إقليميات

استشهاد الرئيس الإيراني.. الخلفيات والآفاق

بقلم: توفيق المديني

فقد تعرضتْ المروحية التي تَقِلُ رئيسي لحادثٍ في طريق العودة إلى تبريز لتدشين مشروع تحسين جودة مصفاة تبريز، وتحطمتْ في غاباتِ ديزمار الواقعة بين قريتي أوزي وبير داود في منطقة ورزقان في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران. وكان من بين ركاب الطائرة المروحية وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وممثل الإمام الخامنئي سيد محمد علي آل هاشم، ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي.

وأثار مصرع الرئيس الإيراني ووزير الخارجية في حادث تحطم مروحية صدمةً كبيرةً في العالم العربي والإسلامي، وقلقاً بشأن مستقبل إيران، وتساؤلات لدى المحللين والخبراء وأجهزة الإعلام العربية، هل إنَّ هذا الحادث هو قضاء وقدر بسبب رداءة الأحوال الجوية، أم أنَّه مدبرٌ من قبل جهة معادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

في تحليلنا لحادث استشهاد للرئيس الإيراني ومرافقيه، يمكن إدراج الأسباب التالية:

أولاَ: تحطم المروحية الناجم عن العقوبات الأمريكية

في تعليقه على الحادث، اعتبر وزير الخارجية السابق جواد ظريف، في تصريحٍ للتلفزيون الرسمي الإيراني، أنَّ “أحد أسباب هذا الحادث المفجع هو الولايات المتحدة من خلال فرضها عقوبات على بيع صناعة الطيران لطهران”. وسارع المسؤولون الأمريكيون إلى رفض هذه الادعاءات، واعتبروا “أن لا أساس لها”.

وفيما يشير التحليل إلى أنَّ العديد من الأسباب قد تكون وراء تحطم مروحية بيل 212 الأمريكية الصنع والتي تعود إلى حقبة حرب فيتنام عام 1968، مثل سوء الصيانة أو الخطأ البشري في الضباب الكثيف، يطرح أيضاً مجموعة من التساؤلات بشأن الحادثة.

هناك إجماع من قبل المحللين والخبراء أنَّ صناعة الطيران الإيرانية عانت من سنوات من الإهمال ونقص الاستثمار والعقوبات القاسية، وأنَّ حوادث الطيران باتتْ مُتَكَرِّرَةً، فضلاً عن انخفاض معايير سلامة النقل الجوي بشكلٍ مُضطردٍ. وهناك ما يقرب من 2000 إيراني فقدوا أرواحهم في حوادث طائرات منذ عام 1979، في حين قدرت شبكة “سلامة الطيران” أن الحوادث التي شملت شركات الطيران الإيرانية أدت إلى 1755 ضحية في السنوات الـ 44 الماضية.

ثانياً: المناخات الجوية

كانت ظروف الرحلة للرئيس الإيراني والوفد المرافق له محفوفة بالمخاطر، من جرَّاءِ حالة الطقس السيئة وتكثف الضباب حول القمم الوعرة والنائية التي يبلغ ارتفاعها 1800 متر على مسار الطيران المباشر. فقد تحطمت طائرة رئيسي  عندما كانت تحلق في منطقة جبلية ضبابية في شمال غرب إيران، وتساءل الخبراء عن أسباب الطيران عبر الجبال، بينما كان من الممكن تغيير المسار أو الوجهة لتحقيق مزيدٍ من الأمان.

ولذلك، ارتسمت منذ البداية علامات استفهام ضمنية حول التفسيرات المناخية التي قِيلَ إنَّها كانت السبب في سقوط المروحية، خصوصاً أنَّ هذه التفسيرات بدتْ غير متماسكةٍ ومتباينةٍ أحياناً وبما أعطى المزيد من الذخيرة للتشكيك في الرواية التي ربطت بين سوء الأحوال الجوية والحادثة، منها أنَّ الطائرة كان برفقتها طوافتان للحراسة تسيران على الخط الجوي ذاته لمروحية الرئيس إبراهيم رئيسي، وفي الحالة الجوية الضبابية الماطرة ذاتها، ومن دون أن تتعرضا لأي خطرٍ. كما كان لافتاً أيضاً الفارق بين التوصيف الأولي للحادثة على أنَّها حصلتْ نتيجة “هبوطٍ حادٍ ” للمروحية وبين التقرير النهائي الذي تحدث عن اصطدامها برأس الجبل لانعدام الرؤيا.

ثالثاً: التوتر الإقليمي بين إيران والكيان الصهيوني وأمريكا

هناك شكوكٌ حول ملابسات وفاة رئيسي، بسبب التوقيت خلال المواجهة المتصاعدة بين إيران والكيان الصهيوني والتي أثارت القلق في إقليم الشرق الأوسط وخارجه، من أن تندلع حرب إقليمية في أي لحظة بسبب الحرب في غزة.

