المقاومة حفظت السّلاح وحمت لُبنان
بقلم زينب عدنان زراقط
هو النّصر الذي وعدنا به سيدنا الأقدس سماحة السيد حسن نصر الله، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ وكان وعد الله مفعولا، وكان جمهور المقاومة رمزاً للتضحية والصمود والفداء.
فما تحقق في لبنان هو نعمةٌ، يومٌ من أيّام الله قد فشل العدو الإسرائيلي فيه وخيبت آماله، انهزم ومن خلفه دولٌ عُظمى من أمريكا وبريطانيا وأخرى في أوروبا وكثُرٌ من العرب، على يدِ فئةٍ قليلة من المقاومة اللبنانية.
معيار الانتصار العظيم الذي قدّره الحقّ تعالى لحزب الله والذي خضع له العدو ما كان ليكون إلاَّ بفعل ضربات المقاومة التي كانت تُصيب أهدافها العسكرية بدقّةٍ، مُرغمةً أكثر من مليون مستوطن في عاصمة الكيان – تل أبيب – الاختباء بالملاجئ وهجرة نحو 100 ألف للخارج، دون استطاعة جيش العدو من تحقيق أيّ انجاز ميداني من شأنه أن يضعف المقاومة أو يوهن شعبها، مما أخضع العدو على شطب كل شُروطه والموافقة على وقف إطلاق النّار دون شرطٍ أو قيدٍ.
الاستسلام الإسرائيلي أمام “حزب الله”
في الليل الحالك والبرد القارس، وبانتظار الفجر من يوم الأربعاء، لم تغفُ عين المحبين ليلتها حيثُ باتوا الليل في سياراتهم ليشدّوا الرحال صوب الجنوب والبقاع وغيرها إلى الضاحية منذ لحظة سريان وقف إطلاق النّار عند الساعة الرابعة بعد منتصف الليل، فمنهم من وصل الدار فوجده ومنهم من أدى ركعتي شكرٍ بعد فريضة الفجر من على رُكام بيته…
رئيس الوزراء “نتنياهو” الذي رفع خارطة إقليمية تحدّث فيها عن صورة شرق أوسط جديد من بعد تدمير ترسانة صواريخ “حزب الله” وطحن المقاومة وإنشاء منطقة عازلة عند الحدود مع لبنان، وإعادة السكن والأمن والأمان لمستوطني الشمال، لم يحقق شيئاً منها، وخرج من الحرب مجبراً تِبعاً لأوامر الأمريكي الذي كفِله في المحافل الدولية وعلى صعيد الإمداد العسكري والاستخباراتي والترتيبات اللوجستية حتى الرمق الأخير، فانتشله الأخير من أيدي المقاومة اللبنانية وهو يتلفّظ أنفاسه الأخيرة… – حتى باتت كلفته أكبر بكثير مقابل صفرٍ من إنجازاته -.
راهن العدو على ما قد ألحقه بحزب الله من ضربات موجعة ومؤلمة واستهدافه للقادة أنه قد هيأ الأرضية اللازمة لإلحاق هزيمة كاملة بحزب الله. فكانت أحلام الإسرائيلي وطموحاته في لبنان، تدمير حزب الله ونزع سلاحه وأن لا يبقى للمقاومة الإسلامية أي وجود في لبنان وأن لا تبقى للجهاد أي راية، فتحلو له الأرض ويستبيحها بمن فيها. أمدّته أمريكا بشتى أنواع الأسلحة ولم تميّز بين المحرمة دولياً أو المباحة في الحروب، حتى الأسلحة الجديدة وغير المجرّبة استخدموها، بصواريخٍ كانت تصيب الأبنية فتبلعها الأرض محدثةً فجوات سحيقة، وغيرها كانت تفجّر الأرض وتفوّرها كالبركان، معالمُ عمرانية قد اختفت من على الخارطة ومفقودوين لم يُعثر لهم على أثر، وفي ليلة اغتيال الأمين العام، – الشهيد الأقدس – السيد حسن نصر الله، قُدّر وزن المتفجرات بأنه أثقل مما استخدمه الأمريكان في حرب العراق كلّها!!
هذا هو العدو الإسرائيلي، “الأوهن من بيت العنكبوت”، قاتل بأثقل أنواع السلاح رجالَ الله بأسلحتهم المتواضعة – وما أظهروه كان بعض بأسهم -، كان الجيش الإسرائيلي كلما أراد التقدّم برّاً، يمسح الأرض بالطيران والصواريخ ويستطلعها بالمسيرات وبعد التأمين مئة في المئة كان يحاول التقدّم برّاً، – فبحسب قول جندهم – “كان المقاتلون يخرجون علينا من الأرض ومن السماء من بعد تفجيرها وإحراقها بالكامل، إنهم كالأشباح”! وللتغطية على خسائره الميدانية، كان بنك أهدافه الاغتيالات والبيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة ليُنكّل بها ويروّع، رمى للفتنة وشغّل القرصنة الالكترونية من كل الجبهات – من الخليج والداخل والخارج – إلا أن النداء بقي يصدح، – لبّيك يا نصرُ الله وهيهات منّا الذّلة! -. ولكلّ مَن ما يزال يحاول الاستهانة بالنصر أو التبخيس به، نقول لهم بأنّنا نحمد الله ونشكره بأن شعب المقاومة هو من ضحّى وصمد وبذل وفَقَد وتهجّر وتألم وتعذّب وجاع وعطش.. نعم التمسنا مرّ العيش من أجل إحقاق الحق وحفظ العرض والأرض والعيش حياة الأحرار لا العبيد، وانظرونا شامخين بالتضحيات فرحين بدم الشهداء الذي روى الأرض لينبت نصراً وعزّاً… والتاريخ سوف يسجّل بإقرارٍ من العدو نفسه، بأن حزباً قد انتصر نصراً إلهياً سيُدرّس للأجيالِ بعد الأجيال في كل العالم!.
