وقف إطلاق النار هدنة مؤقتة ولا ينهي الحرب
بقلم توفيق المديني
في الحرب الصهيونية الأخيرة على لبنان يتباهى رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية في خطابه الإعلامي والسياسي بتسويق انتصاراته العسكرية في لبنان من خلال ما قام به جيش الاحتلال الصهيوني من إنجازاتٍ في المواجهة العسكرية مع حزب الله..
حين يقول إنَّه كبدَّه خسائر فادحة، باغتياله عدداً كبيراً من قياداته السياسية والعسكرية، على رأسها أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله، فضلاً عن تدمير جزء كبير من بنيته التحتية المالية والاجتماعية بشكل متواصل، واستهداف حاضنته الاجتماعية في لبنان، وإعادته عملياً لما بعد الليطاني، فضلاً عن ثبوت تحقيقه اختراقاً أمنياً واستخباراتياً لصفوفه، وهو ما ثبت بعمليات الاغتيال وتفجير أجهزة البيجر وغيرها. كما أسفرتْ الحرب الأمريكية – الصهيونية على لبنان إجمالاً عن 3 آلاف و823 شهيداً و15 ألفاً و859 جريحاً، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلاً عن نحو مليون و400 ألف نازح، بحسب البيانات اللبنانية الرسمية المعلنة.
وما زال الصهاينة يصدرون تفسيراتهم لاتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، بين مرحب به، كونه يمهد الطريق لعودة عشرات آلاف المستوطنين إلى مستوطناتهم في الشمال الفلسطيني المحتل، ومتحفّظ عليه لأنَّه لم يسفر عن تسجيل هزيمة بحزب الله، ورافض له كونه لم ينجح في استثمار ما يصفونها بـ “الإنجازات” العسكرية، وتحويلها إلى نتائج سياسية.
صمود المقاومة فرض على العدو الصهيوني القبول بالهدنة
السؤال الذي يطرحه المحللون والخبراء، ما هي الدوافع التي جعلت نتنياهو يقبل بوقف إطلاق النار، وهو المنتشي بانتصاراته التكتيكية؟.
في وقائع الحرب الأمريكية – الصهيونية على حزب الله التي ألحقت دماراً كبيراً به، لم يحقق العدو الأمريكي – الصهيوني أهدافه على الجبهة الشمالية لفلسطين المساندة لحركة المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس في غزَّة، فلم تستطع القضاء على حزب الله وتجريده من أسلحته على الرغم من اغتيال قيادة الصفّ الأول فيه، وفشل فشلاً ذريعاً في المواجهة العسكرية مع حزب الله في جنوب لبنان.
فقد تصدت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله على مدى شهرين لقوات جيش الاحتلال الصهيوني التي توغلت برّاً في لبنان، حيث دارت مواجهات عنيفة بين حزب الله وقوات الاحتلال على مختلف المحاور، خصوصاً في مدينة الخيام، حيث أفشلت المقاومة مخططات الجيش الصهيوني باحتلالها، وتصدت المقاومة لمحاولات العدو التقدم برِّياً في عند محور بلدة شمع طير حرفا.
وكبدت المقاومة قوات الاحتلال خسائر كبيرة تجاوزتْ الـ 120 جندي وضابط ومستوطن صهيوني، كما أنها دمرت عشرات الدبابات والآليات المختلفة. وضربت صواريخ حزب الله قواعد الاحتلال في “تل أبيب” وفي حيفا وفي معظم مدن الشمال، ووصلت بصواريخها إلى قاعدة أسدود البحرية على بعد 150 كلم عن الحدود اللبنانية. ونفذت عدة ضربات نوعية، وأبرزها عملية استهداف منزل رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو في قيساريا، وقاعدة بلماخيم ومعسكر تدريب للواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا، حيث جرى استهداف الجنود في غرفة طعامهم. ومن الأهداف التي قصفتها المقاومة مقر الكرياة في “تل أبيب”، الذي يضم مقرّ وزارة الحرب وهيئة الأركان العامّة الإسرائيليّة، وغرفة إدارة الحرب، وهيئة الرقابة والسيطرة الحربيّة لسلاح الجو.
بشهادة كل المراقبين، وحتى القيادات الصهيونية العسكرية والسياسية، أصبح جيش الاحتلال الصهيوني يواجه مأزقاً استراتيجياً في الحرب على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، من جرَّاء الاستنزاف البشري والعسكري المتواصل في صفوفه، وفشله في تحقيقه أحد أهداف الحرب مع حزب الله ألا وهو إعادة المستوطنين الصهاينة إلى ديارهم في شمال فلسطين المحتلة. بينما صمد لبنان شعباً ومقاومة وقاتلوا العدو الصهيوني، وعاد اللبنانيون إلى قراهم وبلداتهم ومزارعهم في جنوب لبنان مرفوعي الرأس، وليقولوا للعدو الصهيوني (وزّ عينك نحن هنا).
