آخر الكلام

صباحُكِ زعترٌ وَدَمُ (إلى غزة العزة)

بقلم غسان عبد الله

ويذكرُ أَنَّهم تركوهُ‏ في ظِلِّ الحصارِ يعيشُ،‏

في ظِلِّ الحصارِ يموتُ، لكنْ‏ كُلَّما قَتَلوهُ يُبْعَثُ من رمادِ الموتِ كالعنقاءِ،‏

يكبُر في الطَّريقِ إلى القدس ذلكَ الأَمَلُ الشَّفيفُ،‏ ويكبرُ الحُلُمُ.‏

هُنا في كُلِّ حبة ليمونٍ حقل..‏.. وفي كلِّ ارتعاشةِ نعناعٍ نَغَمُ‏

وَكُلِّ قصيدةٍ لاذت‏ بِدِفْءِ تُرابِها نَغَمُ‏

ونحنُ نشيدُ هذي الأَرْضِ،‏ نحنُ ضميرُها، وجراحُنا‏ فوق التُّراب فَمُ.‏

صباحُكِ زعترٌ يا غزّةَ القلب..،‏ وَمَساؤُكَ الهمومُ أُغنيةٌ‏

طواها تَحْتَ خَفْقِ جناحهِ الوَطَنُ‏

وزادُكِ حفنةٌ من أُمنياتِ العُمْرِ وارفةٌ،‏ وَنَهْرُ أَحبَّةٍ يمضي بهِ الزَّمَنُ‏

وَجُرْحٌ غائِرٌ في الصَّدْرِ:‏ شاهدةٌ بِعُمْقِ الجُرْحِ، أَوْ كَفَنُ‏

وأسماءُ الّذين نحبهم في البالِ:‏

ها هُمْ يعبرونَ القَلْبَ شاهدةً فشاهدةً،‏ وَأُمْنِيَةً فَأُمنيةً،‏

تَضيقُ عليهُمُ السَّاحاتُ،‏ ضاقَ الدَّرْبُ، ضاقَ الأُفْقُ،‏

ضاق الكوْنُ، وَاتَّسَعَ الفُؤادُ:‏ فَكَلُّ رعشةِ خافِقٍ وَطَنٌ،‏ وَكُلُّ صَبابَةٍ سَكَنُ‏

وكم أَغْرَوْا بتلكَ البَسْمَةِ الخَضْراءِ‏ عُشْبَ الرُّوحِ،‏

لحظة يَعْبرونَ الموتَ مُبْتَسمينَ،‏ كادوا يُشعلونَ الصُّبْحَ مِنْ دَمِهِمْ،‏

وكدتُ على أسايَ أميلَ كالزيتون نحو الأرض،‏

أشربُ حْزنَكِ عشقاً، ويذبحني على ثغر القصيدة ذلك الشَّجَنُ.‏

صباحُكِ زَعْتَرٌ، ومساؤُكِ المهمومُ بالانفجار المقيتِ‏ طيرٌ شارِدٌ في الظَنِّ،

مغلولُ‏.. لماذا هكذا يتأخَّرُ الأحبابُ!!؟،‏

يذبحني ببقايا الدَّارِ هذا الصَّمْتُ،‏ هذا اللَّيْلُ، هذي الوحشةُ الرَّعْناءُ،‏

يشعلني وجيبُ الصَّدْرِ،‏ ما مِنْ عابرٍ إِلاَّ ويعَرفُهُ الطَّريقُ،‏ ويشتهيهِ القَلْبُ،‏

ما مِنْ عابرٍ إِلاَّ وفيهِ من الأَحِبَّةِ ما‏ رسمتُ، وما لمحتُ، وما قرأتُ،

وَكُلَّما‏ حَدَّقّتُ في الآتينَ من خلف الظلالِ أَقولُ:‏

نكهتُهُمْ تَمُرُّ أمامَ بابِ الدَّارِ لكنْ‏

ليس لي في العابرينَ الآنَ إِلاَّ‏ ما يُظَنَّ بأنَّهُ عِشْقٌ، وتأويلُ…

مضى كلُّ واحدٍ منهم في انفجارٍ.. وأنا على أهبة الانتظار.. من جديدٍ لأي انفجارْ.