إقليميات

إباءُ “غزّة” دلَّ العالم على “فلسطين”

بقلم زينب عدنان زراقط

بايدن “كم طفلاً قتلت اليوم”؟! إنّها صورة مُحتجّين أمام الملأ ونقلاً على الهواء يقاطعون كلمة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ويستنكرون إجرامه في حربه على “غزّة”، ومشهدُ عائلات الأسرى الإسرائيليين وهم يصرخون في الكنسيت أن “على نتنياهو أن يخاف ويبكي، عليه أن يشعر وكأنّ ابنته موجودة هنالك في أنفاق غزة هل كان سيتركها ويقول إن هنالك ثمناً باهظاً؟”..

ورؤية شقيق أحد الجنود الإسرائيليين يتهجّم بالضرب على الوزير “بني غانتس” أثناء مراسم الدفن، وهتافات أعضاء من الكنسيت من داخل جلستهم “المقاومة ضدّ الاحتلال الملعون شرعية، أنتم أغبياء صوّتوا لأجل السلام بين الشعبين، والاعتراف بالحقّ الشرعي للفلسطينيين بإقامة دولة إلى جانب إسرائيل”، وحشود المتظاهرين الدائم أمام منزل “نتنياهو” المطالبة بصفقة فورية لتبادل الأسرى، إنما هي ضغوطٌ داخلية لا تقلّ بخطورتها عن ضغط المواجهات في غزة ولا حتى عن الحدود الشمالية، فهل تنهار إسرائيل على يدِ مستوطنيها وتتفكّك منظومتها السّياسية منذرةً بحربٍ أهلية؟ فهل يلجأ الاحتلال الصهيوني لاقتراح “حلّ الدولتين” كي يستنقذ كيانه من خطر الانهيار والاتهام العالمي بإجرامه؟.

إسرائيل.. انهيار داخلي!

بعد مرور أكثر من 110 أيام على معركة طوفان الأقصى، لا يزال السؤال المطروح “ماذا بعد طوفان الأقصى؟” بلا إجابة واضحة وحاسمة، نتيجة خلط الأوراق من جديد مع كل عمل عسكري في غزة وفي منطقة غرب آسيا، لكن على الرغم من ذلك بدأت تتكشّف بعض اتجاهات الرؤى السياسية، وإن كانت غير متماسكة بسبب انعكاسات الميدان اليومية وتأثيرها على أي تسوية سياسية، فضلاً عن أن موعد انتهاء الحرب غير واضح أصلاً، في ظل اختلاف حسابات أطراف اللعبة والخلافات الحادة داخل المعسكر الأمريكي – الإسرائيلي.

في تاريخ الحروب والأزمات الوطنية تتلاشى جميع الخلافات وتتوحد الجبهات، ومن الحالات الشائعة في الدول الاستبدادية، أن الزعيم المستبد حينما يستشعر ببوادر انقلاب عليه، فإنه يحاول اصطناع أزمة وطنية كبرى كي تتوحد البلاد وتخف وطأة الغضب عليه.

بينما شاهدنا في الكيان وسط أزمة وجودية حقيقية أن الخلافات تستعر بين السياسيين وأن المظاهرات تخرج ضد قائد الحرب، وأن القائد يتهم أجهزته بالفشل ويتهرب من المسؤولية، وهي حالة تدل على الوضع البائس الذي وصل له الكيان من غلبة المصالح الشخصية ومحاولات الخلاص الفردي، وكذلك عدم قناعة المجتمع بقادته وعدم انخراطهم في مشروع وطني جامع.

لقد وصلت الخلافات السياسية والفجوات بين مستويات الاحتلال إلى حدّ اعتبار “الحرب الأهلية” أمراً وارداً بل وقريباً وسط استمرار الاحتجاجات في “تل أبيب” ضد هذه الحكومة ومخططاتها لا سيما على المستوى القضائي. وقد صرّح رئيس الكيان “اسحاق هرتسوغ” في وقت سابق، أن “إسرائيل تواجه انقساماً عميقاً سيمزّق الشعب”. ذلك بالإضافة إلى العديد من مخاوف كبار مسؤولي الكيان من عقدة العقد الثامن إذ لم تعمّر “دولة يهودية” في التاريخ. وبهذا كانت حرب “غزة” المساهم الفعلي في شرخ الكيان الغاصب سياسياً واجتماعياً وأمنياً.