وهذا الوضع هو الذي حتم على نتنياهو القبول بوقف إطلاق النار. إنَّه الميدان العسكري الذي نجحت فيه المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله من كسر شوكة وجبروت آلة الحرب الصهيونية المدعومة من قبل الإمبريالية الأمريكية. فالمقاومة الفلسطينية في جنوب فلسطين والمقاومة اللبنانية في شمال فلسطين صمدت في الميدان، وقالت للعدو الصهيوني المحتل أنت وجيشك عبارة عن مرتزقة ومجرمي حرب ومعادين للإنسانية في خدمة أهداف الإمبريالية الأمريكية، أما نحن فننتمي إلى هذه الأرض التي نسكنها منذ آلاف السنين، فنحن في فلسطين و لبنان وسوريا والعراق، أهل المكان والزمان و المستقبل.
انكسار هيبة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر
فالحرب بين جيش الاحتلال الصهيوني وفصائل محور المقاومة في جنوب فلسطين وشمالها، خلقت أزمة وجودية لهذا الكيان الصهيوني، الذي يُعَدُّ قاعدةً عسكريةً استراتيجية متقدمة للإمبريالية الأمريكية في المنطقة، متحفزة على الدوام في مواجهة العرب الذين تفرض عليهم سياسة العدوان والتوسع واحتلال الأراضي، وهو ما استدعى في هذه الأيام صورة أخرى عن تلك الممالك التي أقامها الصليبيون في المشرق العربي (1099 -1291)، وكانت تشكل في حينه بؤراً للعدوان والاحتلال إلى أن تم تحرير بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي، وطرد الفرنجة من بلاد العرب والمسلمين. وكانت تلك الممالك أيضاً محكومة بالزوال ما دامت جسماً غريباً في المحيط الكبير العربي الإسلامي، ولا يختلف وضع “إسرائيل” اليوم عن تلك الممالك الصليبية.
لقد أدّى الفشل الذريع لجيش الاحتلال الصهيوني في حرب لبنان الثالثة (خريف 2024)، وحرب لبنان الثانية (تموز 2006) إلى انهيارٍ مشهود في هيبة الجيش الصهيوني، مشابهٍ لما أحدثته حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973. فالجيش الذي طالما كان منبعاً للعزّة الوطنية تكلّله انتصاراته على أعدائه العرب، بات هدفاً لجميع الانتقادات. والفشل الذي لقيه في لبنان جنودٌ قيل إنهم لا يُهزَمون، في مواجهة بضعة آلافٍ من مقاتلي حزب الله غير النظاميين، قد تسبّب في رفضٍ شعبيّ للقيادة العليا.
إذا كان السلاح النووي الإسرائيلي يمتلك قدرة كبيرة على الردع في مواجهة الجيوش النظامية العربية مجتمعة، فإن إمكانية أن يصبح هذا السلاح النووي في متناول إيران أو بلدان عربية في المستقبل أصبح يؤرق وجودياً قادة الكيان الصهيوني. وفضلاً عن ذلك، فإنَّ الاستراتيجية الدفاعية للمقاومات العربية في العراق وفلسطين ولبنان باتت توازن تكنولوجيا استراتيجية الهجوم الأمريكي – الصهيوني في المنطقة، يشهد على ذلك حرب الاستنزاف الدائرة في جبهات الإسناد المتعددة (في لبنان والعراق واليمن) لحركة حماس في غزَّة. وما يزيد من رعب الكيان الصهيوني بوصفه مجتمعاً عسكرياً، هو ضمور طاقاته الحربية مع تقادم الزمن، من جراء صمود المقاومة الشعبية المسلحة في كل من فلسطين ولبنان، وفي ظل تزايد الشعور المرير الذي ينتاب الصهاينة الآن بسبب التراجع المستمر في العامل الديموغرافي الاستيطاني الذي يتغذى من يهود الدياسبورا، على الرغم من الطفرة المؤقتة لليهود الذين قدموا من الاتحاد السوفييتي بعد انهياره عام 1991.
إنَّ الصورة التي يحملها الصهاينة عن أنفسهم، كما قناعاتهم التلمودية الراسخة، قد أصيبتا بارتجاجٍ كبيرٍ ولاسيما في مجال علاقتهم بمحيطهم العربي، وتأكيد تفوق جيشهم على الجيوش العربية مجتمعة، والفكرة المغروسة عندهم أنَّه في الشرق الأوسط، القوة العسكرية هي التي يحسب لها حساب، إضافة إلى هذه القناعة، أنَّه في المواجهة العسكرية مع الفلسطينيين كما مع حزب الله، يصطف الكيان الصهيوني على نفس الأرضية الأمريكية، أي “خوض الحرب على الإرهاب”. وهكذا، فإنَّ الكيان الصهيوني الذي كان يزعم أنه ” سيعيد قدرته على الردع”، ” وإعادة رسخ الخريطة السياسية للبنان” من خلال “تصفية حزب الله”، لم يحقق أي هدف من هذه الأهداف. ومن وجهة النظر هذه، فإنَّ عدم كسب الحرب، يعني أنك خسرتها.
كبار المحللين الاستراتيجيين الغربيين و”الإسرائيليين” يجمعون أنَّ “إسرائيل” آيلةٌ إلى الانهيار، هذا ما تنطق به كل حقائق التاريخ ونواميس نشوء الكيانات المصطنعة واندثارها.
في الماضي كانت الحروب تأتي بالانتصارات لليهود وتمدهم بمزيد من الأراضي، إلا أنها لن تجلب اليوم سوى المصائب للناس قاطبة، وقد أثبتت حرب لبنان هذه المقولة.
حول آليات تطبيق وقف إطلاق النار
بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله والعدو الصهيوني في الساعة الرابعة من فجر يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024، بالتوقيت المحلي للبنان. وبحسب نسخة من وثيقة الاتفاق من رئاسة مجلس الوزراء اللبناني، فإنَّ الاتفاق يتألف من 13 بنداً.
ولفتت صحيفة يديعوت أحرنوت إلى أنَّ انسحاب القوات البرية التابعة لجيش الاحتلال الصهيوني سيكون “تدريجياً”، ومصحوباً بـ “تغطية جوية كثيفة”، على أن يشمل الانسحاب إزالة الأعلام الإسرائيلية التي نُصبت في مواقع عسكرية لبنانية ومناطق وصل إليها جنود الاحتلال خلال عدوانهم البري وسيبدأ انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني من لبنان تدريجياً، وقد يبدأ يوم الخميس 28نوفمبر2024.
وقال مسؤول أمريكي كبير، وفقاً لموقع واينت، إنه خلال هذه الفترة التي تستغرق شهرين “ستبدأ قوات الجيش اللبناني بالانتشار في الجنوب. هذه عملية لا يمكن أن تحدث بين عشية وضحاها وفي غضون أيام. الهدف منها هو منع حدوث فراغ. نحن لا نقول إنه في نهاية الـ 60 يوماً سينسحب الجيش الإسرائيلي، بل قبل ذلك. سيكون انسحاباً تدريجياً من عدة مناطق يوجد فيها الجيش الإسرائيلي. سينسحب الإسرائيليون (كلياً) في موعد لا يتجاوز 60 يوماً، وربما في اليوم الخمسين”.
وأضاف المسؤول: “على عكس الاتفاقات السابقة، وخصوصاً في عام 2006، هذه المرة هناك خريطة متّفق عليها. سيحصل الجيش اللبناني على إذن من حكومة لبنان للانتشار، وتنفيذ مهمته، وضمان انتشار جنوده في الجنوب، والتأكد من أن حزب الله ينتقل شمالاً، وإزالة جميع أسلحته الثقيلة. سيقومون بدوريات في المنطقة، وفي حال بقيت أي بنية تحتية أو أسلحة، سيضمنون إزالتها، ولن يكون من الممكن إعادة بناء هذه البنية التحتية في هذه المنطقة”.
وأضاف المسؤول الأمريكي إلى أنَّ ثمة آليات رقابة دولية ستتولاها الولايات المتحدة وفرنسا، بالتعاون مع الجيش اللبناني، لضمان التزام الأطراف بالاتفاق، مضيفاً، بحسب ما نقلته عنه الصحيفة، أنَّ “لجنة عسكرية مشتركة ستوفر الدعم التقني والمادي للجيش اللبناني لضمان تنفيذ المهام”. أمّا بالنسبة للآلية الرقابية، فأوضح المسؤول أنَّ “الولايات المتحدة وفرنسا ستنضمان إلى آلية قائمة بالفعل تشمل اليونيفيل وإسرائيل ولبنان”، مشيراً إلى أنَّ بلاده ستقود هذه الآلية، إذ “ستُرفع تقارير عن أي خروقات، وستعمل الولايات المتحدة مع الجيش اللبناني على معالجتها”.
