة الجمال وما تلاقيه من محاولات صعبة فإن الفكرة تثبت حقيقة الذات من حيث تباين أفكار وشعور وتجارب الأفراد على الرغم من تماثل المواقف الجمالية.

ولو كان الوجود فقط للموضوع الخارجي لما كان هناك اختلاف في أفكار البشر نحو الموقف الجمالي  نفسه، وأيضاً لو كان الجمال يتعلق بالحس فقط لما كان هناك اختلاف بين البشر حيث إن أدوات الحس متماثلة وكذلك فإن العمليات الحسية مشتركة، لذا فالمعنى الجمالي ذاتي داخلي ينبع من فكرة باطنة تتمظهر بحس جمالي إزاء أي نوع من الجمال سواء كان طبيعياً أو فنياً وباختلاف أنواع الطبيعي والفني، فالجمال الطبيعي وجد أصلاً فهو إما مادة أو إنسان أو حيوان أو نبات أو ظاهرة وإدراكه بالحس المباشر لا يمكن أن يؤدي إلى اختلاف في الشعور والمعنى الجمالي، وكذا إدراك الجمال الفني وهو ما تم خلقه بعمل فني، وهذا العمل إما صورة فنية بحتة كاللوحة التشكيلية أو النحت وقد يكون هنا جزءاً من المحاكاة أو إبداعاً منفرداً مما له أثر على التقاء الفكرة بالحس، وقد تكون الصورة الفنية صناعية وتحمل جانباً جمالياً بجانب هدفها الوظيفي، وإما أن يكون العمل ما تم خلقه بلغة تحمل الأثر الجميل كقصيدة أو رواية أو نثر أو نص مسرحي، وفي هذا النوع بالذات ما يؤكد سبق الفكرة على الحس ومن ثم انتقال الحس الأداتي إلى حس جمالي يعبر ظاهرياً عن الفكرة، وباختلاف أنواع الموقف الجمالي فإن انطلاق الفكرة الباطنة من شعور الإنسان والاستعانة بالحس للتعبير عن هذه الفكرة  هو ما يعطي للموقف الجمالي معناه الخاص لدى الإنسان المعني بالتجربة ما يثبت وجود الذات وحقيقتها المستقلة ودورها في المعرفة بصفة عامة وإن كان استناداً على شعور باطني يتعلق بفكرة جمالية.