ففي ظل أجواء التوتر الإقليمي السائد الذي تشكّل إيران أحد أطرافه، واتّهام الكيان الصهيوني والولايات المتحدة إيران، بتطوير برنامجها النووي، وسعيها  إلى الحصول على سلاح نووي أو استغلال مكانتها كقوة على عتبة إنتاج مثل هذا السلاح بسرعة، وبعد اغتيال “إسرائيل” جنرالاً إيرانيّاً كبيراً في الحرس الثوري في  القنصلية الإيرانية بدمشق، أطلقت إيران 300 صاروخ ومسيّرة على الكيان الصهيوني الشهر الماضي، حيث نسقتْ الولايات المتحدة مع “إسرائيل” والأردن والقوات الإقليمية الأخرى لإسقاطها، فضلاً عن توسيع إيران بشكلٍ كبيرٍ برنامجها الصاروخي ومدى انتشاره، في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، وتوجهها إلى امتلاك تقنيات تهدف إلى التغلب على الدفاعات الإسرائيلية، هو على الأرجح درس من الدروس المستفادة من الحرب في أوكرانيا، وقيام إيران بتسليح الحوثيين وتزويدهم بالمعلومات الاستخبارية من سفينة إيرانية واحدة على الأقل، وتوفير طهران الأسلحة والتكنولوجيا لحماس وحزب الله، وهي الجهود التي توسعت أيضاً في ظل حكم رئيسي، كل هذه العوامل زادت من احتدام المواجهات الإقليمية بين إيران و”إسرائيل”.

وهذا ما حمل البعض من المحللين والخبراء على عدم استبعاد أن تكون حادثة استشهاد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه مرتبطةٌ بأجواء هذا التوتر وتصفية حساباته، وضلوع الكيان الصهيوني في حادثة المروحية التي كانت تقل رئيسي. ويتمتع الموساد، جهاز التجسس الإسرائيلي، بتاريخٍ طويلٍ في اغتيال أعدائه، بما في ذلك في إيران، حيث قتل علماء نوويين بارزين

بينما نقل الموقع الروسي عن عالم السياسة أليكسي ماكاركين، أنَّ حالة الطوارئ بمروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قد تكون نتيجة التخريب من قبل الولايات المتحدة أو “إسرائيل” أو بعض القوى داخل إيران نفسها. وحسب ماكاركين فإن المشتبه بهم الرئيسيين هم الغرب و”إسرائيل” في ظل الهجوم على “إسرائيل” في عهد رئيسي. وأشار الخبير إلى دعم رئيسي لحماس، على الرغم من أنَّ الأمرَ لا يتعلق برئيسي فقط، في ظل تقديم آية الله العظمى الإمام السيد علي خامنئي الدعم لهذه الحركة. ولا يستبعد العالم السياسي سيرغي ماركوف تورط “إسرائيل” في الحادث. وحسب رأيه، فإنَّ جهاز الموساد ينتقم بهذه الطريقة من رئيسي لموقفه المتشدد تجاه السياسات التي تنتهجها “إسرائيل”.

وكانت دولة الاحتلال الصهيوني نفتْ أي تكنهات بشأن ضلوع محتمل في تحطم طائرة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، واستشهاده إلى جانب ركاب الطائرة. وقال مسؤول إسرائيلي لوكالة رويترز الاثنين20مايو/أيار الجاري، إنَّه لا علاقة لدولة الاحتلال بمقتل رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته: “لم نكن نحن”.

رابعاً: حرب الخلافة

والحال هذه، لا أتبنى نظرية المؤامرة التي تتحدث عن عمل أمني أدَّى إلى تحطم الطائرة الرئاسية الإيرانية. ولا يوجد أي مؤشر إلى صراعاتٍ على الخلافة أو الرئاسة في إيران، حتى يقال أنَّ طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي تحطمتْ نتيجة عمليةٍ مدبرةٍ، هذا التحليل من صنع الخيال.

لقد فاز إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية الإيرانية الـ 13، التي أُجْرِيَتْ في يونيو/حزيران 2021، ليصبح الرئيس الثامن للجمهورية الإسلامية الإيرانية.. ويُعَدُّ إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني الثاني الذي يقتل أثناء فترة الرئاسة، إذْ سبق أنْ تعرّض الرئيس الإيراني الأسبق محمد علي رجائي لعملية اغتيال في حادث تفجير مقر رئاسة الوزراء الإيرانية في 30 أغسطس/ أب 1981، في عملية نُسبتْ إلى منظمة مجاهدي خلق المعارضة، التي لم تتبناها رسمياً. وحلّ رجائي مكان الرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر، الذي كان أول رئيس لإيران بعد الثورة الإسلامية، لكنه عُزل من منصبه وهرب من إيران إلى فرنسا بشكل سري.

مستقبل السلطة الرئاسية في إيران

يمثل الرئيس السلطة التنفيذية في النظام السياسي الإيراني الذي يرتكز على سلطات ثلاث هي التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، بينما تعود الكلمة النهائية في السياسات العامة للدولة إلى المرشد الأعلى. ويتولى رئيس الجمهورية تعيين مجلس الوزراء، وتوجيهه نظراً لعدم وجود منصب رئيس للوزراء، ووضع السياسات الاقتصادية والمالية للبلاد، والإشراف على تنفيذ السياسة الخارجية.