واللافت أنَّ الآلية التي تحدث عنها المسؤول الأمريكي “لا تتضمن وجود قوات أمريكية على الأرض”. مع ذلك، “ستوفر دعماً عسكرياً للجيش اللبناني بالتعاون مع فرنسا”، إذ كما أوضح “ستشكل لجنة عسكرية مشتركة تضم دولاً أخرى، وستقوم بتوفير معدات للجيش اللبناني والعمل على تدريبه ودعمه مالياً”. وخلافاً لما انتهت به الحرب بين لبنان وإسرائيل في عام 2006، فإنه طبقاً للمسؤول الأمريكي “نحن ملتزمون بالبقاء على الأرض لمتابعة ما يحدث، خصوصاً في ما يتعلق بحزب الله أو أي تنظيمات أخرى”، واصفاً الاتفاق بمثابة “فرصة للبنان لاستعادة سيادته، بموازاة جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية”.
ردود الأفعال حول وقف إطلاق النار
أولاً: الكيان الصهيوني
اعتبر رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية نتنياهو أن أسباب وقف إطلاق النار في الشمال هي “التركيز على التهديد الإيراني، ولن أتوسع في ذلك، والسبب الثاني هو التحديث الكامل وتجديد القوات، ليس سراً، كانت هناك تأخيرات كبيرة في توريد الأسلحة، والسبب الثالث قطع الساحة وعزل حماس عندما يخرج حزب الله من الصورة، وحماس وحدها في الحملة.. سيزداد الضغط وهذا سيساعد في المهمة المقدسة المتمثلة في تحرير الرهائن”.
بدوره، قال رئيس المعارضة عضو الكنيست يائير لابيد ردا على كلام نتنياهو: “حكومة اليمين لم تطرح أي مبادرة سياسية منذ عام كامل، لذلك تم جَرُّهَا إلى اتفاقٍ مع حزب الله، دُمِرَّتْ المستوطنات، دُمِرَّتْ حياة السكان، تَآكَلَ الجيش وأنتم تُرَّوِجُونَ للقوانين، القضاء على نصر الله وتفجيرات ونجاحات عملياتية تستحق كل الثناء، لكنَّ حكومة 7 تشرين الأول/ أكتوبر لم تعرف كيفية عكسها من أجل نصر سياسي”.
ثانياً: حركة حماس
رحبت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” باتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني، قائلة إنَّ لبنان وحزب الله قدم تضحيات كبيرة. أشاد البيان الذي أصدرته “بالدور المحوري الذي تلعبه المقاومة الإسلامية في لبنان، إسناداً لقطاع غزَّة والمقاومة الفلسطينية، والتضحيات الجِسام التي بذلها حزبُ الله وقيادته، وفي مقدّمتهم الأمين العام الشهيد السيّد حسن نصر الله”. وثمنت الحركة صمود الشعب اللبناني، وتضامنه الدائم مع الشعب الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال الصهيوني وعدوانه الغاشم.
ثالثاً: الحكومة اللبنانية
اعتبر رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أنَّ وقف إطلاق النار هو “خطوة أساسية نحو بسط الهدوء والاستقرار في لبنان”. وأضاف أن هذا التفاهم هو بداية لمرحلة جديدة في البلاد، مع التأكيد على التزام الحكومة اللبنانية بتطبيق القرار الدولي رقم 1701 وتعزيز دور الجيش في الجنوب اللبناني.
رابعاً: أمريكا وفرنسا
وفي بيان مشترك للرئيسين الأمريكي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون، جاء فيه: أنَّ “الإعلان اليوم سيوقف القتال في لبنان، ويحمي “إسرائيل” من تهديد حزب الله والمنظمات الإرهابية الأخرى العاملة من لبنان”. وأضافا، أنَّ من شأن هذا الاتفاق أن “يوفر الظروف اللازمة لاستعادة الهدوء الدائم، والسماح للسكان في البلدين بالعودة بأمان إلى منازلهم على جانبي الخط الأزرق”.
خاتمة
لا شكَّ أنَّ اتفاق وقف إطلاق النار له ملحقات سريّة عديدة، هكذا عودتنا القوى الاستعمارية الأوروبية والإمبريالية الأمريكية في تعاطيها مع الاتفاقيات المتعلقة ببلدان المنطقة العربية، فالاتفاق في جزء منه يستهدف محاصرة حزب الله وكل فصائل المقاومة في لبنان سياسياً واجتماعياً، وتحويل جنوب لبنان من جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية في غزَّة، إلى مجرّد منطقة هامشية في الصراع العربي – الصهيوني. وليس خافياً على حزب الله أنَّ الهوة سحيقة بينه وبين الكيان الصهيوني، ولهذا السبب بالذات يُعَدُّ وقف إطلاق النار هدنة مؤقتة، أما الحرب فستستمر، وإنْ بأشكالٍ أُخْرَى.
فالمخطط الأمريكي – الصهيوني، يستهدف وضع لبنان تحت الوصاية الأمريكية، بهدف انتخابِ رئيسٍ لبنانيٍ جديدٍ يوقع اتفاقية تطبيع بين الدولة اللبنانية ودولة الكيان الصهيوني على غرار ما وقعت عليه الدول العربية الأربع مع الكيان الصهيوني في عام 2020، والموافقة على الحضور العسكري الأمريكي في لبنان، الذي تكمن مهمته المعلنة في مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وغير المعلنة ممارسة وصاية خفيّة على لبنان، والعمل على إعادة تنظيم وربما ترسيم الشرق الأوسط الجديد وفق استراتيجية الإمبريالية الأمريكية، على النحو التالي:
1 – أن تكون للولايات المتحدة الكلمة العليا والأخيرة في التخطيط الأمني للمنطقة باعتبار مصالحها الخاصة بما في ذلك أمن الخليج واستقراره، والسيطرة الاقتصادية الكاملة على منطقة الشرق الأوسط في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد الموسع، من خلال استغلال توافر الفوائض المالية لدى بعض الدول العربية لعقد صفقات أسلحة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج النفطية الغنية، واستدراجها لشراء ما هو غير ضروري للأمة العربية، واستنزافها في ما ليس وراءه طائل.
2- تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني وكل الدول العربية والاعتراف الرسمي به من دون منح الشعب الفلسطيني المظلوم حقوقه، ولاسيما إقامة دولته الوطنية المستقلة، على أن تؤدي اتفاقات السلام بين الدول عربية والكيان الصهيوني، بالضرورة إلى فتح الحدود والسماوات العربية أمام القوى الأجنبية: ولاسيما منها الأمريكية والإسرائيلية، بحيث يتسنّى لها الحصول على معلومات دقيقة عن الأهداف الحيوية العربية وعن القوات المسلحة للدول العربية، مما يجعل هذه القوى قادرة على تهديد الأهداف العربية الحيوية تهديداً جدياً.
3- إضعاف وتحطيم قوة الدول والقوى المنافسة كافة القادرة على إيجاد التوازن أمام هذا الكيان، ولا سيما سوريا وإيران كدولتين إقليميتين معارضتين لهذا الكيان، وفرض حصار على الدول المناوئة للسياسات الغربية عموماً والأمريكية خاصة، وحظر تزويدها بالمعدات العسكرية والأسلحة، مع ضبط وتدمير الصواريخ والقدرات النووية والكيماوية والجرثومية العربية والإسلامية.
4- فرض السلام الأمريكي – الصهيوني على العرب من خلال تسوية استسلامية أُحَادِية ومجحفة على سوريا لكي تتنازل عن مرتفعات الجولان المحتلة، وفي حال رفضت الدولة الوطنية السورية ذلك، يتم تقسيمها وإسقاط النظام فيها.
نقل عن أحد كبار الخبراء الاستراتيجيين الصهاينة أنَّه يرى أنَّ “أساس الاحتلال الذي ميّز الميزان الاستراتيجي تاريخياً بين “إسرائيل” والعرب هو حقيقة أنَّ هزيمة واحدة تلحق بـ “إسرائيل” ستكون كافية للقضاء عليها، في حين أنَّ الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى العرب”، و “لا يمكن لإسرائيل أن تهدد وجود أية دولة عربية أو كيانها. لكن في مقدور العرب أن يفعلوا ذلك إذا أرادوا، ولذلك يتعين على إسرائيل أن تحتفظ بالقدرة على تلافي الهزيمة، أية هزيمة. فإذا صحيحاً أن إسرائيل متفوقة على العرب تسليحياً وعسكرياً وتكنولوجياً، فإن ذلك هو جانب التفوق الوحيد الذي تتمتع به، الذي لا يمكنها المجازفة بفقدانه في مواجهة وانَّ التفوق العربي التاريخية عددياً وجغرافياً وتاريخياً واقتصادياً”.