في الأخير رضخ العدو لشروط المقاومة وعُمِلَ على اتفاق يكاد يكون نسخة “مخفّفة” من بنود القرار 1701، الصادر عام 2006، محصور بمنطقة جنوب الليطاني، ولا يوجد أي ذِكر لمناطق شمال النهر، باستثناء الحديث عن انتشار الجيش اللبناني على المعابر -علماً بأن الجيش اللبناني موجود -. ولا يأتي الاتفاق على ذِكر أي دور للقوات الدولية (اليونيفيل)، بما يخص الصلاحية الأمنية في جنوب لبنان، بل يحصر الأمر بالجيش اللبناني. وفيما ما يزال أعداء الداخل يموتون غيظاً وهم يرددون على أن “حزب الله” يجب أن يسلّم سلاحه، الاتفاق يخلو من أي صيغة حول نزع سلاح الحزب أو تفكيك ترسانته خارج جنوب الليطاني، لا تصريحاً ولا تلميحا.
مستوطنو الشمال لم يعودوا والاسناد مُستمرّ
في المقلب الآخر، بينما كان يتدافع سكان القرى والبلدات جنوبي لبنان في العودة إلى بيوتهم بمجرّد سريان وقف إطلاق النار، – ثقةً بمقاومتهم – يتحدّث الإعلام الإسرائيلي عن قلق وخوف المستوطنين من العودة إلى مستوطنات الشمال الحدودية، وسط “خيبة أمل يعيشونها”، من الحكومة الإسرائيلية. “القناة الـ 12” العبرية أشارت إلى “مشكلة ثقة كبيرة جداً بين مستوطني الشمال والجيش الإسرائيلي”، إضافةً إلى أنّ “أحداً لم يعالج الواقع في الشمال منذ أكثر من سنة”. وأضافت أنّ “الحكومة تطلب من المستوطنين العودة إلى الشمال”، لكن “ليس هناك مكان للعودة إليه”. ونقلت القناة عن مستوطنة من “المطلة” قولها: “نحن مجاورون للبنان، لذلك يجب على الجيش الإسرائيلي القيام بالكثير من أجل إعادة الشعور بالأمان إلى السكان”. ولفتت “القناة الـ 12” إلى “خيبة أمل كبيرة لدى مستوطني الشمال بعد الاتفاق مع لبنان، بالإضافة إلى معضلة أنّهم بنوا حياة خارج مستوطناتهم، فيما يُمثّل العام الدراسي مشكلة إضافية”. وفي الإطار، رأت المستشارة الاستراتيجية، إييلت فريش، أنّ “إسرائيل ارتكبت خطأً استراتيجياً عبر الهستيريا التي سادت في الشمال، وإخلاء ما يقارب 100 ألف مستوطن”.
توليفة الختام، إسرائيل بعد مُضيّ عام ونيّف على عدوان غزة دون استطاعتها القضاء على فصائل المقاومة ولا فرض سيادتها على الأرض وفي المنطقة، عجزت في جبهة لبنان بعد أقل من 60 يوماً، ولم تستطع إحراز أي تقدم برّي فيها. حزب الله وضع بصمته الشريفة في الصفحة الأولى بدماء أبنائه وقادته ومجاهديه الشهداء ولم يقف مكتوف الأيدي أو متفرجاً على إبادة أهل غزة، ولو أن بقية العرب والمسلمين اتخذوا موقفاً ضد العدوان الإسرائيلي – ولم تقدم له التسهيلات والدعم – لكان الوضع الآن مختلفاً بلا شك.
جبهات الاسناد لن تتوقّف من محور المقاومة، لا من العراق ولا من اليمن وعلى رأسهم قائد الثورة الإسلامية في إيران، وأما غزة فإنها على موعدٍ قريبٍ من النّصر والحسم ان شاء الله، وأما الرد الإيراني فهو متحقّق لا محالة بالتوقيت الذي تختاره القيادة العليا في البلاد.
أمّا في الإطار الداخلي نطرح السؤال المفتوح وهو: هل ستسمح المقاومة من بعد تجاربها السابقة مع الحكومة اللبنانية وبتسليمها لزمام الفصل بالقرارات الدولية الخارجية التي تُعنى بإصلاحات البلد، وتسويفها كل المشاريع السابقة التي تقدّمت للبنان من مشاريع كهرباء والامدادات وتغيير الطرقات والتعاون بالطاقة وحتى الهبات المجانية من التزويد بالفيول من أيام الحصار السابقة وانقطاع الكهرباء جميعها لأنها كانت مقدمة من الإيراني والصيني -على أنهم أعداء أمريكا- فأُمليَ على الحكومة بوجوب رفضها، أم أنها ستلتزم بزمام المبادرة وتُكسر إملاءات الأمريكي ولا يسمح بفرضها ويحقّق ما فيه الخير للبنان وشعبه؟!.