هل تنتهي الحرب بدولةٍ فلسطينية؟

لم تقتصر إنجازات غزة في منطقة الإقليم وحسب، بل إن الإنجاز الثقافي العالمي الذي أنجزته “غزّة” أنه وبمظلوميتها وصمودها وكفاحها وتضحيتها بالأرواح والمهج وبذلها الغالي والنّفيس، قد ساهمت في مناصرة القضية الفلسطينية عالمياً. فقد تكوّنت المناصرة الشعبية العالمية من المدنيين الذين يدافعون عن القضية الفلسطينية على المستويات المحلية أو الوطنية أو الدولية. وهي عبارة عن منهاج مجتمعي تكوّن بطريقة منظّمة وتراكمية لمواجهة المشروع الإسرائيلي ولتحفيز التغيير في السلوكيات والمواقف الشخصية والجماعية تجاه القضية الفلسطينية. وظهرت المناصرة الشعبية العالمية منذ الأيام الأولى لحرب غزّة وخصوصاً بعد مجزرة مستشفى المعمداني، التي كشفت للعالم وحشيّة الاحتلال الإسرائيلي وتعمّده لارتكاب الإبادة الجماعية بحقّ أهالي غزّة… تبلورت بالدعم غير المسبوق للقضية الفلسطينية في العالم واستعداد معظم المنخرطين في حركة التضامن لتبني النموذج المناهض للفصل العنصري، الذي ساعد سابقاً في إسقاط هذا النظام في جنوب أفريقيا؛ إضافة إلى حركة مقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها.

وهذا ما وضّحه الإمام السيد علي الخامنئي منذ أيام في قوله إنه “قد روّج أهالي غزة الإسلام من خلال صمودهم، فالباحثون عن الحقائق حول العالم، يبحثون عن سبب مقاومة المقاتلين الفلسطينيين في الساحة، ما هي حقيقة الإسلام؟ لقد عرّفوا الإسلام إلى شعوب العالم..”. وإنّ هذا لأمر هام جداً، إضافة إلى تأطير “إسرائيل” كدولة فصل عنصري من قبل المنظمات غير الحكومية المحترمة مثل منظمة العفو الدولية “أمنستي”، و”هيومن رايتس ووتش” و”بيتسيلم”..، في فترة جديدة يُحوّل الضغط من المجتمع إلى الحكومات”.

وبالتالي هل يفرض العالم بمناصرته لـ “غزة”، مُقترحَ حلّ الدولتين، رضوخاً أمام الرأي العام العالمي؟ في هذا السياق أفاد “عامي أيالون” الرئيس السابق لـ “الشاباك” في مقابلة مع لوموند – صحيفة فرنسية شهيرة -، إن “الحرب في غزة لا يمكن الانتصار بها”، وحذّر من اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية. مؤكداً أن إسرائيل ينتظرها ما هو أسوأ من 7 أكتوبر 2023 إذا رفضت السلام. مُضيفاً، أنّ “أي مجتمع يعاني من الخوف، يعطي الأولوية للأمن على حساب الحقوق، خصوصاً إذا لم تكن حقوقه، بل حقوق الآخرين، وحقوق الأقليات”.

في الختام، هناك مأزق كبير أمام الأمريكي؛ لكن تداعيات الحدث هي خسارة غير مباشرة تستطيع الولايات المتحدة تجاوزها، أما بالنسبة لـ “إسرائيل” فالتداعيات مباشرة وهي لن تستطيع تجاوزها. فالهدنة فرصة للولايات المتحدة و”إسرائيل” معها للاختيار بين “خسارتين” أو اختيار “الخسارة” الأقل كلفة. فهل وصلنا فعلاً إلى مفارقة “حلّ الدولتين” أم الاستمرار بالحرب حتى الانهيار التام لإسرائيل؟.