وتنص المادة الـ 131 من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أنَّه “في حالة وفاة رئيس الجمهورية، أو عزله، أو استقالته، أو غيابه، أو مرضه لأكثر من شهرين، أو في حالة انتهاء فترة رئاسة الجمهورية وعدم انتخاب رئيسٍ جديدٍ، يتولى المعاون الأول للرئيس أداء وظائف رئيس الجمهورية، ويتمتع بصلاحياته بموافقة القيادة”، أي المرشد الأعلى. وتشير المادة إلى أنَّه “يتوجب على هيئة مؤلفة من رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) ورئيس السلطة القضائية والمعاون الأول لرئيس الجمهورية أنْ تَعُدَّ الأمور ليتم انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، خلال فترة 50 يوما على الأكثر”.

وأوكل الإمام السيد علي الخامنئي، الأحد الماضي، محمد مخبر، الذي كان نائباً لرئيسي، مهام رئيس الجمهورية. وخلال الفترة التي يتولى فيها مخبر مسؤوليات رئيس الجمهورية ويتمتع بصلاحياته، “لا يمكنه استيضاح الوزراء أو حجب الثقة عنهم، ولا يمكنه – كذلك – القيام بإعادة النظر في الدستور أو إصدار الأمر بإجراء الاستفتاء العام في البلاد”، وفقا للمادة 132.فقد تمتْ الموافقة على موعد الانتخابات الرئاسية في إيران خلال اجتماع لرؤساء السلطة القضائية والحكومة والبرلمان، حيث تقرَّرَ أنْ تجرى في 28 يونيو المقبل، بينما ستفتح أبواب الترشح أمام المرشحين للرئاسة أواخر الشهر الحالي.

وبحسب المادة 99 من الدستور الإيراني، يتولى مجلس صيانة الدستور الإشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة ورئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى، وعلى الاستفتاء العام. وفي هذا الجانب يكشف الباحث الإيراني أنَّ مجلس صيانة الدستور يبقى بمنزلة “المحكمة الدستورية” بالأنظمة السياسية الغربية، ويرجع له قرار الفصل في قبول أو رفض ترشيحات المرشحين. ويُنتخب رئيس الجمهورية مباشرة من قبل الشعب لمدة أربع سنوات، ولا يجوز انتخابه لأكثر من دورتين متتاليتين.

أسماء مرشحة

من بين الأسماء المدرجة بقوة لتولي منصب رئاسة الجمهورية في إيران، علي لاريجاني، الذي أُقْصِيَ في الانتخابات الأخيرة “ليس لسبب فيه، إنَّما لأنَّه كان منافساً قوياً أمام الخيار الأمثل بالنسبة للمرحلة” الماضية. ويُعَدُّ لاريجاني شخصية يُعتمدُ عليها داخلياً وسبق أنْ تقلدَ مناصبَ عديدةٍ وحساسةٍ في إيران، أهمها رئاسة مجلس الشورى الإيراني من 2008 إلى 2020، وأيضاً توليه منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي في الفترة ما بين 2005-2007. كما أنَّ سعيد جليلي، وهو شخصية مقربة من الإمام الخامنئي، من بين الأسماء المرشحة أيضاً. وعمل جليلي في السابق مقاتلاً بصفوف الحرس الثوري الإيراني قبل أنْ يصبحَ مفاوضاً في الملف النووي.

وكانت نسبة المشاركة في إيران في مسار تنازلي في السنوات القليلة الماضية. في عام 2016، شارك أكثر من 60% من ناخبي البلاد في الانتخابات البرلمانية. بحلول عام 2020، كانت النسبة 42%. وتعهد مسؤولون بأن تكون النتيجة أعلى في مارس – لكنَّها جاءتْ أقل بقليل من 41%.

وفي جميع الانتخابات الأخيرة في إيران، أظهر الإمام الخامنئي “استعداده لاستبعاد أي مرشحين إصلاحيين أو حتى معتدلين يُنظر إليهم على أنَّهم معارضة موالية”، وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”. وكانت النتائج واضحةً، ففي عام 2021، فاز رئيسي بأدنى نسبةِ مشاركةٍ على الإطلاق في انتخاباتٍ رئاسيةٍ، بنسبة 48%.

خاتمة: رحم الله الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، فقد كانا شخصين أساسيين في تطوير العلاقات مع روسيا والصين، وفي تقديم كل الدعم لفصائل محور المقاومة ضد العدو الصهيوني. وفي عهد رئيسي، قطعت إيران شوطاً عظيماً نحو إبرام اتفاقية استراتيجية مع الصين. والآن مع رحيل الاثنين يكون الإيرانيون مطالبين بان يعثروا، وبسرعة، على رئيسٍ جديدٍ يكون ذا مزايا وقدرات عملية لإدارة السياسة الخارجية في ظل بداية أفول النظام الليبرالي العالمي الأمريكي المتوحش.