دوليات

أوريشنك” يضرب قلب أوكرانيا: روسيا تختبر عقيدتها النووية الجديدة

بقلم ابتسام الشامي

صاروخ فرط صوتي بقدرات نووية

بقراره السماح لأوكرانيا استخدام صواريخ غربية بعيدة المدى في قصف أهداف داخل روسيا، ينقل الرئيس الأمريكي جو بايدن الصراع الروسي الأطلسي إلى مرحلة جديدة من التحدي، محفوفة بخطر الانزلاق إلى حرب عالمية يكون السلاح النووي جزءاً منها. ولئن سارعت روسيا إلى الرد على استهداف أراضيها بصواريخ أمريكية وبريطانية الصنع، بصاروخ أوريشنيك الفرط صوتي، فإن توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تحديث العقيدة النووية لبلاده انطويا على الكثير من الرسائل حول المستوى الذي يمكن أن تبلغه روسيا في التعامل مع ما تعتبره انخراطاً غربياً مباشراً في الحرب ضدها، وما يعنيه هذا التشخيص من رد على مصادر التهديد بما بتناسب وحجم المخاطر المنبثقة عنه.

الدفع الأمريكي بالصراع الدائر في أوكرانيا إلى مرحلة جديدة، شخصه بوتين في خطابه إلى الأمة الروسية الاسبوع الماضي، وإذ أكد في الخطاب على تعرض منشآت عسكرية روسية لهجمات بصواريخ بالستية تكتيكية أمريكية الصنع وأخرى بريطانيا في التاسع عشر من الشهر الجاري، اعتبر هذا التاريخ محطة جديدة في تاريخ الصراع قائلاً “من هذه المحطة فصاعداً، وكما أكدنا مراراً في رسائلنا السابقة، فإن الصراع الإقليمي في أوكرانيا، والذي أثاره الغرب، قد أصبح ذا طابع عالمي”. وفي ما اعتبره رداً على التصعيد الغربي ضد بلاده، أوضح جانباً من الاستراتيجية الروسية في التعامل مع هذا التصعيد، وفي مقدمها إدخال أسلحة نوعية في المعركة، ومنها صاروخ أوريشنك الفرط صوتي، حيث حرص بوتين على الكشف عن بعض خصائصه التي تجعل أنظمة الدفاع الغربية عاجزة عن مواجهته.

تحديث العقيدة النووية

ولم يكتف بوتين بالتهديد بالأسلحة الجديدة في ضرب أهداف داخل الأراضي الأوكرانية، وإنما ذهب بعيداً في تهديد الدول الغربية التي تأذن لكييف باستخدام أسلحتها ضد روسيا، قائلاً “نعتبر أنفسنا مخولين باستخدام أسلحتنا ضد المنشآت العسكرية للبلدان التي تسمح باستخدام أسلحتها ضد منشآتنا، وفي حال تصعيد الأعمال العدوانية، سنرد بحزم وبالطريقة نفسها”. موصياً “النخب الحاكمة في الدول التي تضع خططاً لاستخدام وحداتها العسكرية ضد روسيا” بأن تنظر بجدية في قرارها. وذكّر بأن “روسيا ليست من دمّر نظام الأمن الدولي، بل الولايات المتحدة، وهي، بمواصلتها القتال والتشبث بهيمنتها، تدفع العالم كله نحو صراع عالمي”.

ويأتي استخدام روسيا صاروخ أوريشنك في استهداف مصنع أوكراني لإنتاج الصواريخ والأسلحة، تعبيراً عملياً عن تحديث العقيدة النووية الروسية. وفي ما كانت النسخة السابقة تنطلق من تشخيص أربعة مخاطر محتملة للتعامل معها نووياً، وهي:

– امتلاك “العدو” أسلحة نووية واستعداده لاستخدامها ضد روسيا

– وجود صواريخ “كروز” وصواريخ باليستية متوسطة وقصيرة المدى، وأسلحة فرط صوتية، وطائرات من دون طيار اضافة إلى أسلحة الطاقة الموجهة.

– حشد مجموعات عسكرية قرب حدود العدو المحتمل.

– إنشاء ونشر أنظمة الدفاع الصاروخي في الفضاء من قبل عدو محتمل.

فإن النسخة الجديدة من العقيدة النووية الروسية، أضافت إلى ما سبق تهديدات جديدة تتطلب ردعاً نووياً، وهي:

– إنشاء أو توسيع كتل عسكرية تضع بنيتها التحتية العسكرية قرب حدود روسيا.

– وجود نشاطات عدوانية تهدف إلى عزل جزء من أراضي البلاد.

– قيام العدو بإجراءات تؤدي إلى كوارث بيئية واجتماعية في روسيا.

– تخطيط وإجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق من قبل عدو محتمل بالقرب من الحدود الروسية.

معاني التحديث ودلالاته

تصديق بوتين على تحديث استراتيجية بلاده النووية، رافقها حملة تفسير للخطوة ودلالاتها، لاسيما من قبل الخبراء والباحثين الروس. وفي هذا الإطار رأى الكاتب في الشؤون الدولية ديمتري كيم، أن العقيدة النووية المحدثة تمنح روسيا حق الرد النووي في الحرب، كما تعني استبعاد إمكانية تحقيق نصر على جيشها في ساحات المعارك وإلحاق هزيمة استراتيجية بها. وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أوضح الكاتب أنه كان لدى موسكو في السابق مفهوم يعتمد على مبادئ العمليات العسكرية التقليدية، أي أن روسيا ستكون معنية بالرد في حال أعلنت الحرب ضدها أو استهدفها العدو بأسلحة نووية، لكن الجديد في التحديث النووي يقول كيم “إن “الغرب يشن حرباً “هجينة” على روسيا، لكنه يقدم نفسه وكأنه لا علاقة له بها. ويأتي الجواب الروسي على وجه التحديد في المفهوم الجديد للعقيدة النووية والذي ينص بوضوح على أن تلك الدول النووية وغير النووية التي تزود دولة تهاجم موسكو بأسلحتها هي أيضاً هدف”. ويرى الكاتب أنه بعد قرار بايدن السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة بعيدة المدى ضد روسيا، “باتت الكرة في ملعب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي يفترض أن يكون بحاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، وإلا فإن العالم سيواجه الحرب”.

وفي سياق متصل، يرى الخبير في العلاقات الدولية ديمتري بابيتش في تحديث العقيدة النووية الروسية رداً فعالاً على سماح واشنطن بضرب الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى عمق الأراضي الروسية. ويضيف في حديث للجزيرة نت أن “بايدن والدولة العميقة في الولايات المتحدة هم مجموعة من المسؤولين غير المنتخبين الذين يريدون إرباك الوضع في أوكرانيا، وتعطيل توجهات الرئيس المنتخب دونالد ترامب التي أعلن عنها في أوقات سابقة بخصوص ضرورة إنهاء الحرب”. وإذ أكد أنه مع التوقيع على المرسوم الخاص بتحديث الاستراتيجية النووية، “سيكون لروسيا الحق في استخدام الأسلحة النووية” من دون أن يعني ذلك أنها ستستخدمها، يشير إلى أنه “لديها ما يكفي من الأسلحة غير النووية التي يمكن أن تخلق مشاكل للمعتدين لم تستخدم بعد إلى أقصى حد، مثل القنابل الفراغية التي لا تختلف كثيراً عن الأسلحة النووية من حيث التأثير المدمر”.

خاتمة

وضع قرار بايدن السماح لأوكرانيا استخدام الصواريخ الغربية بعيدة المدى لقصف أهداف في روسيا، الصراع في أوكرانيا في مرحلة خطيرة جداً، بين حدّيها استخدام الأسلحة النووية، وتوريط العالم في حرب جديدة مع ما تعنيه هذه الحرب من كلفة بشرية واقتصادية هائلة، تعوّدت الولايات المتحدة الأمريكية أن تقطف ثمارها في النظام الدولي وإدارته، فهل تنجح هذه المرة أيضاً؟ أم أن موازين القوى وكذلك القدرات العسكرية لأعدائها ستحول دون ذلك؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *